الأحد، 14 أكتوبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(35)



لعب الإرهاب دورا هاما في عملية التحضير طويلة المدى للحرب الأمريكية-السعودية على اليمن والتي بدأت بعد التوقيع على اتفاقية الحدود بين اليمن والسعودية في عام 2000 ولا يتسع المجال لاستعراض تفاصيل ذلك الدور، بل يقتصر التركيز هنا على دور الإرهاب خلال مرحلة المفاوضات النهائية بين إيران ودول الـ5+1.

وكما سبق الإشارة، فقد بدأت الحرب الجوية على اليمن في ذات اليوم الذي بدأت فيه الجولة الأولى من مفاوضات المرحلة النهائية بين إيران ودول الـ5+1 في لوزان بسويسرا (26 مارس 2015). وبعد أسبوع فقط، أي في الـ2 من ابريل، انتهت الجولة الأولى من المفاوضات بتوصل الأطراف المشاركة إلى الاتفاق الإطاري المبدئي وعلى أن تستمر المفاوضات حتى التوصل إلى الاتفاق النهائي شريطة أن لا يتجاوز السقف الزمني للمفاوضات الـ30 من يونيو 2015.

ويلاحظ أن جماعات القاعدة في جزيرة العرب، قد كثفت من عملياتها خلال فترة المفاوضات  حيث سيطرت في 2 ابريل (اليوم الذي توصلت فيه المفاوضات بشأن النووي الإيراني إلى الاتفاق الإطاري) على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، واقتحمت السجن المركزي في  المدينة وحررت 150 سجينا بينهم أعضاء ينتمون إلى القاعدة، وفي مواجهة ذلك بدأ رجال القبائل في 4 ابريل محاولات إخراج القاعدة من المدينة. وشن متهمون بالانتماء إلى القاعدة هجوما على موقع حدودي سعودي في 7 ابريل وقتلوا 2 من جنود الموقع. وفي 12 ابريل قتلت عناصر القاعدة عقيدا في الجيش في وسط محافظة شبوة. وفي  16 ابريل وسعت القاعدة نطاق سيطرتها في المكلا لتشمل مطار الريان، ميناء المكلا، وميناء تصدير النفط. وفي 17 ابريل، سيطرت القاعدة على معسكر بمدينة المكلا وغنمت ما بداخله من أسلحة. وفي 30 ابريل نشرت جماعة قيل أنها تنتمي إلى "داعش" فيديو يعرض قتل 4 جنود عن طريق قطع الرأس و 10 عن طريق إطلاق النار.

  
وفي المقابل، كثفت الطائرات الأمريكية بدون طيار من عملياتها خلال المرحلة. فشنت في 12 ابريل غارة قيل أنه قتل فيها القيادي في القاعدة ابراهيم الربيش مع آخرين. وفي ليلة 16/17 ابريل قتلت 2 من المشتبه بانتمائهم إلى القاعدة في محافظة شبوة. وفي 18 ابريل قتلت طائرة بدون طيار 3 من العناصر المشتبه بانتمائها إلى القاعدة كانوا على متن سيارة في منطقة الصعيد بشبوة. وفي 22 ابريل قتلت طائرة بدون طيار 7 من العناصر المشتبه في انتمائها إلى القاعدة في مدينة المكلا.

وبينما تصدر التصعيد العسكري والدبلوماسي خلال الثلثين الأول والثاني من شهر مايو أدوات الثواب والعقاب للإيرانيين والسعوديين على السواء، فقد عادت عصا الإرهاب لتنشط من جديد بحلول الثلث الأخير من مايو.    وقد بدأت الأحداث في يوم الجمعة الـ22 من مايو 2015 بتفجير انتحاري يرتدي حزاما ناسفا نفسه في مسجد الإمام علي ابن أبي طالب الخاص بالشيعة في بلدة القديح بمحافظة القطيف السعودية مما أدى إلى  مقتل 22  وجرح العشرات من المصلين.  وفي ذات اليوم ذكرت مصادر أن عبوة ناسفة انفجرت، بينما تم إبطال أخرى، في مسجد الصباح بصنعاء مما أدى إلى جرح عدد من المصلين. وأعلن تنظيم داعش مسئوليته عن تفجيري  صنعاء والقطيف. 

ووصفت إذاعة طهران العربية هجوم بلدة القديح بأنه "إرهاب وهابي" في إشارة إلى المذهب السائد في السعودية. واتهمت الجماعات الشيعية في المنطقة كحزب الله في لبنان، وجماعة مقتدى الصدر في العراق، الحكومة السعودية بالضلوع في التفجيرات ضد أتباع آل البيت، أي  المتشيعون لآل البيت.

وبينما قوبل التفجير في مسجد الإمام علي بإدانات واسعة داخل السعودية وخارجها، ونظر إليه كمؤامرة تهدف إلى جر السعودية إلى حرب طائفية، فقد طالب الآلاف من الذين شاركوا في تشييع الضحايا يوم 26 مايو بأقفال القنوات المتشددة التي تحرض على الشيعة في السعودية، والتخلي عن ازدواجية الخطاب  فيما يتصل بالمسألة الطائفية.

وفي يوم الجمعة الـ 29 من مايو، استهدف تفجير إرهابي مسجد "الحسين" الخاص بالشيعة في حي العنود في مدينة الدمام بالسعودية، لكن الإرهابي الذي قيل انه كان يرتدي ملابس نسائية، لم يتمكن هذه المرة من تحقيق هدفه بالدخول إلى المسجد وتفجير نفسه بين المصلين. فقد أعترضه اللجنة الشعبية التي تحفظ أمن المسجد، وأرادت تفتيشه، مما اضطره كما يبدو إلى تفجير نفسه في  مرآب المسجد، وهو ما أدى إلى سقوط 4 قتلى و10 جرحى. وأعلن في صنعاء مساء ذات اليوم إبطال عبوة ناسفة زرعت في حذاء في مسجد الكبسي بشارع الزراعة.

واتهمت وسائل إعلامية محسوبة على إيران النظام السعودي باللامبالاة بحياة المواطنين الشيعة. وتحدث السعوديون صراحة في استجاباتهم للعمليات الإرهابية في القطيف والدمام عن وجود المذهبية في مجتمعهم وعن رفضهم لمحاولات التفريق والتمييز وإثارة النعرات بين أبناء المجتمع الواحد وطالبوا بسن قوانين لحماية الوحدة الوطنية.  

وفي 8 يونيو، عبر مجلس الوزراء السعودي عن استنكاره لمحاولات أطراف إرهابية زعزعة الاستقرار في مملكة البحرين. وجاء الموقف السعودي بعد إعلان البحرين، ذات الأغلبية السكانية الشيعية، تمكنها من اكتشاف وتفكيك خلية إرهابية كانت تعد لتنفيذ عمليات إرهابية في الدولة وفي دول خليجية أخرى.   وعرض تلفزيون البحرين مخططا إرهابيا، مشيرا في السياق أن عددا من قيادات الخلية تلقوا التدريب في العراق ثم عادوا إلى البحرين في اتهام ضمني لإيران.

وفي 20 يونيو، ذكرت أنباء أن سيارة مفخخة انفجرت أمام جامع قبة المهدي في مدينة صنعاء القديمة باليمن مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.  وبلغت موجة الإرهاب الصيفي ذروتها في يوم الجمعة الموافق 26 يونيو 2015 (التاسع من رمضان)، أي قبل 4 أيام فقط من الموعد المحدد لانتهاء المحادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي، وهو 30 يونيو.

ففي الكويت، قتل 27 شخصا وجرح العشرات غيرهم  بعد أن قام إرهابي قيل انه سعودي  بتفجير نفسه في مسجد "الإمام الصادق" الخاص بالشيعة. وتعد الكويت أقل محافظة اجتماعيا من السعودية وتضم أعلى نسبة من الشيعة بين سكانها قياسا  بدول الخليج الأخرى، ويتمتع سكان الكويت، بخلاف شيعة دول الخليج الأخرى  ببعض الحقوق، بما في ذلك حق التمثيل السياسي. وقتل في مدينة سوسة التونسية كما قيل 38 شخصا (30 منهم بريطانيين وثلاثة أيرلنديين وألمانيين وروسي وبلجيكي وبرتغالي) وجرح آخرون في هجوم إرهابي قيل أن مسلح وصف بأنه "إسلامي" شنه على فندق "مرحبا ريو امبريال" السياحي ذو الخمسة نجوم. وفي فرنسا قتل شخص وجرح آخر في هجوم قيل أن شخص على صلة بالحركة السلفية اسمه ياسين صالحي (35 عاما) قام به على مصنع للغاز يقع في جنوب غرب البلاد، وتضاربت الأنباء حول الحادث وذكر بعضها انه تم العثور على جثة بدون رأس في مكان قريب من منطقة الحادث.

وفي حين أكدت تلك الأعمال الإرهابية لإيران مقدار المخاطر التي يواجهها الشيعة وأهمية العودة للانخراط كعضو فاعل في المجتمع الدولي مهما كانت التنازلات التي يتم تقديمها، فإنها أكدت للسعوديين والخليجيين ما سبق أن قاله لهم باراك أوباما من أن الإخطار التي تواجه دولهم ستأتي من الداخل وليس من الخارج، أي ليس من إيران، بل من الجماعات الدينية السنية المتطرفة داخل حدودها.

الأربعاء، 10 أكتوبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(34)



تبلور الانقسام في صفوف عناصر ما سمي بـ"الشرعية"، بعد تعيين الرئيس هادي في 12 ابريل 2015 لخالد بحاح نائبا للرئيس إلى جانب عمله كرئيس للوزراء، إلى ثلاثة تيارات رئيسية هي:



- تيار الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو تيار مناطقي يشكل امتدادا تاريخيا لتحالف ابين-شبوة في مرحلة الدولة الشطرية.



- تيار نائب الرئيس- رئيس الوزراء خالد محفوظ بحاح، وهو تيار مدني جنيني في طور التشكل، ويشكل التكنوقراط ابرز مكوناته



- تيار اللواء الركن علي محسن الأحمر، وهو تيار يغلب عليه الطابع الشمالي وإن كانت قاعدته واسعة وممتدة ومتنوعة. 



وقد أدى هذا الانقسام إلى بروز خطين للصراع في أوساط أطراف الخارج: الأول بين الرئيس هادي واللواء الأحمر وقد اتخذ هذا الخط طابعا مناطقيا (شمال-جنوب) بفعل نزعة تيار هادي والمحيطين به إلى لعب الورقة المناطقية للعمل على تعزيز سيطرتهم على السلطة؛ والثاني بين الرئيس هادي ونائب الرئيس-رئيس الوزراء.



وتبلور الصراع بين أطراف الداخل اليمني من جهة، وأطراف الخارج من جهة ثانية، في شكله العام بين قوى يدعمها الخارج كما سبق الإشارة ويسميها بـ"الشرعية"، وقوى الداخل (الحوثيون والرئيس السابق) والتي لم يستقر الخارج على تسمية محددة لها وإن كانت أطراف الخارج اليمنية قد دأبت على وصفها بـ"القوى الانقلابية."



وحرص الأمريكيون والسعوديون، على  تغذية خط للصراع كان يتآكل بسرعة يتمثل في الصراع القديم في أوساط النخبة السنحانية بشقيها العسكري والمدني والتي هيمنت على السلطة منذ عام 1978 وحتى عام 2011، ويتقابل في ذلك الصراع بشكل أساسي اللواء الأحمر وأنصاره من جهة، والرئيس السابق علي عبد الله صالح وأنصاره، من جهة ثانية. وتمثل الهدف من الحفاظ على هذا الخط الصراعي  توظيفه، كما يعتقد، في تبرير استهداف القوات المحسوبة على الطرفين كما سيتم توضيحه في حلقات لاحقة. 



وبينما كانت السعودية ومن خلفها ما يسمى بـ"الشرعية" تشعران بضرورة عمل شيء ما يشغل النخب المزدحمة في الرياض، ويوفر الغطاء لدعوة المزيد من الأطراف والشخصيات في الداخل للالتحاق بأطراف الخارج، إلا أنه لا أحد كان يعرف ما ينبغي عمله بالتحديد. وفي حين اتفقت الأطراف في النهاية على الدعوة لمؤتمر في الرياض خلال شهر مايو 2015 حول القضية اليمنية، إلا أن الهدف الذي أريد تحقيقه من المؤتمر ظل غامضا إلى حد كبير ما فتح الباب واسعا لكل أنواع التكهنات.



ووسط خلافات حادة بين المكونات المشاركة على التمثيل وغير ذلك من القضايا، تحدد الـ17 من مايو، كموعد لبدء مؤتمر الرياض وعلى أن يعقد تحت شعار "إنقاذ اليمن وبناء الدولة الاتحادية"، رغم ما يتضمنه الشعار من قفز على الواقع. ومع أن المؤتمر كان من المفترض أن يعقد تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، إلا أنه تم التخلي عن الفكرة لاحقا ربما لأن سلطنة عمان وهي عضو في المجلس، غير مشاركة في التحالف الذي يشن الحرب على اليمن.

  

وقبل إعلان أسماء المشاركين، افتتح الرئيس هادي  في الـ17 من مايو 2015 مؤتمر الرياض بشأن القضية اليمنية، بخطاب اتسم بالرومانسية ووجه من خلاله ست رسائل الأولى إلى الشعب اليمني، والثانية للعالم الحر ولأحرار العالم، والثالثة للمشاركين في المؤتمر، والرابعة للسعودية ودول الخليج، والخامسة لقيادة التحالف، والسادسة والأخيرة للأمم المتحدة. وألقيت كلمات من قبل عبد العزيز جباري رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، عبد العزيز الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، احمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة العربية، السفير البريطاني إلى اليمن ادموند فالقي وألقى كلمة باسم ما وصف بسفراء الدول الـ14 المعتمدين لدى اليمن، وإسماعيل ولد الشيخ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لدى اليمن.



وفي حين اغفل هادي في كلمته الإشارة إلى الهدنة الإنسانية، فقد دعا ولد الشيخ أطراف الحرب إلى تمديد الهدنة لخمسة أيام أخرى و"أن تتحول الهدنة الإنسانية إلى وقف دائم لإطلاق النار وان تنتهي كل أعمال العنف أيا كانت." أما خالد بحاح نائب الرئيس-رئيس مجلس الوزراء، فقد رد  على سؤال الهدنة وإمكانية تجديدها بأن الأمر يتوقف على الوضع على الأرض، الأمر الذي فهم منه، أن لا تمديد للهدنة.



وتناقل الناشطون بعض الصور الملتقطة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، ويظهر في إحداها كل من عبد الوهابي الانسي أمين عام حزب الاصلاح ومحمد اليدومي رئيس الحزب، وياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي ، وهم يجلسون في الصف الأول وكأن شلة فندق "موفنبيك" الموالية للسعودية والتي أنتجت الحرب  قد انتقلت بكل بساطة إلى الرياض فيما اكتفت وسائل أعلام التحالف باستخدام المؤتمر ومخرجاته الافتراضية في عمليات الحرب النفسية التي تشنها على أطراف الداخل.



وفي 19 مايو، اليوم الثالث والأخير من أيام المؤتمر، صدر البيان الختامي للمؤتمر معلنا التأييد المطلق لما أسماه بـ"الشرعية الدستورية ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي" وكانت تلك تقريبا النقطة الوحيدة المهمة التي خرج بها مؤتمر. أما النقاط الأخرى فقد اتسمت إما بغياب الوضوح أو بغياب الواقعية. فقد نص البند الرابع مثلا على "مطالبة مجلس الأمن بالتنفيذ الكامل للقرار الدولي 2216 والقرارات الدولية ذات الصلة لما يمثله ذلك من أساس للحل السياسي السلمي في اليمن" ومن غير الواضح كيف ولماذا أصبح على مجلس الأمن الدولي أن يتجرع الدواء الذي وصفه لليمن في قراراته. ودعا المشاركون في البند الخامس "الأمم المتحدة ومجلس الجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة لتأمين المدن الرئيسية، والإشراف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وضمان الانسحاب الكامل لقوى التمرد من كافة المدن وتسليم الأسلحة والمؤسسات" ولم يخلو الأمر هنا من شطحة.  



وانسجاما مع ما سبقه من مؤتمرات (اللقاء التشاوري الخليجي، والقمة الخليجية الأمريكية) خلت كلمة هادي في جلسة افتتاح المؤتمر، والكلمات التي ألقتها الشخصيات الأخرى، وكذلك البيان الختامي من أي إشارة مباشرة إلى إيران سلبا أو إيجابا.  

هامش:  أشكر الأعزاء الذين تفاعلوا وارسلوا ا سئلتهم وأود ان الفت انتباههم الى أني اجمع الأسئلة واقوم بتبويبها وحذف التكرار وسأرد عليها في الوقت المناسب

السبت، 6 أكتوبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(33)



في 4 ابريل 2015، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة مشاورات حول اليمن وطرحت روسيا خلال الجلسة مسودة قرار يدعو إلى "هدن إنسانية" تتوقف خلالها الحرب لتسهيل إجلاء الرعايا الأجانب وإيصال مواد الإغاثة. وفي  10 ابريل 2015، ولأول مرة منذ بدء العمليات العسكرية في 26 مارس، هبطت طائرتان تحملان مساعدات طبية في مطار صنعاء، ودعت الأمم المتحدة بالتزامن، إلى وقف مؤقت للقتال للسماح بوصول المزيد من المساعدات. وفي 14 ابريل طرحت إيران خطة سلام لليمن تتكون من 4 نقاط: وقف إطلاق النار؛ إغاثة المتضررين؛ محادثات يمنية-يمنية؛ وقيام حكومة تشارك فيها مختلف الأطراف.

وفي  1 مايو عقد مجلس الأمن، بناء على طلب من روسيا، جلسة استمع خلالها إلى مساعد الأمين العام للشئون السياسية جيفري فلتمان، وعرضت روسيا خلالها مشروع بيان صحفي يصدر عن المجلس، لكن المجلس الذي تسيطر عليه أمريكا لم يتخذ أي إجراء بشأنها.

ومع أن  السعودية كانت قد أعلنت في 18 ابريل، التزامها بتغطية المبلغ الذي أعلنت الأمم المتحدة عن حاجتها إليه لمواجهة تكاليف الإغاثة العاجلة للمتضررين من الحرب في اليمن، وهو 274 مليون دولار، إلا أن الملك ما لبث أن غير رأيه، فأعلن في 5 مايو، خلال كلمة ألقاها في القمة التشاورية الخليجية الخامسة عشر، عن إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وكان هناك تضارب في التصريحات بشأن دور المركز. وبدا أن هناك وجهتي نظر حول المركز: الأولى، ترى أن المركز ذو هدف عام وليس محصورا بدولة؛ والثانية ترى أن هدف المركز هو "تنسيق" الأعمال الاغاثية في اليمن.  



وفي 6 مايو أعلنت وكالات الإغاثة أن العجز الحاد في المشتقات النفطية يمكن أن يوقف جهودها لإغاثة المتضررين من الحرب.  واستجابة لطلب وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته إلى السعودية في 7 مايو، أعلنت السعودية من طرف واحد عن هدنة إنسانية لمدة 5 أيام مشروطة بتوقف القتال في جميع الجبهات، وعلى أن تبدأ في مساء الـ12 مايو، وقد وافق الحوثيون والرئيس السابق في 10 مايو، رغم تصعيد التحالف لعمليات القصف بالطائرات، على تلك الهدنة.


وفي 12 مايو، اصدر مجلس الأمن الدولي مسودة بيان صحفي اقترحته بريطانيا وتضمن بعض العناصر التي أوردتها المسودة الروسية المقترحة في جلسة الأول من مايو، ورحب البيان الصادر بهدنة الأيام الخمسة. وفي اليوم ذاته، وصل إلى صنعاء قادما من الرياض المبعوث ألأممي إسماعيل ولد الشيخ مع عدد من أعضاء الفريق الذي يعمل معه، في أول زيارة يقوم بها إلى اليمن بعد تسلمه مهام منصبه.

ومع أن الهدف الأساسي من الزيارة كان استكمال المباحثات التي أجراها في الرياض مع الرئيس هادي ونائبه-رئيس الوزراء خالد بحاح  بعقد لقاءات مع ممثلين عن حزب المؤتمر وجماعة الحوثي تتناول إمكانية جلوس الأطراف حول طاولة حوار للبحث في حل سلمي للصراع الدائر، إلا أن توقيت الزيارة الذي جاء قبل ساعات فقط من  بدء الهدنة، والتصريحات التي أطلقتها الأطراف المعنية بما في ذلك المبعوث نفسه بأن الهدنة ستكون من ضمن الموضوعات التي سيتم بحثها،  قد أعطى اليمنيين في الداخل المزيد من الثقة بإمكانية نجاح أول هدنة من نوعها.  

وفي يوم 13 مايو ، أول أيام الهدنة، سمع سكان صنعاء أصوات مضادات الطائرات في أوقات متفرقة وعلى نطاق محدود لكن الطائرات التي كانت تحلق في سماء العاصمة لم تنفذ أي عملية قصف، وقال التحالف أن الهدنة لا تشمل عمليات الاستطلاع.  وأعلن في اليوم ذاته أن الملك سلمان، وبالتزامن مع الافتتاح المفترض للقمة الخليجية الأمريكية، قام بافتتاح مركز الملك سلمان للإغاثة بحضور الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وقرر مضاعفة مبلغ الإغاثة إلى 540 مليون دولار وسادت حالة من عدم الوضوح حيث لم يعرف إن كان المبلغ مخصص لليمن فقط أما للإغاثة بشكل عام، فيما ذكرت أنباء أن طائرة للتحالف استهدفت موكبا للحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق في جنوب اليمن، بالرغم من سريان الهدنة. 

واتهم التحالف  أطراف الداخل بارتكاب خروقات في تعز وعدن ومآرب، بينما ذكر السعوديون أن قذائف سقطت على مدن نجران وجيزان، غير أنها لم تخلف أي إصابات، وأكدوا أن القوات السعودية التزمت بضبط النفس ولم تقم بالرد على النيران  احتراما للهدنة.  وتبادلت الأطراف اليمنية في الداخل والخارج الاتهامات فيما بينها بخرق الهدنة في العمليات التي تدور على الأرض. 

وفي ظل احتشاد عشرات الآلاف من السيارات أمام محطات النفط، أعلنت شركة النفط اليمنية بصنعاء في 13 مايو عن وصول كميات كبيرة من المشتقات كافية لإنهاء الأزمة وطالبت المواطنين بعدم افتعال أزمة عن طريق زيادة الطلب على المشتقات.

وبينما بدأت المنظمات الدولية بإرسال طائرات إغاثة سواء إلى اليمن مباشرة أو إلى جيبوتي لتتولى منظمات الإغاثة هناك توزيعها على اللاجئين اليمنيين وإرسال الفائض منها إلى اليمن عبر ميناء الحديدة، فقد استمرت الحرب على الأرض كرا وفرا، رغم الهدنة، على مختلف الجبهات. وغادر المبعوث ألأممي ولد الشيخ  صنعاء في 14 مايو بعد زيارة استمرت ليومين فقط.

وحذرت الأمم المتحدة من أن استمرار المعارك في اليمن يصعب عملية وصول مواد الإغاثة إلى المدينة، لكن تحذيرها لم يجد آذانا صاغية، طالما وأنه لا يدين طرف لصالح طرف آخر. وفي ظل ظهور توجه لتمديد الهدنة غير النموذجية حتى يتم إيصال المساعدات الاغاثية إلى اليمنيين،  فقد انتظر اليمنيون بفارغ الصبر انتهاء الهدنة مساء الـ17 من مايو ليروا إن كانت ستمدد أم تعود الحرب من جديد بذات القوة والعنفوان. 

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(32)



حضر القمة الخليجية-الأمريكية من قادة دول الخليج كل من أمير قطر وأمير الكويت، وهما دولتان تشعران بالقلق من سياسات السعودية، في ظل حكم سلمان، أكثر مما تشعران بالقلق من امتلاك إيران للسلاح النووي. وأرسلت سلطنة عمان التي كانت قد لعبت دورا هاما في الوساطة بين إيران ودول الـ5+1 خلال المراحل الأولية من المفاوضات (عقدت في مارس 2013) ممثلا عن السلطان الذي لا تسمح له حالته الصحية بالحضور، ولم تكن السلطنة على أي حال بحاجة إلى أي طمأنة فيما يتصل بإيران، وإذا كان قد ساورها أي نوع من القلق، فإنه قد اتصل باحتمال أن  يحاول السعوديون الانتقام منها بسبب دور الوساطة الذي لعبته.   

ومثّل الإمارات في القمة، بدلا عن رئيسها الشيخ خليفة بن زايد الذي يعاني من متاعب صحية، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الذي يرى أن الإخوان المسلمين، الذين لا يحتلون أي من جزر بلاده، أكثر خطرا على الإمارات من امتلاك إيران، التي تحتل ثلاثا من جزر الإمارات، للسلاح النووي.   أما أمير البحرين، والذي يعد الأكثر عداء لإيران، وإن كان الأقل تأثيرا في مجرى الأحداث، فقد اختار ولي عهده سلمان بن حمد  ليحضر بدلا عنه.  وكان أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج من ضمن المشاركين أيضا.       



وفي اليوم ذاته الذي أقر فيه مجلس النواب الأمريكي مشروع القانون الذي يعطي الكونجرس بمجلسيه حق مراجعة أي اتفاق تتوصل إليه إدارة اوباما مع إيران، وهو 14 مايو 2015، صدر البيان الختامي عن قمة "كامب ديفيد" الخليجية-الأمريكية.  وقد بدأ البيان، بحسب النسخة التي نشرتها صحيفة الشرق الأوسط السعودية التي تصدر من لندن في 16 مايو، على النحو التالي:

"اجتمع مساء أمس في كامب ديفيد ممثلو دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمين العام لمجلس التعاون، مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما وأعضاء حكومته، بهدف تأكيد وتوطيد الشراكة القوية والتعاون بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون. وأكد القادة على التزامهم المشترك حيال شراكة إستراتيجية بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون، لبناء علاقات أوثق في كافة المجالات، بما فيها التعاون في المجالين الدفاعي والأمني، ووضع حلول جماعية للقضايا الإقليمية، وذلك لتعزيز اهتمامهم المشترك في الاستقرار والازدهار."

ويفهم من المقطع الأول من البيان أن قمة اليومين قد تحولت إلى مجرد لقاء مسائي عقد في اليوم السابق على صدور البيان (13 مايو) بحسب النسخة العربية من البيان، بينما عقد بحسب النسخة الانجليزية من البيان المنشورة على موقع البيت الأبيض، يوم 14 مايو.  

وبعد إيراد جملتين إنشائيتين يخلص البيان إلى القول:         

"إن الولايات المتحدة على استعداد للعمل سويا مع دول مجلس التعاون لردع والتصدي لأي تهديد خارجي يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة لسلامة أراضي أي من دول مجلس التعاون، وفي حال وقوع مثل هذا العدوان أو التهديد به، فان الولايات المتحدة على استعداد للعمل على وجه السرعة مع شركائها في مجلس التعاون لتحديد الإجراء المناسب الواجب اتخاذه باستخدام كافة السبل المتاحة، بما في ذلك إمكانية استخدام القوة العسكرية، للدفاع عن شركائها في مجلس التعاون.
وكما حدث في عملية (عاصفة الحزم)، فإن دول مجلس التعاون ستقوم بالتشاور مع الولايات المتحدة عند التخطيط لعمل عسكري خارج حدودها، خاصة عند طلبها لمساعدة الولايات المتحدة فيه.
وبهذه الروح، وانطلاقاً من مبادئ (منتدى التعاون الاستراتيجي) بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون، بحث القادة تأسيس شراكة إستراتيجية جديدة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون، لتعزيز عملهم الهادف إلى تحسين التعاون الدفاعي والأمني، خاصة فيما يتعلق بسرعة الإمداد بالأسلحة، ومكافحة الإرهاب، والأمن البحري، والأمن الإلكتروني، والدفاع ضد الصواريخ الباليستية".

ولا تخلو الإشارة التي وردت في المقطع السابق إلى عملية "عاصفة الحزم" من دلالة تتجاوز معاني الكلمات التي وظفت لتوليد المعنى، وإن كانت تبعث على القلق أكثر من الطمأنينة. فالحالة اليمنية تعني، عندما تستخدم كنموذج، أن ترهن الدول الخليجية سيادتها للأمريكيين خلال مراحل التخطيط والتنفيذ لعملية عسكرية، وأن يتم امتصاص مواردها وقدراتها لعقود، وأن يظل نظامها قريبا من الحافة معتمدا في بقائه أو زواله على القشة الأمريكية التي يتعلق بها كما هو عليه حال السعودية والامارات اليوم.

ويمضي البيان، فيؤكد على ما يلي:

"تعارض الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون وستعمل معا للتصدي لأي أنشطة إيرانية تزعزع الاستقرار في المنطقة ، وتشدد على ضرورة أن تتعاون إيران في المنطقة وفقا لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سلامة الأراضي بما يتفق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وضرورة أن تقوم إيران باتخاذ خطوات فعلية وعملية لبناء الثقة وحل النزاعات مع جيرانها بالطرق السلمية."

والمقطع السابق يشبه النصيحة الأخلاقية التي يلقيها الناس على بعضهم دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء إتباعها، وكان يمكن أن يكون لتلك النصيحة معنى في حالة واحدة فقط هي جعل التفاوض حول الدور الإقليمي الذي تلعبه إيران في المنطقة جزءا من التفاوض على البرنامج النووي الإيراني، لكن مثل هذا الأمر الذي ليس من السهل أن تقبل به إيران، لم يكن أيضا ليخدم توجه أوباما.   

ولا يمكن بالطبع لبيان يصدر عن قمة خليجية-أمريكية أن  يكتفي بذكر إيران بشكل عابر دون أن يعطيها شيئا ما يلين مواقفها على مائدة التفاوض، ولذلك فقد نص البيان على ما يلي:

"بحث القادة أفضل السبل لمعالجة الصراعات الإقليمية والتخفيف من حدة التوترات المتنامية، وفي هذا السياق بحث القادة أكثر الصراعات حدة في المنطقة، بما فيها سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، وما يمكن القيام به لحلها، واتفقوا على مجموعة من المبادئ ، بما فيها الإدراك المشترك بأنه ليس هناك من حل عسكري للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة، والتي لا يمكن حلها إلا عبر السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة كافة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والحاجة لوجود حكومة تشمل كافة المكونات في المجتمعات التي تعاني من مثل هذه الصراعات، وكذلك حماية جميع الأقليات وحقوق الإنسان.
في الشأن اليمني، شددت دول مجلس التعاون والولايات المتحدة على ضرورة بذل جهود جماعية لمواجهة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ، مؤكدين على الحاجة للانتقال السريع من العمليات العسكرية إلى العملية السياسية من خلال مؤتمر الرياض تحت رعاية مجلس التعاون، ومفاوضات تشرف عليها الأمم المتحدة على أساس المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وأخذاً بالاعتبار الاحتياجات الإنسانية للمدنيين، رحب الجانبان ببدء الهدنة الإنسانية لمدة خمسة أيام لتسهيل توصيل مساعدات الإغاثة لكافة المحتاجين، وعبروا عن الأمل بأن تتطور الهدنة لوقف إطلاق نار مستدام لمدة أطول. وأعرب الجانبان عن تقديرهما للمنحة السخية البالغة 274 مليون دولار التي قدمتها المملكة العربية السعودية لمتطلبات الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن. وأكدت الولايات المتحدة مجددا التزامها، بالشراكة مع دول مجلس التعاون وغيرها من أعضاء المجتمع الدولي، بالسعي لمنع تزويد قوات الحوثيين وحلفائهم بالأسلحة والذي يتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2216."

واتفق الطرفان كما ورد في نهاية البيان على عقد اجتماعهم الثاني في عام 2016 "بهدف التقدم والبناء على الشراكة الإستراتيجية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة الأمريكية التي تم الإعلان عنها اليوم."

وما يفهم من البيان الذي لا يساوي في قيمته السياسية ثمن الحبر الذي كتب به، ومن التناقض بين النسختين العربية والإنجليزية في بعض المواضع، هو أن الخلافات بين الطرفين (أمريكا والسعودية بشكل أساسي) قد وصلت  في العام السابع من رئاسة أوباما إلى درجة غير مسبوقة من التدهور، وإن حرص الطرفان على إظهار العكس.