الاثنين، 31 ديسمبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية... (36)



إذا كان الإرهاب قد مثل العصا التي تساط بها إيران على طاولة المفاوضات مع الـ5+1 ويطهر بها المسلمين السنة والشيعة من أدران التشدد والتطرف، فإن الحديث عن حل سلمي للصراع الدائر في اليمن قد مثل الجزرة لمكافأة إيران والمحسوبين عليها، ولإعطاء الحرب المزيد من الزخم.  فلم يكن هناك بالنسبة لأطراف الحرب من موضوع يمكن أن يؤجج الحرب ويفتح شهية المتحاربين للقتل  كلما  خمدت وخبت، مثل الحديث عن حل سلمي تفاوضي.

ولأن الحروب والفتن الداخلية والإقليمية والدولية في القرن الـ21 لا تحدث بشكل عشوائي، بل تخضع لأساليب حديثة في التحكم والسيطرة والتوجيه، فإن الحديث عن حل سلمي تفاوضي لأي حرب لا بد أن يكون جزءا من الخطاب الخاص بالحرب. وهذا بدوره يعني أن تكون الوساطة الدولية، التي تناط عادة بالأمم المتحدة أو إحدى المنظمات الإقليمية المعنية، حاضرة ومواكبة للصراع. وتتجسد تلك الواسطة، منذ إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945، عادة بمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، أو ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، والذي لا يقل دوره في أهميته بالنسبة لاستمرار الحروب عن دور  الجنرالات والمدافع والدبابات والطائرات.   

بالنسبة لليمن، فقد أعلنت الأمم المتحدة في 15 ابريل  2015 عن استقالة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر الذي بدأ العمل مع الأطراف اليمنية في عام 2011، وما حدث في الواقع هو إقالة المبعوث، بعد إصرار خليجي (يعني سعودي) على تغييره، وليس استقالته الطوعية. لكن أحدا لم يجد أي غضاضة في أن تحاول المنظمة حفظ ماء وجه المبعوث باللجوء إلى احد الحيل السياسية الشائعة وغير المكلفة والتي لا تتطلب سوى التلاعب بالألفاظ.

بعد تقديم بنعمر استقالته، أدلى في 27 ابريل 2015، بآخر إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي.  ونقلت عنه وسائل إعلامية يومها وفي الأيام التالية تصريحات أدلى بها خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد الجلسة، أكد فيها أن القوى السياسية اليمنية كانت قاب قوسين من التوصل إلى اتفاق وأن  الضربات الجوية التي بدأ التحالف بقيادة السعودية بشنها هي التي أحبطت مثل ذلك الاتفاق. وحذر بنعمر، الذي يمكن وصفه بدون تردد بـ"المؤمن الصادق" من إمكانية استفادة تنظيم القاعدة من  حالة الفوضى في اليمن.     

ولم يكن هناك من طريقة لفهم تلك التصريحات التي جاءت في الوقت الخطأ، إلا على أنها إقرار علني من قبل المبعوث المقال بمحدودية خبرته في السياسة والدبلوماسية.

وبينما اختلف الناشطون على الشبكات الاجتماعية حول الدور الذي أداه بنعمر، وخالج الشعور بالفشل بنعمر نفسه، إلا أن المسألة تظل نسبية. فمن وجهة نظر إدارة أوباما، فقد أدى المبعوث الدور المطلوب منه على أكمل وجه. لكن الأطراف الأخرى قد يكون لها وجهة نظر مغايرة.

وفي 25 ابريل 2015، ذكرت الأمم المتحدة أن الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ احمد، الذي لم يكن غريبا عن اليمن ونخبه السياسية والاجتماعية، سيخلف المبعوث المستقيل. كان المبعوث الجديد، قد شغل من بين مواقع كثيرة تولاها في الأمم المتحدة، منصب المنسق المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن خلال الفترة 2012-2014  ثم عين مطلع عام 2014 نائبا لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا. ولم يستمر طويلا في الموقع الأخير حيث عين في ديسمبر 2014 مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة لتنسيق جهود مكافحة فيروس إيبولا في غرب القارة الأفريقية.  

أجرى ولد الشيخ بعد تعيينه مباشرة جولة من المباحثات مع حكومة المنفى في الرياض، خلال الثلث الأول من مايو 2015.  وبالتزامن مع بدء الهدنة التي فرضتها إدارة أوباما على أطراف الحرب خلال الثلث الثاني من مايو، وصل ولد الشيخ إلى صنعاء لإجراء مشاورات مع أطراف الداخل، وعاد بعدها إلى الرياض لحضور المؤتمر الذي عقدته أطراف الخارج حول القضية اليمنية خلال الفترة من 17 وحتى 19 مايو.   

ومع أن المبعوث الجديد لم يكن قد أكمل شهرا منذ تعيينه، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فأجا الجميع في 20 مايو، اليوم التالي لاختتام أطراف الخارج مؤتمر الرياض بشأن القضية اليمنية،  بدعوة الأطراف المتحاربة في اليمن إلى مشاورات في جنيف تبدأ في 28 مايو 2015.  وفي حين قدم ولد الشيخ في ذات اليوم (20 مايو)، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، إحاطة  إلى مجلس الأمن الدولي في جلسة عقدها بشأن اليمن، فقد رحب أعضاء المجلس، في تصريحات صحفية عقب الجلسة، بالدعوة التي وجهها الأمين العام في ذات اليوم للأطراف اليمنية، إلى عقد مشاورات في جنيف، ودعوا الأطراف اليمنية إلى المشاركة بدون أي شروط مسبقة.

وتزامنت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى مشاورات يمنية في جنيف مع تسريبات إعلامية حول عزم حكومة المنفى إطلاق عملية "السيوف القاطعة" والتي يتم بموجبها التقدم بقوات من محافظات حضرموت ومآرب والجوف نحو محافظة صعدة التي تعد معقل الحوثيين وذلك بهدف تحريرها.  كما تزامنت كذلك مع عرض الجزيرة للفلم الوثائقي في "الطريق إلى صنعاء" والذي يحكي  بعض الظروف والملابسات التي قادت اليمن إلى الوضع الحالي الذي تجد نفسها فيه.