الأربعاء، 23 أكتوبر 2019

سياسات البقاء الترامبية!



(1)
منذ شرع الديمقراطيون في الكونجرس الأمريكي في التحقيق بجرائم أو جنح محتملة يمكن ان يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد ارتكبها، وهو يعمل على إعادة التموضع على الصعيد الدولي عن طريق حشد التوترات والأزمات الدولية، لعل وعسى أن يضغط بها على خصومه في الداخل. ويعتمد ترامب في هذا الجانب على الكثير من الحلفاء الدوليين وفي مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورؤوسا الصين وكوريا الشمالية وحكام السعودية والإمارات، ويمكنه الرهان كلما اقتضى الأمر حتى على الإيرانيين والأتراك والأكراد. أما الخليجيين، فإنهم أقرب إلى ترامب من كل قريب، وجاهزون دائما للمهمات الصعبة التي يتم تكليفهم بها. ففي كل عمل دنيء تجدهم سباقون على غيرهم.

وتعد الإدارة بالأزمات بمثابة أسلوب ترامب المفضل والذي يربك به الأصدقاء والأعداء على السواء داخل أمريكا وعلى المستوى الدولي، وإن كان أحيانا يبالغ به كثيرا. ويعد المستوى الدولي أكثر اتساعا وأكثر تسامحا مع أساليب ترامب في ممارسة التوحش بحكم طبيعته غير المستأنسة. فالأزمة مع الصين بسبب التجارة، وبغض النظر عن ما هو حقيقي وما هو مسرحي فيها، يتم إشعال أوارها وتصعيدها عندما يكون ترامب في حاجة إليها ثم تنطفئ النار تحتها فجأة، وبدلا من الحديث عن المزيد من التعريفات الجمركية على السلع، يسود الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري.
لقد كان احد المسئولين الصينيين صادقا عندما شكى من أن ترامب هو الذي يرفض التوصل إلى اتفاق نهائي مع بلاده. فالأزمة مع الصين في التحليل النهائي هي أقوى أوراق ترامب ربما بسبب التأثير العميق الذي تتركه عند اشتعالها ليس فقط على المستوى الدولي ولكن وهو الأهم في الداخل الأمريكي وخصوصا في أسواق الأسهم وأسواق النفط التي تتحرك صعودا وهبوطا. أما مسرحية هونج كونج فمستمرة بلا توقف، ولا يبدو أن الصينيين يتضايقون منها.

(2)

عمل السعوديون وادارة ترامب، في إطار سياسات البقاء التي يطبقها ترامب، على تصعيد الهجوم على شركة ارامكوا السعودية بكل الطرق بما في ذلك اتهام ايران بتنفيذه. وتحدثوا عن نتائج ثم عن تحقيقات ثم عن نتائج وأوصلوا الصراع كما اعتقد كثيرون حول العالم إلى نقطة الانفجار. وانغمس الأمريكيون مرارا في دراسة ارسال 3 جندي اضافي الى السعودية، ورحب السعوديون بدورهم مرارا بالضيوف الجدد.

وظن الناس بعد أن عمر ترامب سلاحه Locked and Loaded بأن الأزمة بين السعودية وامريكا من جهة وايران من جهة ثانية قد وصلت الى نقطة اللارجوع. وبعد كل السن اللهب المتصاعدة، أنتهي كل شيء فجأة وكأن المسألة اسطورة من اساطير الأولين! وحتى أسعار النفط التي قيل أنها ارتفعت سرعان ما عادت إلى ما كانت عليه. وفي حين ظن الناس أن السعوديين على وشك غزو إيران، بدت نغمة السعوديين فجأة أكثر تصالحية بعد أسابيع من ضجيج الطبول الفارغة.



ويمكن قول ذات الشيء عن ثورة المصريين على عبد الفتاح السيسي، وعن ثورة العراقيين التي نسي كاتب السيناريو من شدة العجلة أن يضع لها أهدافا. وتبخرت الثورة المصرية ضد السيسي. كما تبخرت ايضا صور ملايين العراقيين التي لم يتضح حتى الان ماذا كانت مطالبها بالضبط.

ولا يختلف الأمر بالنسبة لأزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا وإن كان التصعيد الذي شهدته الأخيرة قد أتسم بأنه سيئ السيناريو والإخراج. فقد بدا الخلاف التصعيدي جد مفتعل، وغير مقنع، والدليل على ذلك اعلان السيسي بانه سيلتقي رئيس وزراء اثيوبيا في موسكو.

(3)

 ربما كانت أزمة العمليات العسكرية التركية في شمال شرق سوريا هي الأكثر ميلودرامية من بين الأزمات الدولية التي تحمل بصمات سياسات البقاء الترامبية. فقد اختلط في هذا العمل الميلودرامي الرديىء في معظم الأحيان والمثير في احيان قليلة الجانب المسرحي الفكاهي بالضغائن والأحقاد السوداء التي عبر عنها فريق "المرددين." لكن أداء أبطال هذا العمل الدرامي لم يكن على المستوى المطلوب وبدا في الكثير من الأحيان أن المؤدين يرتجلون المواقف والتعبيرات مما اضعف ادائهم إلى حد كبير. وبينما جرت العادة في الفصول السابقة أن يهدد الأتراك باجتياح شمال شرق سوريا، بينما يعارض الأمريكيون الخطوة، وينتهي الأمر باتفاق ما بين الأتراك والأمريكيين على عمل مشترك لتحييد مخاوف الأتراك.

أما هذه المرة، فقد اختلفت الديناميكية. فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ردا على التهديدات التركية المعتادة، بأنه سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، وهو ما يعني إعطاء الإشارة للأتراك بأن يبدأوا عملياتهم العسكرية. ثم هدد ترامب بسحق الاقتصاد التركي إن قضى الأتراك على الأكراد، الأمر الذي فهم منه أن ترامب لا اعتراض لديه أذا قضى الأتراك على معظم الأكراد ولكن ليس كلهم. ولم ينس ترامب، في تبرير غير مباشر للعمليات العسكرية التركية، أن يشير إلى أن باراك اوباما هو الذي دعم مسلحي البي كي كي الذين تستهدفهم تركيا في عملياتها، وكان ادائه في هذه النقطة قويا لأنه كان صادقا وهو نادرا ما يصدق.

وبالغ فريق المرددين كثيرا في أداء أدوارهم وكشفوا عن ضغائن واحقاد مكبوتة ساهمت في الايهام بأن شيئا عظيما سيحدث خصوصا بعد دعوة اوروبية لمجلس الأمن الدولي لعقد جلسة خاصة لمناقشة ما أطلق عليه "الغزو التركي لسوريا." وجاءت تصريحات مصر والسعودية والإمارات وفرنسا وأمين عام الجامعة العربية واسرائيل لتعبر عن تناغم مثير للغرابة. فقد أدانت السعودية، مثلا عملية "نبع السلام" وهو الاسم الذي أطلقته تركيا على عمليتها في شمال شرق سوريا، ووصفتها بـ"العدوان التركي." 

ولم تكتف مصر بالإدانة بل طالبت أيضا باجتماع عاجل للجامعة العربية. وحتى جامعة الدول العربية، التي ظن كثيرون أنها ماتت وشبعت موتا، عقدت اجتماعا على مستوى وزاراء الخارجية وأصدرت بيانا قويا لم يعترض عليه سوى قطر والصومال ولاحقا ليبيا والمغرب. وربما ان البيان كتبه بومبيو كالعادة!

وفي حين كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها من شمال شرق سوريا كما أعلنت، فقد ذكرت وسائل أعلام أمريكية أن القوات التركية هاجمت في 11 أكتوبر القوات الأمريكية الخاصة في شمال سوريا عن طريق الخطأ. وكان على أمريكا أن تسحب قواتها من شمال شرق سوريا مرة أخرى. وخرج ترامب هذه المرة مدافعا عن تركيا بشكل مبطن فقال أن الأكراد أطلقوا الإرهابيين لجر بلاده الى التدخل في شمال تركيا!

وبينما يواجه ترامب وادارته غدا الخميس الـ17 من اكتوبر واحدة من أسوأ فصول "اوكرانيا جيت" فإنه قد قرر للتغطية على الفضيحة التي تتكشف فصولها الصادمة ببطء شديد ارسال نائبه ووزير خارجيته الى انقرة، وقد رد السلطان اردوغان في تصعيد درامي ملحوظ انه لن يقابل نائب الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته احتجاجا على الإساءة التي لحقت باسرته في الكونجرس الأمريكي!!!!

(4)

يحصل دونالد ترامب كما سبق الاشارة في حلقة سابقة في محنته هذه على دعم من أطراف دولية كثيرة، وأحيانا من أطراف غير متوقعة. ففي رسالة تضامن مع ترامب في محنته، اعلنت طالبان أنها قتلت 8 جنود أمريكيين و10 افغان في هجوم على موكب عسكري، في رسالة مفادها ان الأمريكيين في افغانستان في خطر في ظل انشغال ترامب بالحفاظ على كرسييه. 

وبالمثل، فإن زعيم كوريا الشمالية أصبح يختبر الصواريخ على نحو يومي بينما يتولى ترامب بعد كل عملية اختبار طمأنة المجتمع الدولي بان تلك الاختبارات لن تؤثر على المحادثات الأمريكية مع كوريا الشمالية وكأن هناك من يهتم! 

وبينما اشتعلت حرائق الغابات المفتعلة في مناسبة مشابهة خلال العام الماضي في اسرائيل، فإنها هذا العام أنتقلت إلى لبنان، غير البعيد في موقعه عن اسرائيل.   

وهكذا تتصاعد الأزمات ثم تنطفأ، وفي بعض الأحيان تجد الأطراف نفسها في خضم عمل درامي لا تعرف ماذا يعني أو الى أين يقود لكنها بالرغم من ذلك تمضي في اداء دورها كما حدد لها أحيانا على مضض وإن كانت تحاول أن تسخر الدور لصالحها.

ولأن مثل هذه الأمور لم يعد من الممكن بعد "اوكرانيا جيت" أن تناقش بالتلفون ولا أن ترسل عبر السفراء، فقد أصبح خالد بن سلمان يذهب الى واشنطن ويعود من واشنطن في رحلات متكررة  لا تتعلق بالعلاقات السعودية الأمريكية ولكن بالطرق التي يمكن بها إنقاذ ترامب من ورطاته. 

وكان على رئيس الوزراء العراقي أن يطير فجأة الى الرياض بعد أن عاد خالد بن سلمان من واشنطن، ليتلقى التعليمات الخاصة بالثورة العراقية وما يجب عليه أن يفعله، ثم بعد عودته إلى بلاده اندلعت الثورة. وبعد رحلة لسفير النوايا السيئة خالد بن سلمان إلى واشنطن، طار سيد الكرملين إلى الرياض لتلبية دعوة سابقة للزيارة ولتلقي رسائل ترامب!

(5)

رغم أن الرئيس الديمقراطي باراك أوباما يعد المهندس الحقيقي للأزمة الخليجية لأسباب ليس هنا المكان المناسب لتناولها، ورغم أن الحزب الديمقراطي هو المستفيد الأكبر منها، إلا أن ترامب، وبحسب قواعد اللعبة السياسية الأمريكية،  قد تولى إطلاق صفارة الإنذار لبدء الأزمة خلال أول زيارة له إلى السعودية في مايو 2017.  ومع أن ترامب حرص خلال السنوات الأولى من حكمه، كما تقتضي السياسة الخارجية الأمريكية، على  لعب دور الوسيط غير النزيه، وعمل على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الأزمة  بحلب جميع الأبقار، إلا أنه حاول بدون حماس شديد وضع نهاية للأزمة بعد أن بدأت تنخر في شرعيته وقدرته على الهيمنة، لكن بدون تحقيق اي نجاح كبير بسبب تعنت وغطرسة محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.  

وتغير الأمر فجأة بعد أن بدأ خصوم ترامب في مجلس النواب الأمريكي إجراءاتهم الهادفة لعزله.  فقد قرر ترامب تكتيل حلفائه الميسورين دوليا وفي مقدمتهم السعودية وقطر والإمارات في جبهة واحده خلفه. وبدأ باتخاذ إجراءات قسرية لمهاجمة الأزمة.

وفي هذا الإطار، وجه ترامب أجهزته الأمنية بغلق ألاف الحسابات الوهمية على تويتر وفيس بوك والتي كانت تستخدم في الحرب الالكترونية بين الدول الثلاث، وفرض ستارا حديديا على الذكرى الأولى لمقتل الصحفي جمال خاشقجي، وعمل على الحد من أنشطة رواد الشبكات الاجتماعية بكل الطرق، وأعاد التنسيق الأمني والعسكري الخليجي في معظم المجالات إلى ما كان عليه، وتم الضغط على القطريين لإلغاء أنشطة وفعاليات وسياسات تثير انزعاج السعوديين والإماراتيين!

وعلى الرغم من ذلك، فإن قدرة ترامب على توحيد الخليجيين في مهمة إنقاذه تبدو شبه مستحيلة وخصوصا بعد فشله في إلزام مسئولي إدارته، ليس فقط السابقين، ولكن الحاليين أيضا، في عدم التعاون مع التحقيقات التي تجريها بعض اللجان في مجلس النواب الأمريكي في الاتهامات ضده. وما يدل على ذلك هو أن التراشقات بين الدول الثلاث سرعان ما عادت إلى الواجهة، هذه المرة بسبب تباين المواقف حول العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، وقد لوحظ هذه المرة أن محمد بن زايد ولي عهد دبي هو الذي بدأ التراشقات.   

ومع أن محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي في السعودية،  يعتبر ترامب أفضل رئيس في تاريخ أمريكا يمكن أن يخدم مصالح السعودية ويعتبر أي مبالغ يمكن أن تنفقها المملكة، وأي مؤامرات يمكن أن تدبرها أجهزته لإنقاذ ترامب، بمثابة استثمار في رئيس يمكن أن يضع مصالح السعودية أولا بدلا عن مصالح أمريكا، إلا أنه لوحظ مؤخرا،  ربما بسبب تضعضع الوضع الداخلي لإدارة ترامب، أن الموقف السعودي بدأ يفقد حماسه. 

صحيح أن عزل ترامب سيكون له استحقاقات كبرى بالنسبة للسعوديين الذين القوا بكل بيضهم في سلته أو هكذا يبدو إذا ما عوملت السعودية كفاعل واحد، إلا أن ذلك ليس أسوأ ما يمكن أن يحدث لهم. فتورطهم في محاولات انقاذ ترامب، وربط حمارهم بجانب حماره، قد يكون له نتائج وخيمة على علاقاتهم بأمريكا ذاتها.   

الخميس، 17 أكتوبر 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية (غير مسلسل 18)


هادي يكافأ البكري ويعاقب بحاح!

ظل الصراع بين هادي ونائبه-رئيس وزرائه خالد بحاح يزداد تعقيدا وخصوصا بعد انفراد بحاح في 17 يوليو 2015 بإعلان استعادة محافظة عدن كاملة من الحوثيين. وكعادة هادي في ضرب خصومه ببعضهم كلما أتيحت له الفرصة، سارع في 14 سبتمبر إلى إدخال تعديل على حكومة خالد بحاح وذلك على النحو التالي:

- عين الدكتور ناصر محسن باعوم وزيراً للصحة العامة والسكان ليحل مكان الدكتور رياض ياسين الذي كلف بالخارجية، وكان بقائه فيها موضع خلاف بين هادي من جهة وبحاح من جهة ثانية، وفهمت خطة تعيين وزير جديد للصحة بأنها تعني تثبيت وزير الخارجية الذي لا يطيقه بحاح في منصبه.

-عين  المهندس سيف محسن عبود الشريف وزيراً للنفط والمعادن، ولم يكن هذا التعيين مثار جدل.

- عين محافظ عدن الجديد نايف البكري الذي لم يؤد اليمين الدستورية أو يكمل شهره الثاني، في إقالة ضمنية له من منصبه، وزيرا للشباب والرياضة. وكان تعيين البكري يعني ضمنيا إعفاء الوزير الشاب رأفت الأكحلي الذي عاد به رئيس الوزراء خالد بحاح من كندا وأوكل إليه حقيبة الشباب والرياضة في  حكومة الكفاءات التي شكلت في 7 ديسمبر 2014.  


إزاحة البكري
بدت إزاحة البكري من موقعه "الهام والحساس أمنيا وعسكريا واستراتيجيا" كمحافظ لعدن وتوليته "حقيبة"، بدت في  لحظتها جد "هامشية" وكأنها انتصارا لبحاح ومن خلفه "تحالف العلمنة"، لكن بحاح الذي لا يحب البكري لأسباب إيديولوجية، كان  في الواقع ضمن الخاسرين. وربما كانت خسارة بحاح، الذي كان يعارض تمكين الإصلاحيين باعتبار ذلك مهمة إقليمية ودولية أوكلت إليه،  هي الأكبر بالتأكيد. فإذا كانت حكومة الكفاءات التي شكلت في 7 ديسمبر 2014  قد مثلت توافقا بين الرئيس ورئيس الوزراء، فقد كان الرئيس الاسمي الان يعمل بالتدريج على الإطاحة بحلفاء رئيس الوزراء. ولم يكن بحاح بالتأكيد يدرك حتى وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه تعقيدات الوضع والتغييرات التي تحدث داخل السعودية نفسها وفي العلاقات السعودية الأمريكية.    

وصحيح أن هادي هو الذي عين البكري محافظا لعدن، لكن الصحيح أيضا أنه فعل ذلك، رغم ما كان يشعر به من قلق من هذا التعيين، لإرضاء ما أطلق عليه حينها المقاومة في عدن، وليس عن قناعة ذاتية. وقد تجلى قلق هادي واضحا من خلال تعيينه في ذات اليوم الذي عين فيه البكري لأحد أبناء محافظة أبين، وهو احمد سالم ربيع علي، وكيلا أول لمحافظة عدن. كما تجلى ذلك القلق بشكل متزايد لاحقا، وربما كان لبحاح فضلا في ذلك، في محاولة إبعاد ملفات الإغاثة وإعادة الأعمار وغيرها عن المحافظ البكري، الإصلاحي الذي يخشى الجميع بأن يعمل على بناء نفوذ الحزب في المدينة أو أن يعمل على منع هادي وأقاربه وأبناء محافظته من جني الأرباح.

وقد حاول هادي من خلال حزمة القرارات الثلاثة تمرير الإقالة الضمنية للبكري بطريقة "سلسة" تصب بشكل أساسي لصالحه. ولتجنب شعور الإصلاحيين بأن إبعاد البكري قد جاء استجابة لضغوط الإمارات، فقد أسند إليه، في خطوة لم تخلو من رمزية وإظهار الانحياز للإخوان حقيبة الشباب والرياضة  التي تعد من الحقائب التي يسعى الإخوان كجماعة عقائدية تهتم بالتربية، إلى السيطرة عليها. لكن تلك الرمزية لم يكن لها أي أهمية في ذلك الوقت بالنظر لأن التعيين يتم في حكومة منفى.   

وهكذا كان هادي الرابح الوحيد  من التعديل الوزاري. فقد تمكن من تعزيز موقعه المهتز في مواجهة بحاح "وتوجيه رسالة" للأطراف الداخلية والإقليمية والدولية بأنه "لا زال مصدر الشرعية والتفاوض والسلطة وخط أحمر لا يمكن تجاوزه."  

ردود فعل 

أثار اختيار البكري الذي لم يجف بعد حبر قرار تعيينه محافظا لمحافظة عدن، وزيرا للشباب والرياضة، سخرية واسعة على الشبكات الاجتماعية استهدفت هادي شخصيا ومعه حزب الإصلاح ودولة الإمارات.. وفيما يلي عينة من ردود فعل الناشطين:

- عدنان الجبرني (ناشط): "هادي ما فيش معه غير الإصلاح معترف به كرئيس وجالس يمارس سلطته عليهم..يوم يعيّنهم ويوم يقيلهم...يشوفهم أهم حلفاءه ويشوفهم في ذات الوقت المعارضة التي يجب محاربتها...يعيّن أحدهم ويمضي القرار فيصرخ: أنا الرئيس..يقيل أحدهم ويُستجاب لقراره فيصرخ: ما زلت أنا الرئيس. "
- مذحج محمد الأحمر (شيخ): "هادي يعين قائد مقاومة عدن نايف البكري وزير للرياضه مش بعيد يعين قائد مقاومة الضالع عيدروس الزبيدي مندوب اليمن بالفيفا!"
- سمير النمري (اعلامي): "وقف الحراك وأبناء عدن جميعهم مع نائف البكري ليكون محافظا للمدينة .. إلا أن السياسة الدولية قالت كلمتها في الأخير."
- مآرب الورد (اعلامي): "الرئيس أقال محافظ عدن نايف البكري لاشتراطه تبعية ملفات الجرحى وأسر الشهداء ورواتب المقاومة للسلطة المحلية ووضع ملف إعادة الاعمار تحت إشراف(ه)."
- نبيل سبيع (صحفي): "من الطبيعي ان يصدر هادي قرار بتعيين وزيرا للشباب والرياضة في هذا الوقت ويترك منصب وزير الدفاع شاغر فاليمن لا تشهد حرب بل تشهد خليجي 24)"
-عبد الغني المجيدي (ناشط): "عندما يعين هادي قائد منطقة وبعد شهرين يغيره او محافظ وقبل ان يؤدي اليمين الدستورية يعزله ويعينه وزير للشباب والرياضة فهذا يعني ان اي محافظ جديد سيكون حوله جدل سيعين بمرتبة وزير ..!! والامر اما ان البكري كان يستحق ان يكون محافظ لعدن وقرار عزله خطأ فادح (و) إما انه كان لا يستحق ان يكون محافظ ومعنى هذا ارتجالية هادي في القرارات وعدوله عنها تفقد هيبة الدولة وتسحقها سحقا ... ويبدوا ان هادي لن يتعلم من أخطائه قط  .. !"
- خالد الحبيشي: "نايف البكري الذي صمد وقاوم حين هرب الجميع صمد في عدن الجريحة ورتب صفوف مقاومتها حين خذلها الجميع  هو حالة يمنية فريدة يجب ان تتكرر في كل محافظة ومنطقة في ربوع الوطن نحن لا نمجد الأشخاص ولكن نمجد أعمالهم التي تدل عليهم (...) كان يجب على الحكومة اليمنية ان تكرم هذا الشخص وتقف بجانبه للاستمرار في عملية إعادة اعمار محافظة عدن حيث وانه الشخص الذي يعرف عدن ويعرف مكمن الوجع ويملك اجماعآ وطنيآ بنزاهته وترفعه عن المناطقية والحزبية المقيته في ظل هذه المرحلة الحساسة .لقد صدمت كغيري بقرار اقالته وتعيينه في منصب وزير للشباب والرياضة ...اعتقد أنهم يريدون وأد كل وطني جسور بمنصب شكلي بعيد عن النضال والتضحية."
-سالم عياش: "بعد تعيين البكري وزيراً للرياضة، اتوقع يتم تعيين حمود سعيد المخلافي وزير للصحة، وكل شيء متوقع بعهد دنبوعنا العظيم."
- فاطمة الناخبي (ناشطة): "قرار (...) هادي قائد جبهة الرياض، جعلني أعود إلى كلامي السابق بأنهم لا يريدون الخير لعدن، وأبناؤها فقط هم من يريدون الخير لها... اما حكاية ان نايف وزير للرياضة فهذا ليس تكريم ولا تشريف انما وعلى بلاطة تصريف، لأن ملف الاعمار قادم والنهب يتطلب دنبوع صغير لتتم المشاركة بنجاح."
- عماد هادي: " هادي حسسنا بأن نايف البكري كان رئيس منتخب اليمن الذي وصل إلى نهائيات كأس العالم، وليس رئيس مجلس المقاومة التي حررت عدن."

موقف البكري

على عكس ما أراد أو توقع الكثير من الناشطين، فقد اصدر نايف البكري في اليوم التالي لتعيينه وزيرا للشباب والرياضة بيانا جاء فيه:

"سأظل خادما لعدن من موقعي في المقاومة. ويوم حملت روحي على كفي ونذرتها لله وللوطن لم أكن حينها طامعا في منصب ولا موقع ولا إدارة ولا وزارة وهذا هو موقفي ولا زال. فيوم صدر قرار بتعيني المحافظ لم يكن بطلب مني ولم أكن أسعى إلى نيل هذا المنصب وكان رفاق الدرب في المقاومة قد رأوا ان هذا الموقع رافدا للمقاومة ودعما نوعيا لها لتمكينها من التغيير المنشود الذي سينهض بعدن ويداوي جراحها ويعطي المقاومين ولو شيئاً يسيرا مما يستحقوه كأبطال قدموا أغلى ما يملكون لدينهم ووطنهم .... والجود بالنفس أقصى غايات الجود....
وعليه فإني ومن موقعي في المقاومة أوضح موقفي الثابت الذي سأحيا وأموت عليه أعلن بأنني سأظل جنديا مجندا في صفوف المقاومة خادما لعدن وللوطن بأكمله ولم أسعى لكرسي الوزارة حتى لا يتصور البعض أن نايف البكري قد رضي لنفسه بأن يكون قد قبض ثمن جهده وجهاده فأنا منكم وإليكم أحبتي في المقاومة ولن أرضى بكم بديلا ....وإني إن سكنت على الثريا... لقلت إليك يا عدن مآلي... وسأسعى لخدمة الوطن من أي مكان أنا فيه."   

وأسكت بيان البكري قول كل خطيب من الذين عارضوا على الشبكات الاجتماعية أو على وسائل الإعلام الأخرى إبعاد البكري من موقعه كمحافظ لعدن وتعيينه وزيرا للشباب. لكن إبعاد البكري من منصبه كمحافظ لعدن وعدم استجابة هادي لترشيح مقاومة تعز للشيخ حمود سعيد المخلافي ليكون محافظا لتعز لم يكن ليمر مرور الكرام ودون أن يحدث أثره العميق في العلاقة بين مكونات ما يسمى بالشرعية وفي الطريقة التي ينظر بها الاصلاحيون إلى دورهم في الحرب.

البخيتي يصطاد بالمياه العكرة

كتب الناشط والقيادي السابق في الحركة الحوثية علي البخيتي ملخصا الموقف بنغمة احتجاجية، يعتقد أنها "مغرضة" و"مضللة" ما يلي:

"في عدن ازيح نايف البكري، وفي تعز لم يتم دعم جبهتها لنفس السبب، لأن حمود المخلافي اخواني، وفي مأرب سيتكرر نفس السيناريو، لأن الإماراتيين هم من يتقدمون جبهتها، وما التشكيك في المقدشي المحسوب على علي محسن وبالتالي محسوب على الإخوان الا بداية الفلم، وسلطان العرادة هو الهدف التالي بعد المقدشي، وبنفس الحجة، من أجل أن لا يزعل الاماراتيون.
هناك سؤال بديهي: لماذا تتصدر الامارات وتمسك بملفات كل المحافظات التي خرج منها الحوثيون؟ في الجنوب وتعز وفي الشمال كذلك، واين المحافظات التي باستلام السعودية أو بقية دول التحالف؟"   

الحرب كمنجم للذهب

حيث أن الصراع الدائر هو صراع سلطة أولا وقبل كل شيء، فلم يكن أحدا يتوقع من الإصلاحيين أن يرضوا بالحتوف نصيبا لهم وأن يشاركوا في المغرم بأكبر نصيب لينالوا من المغنم خفي حنين، إلا أن أحدا لم يتوقع كذلك بأن يستولي الاصلاحيون على أهم مصادر الثروة في البلاد وأن يحولوا الحرب إلى منجم للذهب يغترفون منه ويزدادون غنى على غنى.
 
وصحيح أن اليدومي وخبرته لن يقولوا للرئيس هادي ومحمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي اذهبوا وقاتلوا انتم وربكم إنا هاهنا قاعدون، إلا أن الصحيح أيضا أنهم أيضا ومنذ ذلك الوقت لن يتصدروا الصفوف الأولى من اجل الجنان التي تجري من تحتها الأنهار.