الأربعاء، 20 نوفمبر 2019

تجربتي مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (3+4)

حمل مقترحي البحثي المقدم الى المركز بشكل مبدئي العنوان التالي :  

النزوح القسري في الجمهورية اليمنية (2015-2019):
تأثير الحرب،  جهود الاستجابة، النتائج الماثلة والمتوقعة، والتحديات والفرص

كنت اعرف جيدا أن عنوانا مثل هذا سيكون مزعجا للتحالف ولأمريكا وبريطانيا وخصوصا في مسألة "تاثير الحرب"..لأن الحديث عن تأثير للحرب يرتب حقوقا عامة وخاصة.. بينما قد يفضل التحالف أن يتحدث الباحث عن تأثير النزوح على الحرب، وهو ما يمكن ان يرتب حقوقا للقتلة قبل الضحايا. 





لكني كنت أعول على كل حال على تبعية المركز للديوان الأميري وعلى قومية عزمي بشارة وعلى حقيقة أن الحرب هي التي أدت إلى النزوح وأن النزوح لم يؤد الى الحرب.  كما كنت اراهن ايضا على أن الهدف من الورشة هو مناقشة مآسي النزوح والنازحين وليس تكريم الجبناء من مجرمي الحرب. 

وكتبت في التفاصيل المبدئية للإشكالية أيضا ما يلي:

"شهد اليمن مجزئا وموحدا استقرارا نسبيا بدأ في عام 1970 واستمر لأربعة عقود ونصف قبل أن ينتهي بقيام تحالف مكون من عدد من الدول بقيادة المملكة العربية السعودية الجار الشمالي لليمن في أواخر مارس عام 2015 بالتدخل عسكريا في اليمن لإعادة ما سمي بـ"الحكومة الشرعية."
 
وعلى الضد تماما من الحروب الداخلية الخاطفة التي شهدها اليمن الجمهوري المشطر (1967-1990) ثم الموحد (1990-2014)، فإن التدخل العسكري الخارجي قد قاد إلى حرب طويلة ممتدة توشك بأبعادها الداخلية والخارجية أن تكمل سنتها الخامسة دون وجود أي مؤشر على أنها  ستضع غبارها عن قريب.

وبالرغم من الآثار المدمرة والمتعددة الأوجه للحرب التي بدأت في أواخر مارس عام 2015 وما قادت إليه من نشؤ أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن هذه الورقة تركز على جانب واحد فقط إلا وهو تأثير الحرب الممتدة على ظاهرة النزوح القسري  لليمنيين داخليا وخارجيا، استجابة أطراف الصراع والمجتمعين الإقليمي الدولي، والتحديات الحالية والمستقبلية المتوقعة الناجمة عن الظاهرة محل الدراسة." 
*****

عندما يرسل احد الباحثين مقترحا إلى مركز بحثي محترم فإنه يفترض أن تكون هناك لجنة تنظر في المقترح. وبغض النظر عن تبعية المركز والجهة التي تموله، فإن اللجنة تتعامل مع المقترحات التي لا تتوافق مع ما يريد المركز الوصول اليه باحدى طريقتين.

يمكنها من جهة ان ترفض المقترح باسلوب مهذب وخصوصا عندما يأتي المقترح بناء على دعوة؛ أو بامكانها ان تصدر ملاحظات توجيهية للباحث بشأن ما يريده المركز، وما يتوافق مع توجهه.

وقد يختار الباحث بناء على الملاحظات التي يتلقاها المشاركة في المشروع البحثي أو يفضل عدم المشاركة اذا كان يجد صعوبة في التوفيق بين افكاره وتوجهاته وملاحظات المركز. 

بالنسبة لمركز حمد بن خليفة وعزمي بشارة وشركائهم من القاعدة وداعش والممول من المخابرات السعودية والأمريكية، فلم يتعامل معي بهذه الطريقة لأن البحث العلمي لا يمثل هدفا للمركز. وما حاجته الى البحث العلمي اساسا اذا كان لديه اصلا فرق من القاعدة وداعش لفبركة الأبحاث واستطلاعات الراي التي تتوافق مع الأجندات الاخوانجية والسعودية والأمريكية.

ولذلك فقد أكتفى المركز الذي يهتم أساسا بمعرفة الطريقة التي يفكر بها الباحثون أكثر من اهتمامه بالبحوث نفسها بالموافقة على مقترحي البحثي دون تقديم اي ملاحظات.

الجمعة، 15 نوفمبر 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 19)


بحاح يعود إلى عدن

فشلت المحاولة الأولى لخالد بحاح نائب الرئيس اليمني المنفي-رئيس الوزراء في العودة مع بعض أعضاء حكومة المنفى إلى مدينة عدن في مطلع أغسطس 2015  بسبب الأوضاع التي تعيشها المدينة. وبينما ظلت حكومة المنفى تعلن باستمرار نيتها العودة إلى عدن واتخاذها عاصمة مؤقتة للبلاد، فإن المحاولة الثانية لبحاح للعودة إلى عدن قد جاءت في 16 سبتمبر 2015، أي بعد يومين فقط من التعديلات الوزارية التي ادخلها هادي على تشكيلة مجلس الوزراء. وقد عاد بحاح هذه المرة  مع 7 وزراء.

وقد وصفت خطوة بحاح بالعودة إلى عدن ومعه بعض الوزراء بـ"الشجاعة" من قبل بعض المراقبين" بالنظر إلى الوضع الأمني الهش في المدينة، كما قيل.  وفسر البعض عودة بحاح، ربما مغرضا، برغبة بحاح في الدخول في مفاوضات مع الحوثيين والرئيس السابق من منطلق قوة ووجود على الأرض، بينما ذهب آخرون بأنه عاد نتيجة لضغوط إقليمية عليه، ربما في إشارة للسعودية. وإذا صح القول الأخير، فإن المقصود به جناح معين في الأسرة السعودية الحاكمة وليس المملكة بمعنى الكلمة. وقال فريق ثالث أن قرار العودة ربما كان له علاقة بالخلافات المتصاعدة مع الرئيس هادي.  




ورحبت أطراف إقليمية ودولية بما أسمته عودة حكومة بحاح إلى عدن، ومنها فرنسا واحمد الهروان رئيس البرلمان العربي، والأخير مؤسسة جد شكلية وخاضعة للنفوذ السعودي الإماراتي. لكن الترحيب الظاهري بعودة بحاح وتصويره كانتصار للتحالف السعودي الإماراتي لم  يشمل الجميع.

ففي اليوم الذي وصل فيه بحاح  إلى عدن قيل أن "مسلحون مجهولون" يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة  أضرموا النار في كنيسة "القديس يوسف" التي تقع في منطقة البادري بمديرية كريتر، مما أدى إلى نشوب حريق كبير داخل الكنيسة.
  
وفي 18 سبتمبر 2015، أي بعد يومين فقط من عودة بحاح إلى مدينة عدن، قتلت طائرات تعمل باسم التحالف  14 جنديا على الأقل من اليمنيين الذين يقاتلون في صف التحالف في غارات نفذتها على مواقع في مديرية حريب بمحافظة مآرب. وقد وصفت العملية لاحقا بـ"الخطأ" بينما بدت في توقيتها وكأن طرفا ما في التحالف الذي تقوده السعودية ظاهريا غير راض عن عودة بحاح إلى عدن.

وفي 20 سبتمبر، ذكرت أنباء أن مسلحين من الحراك الجنوبي حاصروا بحاح في مقر إقامته في عدن، وطالبوا بمغادرته للمدينة، لأن حكومته همشت الفصائل التي ينتمي إليها المسلحون.

غياب الرؤية

نقلت وسائل إعلامية يوم عودة بحاح تصريحات قيل أنه نشرها على حسابه في فيس بوك، وقد جاء في تلك التصريحات، التي لم ينفها بحاح  التالي:

-"اليوم وبعد عدة شهور قضيناها بين أهلنا فى السعودية وبعد تحرير عدن وغيرها من المناطق التى دمرتها مليشيات الحوثى وحليفهم صالح ها هى الدولة بحكومتها تعود إلى عدن لممارسة مهامها الوطنية فى مرحلة استثنائية من عمر وطن يحلم بالدولة المدنية."
-"الحكومة تعى حجم المعاناة الكبيرة، التى يعيشها المواطن فى المدن المحررة، وكل التحديات القائمة، غير أنها تدرك بأن لا مناص من تولى المسؤولية والاستجابة لنداء الوطن فكما كان عملها فى الخارج من أجل استعادة الدولة والانتصار على قوى الشر فإن عملها فى الداخل لن يألو جهدًا لإكمال النصر وتطبيع الحياة وإعادة البناء والتأهيل لكل جميل تم تدميره."
- ""لا شك بأن ملف الإغاثة وإعادة الأعمار والبناء يشكل أولوية حكومية لتعود الحياة إلى طبيعتها وبناء مدن تتمتع بروح المدنية وطابعها الحقيقى بعد سنوات عجاف مضت عليها."
- "لن ننسى المقاومة الوطنية البطلة والعمل على دمجها في الحياة المدنية والأمنية والعسكرية بروح مسئولة فهم الحماة لهذا الانتصار وهذا الوطن."
- "سنعمل بكل ما أوتينا من قوة لأجل وطن يسوده الأمن والاستقرار ويعيش أهله في كنف التعليم والتطور والتنمية."
- "كفى الإنسان احترابا فقد حان وقت البناء، ولتكن عدن أنموذجا للتعايش والتسامح والمدنية."

ورغم التصريحات الرومنسية جدا التي ترفع التوقعات، فإنه لم يكن لدى خالد بحاح أي رؤية محددة للكيفية التي يمكن أن يبدأ بها في عدن بدون أي موازنة أو مخصصات للنفقات التشغيلية أو لإعادة البناء. وربما أن سبب محاصرة مسلحي الحراك الجنوبي لبحاح هو التصريحات التي كان قد أطلقها يوم عودته حول نية حكومته دمج "قوات المقاومة البطلة" في الحياة المدنية والأمنية العسكرية.

 وقد جاءت اللقاءات التي عقدها في عدن جد شكلية ولا هدف لها سوى التقاط الصور ومقاطع الفيديو التي يمكن لحكومته وللتحالف توظيفها إعلاميا للضحك على الناس بأن هناك شيئا ما يحدث على الأرض.

فقد التقى بحاح في يوم 20 سبتمبر وفد هيئة الهلال الأحمر الإماراتي برئاسة الأمين العام للهيئة محمد عتيق الفلاحي. ونقل إليه الوفد الإماراتي، كما ذكرت وسائل إعلامية بالحرف، "تحيات القيادة الرشيدة في دولة الإمارات، وممثل الحاكم في المنطقة الغربية رئيس هيئة الهلال الأحمر الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، إلى خالد بحاح"، وأبلغه بأن الهلال الأحمر الإماراتي يقوم بتنفيذ  13 من المشاريع التنموية والتعليمية والصحية والاجتماعية في عدن و"ستظهر نتائجها الطيبة على الشعب اليمني عما قريب."

أما حقيقة تلك المشاريع فلم تكن تزيد عن طلاء جدران المدارس بالرنج ورسم صور علم الإمارات العربية المتحدة عليها باعتبارها قوة استعمارية ناشئة، وطمس علم الجمهورية اليمنية، أو في أحسن الأحوال ترميم مبنى مركز صحي. وللإنصاف، فلابد أن دخول الإمارات إلى عدن قد شهد ازدهارا ملحوظا لتجارة الرنج والحناء، وإن كان قليلون قد لمسوا اثر ذلك في حياتهم.

وفي مساء ذات اليوم، 20 سبتمبر، التقى بحاح مدراء قطاع التربية والتعليم، والتعليم المهني بمحافظة عدن،  وأكد لهم أن الحكومة تعمل على توفير الاحتياجات الأساسية لبدء العام الدراسي غير أنه لم يطرح أي إجراءات محددة أو جدول زمني. وكان يكفي فقط أن يقول أن الحكومة مهتمة، ثم ينتظر أن يقوم التحالف أو فاعلوا الخير.   





تجربتي مع المركز العربي للأبحاث والدراسات (1+2)


الإهداء...إلى صديقي اللدود الدكتور محمد بن ناصر..لقد وصلتني جميع رسائلك وفهمتها جيدا وخصوصا الأخيرة منها، ولن أقول سوى عودا حميدا ولينصرن الله من ينصره. 




هكذا بدأت تجربتي كباحث في التعاون مع المركز العربي للأبحاث والدراسات ومقره الدوحة. فقد تلقيت في مايو الماضي دعوة لكتابة ورقة للمشاركة في ورشة عمل حول النزوح القسري في الدول العربية.

وانحصرت معلوماتي السلبية عن المركز حينها في جانبين:
الأول، انني نزلت ذات مرة من موقع المركز استبيانا مفبركا حول اليمن يزور اتجاهات الراي العام نحو ما حدث في موفنبيك، وما زلت احتفظ بالاستبيان، واصر على أنه مفبرك 100% ؛
والثاني ان دبلوماسي اجنبي  كان يخدم في الدوحة واتحفظ عن ذكر اسمه قال لي ذات مرة وفي سياق غلب عليه الهزل أن اثنين من اجهزة الاستخبارات يتنازعان السيطرة على المركز أحدهما الجهاز الذي نفذ هجمات الـ11 من سبتمبر، والثاني  الجهاز الذي قام بالتغطية على عمليات الأول.


وقد اعتبرت مقولته حينها بمثابة مزحة ثقيلة رغم حدسي القوي بأن أي مركز بحثي بحجم المركز العربي، او مركز المستقبل العربي، والأخير مقره في بيروت، لا يمكن له البقاء خارج نطاق سياسات الهيمنة الدولية والاقليمية، وهي هيمنة تتصف حاليا بالعداء للإنسان وحرياته وحقوقه الاساسية.  



**********
كنت قد أمتنعت منذ بداية الحرب رغم ظروفي القاسية التي لا يعلمها سوى الله عن المشاركة في اي عمل بحثي، وهذا التزام اخلاقي ذاتي نابع من احساسي بأن كل ما يمكن ان يكتب في ظل الحرب يمكن للعدو اللئيم المتربص أن يستفيد منه بطريقة أو بأخرى في شرعنة حصار وقتل وتجويع اليمنيين واستدامة مثل هذه الدوامة. 

دعوكم من شلة "مالك ابن الأشتر"، وشلة "اموت فيك يا امريكا ويا اسرائيل" وشلة "سيادة" فهناك اكاديميين في مختلف الجامعات اليمنية يقبضون على القيم كما يقبض الانسان على الجمر." 

لكن مع حلول السنة الخامسة من الحرب، ومع موضوع بريء مثل "النزوح القسري" الناتج عن الحرب، وجدت أنه من الصعب أن أقول "لا." فالنزوح الناتج عن الحرب هو أسوأ جوانب الأزمة الانسانية التي صنعها العدوان في اليمن والبحث في هذه الظاهرة مهما كانت صعوبة الظروف سيعطي هذه الشريحة الاجتماعية صوتا وقد يحدث تغييرا ايجابيا في أوضاعهم مهما كان محددوا. 



وربما أن ما شجعني على الاستجابة للدعوة هو خمسة اسباب على الأقل:

اولا، تبعية المركز للديوان الأميري بقطر ولا يعقل بمركز بحثي يتبع ديوان الأمير في دولة أن يمارس تصرفات غير أميرية تمثل الأمير أسوأ تمثيل.

ثانيا، أن رئيس المركز هو المفكر القطري من أصل فلسطيني عزمي بشارة صاحب هذه الهالة والأمبراطورية الاعلامية الكبيرة والذي لا يعقل أن يدير مركزا توظفه اجهزة الاستخبارات لشن الحروب النفسية والتعذيب النفسي وسرقة الباحثين باساليب بلطجية.

ثالثا، مهما كان سوء اخلاق وإنحطاط أي منظمة بحثية فإنها لا بد كحد أدنى أن تفرق بين قضايا انسانية بحتة يجب أن تبحث على أنها كذلك وبين قضايا الحرب والسلم.

رابعا، هناك فرق بين السياسة كممارسة لا تخضع  في عصرنا لأي قيمة اخلاقية محددة خارجة عنها وبين البحث العلمي في الظاهرة السياسية.

خامسا، يعمل الباحثون الجادون عادة في إطار ما يسمى بالنموذج البحثي أو الايديولوجية البحثية أو المدرسة أو البرادايم، وايا كان نوع ذلك النموذج فإنه يقوم على قيم اخلاقية معينة يصعب الاستخفاف بها أو الخروج عنها الا على السذج الذين يظنون أن القوة بالفعل يمكنها ان تصنع المعرفة.
  

وفي ظل الاعتبارات السابقة وافقت واقترحت موضوع ورقتي ...