السبت، 6 سبتمبر 2014

دعوة لإصلاح الحكومة اليمنية



تملك الجمهورية اليمنية، وهي بلد صغير نسبيا من حيث المساحة وعدد السكان، واحدة من أكبر الحكومات في العالم: رئيس وزراء، 4 وزراء دولة (وزراء بدون وزارات)، و30 وزيرا يتولى كل منهم وزارة  بمبانيها وموظفيها ووسائل النقل المملوكة لها ونواب الوزراء والوكلاء ومدراء العموم والفروع (انظر الجدول رقم 1). 
 
ويزيد حجم الحكومة اليمنية  بشكله الحالي  عن حجم كل من حكومتي الولايات المتحدة الأمريكية (15 وزيرا) واليابان (11 وزيرا) مجتمعة. ورغم أن عدد سكان اليمن  يمثلون اقل من 2% من سكان الصين  ومساحة اليمن تبلغ حوالي 6% من مساحة الصين، الإ أن حجم الحكومة اليمنية يفوق حجم حكومة الصين بنسبة 2 وزراء يمنيين لكل وزير صيني.  وفي حين تعتمد اليمن اقتصاديا الى حد كبير على المعونات السعودية، فان حجم الحكومة اليمنية يفوق حجم الحكومة السعودية مع ملاحظة أن السعودية تنتج 11 مليون برميل من النفط يوميا. 

جدول رقم (1): أسماء الوزارات الموجودة حاليا في اليمن (30 وزارة)
- الأشغال
- النقل
- الكهرباء
- المياه
- العمل والشئون الاجتماعية
- الشباب والرياضة
- الخدمة المدنية
- الدفاع
- الصحة
- الداخلية

- التربية والتعليم
- التعليم العالي
- التعليم الفني
- الزراعة
- الثروة السمكية
- الثقافة
- السياحة
- الإعلام
- العدل
- الأوقاف
- الخارجية
- المغتربين
- التعاون الدولي
- المالية
- الاقتصاد والتموين والتجارة
- الإدارة المحلية
- حقوق الإنسان
- الشئون القانونية
- شئون مجلسي النواب والشورى
- الثروة السمكية

والأسوأ من كل ذلك، هو أن هذا الحضور الكبير للحكومة في حياة اليمنيين يقابله، وفي تناقض غريب، غياب كبير للحكم! فوزير النقل يشكو بشكل متكرر من تعرضه لمحاولات اغتيال، والكهرباء تعزو انهيار الخدمة إلى أعمال التخريب التي تتعرض لها  أبراج وأسلاك الكهرباء، وتشكو وزارات مثل المياه وحقوق الإنسان من عدم وجود أي  مخصصات مالية في موازناتها للقيام بأي أعمال أو أنشطة تتصل بالغرض الذي أنشأت من اجله الوزارة.  وقس على ذلك.   

أما المواطن فان شكاويه لا تنتهي. فلا وزارة حقوق الإنسان حمت حقوقه ولا الإدارة المحلية ضمنت حقه في إدارة شئونه اليومية، ولا وزارة المياه تمكنت من تحسين  مستوى حصوله على الماء النقي أو الملوث، ولا وزارة العدل  تمكنت من توفير الحماية القانونية له. وينطبق الأمر على الوزارات الأخرى!

أسباب النمو السرطاني

لا يعكس التضخم الكبير في حجم الحكومة اليمنية أي فلسفة أو حكمة يمانية أو نظرية معينة في الحكم والإدارة  أو وجود تحول جوهري في دور الدولة أو في الطريقة التي يُمارس بها الحكم وتُقدم الخدمات. فالواضح أن هذا النمو إن دل على شيء فإنما يدل على استفحال الفساد بكافة أشكاله وأنواعه وفي المقدمة الفساد السياسي والمالي والإداري  والقيمي والأخلاقي. 

ويمكن تلمس أسباب النمو السرطاني  للحكومة في  الصراع الاجتماعي والسياسي  على الدولة ومواردها وظهور وتطور ثقافة تقاسم الموارد في قمة الهرم  بين المكونات الاجتماعية المختلفة.  كما يمكن تلمسها في  الطبيعة العصبوية للأنظمة الفردية التي عرفتها اليمن وعمل الحاكم الفرد على إيجاد مواقع لأقاربه وأنسابه وأنصاره.  وللتمثيل على هذه النقطة تحديدا يمكن ذكر وزارة  شئون مجلسي النواب والشورى التي هي في الأساس في كل دولة عبارة عن منصب "وزير دولة" أي وزير من دون وزارة لكن الرئيس السابق حرص إكراما لنسبه احمد الكحلاني على تحويلها إلى وزارة.  وكمثال آخر فإن الصراع بين الوزير ونائبه في وزارة كانت تسمى الثقافة والسياحة أدى إلى جعلها وزارتين. 

ولعب المانحون من جهتهم دورا في ظهور بعض الوزارات. فقد حرص  النظام الريعي في محاولته الدائبة للحصول على الدعم الخارجي وبدلا من إصلاح والوزارات والكيانات القائمة  إلى إنشاء وزارات وكيانات جديدة تتموضع لامتصاص الدعم الدولي. 

الإصلاحات المطلوبة

هناك حاجة ماسة  لقطع جزء كبير من هذا التضخم السرطاني الذي تعيشه الحكومة اليمنية وتخفيض عدد الوزارات  إلى 15 وزارة أو على أكثر تقدير 17 وزارة وذلك بدمج الوزارات القائمة في بعضها. ويقدم الجدول رقم 2 نموذجا مبسطا للطريقة التي يمكن أن يتم بها هذا الدمج وبحيث يخفض عدد الوزارات من 30 إلى 16 فقط عن طريق دمج بعض الوزارات ببعضها مع إلغاء وزارتين فقط هما: حقوق الإنسان، وهي وزارة لا عمل لها أساسا ولا اثر  ويفترض ان تتحول إلى هيئة وطنية مستقلة بموجب المعايير الدولية؛ والأخرى وزارة الإدارة المحلية.  

جدول رقم (2): الوزارات التي تحتاجها اليمن
اسم الوزارة
الوزارات التي ستدمج فيها
1- الأشغال العامة والنقل
الأشغال، النقل
2- التعليم والتأهيل
التعليم العالي، التعليم الفني، التربية والتعليم
3- الإعلام والثقافة والسياحة
الإعلام، الثقافة، السياحة
4- الشئون القانونية وشئون مجلس النواب
الشئون القانونية، شئون مجلسي النواب والشورى
5- العمل والشئون الاجتماعية والشباب
الشئون الاجتماعية والعمل، الشباب والرياضة
6- الكهرباء والمياه
الكهرباء ، المياه
7- الزراعة والثروة السمكية
الزراعة، الثروة السمكية
8- الخارجية والمغتربين والتعاون الدولي
الخارجية، المغتربين، التعاون الدولي
9- العدل والأوقاف
العدل، والأوقاف
10- الداخلية

11- الخدمة المدنية

12- الدفاع

13- الصحة

14- المالية

15- النفط والثروات المعدنية

16- الاقتصاد والتموين والتجارة


ويمكن لتخفيض حجم الحكومة أن يحقق العديد من المزايا والتي من أهمها:

أولا، تحويل مجلس الوزراء إلى جهاز لصنع القرارات والسياسات  وهذا غير ممكن في ظل مجلس وزراء يجلس على طاولته 35 وزيرا.

ثانيا، تحقيق الكفاءة والفعالية لان الأصغر هو الأفضل.

ثالثا، الفصل بين ما هو إداري وما هو سياسي وبحيث يتفرغ الوزراء لصنع السياسات العامة وبالتالي  إيجاد كادر حكومي متخصص في صنع السياسات وهو ما تفتقر إليه اليمن حاليا.

رابعا، تخفيض تكلفة الحكم وتوفير الكثير من الموارد المالية التي يمكن أن توجه نحو مشاريع التنمية المختلفة بدلا من إنفاقها على جوانب تشغيلية لا هدف لها  ولا عائد منها سوى الإرضاء السياسي.

خامسا، تحقيق أعلى درجة ممكنة من التنسيق والتكامل بين مختلف الجهات وهذا الجانب مفقود إلى حد كبير في الظروف الحالية.

سادسا، الخفض التدريجي للكادر البيروقراطي  والعمل على إعادة تأهيله وتوزيعه في الجهات التي يمكن ان تستفيد منه بالشكل الأمثل.

سابعا، تحقيق نوع من التوازن بين الوزارات  بما يجعل كل منها فاعلا موازنا للآخرين.  فلا يعقل أبدا أن يكون هناك وزارة بموازنة 100 مليون سنويا في حين أن هناك وزارة أخرى تعمل بموازنة تصل إلى أكثر من 100 مليار. 

ولا يكفي بالطبع أن يتم تخفيض حجم الحكومة بل لا بد من التخلص من الازدواجية المتمثلة بوجود حكومتين في ذات الوقت احدهما مقرها مكتب رئاسة الجمهورية والأخرى  حكومة الجمهورية اليمنية مع ما يترتب على ذلك من تطويل بيروقراطي وإهدار للموارد العامة وضياع للمسئولية التي يفترض أن تصحب أي سلطة.