الخميس، 19 مارس 2020

تجربتي مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (5-11)

(5)

عندما تلقيت الدعوة من المركز العربي للدراسات للكتابة حول النزوح القسري في اليمن لم أكن على علم بأن القس عزمي بشارة الوصي على دويلة آل ثاني يخطط لثورة تطيح بالحوثيين وتلعب فيها منظمات الإغاثة دورا جوهريا كما فعلت خلال ثمانينيات القرن الماضي في دول أمريكا اللاتينية.

ومع أنني لاحظت ابتداء من مايو أن مواقع عزمي بشارة وصحفه ومحطاته التلفزيونية التي يصعب حصر ها بدأت تبث رسائل اصطفاف مع منظمات الاغاثة وادانة للحوثيين، إلا أنه لم يخطر على بالي بان عزمي سخيف الى الحد الذي يريد فيه أن يملي علي ما أقوله في ورقتي.

والحوثيون بالطبع ليسوا طيور الجنة. لكن هناك امر لا يستقيم مع المنطق. فقد اصبحوا فجأة بقرار من ادارة ترامب ومنظمات الاغاثة يختزلون كل شر في حين أنهم لم يكونوا كذلك طوال أربع سنوات من الحرب!

والحال أني في معالجة مسألة النزوح لا أر من فاعل ينبغي التركيز عليه سوى تحالف العدوان وداعميه بالاضافة الى منظمات الاغاثة. أما الأطراف اليمنية داخلية كانت او خارجية، فإن دورها يظل مع فارق في الدرجة محدودا الى حد كبير.

فمنذ بداية الحرب وكاقرار بالطابع الدولي للحرب، تحمل المجتمع الدولي مسئولية الاغاثة قانونيا وإن كان قد فرط عمليا بما التزم به.


 (6)

مع أن الدعوة التي تلقيتها من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كانت لكتابة ورقة واحدة حول النزوح، إلا انني بعد شهرين من العمل في جمع البيانات تحمست كثيرا لنصرة هذه الفئة الضعيفةالتي دفعت ثمن الحرب غاليا.

وقررت أن اكتب ورقتين بدلا عن واحدة وأن ارسل الورقة الأولى لمركز "القس" عزمي بشارة لنشرها في احدى الدوريات والثانية اعرضها في الورشة الخاصة بالنزوح القسري.

ظننت ان عزمي يعمل باستقلال عن اجهزة المخابرات الأمريكية والسعودية أو أنه على الأقل قادر على نصرة المظلومين والمضطهدين ولو لمرة واحدة في حياته.

كما ظننت أن الدوريات الفضائحية التي يصدرها هي دوريات حقيقية وليس مجرد فبركات وكذب وتدليس وتكييف للحقيقة بما يخدم اجندة اجهزة الاستخبارات.

ومع ذلك، فقد قررت زيادة في التأكد الكتابةللمركز لاستطلاع رأيهم ولأعطيهم الفرصة ليكونوا ايجابيين ولو لمرة واحدة. لكن اخلاق عزمي هي اخلاق عزمي التي لا تتغير.

فقد جاءني الرد مشجعا جدا وانه لا يوجد اي مشكلة حتى اني اقتنعت بأن الكتابة عن النزوح القسري لن تزعج ذلك الكائن الغريب المسمى عادل الجبير أو ذلك الكائن الأغرب منه المسمى بومبيو








(7)

 ارسلت الورقة البحثية الأولى إلى مركز "القس" عزمي بشارة للنشر المحكم في 14 يوليو 2019 . وفي 15 يوليو تلقيت الرد التالي من مجلة "سياسات عربية" التابعة للمركز:

"العزيز الدكتور عبد الله الفقيه المحترم
تحية طيبة؛
الموضوع: إشعار باستلام مقالتكم.
إشارة إلى مقالتكم (اليمني كتهديد للأمن الإقليمي والدولي: دراسة حول تأثير الحرب السعودية-الإماراتية على النزوح القسري للسكان في اليمن (2015-2019)") المستلمة يوم 14 تموز/ يوليو 2019 بواسطة البريد الإلكتروني. يرجى التأكيد بأن هذه المقالة قد أُعدت خصيصًا لطلب نشرها في دورية (سياسات عربية)، وأنكم لم تنشروها لا بصورة جزئية ولا كلية في أية وسيلة نشر ورقية أو إلكترونية، كما لم ترسلوها إلى أية دورية أو مجلة أخرى بغية طلب النشر. لا تشكل هذه الرسالة إعلامًا بالموافقة على النشر بل إعلامًا باستكمال متمماتها، لعرضها على لجنة القراء المحكمين.
مع أطيب التمنيات؛
سكرتير التحرير
إيهاب محارمة"

وكان ذلك أول وآخر رد تلقيته من مجلة سياسات عربية. فالورقة بدلا من أن تحال للتحكيم بهدف النشر أحيلت الى عادل الجبير وبومبيو ومنهما إلى فرق متخصصة في اعادة انتاج المعرفة بما يتلائم مع حاجات مجرمي الحرب في دفن الضحايا وطمس الحقائق. وسافصل في ذلك في حلقة لاحقة بعون من الله.

(8)
 

عندما ارسلت مسودة الورقة الثانية (انظر الصورة المرفقة) احالها عزمي بشارة إلى الجهات الاستخباراتية التي احال اليها الورقة الأولى لاتخاذ اللازم، ولم تقصر تلك الجهات كما سيتم توضيحه في حلقات قادمة. ثم احالها بعد ذلك الى فريق من "داعش" للتحكيم..

وقد صدمتني طريقتهم في تقييم الأبحاث. فالواضح أن مركز القس عزمي لا يتبع اي منهجية علمية متماسكة في تقييم الدراسات تنبع من طبيعة تلك الدراسات ذاتها وتستند الى الشروط المرجعية. وقد وصلني من دواعش عزمي الملاحظات التالية:

1- اختزل الباحث الحرب القائمة في اليمن إلى مجرد حرب بين من سماهم أطراف الداخل (أنصار الله والمؤتمرالشعبي العام) و (...) "التحالف السعودي الإمار اتي"، وبالتالي إسقاط الأطراف الداخلية الأخرى ممثلة بالمقاومة الشعبية والقوات العسكرية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي.

تعليق الباحث: من الواضح أن الحرب تدور بين اطراف الداخل والتحالف المسعوراتي. فعن اي اطراف ثالثة يتحدث "دواعش" عزمي؟ وعن اي مقاومة شعبية؟ وهل وجدت تلك المقاومة قبل تدشين التحالف للحرب أم بعد تدشينه لها؟ وهل قرارها بيدها أم بيد التحالف؟ ويمكن طرح ذات الأسئلة فيما يتعلق بالقوات العسكرية الموالية لهادي. فهل لهادي اساسا سلطات/مسئوليات عسكرية؟ وهل وجدت القوات الموالية لهادي قبل الحرب أم بعدها؟ وهل قرارها بيدها أم بيد التحالف؟ ربما ان "دواعش" عزمي يقصدون زملائهم خريجي جامعة الإيمان اليمنية الذين خرجوا من اليمن مع بدء الحرب واستقروا في الدوحة واصبحوا مستشارين في الديوان الأميري وفي مركز القس عزمي بشارة.

2- لم يتطرق الباحث للمؤسسات الحكومية اليمنية التي تتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية الأجنبية المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين، ومدى مساهمتها في تسهيل أو إعاقة نجاح المنظمات الدولية والإقليمية في الاستجابة للأزمة الإنسانية للنازحين، وهي: الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، التي أنشأت بناء على قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 454 لسنة 2009 كجهة حكومية معنية "NAMCHA" بإدارة مخيمات النازحين، والهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية مواجهة الكوارث التي أنشأت بموجب قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى رقم (87 ) لسنة 2017 ، وصدر قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى بشأن إعادة تنظيمها في أكتوبر 2018.

تعليق الباحث: لو أن "دواعش" عزمي قرأوا عنوان الورقة الظاهر في الصورة لما كتبوا هذه الملاحظة، فالعنوان يحدد الموضوع بدقة ويبين ما يندرج في إطاره وما هو خارج عنه. وصحيح أنه يمكن تغيير العنوان، لكن المشكلة ليست في هذا الجانب. المشكلة اننا امام حرب دولية ضد اليمنيين في جميع انحاء اليمن وأن التحالف مسئول قانونيا واخلاقيا عن اغاثة اليمنيين، وأن المنظمات الدولية هي المسئول عن تنفيذ الاغاثة، ومسئولية أي طرف آخر يمني أو غير يمني انما هي مسئولية تفويضية وغير أصيلة.

ولا يمكن فهم محاولة التحالف، والأبواق الرخيصة التي تعمل لحسابه، تحميل الأطراف اليمنية مسئولية الاغاثة إلا على أنه محاولة لئيمة للتنصل من مسئولياته بموجب القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان. فكيف يتم الزج باليمنيين كطرف في حين أن التحالف يفرض حصارا بريا وبحريا وجويا على اليمن ويتحكم بالبنك الرئيس في عدن وبسياساته المالية والنقدية. ثم اليس التحالف هو الذي شن هذه الحرب والمسئول بالتالي عن فقدان الناس دخولهم ووظائفهم وعن قتلهم تجويعا وبالصواريخ وبالامراض المختلفة؟

3- قسم الباحث اليمن إلى "مناطق محتلة" و"مناطق مستقلة"، وهي مصطلحات لا تتوافق مع تعريف الأمم المتحدة للمناطق المحتلة، ولا مع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصراع في اليمن، ولا مع المصطلحات والتسميات التي تستخدمها المنظمات الدولية المعنية بالاستجابة للأزمة الإنسانية في اليمن.

تعليق الباحث: لا تعليق هنا لأن اي كلام يقال لن يكون مفيدا.

(9)
 

هذا ما حدث بعد خمسة اشهر من العمل في انجاز ورقتين وارسالهما الى مركز القس عزمي بشارة المسمى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات:

1-اختفت كل المعلومات، والروابط والملفات، التي اقتبستها من مركز الملك سلمان للإغاثة على الانترنت https://ksrelief.org. وتوقف الموقع لفترة عن العمل تم خلالها غربلة كل مواد الموقع وذكر لي طرف يمني أن مركز الملك سلمان يقوم بتبييض بعض اموال الاغاثة التي يدعي انها مخصصة لليمنيين لتمويل مركز عزمي بشارة وبعض مرتبات اليمنيين من خريجي جامعة الايمان اليمنية الذين يعملون تحت ادارة عزمي بمركز الدوحة.

2- اختفت كل المعلومات، والروابط والملفات، التي اقتبستها من موقع https://fts.unocha.org اوتشا الخاصة باليمن والمتصلة بالأموال التي يتم جمعها من المانحين سنويا منذ بداية الحرب وكيف يتم توزيعها على المنظمات المانحة. ووضع مكانها معلومات اخرى مجزأة ومشتتة وتفتقر الى الوضوح والدقة.

3- توقف مكتب الهجرة الدولية عن نشر تقارير مفصلة عن النازحين داخليا في اليمن شبيهة بالتقرير الذي اصدره في مارس 2019 والذي اعتمدت عليه بشكل اساسي فيما يتعلق بالبيانات حول النازحين.

4- اختزلت مشاركة اليمن في ورشة بيروت حول النزوح القسري في مدرس في معهد الدوحة التابع لعزمي بشارة يقوم بترديد ما يقوله عادل الجبير كالببغاء.

5- بناء على رغبة عادل الجبير تدخلت الأمم المتحدة فسيطرت على مجريات حلقات ونقاشات ورشة النزوح القسري.

6- تعرض الخطاب الناقد لمنظمات الاغاثة الى الكتم.

يتبع في حلقات قادمة...


(10)

تطرقت في حلقة سابقة للملاحظات التي تلقيتها من "دواعش" عزمي بشارة في المركزي العربي للابحاث ودراسة السياسات، وكان معظمها ذو طابع سياسي قابل للأخذ والرد.

لكنه كان هناك ملاحظات أخرى ذات طابع تجريفي. فمثلا ذهبت احدى الملاحظات إلى أن "الورقة تضمنت أحكام قيمة كثيرة، ابتداء من العنوان الرئيس للورقة: فائض المأساة وعجز الاستجابة." وقد شعرت حقيقة بالاهانة لإني تعاملت مع مركز بهذه الوضاعة. شعرت كاني قد دعيت إلى ورشة كل ما فيها نهيق حمير وعلى أن اتولى ترجمة ذلك النهيق الى كلمات.

فمن الواضح أن "دواعش" عزمي لا يملكون القدرة على التفريق بين الحكم "القيمي" والحكم الموضوعي، وهم معذورين على كل حال. فمن اين لمتطرف متعطش للدماء ويعتبر قتل الابرياء من النساء والأطفال "جهادا" في سبيل رضا الديوان الأميري أن يجد وقتا أو عقلا يساعده في التمييز بين ما هو حكم ذاتي عاطفي وما هو حكم موضوعي.

ففي نظر الخنازير التي تنعم بمكارم الديوان الاميري في الدوحة، فإن النازحين الذين يعيشون في مجاري السيول ومدن الصفيح والتجمعات العشوائية يشعرون بسعادة بالغة وراضون تماما عن ما ينالهم.

امثال هؤلاء "الدواعش" لو أنهم عاشوا في زمن ارسطو وليس قبله لوصفو مقولة ارسطو بأن "الانسان حيوان سياسي بطبعه" بانها حكم ذاتي.

وازعم هنا ان الحكم الذي يصفه "الداعشي" الذي يعمل لصالح عزمي بأنه "قيمي" يرقى الى مستوى البديهي الذي لا يحتاج الى اثبات!

كل تقرير تصدره منظمات الاغاثة عن الوضع في اليمن، وكل بحث ينفذ، وكل تقرير اخباري يحمل في طياته مثل هذا الحكم.


(11)

هل يستطيع امير قطر عزل عزمي بشارة من مواقعه في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا أم أنه لا بد أن يحصل على اذن من هيلاري كلينتون باعتبارها الان كبيرة "آل كلينتون"؟

قد يبدو هذا السؤال غريبا للبعض لكنه في الحقيقة ليس كذلك. فقطر التي أسسها "حمد بن خليفة" في عام 1995 هي في عمقها وجوهرها دولة "آل كلينتون" في الخليج العربي، أو دولة "الحزب الديمقراطي الأمريكي" كما قد يفضل البعض تسميتها وإن كان الأسم في هذه الحالة سيبدو فضفاضا، أو دولة "القاعدة العسكرية الأمريكية" التي تحمي الأسرة الحاكمة في قطر من "آل سعود."

ولا يمكن فهم الطريقة التي تعمل بها قطر ومراكزها البحثية دون فهم هذه الحقيقة البسيطة وهي أن دولة "حمد بن خليفة" تمثل حصيلة صراع ثلاثي بين السعودية والديمقراطيين الأمريكيين من جهة، وبين قطر والسعودية من جهة ثانية.

ولتفصيل الطريقة التي تشكلت بها دولة "حمد بن خليفة" والأدوار الوظيفية التي تقوم بها لا بد من العودة إلى الجذور وبالتحديد إلى الانقلاب الذي نفذه خليفة بن حمد (جد الأمير الحالي) على عمه احمد بن علي.

الأربعاء، 11 ديسمبر 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية (غير مسلسل 20)


تدافع الحجيج في منى

"لم يكن هناك مهرب، كنت ترى آباء يتركون صغارهم والمسنين لكي ينجوا بأنفسهم."
الحاج النيجيري
داهيرو شيتو إبراهيم

”كانت أمي تمسك بيد أبي لكن يدها أفلتت، وحين التفتت تبحث عنه كان قد سقط، لك أن تتصور شعورها في تلك اللحظة التي رأت فيها شريك حياتها يفقد حياته“
محمد عمر عارف-لاهور، باكستان

ارتبطت حوادث الحج الكبرى التي تترك خلفها مئات من القتلى منذ تولي آل سعود السلطة في السعودية بتوفر ثلاثة شروط: الأول، الخلاف بين أبناء عبد العزيز على السلطة؛ والثاني، وجود توتر حاد في العلاقات السعودية-الإيرانية؛ والثالث، وجود اضطراب في العلاقات السعودية الأمريكية. وكانت كل تلك الشروط متوفرة في سبتمبر 2015 والذي جعل منه الرئيس الأمريكي باراك اوباما بمثابة شهر المظلومية الأمريكية وعمل خلال السنوات الأخيرة من حكمه على قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين خلاله.  
     
رمي الجمرات الثلاث

شهد يوم الوقوف بعرفة، أي يوم 23 سبتمبر 2015 تعطل النظام الآلي للأبواب في قطار المشاعر، وقد أدى ذلك إلى حدوث 204 إصابة بين الحجاج وهم في الطريق إلى عرفة. ونتجت الإصابات كما قيل عن الإغماء والإجهاد والإعياء. وكان حادثا كهذا يعكس حالة من التوتر في عمل النظام.  وفي خطبة الوقوف بعرفة، وصف مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ الحوثيين (وهم من شيعة اليمن) بأنهم "جماعة مجرمة آثمة ظالمة تحمل فكرا خبيثا، سبوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  وكفروا خليفتي المسلمين ابو بكر وعمر."  

وعند منتصف ليل الأربعاء الـ23 من سبتمبر 2015 كان اثنين مليون حاج قد وصلوا إلى مزدلفة، والتي تقع في شرق مكة على مسافة حوالي 20 كم  وشرعوا في جمع الحصى التي سيرمون بها الجمرات الثلاث بدءا من صباح أول يوم من أيام التشريق، أو ما يعرف بيوم النحر.   


وفي الساعة التاسعة من صباح يوم الـ24 من شهر سبتمبر 2015 الموافق العاشر من شهر ذو الحجة، وهو أول أيام عيد الأضحى المبارك، حدث تدافع بين حشود الحجاج في منطقة منى على الطرق المؤدية إلى جسر الجمرات. وأدى "الحادث"، بحسب تقديرات أولية،  إلى مقتل حوالي 800 شخص وإصابة قرابة 900 آخرين. 

وذكرت وكالة اسوشيتد برس حسبما نقلت عنها بي بي سي في 19 أكتوبر أن عدد الضحايا وصل إلى 2121 منهم 1051 قتيلا. لكن السعودية لم تعلق على التقرير ولم تنشر أي تحديثات تتعلق ببياناتها عن الضحايا التي أعلنتها في مؤتمر صحفي لوزير الصحة السعودي حينها خالد الفالح. وبحسب بيانات جمعت من إعلانات الدول عن ضحاياها فقد بلغ عدد الضحايا من الإيرانيين 464 والمصريين 138 والاندونيسيين 91 والنيجيرين 64 والماليين 60 والهنود 51 والباكستانيين 46.

ووصفت اجنس فرانس برس الحادث بأنه الأسوأ منذ ربع قرن وأن إدارة الحج واجهت انتقادات واسعة، وأن الملك أمر عشية وقوع التدافع بفتح تحقيق لتحديد المسئولين عن الحادث.

تدافع ديني أم سياسي

هناك قرائن قوية على أن تدافع "منى" في 24 سبتمبر عام 2015 كان تدافعا سياسيا وليس دينيا، وأهم تلك القرائن ما يلي:

أولا، ارتفاع عدد الضحايا من الإيرانيين.

ثانيا، جاء التدافع بعد أسبوعين من سقوط الرافعة في الحرم، وهو ما يعني حادثين كبيرين خلال موسم حج واحد، وهذا أمر يصعب قبوله.
  
ثالثا، وقع التدافع، كما يذكر موقع ارم نيوز الإخباري،  في مكان غير مصنف على أنه من نقاط الاختناق. والأكثر من ذلك كما يضيف الموقع هو أن:

"...الجانب الأكبر من المليارات التي أنفقتها السعودية على تأمين الحشود في موسم الحج انصب على تطوير منطقة رمي الجمرات، فتم توسيع الطرق وأقيمت عدة طوابق يتسنى منها رمي الجمار كما زادت نقاط الدخول والخروج لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجيج وتأمينها، كما تتيح أنظمة المراقبة المتطورة وكاميرات الفيديو للسلطات السيطرة على حركة الحجيج والتأكد من أنهم لا يصلون إلى الموقع على نحو أسرع مما ينبغي قبل أن تغادره الأفواج التي سبقتهم."

رابعا، وقع التدافع بعد أن حققت إيران نجاحا كبيرا في مفاوضاتها مع الغرب بشأن برنامجها النووي، وتأكد ذلك النجاح بفشل الكونجرس الأمريكي في 10 سبتمبر أي قبل أسبوعين من حادثة التدافع في الاعتراض على الاتفاق الذي قادته إدارة اوباما. وكان نجاح إيران في التوصل إلى اتفاق نووي مع الغرب يعني فشلا سعوديا ذريعا في الإبقاء على إيران محاصرة اقتصاديا ومنعها من بيع نفطها في الأسواق الدولية، ناهيك عن اعتراف المجتمع الدولي بسلمية وقانونية البرنامج النووي الإيراني.  

رابعا، للسعوديين تاريخ طويل في قتل الشيعة عن طريق الأعمال الإرهابية سواء داخل السعودية ذاتها أو في الدول الأخرى، وقد وظفت الاستخبارات السعودية بشكل متكرر الجماعات المتطرفة لتنفيذ تلك الأعمال. فقد قتل آل سعود منذ عام 1979 بشكل مباشر أو غير مباشر عشرات الآلاف من الشيعة الأفغان والباكستانيين قبل أن تنتقل عملياتها إلى العراق وبعدها إلى اليمن وسوريا ولبنان وغيرها من دول العالم ويحدث ذلك أحيانا بتواطىء، وأحيانا أخرى بمشاركة أمريكية.

وكما أن الناس لا يتحدثون اليوم عن قتلى الإرهابيين السعوديين في العراق أو سوريا أو في اليمن من الشيعة أو غير الشيعة، فإنهم لم يتحدثوا كذلك عن المذبحة المروعة التي نفذتها "طالبان" ربيبة السعودية ضد سكان مدينة مزار شريف من الشيعة، باستخدام سيارات دفع رباعي وأسلحة رشاشة كانت قد حصلت عليها من السعودية بشكل مباشر أو عبر دولة خليجية أخرى.  وقد خلفت المذبحة، التي وقعت بعد زيارة قام بها الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية إلى أفغانستان في يونيو عام 1998، ما بين 6 إلى 8 قتيل من الرجال والنساء والأطفال الشيعة الساكنين في المدينة.           

رد فعل إيران

أعلنت إيران العزاء 3 أيام على ضحاياها من الحجاج. وانتقد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، كما نقلت اجنس فرانس برس، "الإجراءات غير الملائمة" التي أدت إلى وقوع التدافع وطالب السعودية بتحمل مسؤولياتها حيال الحادث. وظل الحادث موضوعا للتراشقات الإعلامية بين الإيرانيين والسعوديين لشهور. وبينما طالب الإيرانيون كما نقلت البي بي سي العربية في 4 أكتوبر بـ"تسديد التعويضات إلى أسر الضحايا، ومعاقبة الضالعين في الكارثة، وتقديم السعودية الاعتذار إلى الحكومات والشعوب التي سقط لها ضحايا في الحادث، وتقديم ضمانات للحيلولة" دون تكراره، فقد استمرت شكاوي أقارب الضحايا من مختلف الدول بشأن عدم تجاوب السعودية في موضوع التعويضات.   

الأربعاء، 20 نوفمبر 2019

تجربتي مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (3+4)

حمل مقترحي البحثي المقدم الى المركز بشكل مبدئي العنوان التالي :  

النزوح القسري في الجمهورية اليمنية (2015-2019):
تأثير الحرب،  جهود الاستجابة، النتائج الماثلة والمتوقعة، والتحديات والفرص

كنت اعرف جيدا أن عنوانا مثل هذا سيكون مزعجا للتحالف ولأمريكا وبريطانيا وخصوصا في مسألة "تاثير الحرب"..لأن الحديث عن تأثير للحرب يرتب حقوقا عامة وخاصة.. بينما قد يفضل التحالف أن يتحدث الباحث عن تأثير النزوح على الحرب، وهو ما يمكن ان يرتب حقوقا للقتلة قبل الضحايا. 





لكني كنت أعول على كل حال على تبعية المركز للديوان الأميري وعلى قومية عزمي بشارة وعلى حقيقة أن الحرب هي التي أدت إلى النزوح وأن النزوح لم يؤد الى الحرب.  كما كنت اراهن ايضا على أن الهدف من الورشة هو مناقشة مآسي النزوح والنازحين وليس تكريم الجبناء من مجرمي الحرب. 

وكتبت في التفاصيل المبدئية للإشكالية أيضا ما يلي:

"شهد اليمن مجزئا وموحدا استقرارا نسبيا بدأ في عام 1970 واستمر لأربعة عقود ونصف قبل أن ينتهي بقيام تحالف مكون من عدد من الدول بقيادة المملكة العربية السعودية الجار الشمالي لليمن في أواخر مارس عام 2015 بالتدخل عسكريا في اليمن لإعادة ما سمي بـ"الحكومة الشرعية."
 
وعلى الضد تماما من الحروب الداخلية الخاطفة التي شهدها اليمن الجمهوري المشطر (1967-1990) ثم الموحد (1990-2014)، فإن التدخل العسكري الخارجي قد قاد إلى حرب طويلة ممتدة توشك بأبعادها الداخلية والخارجية أن تكمل سنتها الخامسة دون وجود أي مؤشر على أنها  ستضع غبارها عن قريب.

وبالرغم من الآثار المدمرة والمتعددة الأوجه للحرب التي بدأت في أواخر مارس عام 2015 وما قادت إليه من نشؤ أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن هذه الورقة تركز على جانب واحد فقط إلا وهو تأثير الحرب الممتدة على ظاهرة النزوح القسري  لليمنيين داخليا وخارجيا، استجابة أطراف الصراع والمجتمعين الإقليمي الدولي، والتحديات الحالية والمستقبلية المتوقعة الناجمة عن الظاهرة محل الدراسة." 
*****

عندما يرسل احد الباحثين مقترحا إلى مركز بحثي محترم فإنه يفترض أن تكون هناك لجنة تنظر في المقترح. وبغض النظر عن تبعية المركز والجهة التي تموله، فإن اللجنة تتعامل مع المقترحات التي لا تتوافق مع ما يريد المركز الوصول اليه باحدى طريقتين.

يمكنها من جهة ان ترفض المقترح باسلوب مهذب وخصوصا عندما يأتي المقترح بناء على دعوة؛ أو بامكانها ان تصدر ملاحظات توجيهية للباحث بشأن ما يريده المركز، وما يتوافق مع توجهه.

وقد يختار الباحث بناء على الملاحظات التي يتلقاها المشاركة في المشروع البحثي أو يفضل عدم المشاركة اذا كان يجد صعوبة في التوفيق بين افكاره وتوجهاته وملاحظات المركز. 

بالنسبة لمركز حمد بن خليفة وعزمي بشارة وشركائهم من القاعدة وداعش والممول من المخابرات السعودية والأمريكية، فلم يتعامل معي بهذه الطريقة لأن البحث العلمي لا يمثل هدفا للمركز. وما حاجته الى البحث العلمي اساسا اذا كان لديه اصلا فرق من القاعدة وداعش لفبركة الأبحاث واستطلاعات الراي التي تتوافق مع الأجندات الاخوانجية والسعودية والأمريكية.

ولذلك فقد أكتفى المركز الذي يهتم أساسا بمعرفة الطريقة التي يفكر بها الباحثون أكثر من اهتمامه بالبحوث نفسها بالموافقة على مقترحي البحثي دون تقديم اي ملاحظات.

الجمعة، 15 نوفمبر 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 19)


بحاح يعود إلى عدن

فشلت المحاولة الأولى لخالد بحاح نائب الرئيس اليمني المنفي-رئيس الوزراء في العودة مع بعض أعضاء حكومة المنفى إلى مدينة عدن في مطلع أغسطس 2015  بسبب الأوضاع التي تعيشها المدينة. وبينما ظلت حكومة المنفى تعلن باستمرار نيتها العودة إلى عدن واتخاذها عاصمة مؤقتة للبلاد، فإن المحاولة الثانية لبحاح للعودة إلى عدن قد جاءت في 16 سبتمبر 2015، أي بعد يومين فقط من التعديلات الوزارية التي ادخلها هادي على تشكيلة مجلس الوزراء. وقد عاد بحاح هذه المرة  مع 7 وزراء.

وقد وصفت خطوة بحاح بالعودة إلى عدن ومعه بعض الوزراء بـ"الشجاعة" من قبل بعض المراقبين" بالنظر إلى الوضع الأمني الهش في المدينة، كما قيل.  وفسر البعض عودة بحاح، ربما مغرضا، برغبة بحاح في الدخول في مفاوضات مع الحوثيين والرئيس السابق من منطلق قوة ووجود على الأرض، بينما ذهب آخرون بأنه عاد نتيجة لضغوط إقليمية عليه، ربما في إشارة للسعودية. وإذا صح القول الأخير، فإن المقصود به جناح معين في الأسرة السعودية الحاكمة وليس المملكة بمعنى الكلمة. وقال فريق ثالث أن قرار العودة ربما كان له علاقة بالخلافات المتصاعدة مع الرئيس هادي.  




ورحبت أطراف إقليمية ودولية بما أسمته عودة حكومة بحاح إلى عدن، ومنها فرنسا واحمد الهروان رئيس البرلمان العربي، والأخير مؤسسة جد شكلية وخاضعة للنفوذ السعودي الإماراتي. لكن الترحيب الظاهري بعودة بحاح وتصويره كانتصار للتحالف السعودي الإماراتي لم  يشمل الجميع.

ففي اليوم الذي وصل فيه بحاح  إلى عدن قيل أن "مسلحون مجهولون" يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة  أضرموا النار في كنيسة "القديس يوسف" التي تقع في منطقة البادري بمديرية كريتر، مما أدى إلى نشوب حريق كبير داخل الكنيسة.
  
وفي 18 سبتمبر 2015، أي بعد يومين فقط من عودة بحاح إلى مدينة عدن، قتلت طائرات تعمل باسم التحالف  14 جنديا على الأقل من اليمنيين الذين يقاتلون في صف التحالف في غارات نفذتها على مواقع في مديرية حريب بمحافظة مآرب. وقد وصفت العملية لاحقا بـ"الخطأ" بينما بدت في توقيتها وكأن طرفا ما في التحالف الذي تقوده السعودية ظاهريا غير راض عن عودة بحاح إلى عدن.

وفي 20 سبتمبر، ذكرت أنباء أن مسلحين من الحراك الجنوبي حاصروا بحاح في مقر إقامته في عدن، وطالبوا بمغادرته للمدينة، لأن حكومته همشت الفصائل التي ينتمي إليها المسلحون.

غياب الرؤية

نقلت وسائل إعلامية يوم عودة بحاح تصريحات قيل أنه نشرها على حسابه في فيس بوك، وقد جاء في تلك التصريحات، التي لم ينفها بحاح  التالي:

-"اليوم وبعد عدة شهور قضيناها بين أهلنا فى السعودية وبعد تحرير عدن وغيرها من المناطق التى دمرتها مليشيات الحوثى وحليفهم صالح ها هى الدولة بحكومتها تعود إلى عدن لممارسة مهامها الوطنية فى مرحلة استثنائية من عمر وطن يحلم بالدولة المدنية."
-"الحكومة تعى حجم المعاناة الكبيرة، التى يعيشها المواطن فى المدن المحررة، وكل التحديات القائمة، غير أنها تدرك بأن لا مناص من تولى المسؤولية والاستجابة لنداء الوطن فكما كان عملها فى الخارج من أجل استعادة الدولة والانتصار على قوى الشر فإن عملها فى الداخل لن يألو جهدًا لإكمال النصر وتطبيع الحياة وإعادة البناء والتأهيل لكل جميل تم تدميره."
- ""لا شك بأن ملف الإغاثة وإعادة الأعمار والبناء يشكل أولوية حكومية لتعود الحياة إلى طبيعتها وبناء مدن تتمتع بروح المدنية وطابعها الحقيقى بعد سنوات عجاف مضت عليها."
- "لن ننسى المقاومة الوطنية البطلة والعمل على دمجها في الحياة المدنية والأمنية والعسكرية بروح مسئولة فهم الحماة لهذا الانتصار وهذا الوطن."
- "سنعمل بكل ما أوتينا من قوة لأجل وطن يسوده الأمن والاستقرار ويعيش أهله في كنف التعليم والتطور والتنمية."
- "كفى الإنسان احترابا فقد حان وقت البناء، ولتكن عدن أنموذجا للتعايش والتسامح والمدنية."

ورغم التصريحات الرومنسية جدا التي ترفع التوقعات، فإنه لم يكن لدى خالد بحاح أي رؤية محددة للكيفية التي يمكن أن يبدأ بها في عدن بدون أي موازنة أو مخصصات للنفقات التشغيلية أو لإعادة البناء. وربما أن سبب محاصرة مسلحي الحراك الجنوبي لبحاح هو التصريحات التي كان قد أطلقها يوم عودته حول نية حكومته دمج "قوات المقاومة البطلة" في الحياة المدنية والأمنية العسكرية.

 وقد جاءت اللقاءات التي عقدها في عدن جد شكلية ولا هدف لها سوى التقاط الصور ومقاطع الفيديو التي يمكن لحكومته وللتحالف توظيفها إعلاميا للضحك على الناس بأن هناك شيئا ما يحدث على الأرض.

فقد التقى بحاح في يوم 20 سبتمبر وفد هيئة الهلال الأحمر الإماراتي برئاسة الأمين العام للهيئة محمد عتيق الفلاحي. ونقل إليه الوفد الإماراتي، كما ذكرت وسائل إعلامية بالحرف، "تحيات القيادة الرشيدة في دولة الإمارات، وممثل الحاكم في المنطقة الغربية رئيس هيئة الهلال الأحمر الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، إلى خالد بحاح"، وأبلغه بأن الهلال الأحمر الإماراتي يقوم بتنفيذ  13 من المشاريع التنموية والتعليمية والصحية والاجتماعية في عدن و"ستظهر نتائجها الطيبة على الشعب اليمني عما قريب."

أما حقيقة تلك المشاريع فلم تكن تزيد عن طلاء جدران المدارس بالرنج ورسم صور علم الإمارات العربية المتحدة عليها باعتبارها قوة استعمارية ناشئة، وطمس علم الجمهورية اليمنية، أو في أحسن الأحوال ترميم مبنى مركز صحي. وللإنصاف، فلابد أن دخول الإمارات إلى عدن قد شهد ازدهارا ملحوظا لتجارة الرنج والحناء، وإن كان قليلون قد لمسوا اثر ذلك في حياتهم.

وفي مساء ذات اليوم، 20 سبتمبر، التقى بحاح مدراء قطاع التربية والتعليم، والتعليم المهني بمحافظة عدن،  وأكد لهم أن الحكومة تعمل على توفير الاحتياجات الأساسية لبدء العام الدراسي غير أنه لم يطرح أي إجراءات محددة أو جدول زمني. وكان يكفي فقط أن يقول أن الحكومة مهتمة، ثم ينتظر أن يقوم التحالف أو فاعلوا الخير.   





تجربتي مع المركز العربي للأبحاث والدراسات (1+2)


الإهداء...إلى صديقي اللدود الدكتور محمد بن ناصر..لقد وصلتني جميع رسائلك وفهمتها جيدا وخصوصا الأخيرة منها، ولن أقول سوى عودا حميدا ولينصرن الله من ينصره. 




هكذا بدأت تجربتي كباحث في التعاون مع المركز العربي للأبحاث والدراسات ومقره الدوحة. فقد تلقيت في مايو الماضي دعوة لكتابة ورقة للمشاركة في ورشة عمل حول النزوح القسري في الدول العربية.

وانحصرت معلوماتي السلبية عن المركز حينها في جانبين:
الأول، انني نزلت ذات مرة من موقع المركز استبيانا مفبركا حول اليمن يزور اتجاهات الراي العام نحو ما حدث في موفنبيك، وما زلت احتفظ بالاستبيان، واصر على أنه مفبرك 100% ؛
والثاني ان دبلوماسي اجنبي  كان يخدم في الدوحة واتحفظ عن ذكر اسمه قال لي ذات مرة وفي سياق غلب عليه الهزل أن اثنين من اجهزة الاستخبارات يتنازعان السيطرة على المركز أحدهما الجهاز الذي نفذ هجمات الـ11 من سبتمبر، والثاني  الجهاز الذي قام بالتغطية على عمليات الأول.


وقد اعتبرت مقولته حينها بمثابة مزحة ثقيلة رغم حدسي القوي بأن أي مركز بحثي بحجم المركز العربي، او مركز المستقبل العربي، والأخير مقره في بيروت، لا يمكن له البقاء خارج نطاق سياسات الهيمنة الدولية والاقليمية، وهي هيمنة تتصف حاليا بالعداء للإنسان وحرياته وحقوقه الاساسية.  



**********
كنت قد أمتنعت منذ بداية الحرب رغم ظروفي القاسية التي لا يعلمها سوى الله عن المشاركة في اي عمل بحثي، وهذا التزام اخلاقي ذاتي نابع من احساسي بأن كل ما يمكن ان يكتب في ظل الحرب يمكن للعدو اللئيم المتربص أن يستفيد منه بطريقة أو بأخرى في شرعنة حصار وقتل وتجويع اليمنيين واستدامة مثل هذه الدوامة. 

دعوكم من شلة "مالك ابن الأشتر"، وشلة "اموت فيك يا امريكا ويا اسرائيل" وشلة "سيادة" فهناك اكاديميين في مختلف الجامعات اليمنية يقبضون على القيم كما يقبض الانسان على الجمر." 

لكن مع حلول السنة الخامسة من الحرب، ومع موضوع بريء مثل "النزوح القسري" الناتج عن الحرب، وجدت أنه من الصعب أن أقول "لا." فالنزوح الناتج عن الحرب هو أسوأ جوانب الأزمة الانسانية التي صنعها العدوان في اليمن والبحث في هذه الظاهرة مهما كانت صعوبة الظروف سيعطي هذه الشريحة الاجتماعية صوتا وقد يحدث تغييرا ايجابيا في أوضاعهم مهما كان محددوا. 



وربما أن ما شجعني على الاستجابة للدعوة هو خمسة اسباب على الأقل:

اولا، تبعية المركز للديوان الأميري بقطر ولا يعقل بمركز بحثي يتبع ديوان الأمير في دولة أن يمارس تصرفات غير أميرية تمثل الأمير أسوأ تمثيل.

ثانيا، أن رئيس المركز هو المفكر القطري من أصل فلسطيني عزمي بشارة صاحب هذه الهالة والأمبراطورية الاعلامية الكبيرة والذي لا يعقل أن يدير مركزا توظفه اجهزة الاستخبارات لشن الحروب النفسية والتعذيب النفسي وسرقة الباحثين باساليب بلطجية.

ثالثا، مهما كان سوء اخلاق وإنحطاط أي منظمة بحثية فإنها لا بد كحد أدنى أن تفرق بين قضايا انسانية بحتة يجب أن تبحث على أنها كذلك وبين قضايا الحرب والسلم.

رابعا، هناك فرق بين السياسة كممارسة لا تخضع  في عصرنا لأي قيمة اخلاقية محددة خارجة عنها وبين البحث العلمي في الظاهرة السياسية.

خامسا، يعمل الباحثون الجادون عادة في إطار ما يسمى بالنموذج البحثي أو الايديولوجية البحثية أو المدرسة أو البرادايم، وايا كان نوع ذلك النموذج فإنه يقوم على قيم اخلاقية معينة يصعب الاستخفاف بها أو الخروج عنها الا على السذج الذين يظنون أن القوة بالفعل يمكنها ان تصنع المعرفة.
  

وفي ظل الاعتبارات السابقة وافقت واقترحت موضوع ورقتي ...