الاثنين، 7 ديسمبر 2009

اليمن المطلوب تغييره (الفصل الأول: الفقر الشامل)

"لقد استبدلنا الغاز بالحطب من الجبل، وبمبة دفع الماء بالدلو والعجل، والسيارة بالجمل، والماء تنقله النساء على رؤؤسهن في غالب القرى والعزل، ولم نعد نفكر في البناء أو شراء الفلل. ونحن في اليمن ودولة الشلل، لا دخل ولا عمل، وأعرف أشخاصا وتعرف مثلهم بيوتهم عطل، حتى من البصل."

من رسالة معايدة للمؤلف بعث بها الأستاذ احمد المنيعي من محافظة

مأرب في يوم 30 سبتمبر 2008

يمكن النظر إلى الفقر الشامل على انه الغياب الشامل للتنمية..فهو فقر في الغذاء.. فقر في التعليم..فقر في المعرفة..فقر في الصحة..فقر في الدخل..فقر في فرص العمل..فقر في الكهرباء..فقر في المجاري...في الماء..في الضوء..في الطرق العصرية...وفي غير ذلك.

ويتجسد الفقر الشامل في حياة اليمنيين بأكثر من مظهر وفي أكثر من شكل ولون. فهو يتجسد، أولا وقبل كل شي في غياب الطعام الكافي الذي يحقق من خلال تنوع مكوناته الإشباع المطلوب للجسم الإنساني. ويتجسد على صعيد التعليم، في عجز حوالي نصف السكان البالغين 15 سنة فأكثر عن القراءة والكتابة. كما يتجسد أيضا في وجود مئات الآلاف من الأطفال الذين لا يلتحقون بالمدارس، وفي وجود مئات الآلاف من الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس ثم لا يتمكنون بعد ذلك من إكمال تعليمهم، وفي ازدحام الفصول، وفي ضعف مستوى الخريجين من مختلف المراحل التعليمية، وفي ...وفي...وفي...قائمة طويلة لا تنتهي من مظاهر فقر التعليم..

ويتجسد فقر الصحة في حياة اليمني في صيحات الألم المدوية التي يطلقها والتي لا تجد رغم قوتها من يسمعها..وفي انتشار الأوبئة والأمراض وعدم قدرة غالبية السكان الحصول على الدواء...ويحضر الفقر في حياة اليمني على شكل قصر في العمر وفي الطول وانخفاض في الوزن ولون مميز للبشرة. كما يحضر الفقر في المعدلات المرتفعة لوفيات الأمهات والأطفال الرضع والأطفال تحت الخامسة...

ويتجسد الفقر الشامل في حياة الإنسان اليمني في غياب الدخل، وفي ضآلة ذلك الدخل إن وجد، وفي عدم قدرة اليمني على مواجهة تكاليف المأكل والمشرب والملبس والتعليم والرعاية الصحية ناهيك عن الكهرباء والصرف الصحي والماء النقي الصالح للشرب والطريق الصالح للسفر ووسائل التكنولوجيا كالتلفزيون والكمبيوتر وغيرها..

أولا- قياس الفقر الشامل

يمكن الاستدلال على درجة حضور أو غياب الفقر الشامل في مختلف الدول عن طريق التركيز على ثلاث مكونات هي: التحصيل العلمي للفرد، سنوات الحياة التي يتوقع أن يعيشها الفرد عند الولادة، ومعدل الدخل السنوي الذي يحصل عليه الفرد إذا ما تم توزيع قيمة الأنشطة الإقتصادية التي يقوم بها أفراد المجتمع ككل، على الجميع بالتساوي.[1]

ويقاس التحصيل العلمي للفرد في دولة معينة عن طريق التعرف على نسبة السكان البالغين 15 سنة فأكثرالقادرين على القراءة والكتابة، وعلى نسبة السكان في عمر الدراسة الملتحقين بالمدارس الأساسية والثانوية وما يعادلها.[2] فعلى إفتراض أن نسبة السكان البالغين القادرين على القراءة والكتابة في مجتمع معين إلى إجمالي السكان البالغين تصل إلى 90% أو أكثر كما هو الحال في الكويت وفلسطين، فإن ذلك يعتبر مؤشرًا هامًا على درجة عالية في التنمية المتصلة بالتعليم وان فقر التعليم في ذلك المجتمع يعتبر منخفضا. وبالمثل فإنه في حال ارتفاع نسبة السكان المقيدين في المراحل الدراسية المختلفة مقارنة باجمالي السكان في سن الدراسة، فإن ذلك يعتبر مؤشرًا هامًا على درجة عالية في التنمية المتصلة بالتعليم، وأن فقر التعليم في ذلك المجتمع يعتبر منخفضا.

جدول رقم (1): ترتيب اليمن على مقياس التنمية الإنسانية مقارنة بالدول العربية الأخرى في عام 2007

الدولة

الترتيب بين 177 دولة

الكويت

33

قطر

35

الإمارات

39

البحرين

41

ليبيا

56

عمان

58

السعودية

61

الأردن

86

تونس

91

الجزائر

104

سوريا

108

مصر

112

المغرب

126

موريتانيا

137

السودان

147

جيبوتي

149

اليمن

153

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

ويقاس المستوى الصحي للأفراد في دولة ما بعدد سنوات الحياة المتوقعة للفرد عند الولادة. وتكمن أهمية عدد السنوات المتوقع أن يعيشها الفرد في أنه يعتبر خلاصة أو صورة مصغرة للأوضاع الصحية في المجتمع. فعندما يولد الطفل في اليابان فإنه يتوقع أن يعيش أكثر من 82 سنة. أما عندما يولد الطفل في مصر، فإنه يتوقع أن يعيش لقرابة 70 سنة. ويدل عدد السنوات المتوقعة للفرد عند الولادة في كل من اليابان ومصر على أن مستوى الرعاية الصحية الذي يتمتع به سكان اليابان أفضل من المستوى ذاته في مصر، وأن فقر الصحة في اليابان ومصر منخفض إلى حد كبير في الأولى، ومنخفض إلى حد معقول في الثانية.

ويتوقف مستوى المعيشة في دولةٍ معينة، بما في ذلك قدرة مواطنيها على التحصيل العلمي والتمتع بالرعاية الصحية، على معدل الدخل السنوي الذي يحصل عليه الفرد في تلك الدولة، مع الأخذ في الإعتبار أسعار السلع والخدمات مثل الخبز والملابس والرعاية الصحية والمواصلات، مقارنة بالأسعار في الدول الأخرى. فلو إفترض الإنسان جدلا بأن دخل الفرد في الدولة (أ) يبلغ 1000 دولار أمريكي وفي الدولة (ب) 2000 دولار فإن معرفة أسعار السلع والخدمات في الدولتين مهم جدًا للتعرف على الدخل الحقيقي، وبالتالي على مستوى المعيشة في الدولتين. فأهمية الدخل في دولة معينة لا تكمن في حجم الرقم وإنما تكمن في السلع والخدمات التي يمكن للفرد الحصول عليها بذلك الدخل..

ولمعرفة درجة التطور أو التدهور في الأوضاع التعليمية والصحية والمعيشية لا يتم الإكتفاء بالقياس السنوي للجوانب الثلاثة، وبالتالي معرفة درجة التطور أو التدهور في دولة معينة، بل يتم أيضا مقارنة الدول ببعضها البعض في المستوى الذي حققته كل منها، وفي درجة التقدم والتدهور. فإذا كان معدل الحياة المتوقعة في إحدى دول جنوب الصحراء الأفريقية مثل تشاد في سنة معينة هو 35 سنة فقط، فإنه لا يكون لذلك معنى إلا بمقارنته بمعدل الحياة المتوقعة للشخص الذي يعيش في اليابان. وهكذا يمكن للقادة السياسيين والباحثين والمهتمين والأفراد العاديين مقارنة مستويات التنمية والفقر في دولهم خلال فترات زمنية مختلفة. كما يمكنهم أيضا مقارنة ما تحققه دولهم من تقدم أو تراجع بالدول الأخرى.

ويتم جمع الدرجات التي تحصل عليها دولة معينة في مجالات التعليم والصحة والدخل الفردي في مقياس واحد يسمى مقياس التنمية الإنسانية. وللتبسيط فإنه يمكن النظر إلى مقياس التنمية الإنسانية (الذي يقيس مستوى التعليم، الصحة، والدخل في كل دولة) على أنه يبدأ بالرقم 1 وينتهي بالرقم 999. وكلما كانت درجة الدولة أكبر على مقياس التنمية كان مستوى التنمية فيها أفضل.

ويتم تقسم الدول بحسب مستوى التنمية (غياب الفقر الشامل فيها) إلى ثلاث مجموعات: فالدول التي تقل درجاتها عن 500 توضع مع بعضها وتصنف على أنها دول ينخفض فيها مستوى التنمية الإنسانية—أي يرتفع فيها مستوى الفقر الشامل. أما الدول التي تتراوح درجاتها بين 500 و799 فتصنف على أنها دول بمستوى متوسط للتنمية. وهناك الصنف الثالث، وهي الدول التي تحصل على درجات تزيد عن الـ799 وتقل عن أو تساوي 999 ، وتصنف على أنها دول يرتفع فيها مستوى التنمية. [3]

جدول رقم (2): درجة اليمن على مقياس التنمية الإنسانية مقارنة بالدول العربية الأخرى في عام 2007

الدولة

الدرجة من 999

الكويت

891

قطر

875

الإمارات

868

البحرين

866

ليبيا

818

عمان

814

السعودية

812

الأردن

773

تونس

766

الجزائر

733

سوريا

724

مصر

708

المغرب

646

موريتانيا

550

السودان

526

جيبوتي

514

اليمن

508

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

ثانيا- وضع اليمن

حققت اليمن في عام 2007-2008 المرتبة رقم 153 (إنظر الجدول رقم 1) من بين 177 دولة تم قياس مستوى التنمية الإنسانية فيها. ولو كان مقياس التنمية الإنسانية عبارة عن سلم طويل يتكون من 177 درجة، والدرجة أعلى السلم رقمها واحد والدرجة أسفل السلم رقمها 177، والدول عبارة عن أشخاص يقف كل واحد منهم على درجة من الدرجات بحسب ما يتمكن من تحقيقه في مجالات التعليم والصحة والدخل، فإن اليمن تكون قد صعدت 24 درجة فقط وبقي امامها 153 درجة. ومقارنة بالدول العربية الأخرى، فإن اليمن تكون قد حصلت على المرتبة الأدنى على السلم. وحصلت الكويت على المرتبة رقم 33، وقطر على المرتبة 35، والإمارات على المرتبة 39، والبحرين على المرتبة 41، وليبيا على المرتبة 56، وعمان في المرتبة 58، والسعودية في المرتبة 61.

وإذا كانت الجغرافيا قد وضعت اليمن في جنوب غرب الجزيرة العربية، فإن وضع التنمية الإنسانية فيها وإرتفاع مستوى الفقر الشامل يضعها بين دول جنوب الصحراء الأفريقية. ولذلك استحقت اليمن وبجدارة لقب أفقر دولة في العالم خارج أفريقيا..كما استحقت أيضا لقب الدولة الأفقر في العالم العربي وفي الشرق الأوسط.

وإذا استمر النمو في مجالات التعليم، والصحة، ودخل الفرد بنفس المعدلات الحالية، فإن اليمن ستحتاج إلى 120 سنة لتصل إلى نفس المستوى الذي تتمتع به دولة الكويت اليوم. وسيحتاج اليمني إلى حوالي 100 عام ليصل إلى مستوى التعليم والصحة الذي يتمتع به جاره العماني اليوم.

وقد يعتقد الإنسان أن تخلف اليمن عن الدول العربية الأخرى في التعليم والصحة والدخل يرجع إلى زيادة عدد سكانها الذين يقدرون في نهاية عام 2008 بأكثر من 23 مليون نسمة.[4] لكن الغيوم سرعان ما تتبدد عندما يدرك الإنسان أن مصر التي يزيد عدد سكانها عن 71 مليون نسمة، والجزائر التي يزيد عدد سكانها عن 32 مليون نسمة، والسودان التي يزيد عدد سكانها عن الـ35 مليون نسمة، قد جاءت كلها متقدمة على اليمن على سلم التنمية.

وقد يقول الإنسان لنفسه، وهو يبحث عن مبرر لتخلف اليمن عن ركب الدول العربية الأخرى، أن سبب تخلف اليمن هو قلة عدد السكان، لكنه سرعان ما يصاب بالدهشة وهو يرى المسافة التي تفصل بين اليمن وبين دول صغيرة مثل جيبوتي، البحرين، لبنان، الأردن، عمان، فلسطين، وقطر. وربما ظن القارئ أن سبب تخلف اليمن على مقياس التنمية الإنسانية هو المساحة وليس السكان. لكنه سرعان ما سيغير رأيه عندما يلاحظ أن الدول الأقل مساحة من اليمن مثل البحرين وقطر ولبنان والأكثر مساحة من اليمن مثل السودان والجزائر ومصر قد حققت كلها مستويات أعلى في التنمية الإنسانية من اليمن.

وحصلت اليمن على درجة 508 من أصل 999 درجة (انظر الجدول رقم 2) في حين حصلت جيبوتي، السودان، وموريتانيا على درجات أعلى من الدرجة التي حصلت عليها اليمن. وهناك فارق كبير بين الدرجة التي حققتها اليمن في التنمية والدرجات التي حققتها دول مثل الكويت (حققت 891 درجة) وقطر (حققت 875 درجة) والإمارات (حققت 868 درجة). وتتفوق مصر على اليمن ب200 درجة. أما سوريا فتتفوق على اليمن بمقدار 216 درجة، والمغرب ب138 درجة.

ويحكي الجدول رقم (3) مأساة اليمن مع التنمية الإنسانية قياسا بالدول الأخرى. والقصة بإختصار هي أنه في الوقت الذي يتقدم فيه الآخرون فإن اليمن تتراجع إلى الخلف. وإذا تم تشبيه عملية التنمية بدرجات سلم طويل والدول بمجموعة من الرياضيين يحاول كل منهم في كل دورة من دورات اللعب تحقيق مركزًا أفضل بين المتسابقين، فإن الظاهرة المخيفة هي أن الرياضي اليمني يتراجع دائمًا إلى الخلف، اي إنه يشارك في الركض كغيره، لكنه لا يفوز، ولا يحقق تقدمًا مع مرور السنوات، ولا يحافظ على نفس المركز الذي يحققه كل سنة..

جدول رقم (3): ترتيب اليمن على سلم التنمية الإنسانية من بين 177 دولة

العام

المرتبة

2007-2008

153

2006

150

2005

151

2004

149

2003

148

وفي الوقت الذي كان فيه ترتيب اليمن في عام 2003 هو 148، فان ذلك الترتيب تراجع إلى المركز رقم 149 في عام 2004 ثم إلى المركز 151 في عام 2005 ثم إلى 153 في عام 2007. وما زالت رحلة السقوط الإنساني في اليمن ماضية رغم وصول برميل النفط إلى قرابة الـ140 دولار للبرميل.

والحديث هنا ليس عن كأس آسيا للشباب ولا عن بطولة كأس العالم لكرة القدم ولا عن مباراة في تنس الطاولة بين اليمن ودولة أخرى. وإنما هو حديث عن حياة الإنسان..عن مستوى التعليم الذي يحصل عليه وعن الرعاية الصحية التي ينعم بها وعن الدخل المادي الذي يتوفر له ويمكنه من الحصول على حاجاته الأساسية.

والمرتبة التي إحتلتها اليمن على سلم التنمية في عام 2007 والتي ستحتلها في عام 2008 ليست قَدرًا لا فكاك منه. فقد ولد اليمنيون في جنوب الجزيرة العربية، فلماذا تجعلهم أوضاعهم التعليمية والصحية ومستوى دخولهم يعيشون في دول جنوب الصحراء الأفريقية؟! وما هي الأسباب التي جعلت اليمن صاحبة المركز الأسوأ على مقياس التنمية من بين الدول العربية الأخرى بما في ذلك السودان وجيبوتي؟! ولماذا يملك اليمني من بين كل العرب أضيق الفرص في الحياة الهانئة والمستقرة؟!


[1] هذه هي المؤشرات التي يقيسها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في مختلف الدول كل عام ثم ينشر نتائجها في تقرير التنمية الإنسانية.

[2] بالنسبة للسكان البالغين فإن المقصود هم الأشخاص الذين يبلغون من العمر 15 سنة أو أكثر. ويتم تخصيص ثلثي الدرجة الخاصة بالتحصيل العلمي لنسبة السكان البالغين القادرين على القراءة والكتابة، في حين يعطى الثلث الباقي من الدرجة لنسبة المسجلين في المراحل التعليمية المختلفة.

[3] يستخدم المؤلف القيم المطلقة للتبسيط في حين أن المقياس يبدأ ب0.1 وينتهي ب0.999 . وإذا حصلت الدولة على درجة بين 0.1 و 0.499 فذلك يعني أن معدل التنمية الإنسانية في الدولة منخفض. أما إذا حصلت الدولة على درجة بين 0.5 و 0.799 فذلك يعني أن مستوى التنمية الإنسانية في الدولة متوسط. وفي حال حصول الدولة على درجة بين 0.8 و0.999 فذلك يعني أن مستوى التنمية الإنسانية في الدولة مرتفع.

[4] قدرهم البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ب21.1 مليون في عام 2005 . ويزيد عدد السكان بحوالي 700 ألف سنويا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق