الثلاثاء، 31 يوليو 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(3)



عقب صدور أمر الملك سلمان  لقوات الحرس الوطني بالتحرك نحو الحد الجنوبي،  دٌعي مجلس الشئون الأمنية الذي تشكل بعد تولي الملك سلمان، برئاسة ولي-ولي العهد في ذلك الوقت محمد بن نائف، وحضر الاجتماع كما يعتقد لأول مرة كل من الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية ، والأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني، ولم يكن الاثنان قد حضرا أي اجتماعات سابقة رغم كونهما عضوين في المجلس بسبب أن سنهما أكبر من سن رئيس المجلس حينها (بن نايف)، ولأن النظام الداخلي للمجلس كان قد أتاح لأعضائه تجنبا للإحراج، إمكانية تكليف آخرين للحضور بالنيابة عنهم.

ورغم أن قرار  شن حرب على الحوثيين، والرئيس السابق، يدخل ضمن الاختصاصات الجوهرية لمجلس الشئون الأمنية، الا أن الواضح ومن خلال التطورات منذ بدء الحرب أن القرار كان قد أتخذ خارج المجلس، وأن وزير الحرس الوطني، الذي لا تخضع قواته لوزارة الدفاع أو الداخلية، قد استبعد من المشاركة في اتخاذه لأنه كما اعتقد متخذو القرار كان سيعارض شن الحرب، وقد يتصرف بطريقة تجعل شن الحرب أمرا غير ممكن، او ربما يذهب ابعد من ذلك فيسرب خبر بدء الحرب الى رئيس اليمن السابق الذي تربطه به علاقة وثيقة. 


وهكذا برز في التغطيات المتصلة بكل ما يتعلق بعاصفة الحزم منذ بداية الحرب اسم محمد بن سلمان نجل الملك ووزير الدفاع، والى حد أقل بكثير اسم محمد بن نائف ولي-ولي العهد ووزير الداخلية، والاثنان من أعضاء المجلس ومن الجيل الثالث في الأسرة الحاكمة، ووصفتهما صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في تحليل نشرته في منتصف مايو 2015 ، بأنهما من أقوى مؤيدي الحرب في اليمن.

كان لاجتماع  مجلس الشئون الأمنية  يوم 21 ابريل 2015 أهمية بالغة، إن لم يكن الاجتماع الاهم منذ تشكيل المجلس ولسنوات عديدة قادمة، لأنه سيعمل إما على إنقاذ الحرب التي وصلت إلى مأزق حقيقي، أو على إنقاذ قوات الحرس الوطني من محرقة رهيبة أعدت لها بإحكام. والأهم من كل ذلك، أن أمراء الجيل الثالث من ال سعود، الذين يفتقرون جميعا الى المراس في هذا النوع من الالعاب، سيلتقون لأول مرة بدون كبارهم وسيتولون عن طريق الحوار والنقاش والمناورات اقناع بعضهم بعضا وبناء الاجماع حول قرار ما.

وكما يحدث عادة، في مثل هذه الحالات، فإن ابن الملك "السلف" يكون في وضع أسوأ من ابن الملك "الخلف." وزيادة على ذلك، فإن الأمر الذي اصدره الملك بصفته القائد الأعلى لكافة القوات كان قد حشر وزير الحرس الوطني في زاوية ضيقة. فقد انحصرت المهمة الأساسية لاجتماع مجلس  الشئون الأمنية ، بعد صدور امر الملك،  في الاستماع الى ما لدى وزير الحرس من تحفظات وما يواجهه من صعوبات، وعلى أن تتخذ القرارات اللازمة بشأنها. وفي حين كان يمكن نظريا لقائد الحرس الوطني أن يطالب أعضاء مجلس الشئون الأمنية باتخاذ قرارات معينة لمعالجة  مشكلات او تقديم تسهيلات في مواجهة عقبات، فإنه لم يكن يستطع الاستمرار في رفض تحريك القوات بحجة أن الحرب لا تخدم مصالح المملكة أو ما شابه، لأن ذلك سيعد تمردا عسكريا مكتمل الأركان.  

الاثنين، 30 يوليو 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(2)


بعد يوم واحد من "انفجار فج عطان" سيئ السمعة، أي في يوم 21 ابريل 2015، شهدت العاصمة السعودية عددا من التطورات الدرامية السريعة، غير المتوقعة، وغير المفهومة للكثير من المتابعين داخل السعودية وخارجها. بدأ ذلك اليوم، بإصدار الملك سلمان أمرا إلى وزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب نجل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز بتحريك قواته نحو الحدود الجنوبية للسعودية للمشاركة في عمليات "عاصفة الحزم" بما يعنيه ذلك من إرسال تلك القوات الى مواقع تبعد عن العاصمة السعودية الرياض بمئات الكيلومترات، وبالتالي تحييدها في أي صراع قادم على السلطة بين سلمان ونجله من جهة، ورجال العهد السابق من جهة ثانية. 


وجاء أمر الملك بتحريك قوات الحرس الوطني بعد أيام من خلافات عاصفة بين وزير الدفاع (نجل الملك الحالي) ووزير الحرس الوطني (نجل الملك السابق) حول مشاركة قوات الحرس الوطني في الحرب الدائرة مع الحوثيين.  وبدت الفجوة بين نجل الملك الراحل (السلف)، ونجل الملك الجديد (الخلف) جد واسعة، وإن حرص الطرفان على إبقاء الخلاف طي الكتمان، وإظهار موقف موحد من الحرب العدوانية والبربرية التي تشنها الطائرات الأمريكية باسم بلادهم على اليمن.



بالنسبة لمحمد بن سلمان وزير الدفاع، فقد مثلت الحرب دفاعا عن أمن السعودية وجيرانها في مواجهة الحوثيين والرئيس السابق المدعومين من ايران، والذين استولوا على السلطة في اليمن، ونهبوا اسلحة الجيش وباتوا يمثلون من وجهة نظره تهديدا لأمن المملكة وأمن جيرانها. أما من وجهة نظر الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني القريب بمواقفه وتوجهاته السياسية من الحوثيين والرئيس اليمني السابق والبعيد كثيرا عن سلمان ونجله، فقد اختلفت الصورة كليا. فقد كان يرى، رغم العلاقات الوثيقة التي تربطه بالأمريكيين، أن ادارة اوباما استغلت طيش واندفاع  وزير الدفاع للعمل على توريط المملكة في حرب غير واضحة الأهداف، وضد تهديد لا وجود له.




ولم تكن المسألة مجرد اختلاف في الرأي حول الحرب، بل تعدت ذلك إلى خلاف عميق بين جناحين داخل الأسرة الحاكمة حول ما اذا كان على قوات  الحرس الوطني التي يقودها متعب أن تشارك في الحرب أم لا.  فبالنسبة لبن سلمان، فإن الفشل في تحريك قوات الحرس الوطني نحو الحد الجنوبي يعني أن الغرض الأساسي للحرب قد أنتفى، وأن الحرب في هذه الحالة تكون قد حققت أهدافها ووصلت إلى نهايتها ولم يتبق سوى الاعلان عن النهاية رسميا.



وقد أعد بن سلمان نفسه لخيار اعلان انتهاء الحرب، وهو أسوأ الخيارات، بطريقتين على الأقل: الأولى من خلال التصريحات التمهيدية التي يدلي بها المتحدث الرسمي باسم التحالف العميد ركن احمد عسيري المستشار بوزارة الدفاع السعوديةعن قرب انتهاء المرحلة الأولى من الحرب بعد تحقيق أهدافها وإن اتصفت تلك التصريحات بالغموض؛ والثاني تفجير عطان.



بالنسبة لعسيري، فقد تناقلت له مختلف وسائل الاعلام تصريحات أدلى بها خلال المؤتمر الصحفي اليومي للتحالف يوم 19 ابريل 2015 أكد فيها أن التحالف دمر 80% من مستودعات الأسلحة الخاصة بالحوثيين وحيد 95% من اسلحتهم المستخدمة في الدفاعات الجوية، والغموض عند الحديث عن الأسلحة المستخدمة في الدفاعات الجوية، مقصود. وعندما سأل احد الصحفيين عسيري عن "الصواريخ البالستية"، رد إنها دمرت، وقال جازما إنها لن "تشكل تهديدا على دول الجوار" والغموض الذي يشوب مصطلح "دول الجوار" مقصود ايضا.



ويمتاز مصطلح "الدول المجاورة/دول الجوار" بأنه يضفي مسحة من القداسة على حرب الطائرات التي يشنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما على اليمنيين باسم السعودية، ويجعل من السعودية بقيادة سلمان وابنه بمثابة الاخ الأكبر الذي يهب لإنقاذ شقيقاته الخمس الصغيرات من براثن "الغول" الذي ظهر في اليمن. ويبني مثل هذا الخطاب الاعلامي المراوغ والمخادع، وإن بسذاجة بالغة، على ما ترسخ في الذاكرة الشعبية الخليجية عندما قام الأخ الأكبربالاستنجاد بـ"آل بوش" لإنقاذ شقيقته الصغرى من براثن صدام حسين، وما يغفله مثل هذا الخطاب، هو أن الأخ الأكبر كان هو الذي دفع بشقيقته في أحضان "الوحش" حتى يتمكن من استدراج الوحش الى المصيدة، غير عابئ بما سيلحق بالشقيقة من أذى نفسي ومادي.



وفيما يتصل بتفجير عطان، فقد خطط له ليكون "أبو التفجيرات"، وليضع نهاية لقول كل خطيب، وليكن إذا أقتضى الأمر، مبررا كافيا لوضع نهاية للحرب يسمع دويها العالم كله وليس فقط سكان اليمن والجزيرة العربية والقرن الأفريقي والمحيط الهندي.



وبينما بدا في الظاهر أنه يمكن لخلاف الأميرين أن يضع نهاية سريعة لواحدة من أشد الحروب عبثية في التاريخ الانساني، الا أن الحقيقة المروعة التي لم يكن يدركها أي من الطرفين المتخاصمين هي ان قرار الحرب والسلم لم يكن بيد أي منهما، لأن  بذرة الفتنة التي يختلفان حولها كانت قد القيت في التراب قبل عقد ونصف على الأقل، بينما كان طفل سلمان المدلل ما زال تلميذا في المرحلة الأساسية، وقد نمت بذرة الفتنة وترعرعت خلال سنين، وبدد في ريها الكثير من الأموال والكرامات، ووصلت في النهاية إلى مرحلة من التجذر بات من الصعب على أي كان أن  يقتلعها قبل أن ينضج ثمرها المر.





الأحد، 29 يوليو 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(1)



في ضحى يوم 20 ابريل 2015،  كان جو مدينة صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية غائما كما يكون عليه عادة في معظم أيام فصل الربيع، وكان سكان المدينة التي تتعرض لقصف عدواني عنيف منذ أواخر شهر مارس يتابعون شئون حياتهم اليومية كالمعتاد، وكأن شيء لم يكن. أرتص الاف السائقين بسياراتهم في طوابير طويلة أمام محطات البنزين، وراحت الباصات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي يعمل معظمها بالغاز المسال تزدحم بالركاب، وبدأ طلاب الصفوف الأولى من المرحلة الأساسية في العودة الى منازلهم مبكرا كعادتهم منذ بدء الحرب.

وعند حوالي الحادية عشر صباحا، دوى انفجار هائل في جنوب المدينة قيل أنه الأضخم منذ بدء الحرب، وأنه سمع بالآذان المجردة في مختلف ارجاء المدينة وضواحيها وفي مديريات ارحب وسنحان وبني مطر وبني حشيش، وأنه أدى الى اندلاع حزمة من النار كادت تربط بين الأرض والسماء. وتصاعدت، نتيجة الانفجار، سحب ترابية غطت مساحات واسعة من سماء جنوب المدينة، غير أن رادارات العيون المجردة الساكنة بعيدا عن مركز الانفجار قد حرمت نتيجة الأجواء الغائمة من مشاهدة تلك السحب.

نتج الانفجار عن قصف طائرات أمريكية تعمل تحت غطاء ما يسمى بالتحالف العربي بقيادة السعودية لما وصف بأنه مخزن تابع لألوية الصواريخ في الجيش اليمني يقع في الجبل المعروف بـ"فج عطان"جنوب صنعاء. وبينما اختلفت الروايات حول نوع الصاروخ، أو القنبلة التي استخدمت، فقد أدى الانفجار ذاته، حسب الأرقام التي نشرتها بعض وسائل الاعلام التابعة للحوثيين والرئيس السابق، إلى مقتل أكثر من 90 شخصا وجرح حوالي 400 بينهم نساء وأطفال. وتعرضت، نتيجة الانفجار، المئات من المباني والمئات من السيارات والعديد من الواجهات الزجاجية للمحلات التجارية ونوافذ المنازل الى اضرار تراوحت بين الجسيم والطفيف. ومن بين المباني التي تضررت بسبب الانفجار مبنى قناة اليمن اليوم المملوكة للرئيس السابق، والقريبة من الموقع. كما أدى الانفجار وما رافقه من خوف وهلع الى حدوث موجة نزوح كبيرة وفورية للسكان القريبين من مركز الانفجار.

وعزى سبب سقوط عدد كبير من الضحايا، رغم وجود تناقضات في الأرقام، إلى عدد من العوامل ربما كان أهمها ما يلي:

- الشظايا الناتجة عن الانفجار الهائل، والذي أودى بكتلة كبيرة من الجبل، في حدث يشبه الانهيارات الصخرية التي عادة ما تحدث في المناطق الجبلية، وإن كانت طبيعة جبل عطان البركانية قد جعلت الانهيار يخلف اكواما من الحصى والرمل مما خفف من الدمار الذي كان يمكن ان يلحق بالأرواح والممتلكات.

- سرعة اندفاع الرياح التي أدت بالتضامن مع الشظايا إلى تحطم نوافذ المنازل والأبواب الزجاجية والسيارات، وقد أمتد تأثير هذا العامل إلى مناطق تبعد بضعة كيلومترات عن موقع التفجير.

- الهزة الأرضية التي أحدثها الانفجار والتي أدت إلىانهيار أجزاء من المباني السكنية القريبة من الموقع.

- عدم وجود تحذير مسبق للسكان، رغم أن مجمع الأمم المتحدة الواقع بالقرب من موقع الانفجار ابلغ موظفيه بالبقاء في منازلهم ذلك اليوم نظرا للظروف الأمنية في مؤشر على معرفة مسبقة بما سيحدث

ولم يكن قصف الطائرات والبوارج الحربية لمعسكر الصواريخ جنوب غرب العاصمة اليمنية، الأول من نوعه، فمنذ بدء عمليات قصف الطائرات للعاصمة اليمنية والمدن اليمنية الأخرى في 26 مارس 2015 وحتى يوم الانفجار الكبير، والطائرات والبارجات تحاول بمختلف أنواع الصواريخ إحداث انهيارات في اجزاء من الجبل بحثا عن مخازن الصواريخ المفترض وجودها في باطن الجبل.

والأكثر من ذلك، هو أن عددا من اجهزة الاستخبارات الخارجية كانت قد نشطت لعقد كامل على الأقل في زرع المحسوبين عليها في الأحياء المحيطة بالجبل، وبلغ الهوس بتلك الأجهزة حدا جعلها تدشن العمل بمشاريع استثمارية خارجية تكلف المليارات في مناطق قريبة جدا من الموقع المفترض لمخازن الصواريخ، وذلك بهدف استخدام الاعمال الانشائية كغطاء لأعمال المراقبة على مدار السرعة والقيام بدراسات واختبارات جيولوجية للمكونات الترابية والرملية والصخرية للجبل الأجرد.

وعد انفجار عطان الذي وقع قبل ظهر يوم 20 ابريل الأكبر من نوعه على الإطلاق منذ اندلاع الحرب، وحتى الآن.  واستمد الانفجار أهميته في تاريخ الحرب العدوانية الدائرة ليس فقط من حجم المادة المتفجرة، وما أحدثه من دمار وخلفه من ضحايا، ولكن أيضا من عملية النفخ والتهويل التي قام بها الاعلام والتي اراد التحالف من خلالها جعل الحدث نقطة تحول في مسار الحرب. 

وهكذا بدا "انفجار عطان"، مع مراعاة الفارق في الدرجة وفي الأهداف، اشبه ما يكون بإلقاء الأمريكيين مع نهاية الحرب العالمية الثانية بقنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في يومي 6 و9 اغسطس 1945، في حدث أفضى في النهاية الى استسلام اليابان في 15 اغسطس من ذات العام، ووضع نهاية للحرب العالمية الثانية.

الخميس، 26 يوليو 2018

نقاشات محرمة...مستقبل الحرب في اليمن 4-6

(4)

عبر السعوديون عن خيبة أملهم من الطريقة التي تتعامل بها إدارة ترامب بشأن الحرب في اليمن ومن التناقضات التي تظهر في مواقفها. ففي حين تتبنى مواقف متشددة من التدخلات الإيرانية في البلاد العربية، وبادرت بشجاعة إلى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، فإنها عندما يقرر حلفاؤها في المنطقة التخفيف من حدة التهديد المتزايد الذي يمثله الحوثيون المدعومون من إيران على أمنهم، تلجأ إلى تبني مواقف رمادية يصعب فهمها. 

وفند الجانب السعودي النقاط الأربع التي طرحها الجانب الأمريكي نقطة نقطة. بالنسبة للنقطة الأولى، فقد رد السعوديون أن الأجل الطويل في حال الحرب الدائرة قد يكون مكلفا جدا إن لم يكن للسعودية كدولة، فللنظام الجديد. وأبدى السعوديون شكا كبيرا في قدرة الحرب في اليمن على توفير الغطاء الذي يتم الحديث عنه بالنسبة للمستقبل وخصوصا بعد تطورات يوم 4 نوفمبر وما سببته قضية الحريري من إحراج للمملكة.
لكن السعوديين أكدوا من جديد أنهم لا يسعون إلى الحسم العسكري ويدركون حساسية مثل هذا الأمر غير أنهم يريدون ضمان عدم تطور الأمور بطريقة غير محسوبة وخصوصا في ظل بقاء الحوثيين في الساحل الغربي وما يجنونه من أموال طائلة من ميناء الحديدة يخشى أنه يتم توظيفها للحصول على أسلحة حديثة أو العمل على تطوير ما لديهم من أسلحة، وبطريقة تحرف الحرب بالفعل عن اي مسارات رسمت لها بداية. 

ورد السعوديون على النقطة الثانية أن على حلفاء بلادهم، أن لا ينسوا اسم الطرف الذي أعلن الحرب ويقوم بقيادة التحالف، والذي يتوجه إليه اليمنيون في معسكر الشرعية بالخطاب. وأكد السعوديون أنهم يواجهون بشكل متزايد صعوبات في التعاطي مع الحكومة الشرعية التي صور التدخل منذ البداية على أنه تم بطلب منها ولنصرتها وان السياسات التي تنفذها الإمارات بالتنسيق مع الولايات المتحدة في المناطق المحررة وخصوصا في التعاطي مع الشرعية واغتيال أئمة المساجد وحلفاء السعودية من السلفيين لا تسهل المهمة بالنسبة للسعودية، وأن المواطنين السعوديين يتلقون بشكل مستمر ضخا إعلاميا حول الممارسات الإماراتية والأمريكية التي تتم بغطاء سعودي، وأن الحكومة السعودية تخشى أن تتسع دائرة السعوديين المعارضين للحرب، وأن تقييماتها تشير إلى تحولات واسعة في الرأي العام اليمني وبين النخب اليمنية بمختلف توجهاتها بما فيها تلك النخب التي أخذت منذ البداية جانب السعودية. 

وأشار الجانب السعودي إلى أنه في الوقت الذي يلتزم فيه ولي العهد بما تم التوصل إليه من تفاهمات بشأن ترتيب وضع الشرعية في المرحلة الحالية، فإن الملك ما زال صاحب السلطة الكاملة ويستمع إلى بعض الأصوات التي تتمكن حينما يغيب عن المملكة من الوصول إلى الملك بطريقة أو بأخرى وإقناعه بتغيير بعض المواقف والسياسات. 

وأبدى الجانب السعودي دهشته لما يذهب إليه الأمريكيون في النقطة الثالثة مشيرا إلى أنه يتناقض بشكل كلي مع النجاحات التي يحققها الأمريكيون في محاربة الإرهاب في المناطق المحررة مقارنة بالمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون مشيرا إلى أن ما يتم في المحافظات الجنوبية لا يختلف عن ما مارسه الأمريكيون في سجن ابو غريب في العراق، وأن هناك من يشبه تعامل الأحزمة الأمنية في محافظات الجنوب مع أبناء الشمال بتعامل حكومة إسرائيل مع الفلسطينين. 

أما بالنسبة للنقطة الرابعة فقد طلب السعوديون توضيحا حول ما يعنيه الأمريكيون بان "الحسم العسكري" يمثل تهديدا لمصالحهم، مؤكدين استغرابهم من وجود مصالح للأمريكيين ليسوا على علم بها وتتناقض مع المصالح السعودية. وأضاف احد المشاركين السعوديين وكان اكثر حدة من غيره أن بلاده تشعر أحيانا بأن الأمريكيين يتعاملون وكأن اليمن دولة المكسيك، وهذا الدور حديث العهد يتناقض مع الالتزامات التاريخية للأمريكيين قبل السعودية فيما يتصل باليمن.

(5)

ذهب الجانب الأمريكي في رده على مداخلات الجانب السعودي إلى أن بلاده تتفهم المخاوف السعودية بشأن الحديدة ومينائها وأنها على استعداد للعمل مع السعوديين لإيجاد مخارج ولو من باب كسب الوقت وإخضاع الوضع للمزيد من الدراسة والتمحيص. 

وقال أن أكثر ما يقلق بلاده هو أن يؤدي سقوط الساحل الغربي إلى خروج الأمور عن السيطرة أو أن يستدعي تدخلات لصالح الحوثيين من قبل قوى دولية بشكل أو بآخر نتيجة لما قد تشعر به تلك القوى من تهديد لمصالحها مذكرا أنه من وجهة نظر بلاده أن استمرار أي حرب ذات هدف سام كتلك التي تجري الآن في اليمن بحاجة إلى طرفين على الأقل يتوفر لكل منهما قدرا كبيرا من مشاعر الكراهية تجاه بعضهما بالإضافة إلى الموارد.



وأضاف الجانب الأمريكي أن الحرب في اليمن لا تدار من قبل الرئيس ترامب أو الحزب الجمهوري وأن الديمقراطيين يلعبون دورا كبيرا فيها ولهم تصوراتهم التي قد تختلف تماما عن مواقف وتصورات الجمهوريين ناهيك عن دور الإعلام الليبرالي وما يمكن أن يسببه من صداع. كما أن الأوروبيين يلعبون دورا هاما في موضوع ميناء الحديدة والحرب في اليمن إجمالا، ولا تستطع الولايات المتحدة تجاهل مواقفهم. 

وأكد أن على السعوديين أن لا ينسوا أبدا أن الحرب التي يشنها التحالف على اليمن بدءوها بالشراكة مع إدارة اوباما الذي كان يتبنى سياسات داعمة ومنحازة لإيران وان الحرب أعلنت من مؤتمر صحفي عقد في واشنطن. 

وأكد الجانب الأمريكي، في بحثه عن مخارج من الوضع، أن السعودية ستنشغل خلال الأسابيع القادمة بموسم الحجم وأن الأمريكيين يتمنون أن يتم تجميد النقاشات وتهدئة العمليات على الأرض في الساحل الغربي حتى مطلع العام القادم لأن الأشهر القليلة القادمة ستشهد انتخابات نوفمبر 2018، وهي أهم انتخابات تشهدها أمريكا منذ فوز ترامب بالرئاسة وان تلك الانتخابات ستحدد أشياء كثيرة، ولا تريد إدارة ترامب أي تأثيرات سلبية غير متوقعة على تلك الانتخابات. 

وبالنسبة لموضوع "الشرعية"، فقد أبدى الجانب الأمريكي استغرابه من ما يشهده الموقف السعودي من تذبذب وتحولات مفاجئة تناقض ما تم الاتفاق عليه منذ وقت مبكر حول الدور الذي ينبغي أن تلعبه الشرعية والحدود التي يجب إلا يتجاوزها مشيرا إلى أن الحرب وصلت إلى مرحلة كسبت فيها شرعيتها الخاصة ولم تعد بحاجة إلى مباركة من أي طرف. وفي حين أبدى تفهمه لما يعانيه ولي العهد السعودي من تدخل أطراف في الأسرة لتغيير الموقف عن طريق السياسات، فقد أكد الجانب الأمريكي مجددا على أهمية إبقاء ما يسمى بالشرعية في الظل وعدم تمكينها من تصدر المشهد محذرا من طموحات هادي ومساعيه لبناء قوات عسكرية ذات أساس وولاء عصبوي وما يمكن أن يمثله ذلك من تهديد مستقبلي لا يقل في خطره عن التهديد الذي تمثله الجماعات المتطرفة، مضيفا أن تصفية مثل تلك القوات يمثل أولوية ينبغي التركيز عليها.

(6)

أعاد الجانب الأمريكي التذكير بأن خالد بحاح الذي يحتفظ التحالف والأمريكيين بعلاقات جيدة معه كان وسيظل يمثل الشخصية المناسبة للقيام بدور مستقبلي ناصحا السعوديين بالإبقاء على خطوط مفتوحة معه وبناء الإجماع حوله داخل الدائرة الضيقة للحكم موضحا بأن أمثال بحاح من شخصيات مدنية يمكن إحضارهم إلى المشهد أو إخراجهم منه دون دفع الكثير من التكاليف وان هذا النوع من الكادر السياسي وليس مراكز القوى هو الذي سيدير اليمن مستقبلا. 

كما نوه المتحدث على سبيل الإضافة، أن قيادات المجلس الانتقالي، وبعض أقارب الرئيس السابق يمكن أن يلعبوا أدوارا في كبح جماح الشرعية، ومنعها من الانحراف بمسار الحرب في أي اتجاه كان خدمة لمشاريعها الخاصة وبعيدا عن الاستراتيجيات المحكمة للتحالف. وأكد الجانب الأمريكي أن بلاده حريصة على العمل، بالتعاون مع حلفائها، على إيجاد بدائل ومنافسين لرموز وقيادات الشرعية وكذلك للحوثييين ولكافة الجماعات التقليدية والصاعدة حتى لا يصبح الأمن الإقليمي والدولي رهينة بيد طرف معين، وحتى لا يتمكن أي طرف من التحول إلى عبء. 

وأشار الجانب الأمريكي في هذا الصدد إلى أهمية استمرار الناشطين على الشبكات الاجتماعية والمواقع التي تديرها الأجهزة الأمنية للتحالف بشكل خفي وكذلك القنوات الفضائية في ضخ الأخبار حول فساد الشرعية والحوثيين والمجلس الانتقالي ونائب الرئيس واسرة الرئيس السابق، وأن يتوازى ذلك مع منهجية للدعم لتلك الجماعات تتضمن عملية إفساد منظم وموثق تشجع على المحسوبية والنهب وتعيين الأقارب وتخصيص مرتبات كبيرة ونهب الأموال وأن يتم استخدام كل ذلك في الحملة الدعائية، وذلك بهدف إضعاف شعبية كل تلك الجماعات في أعين اليمنيين وحرمانها من أي دعم شعبي يمكن ان تحصل عليه محليا أو على المستوى الوطني بفعل الحرب وذلك حتى تبقى اليد العليا والكلمة الأولى والأخيرة للتحالف الداعم وأصدقائه. وحذر من أن أي تهاون في هذا الجانب وخصوصا في الظروف الحالية يمكن أن تكون له تكلفته العالية. 

كما شدد الجانب الأمريكي أيضا على أن تركز العمليات النفسية على منع أي تقارب بين الجماعات وداخل كل جماعة وأن يتم إضعاف كل جماعة عن طريق خلق التيارات داخلها والدفع بقيادات متناقضة ومتصارعة في المواقع الرئيسية، وأن يكون الرابط الوحيد الذي يجمع أفراد كل جماعة أو قوة والمحفز الرئيس للإنجاز هو الولاء للطرف الراعي له ضمن التحالف.
ورد المشاركون من الجانب الأمريكي على استيضاحات السعوديين حول المصالح الأمريكية التي يمكن أن تتعرض للتهديد بأنهم يعبرون عن مواقف بلادهم كما تم توجيههم بالتعبير عنها وأنهم سينقلون إلى رؤسائهم مطالب السعوديين بالتوضيحات مؤكدين من حيث المبدأ انه من الطبيعي أن تكون الزوايا التي تنظر منها الولايات المتحدة إلى الوضع في اليمن مختلفة عن تلك التي ينظر بها السعوديون.

السبت، 21 يوليو 2018

نقاشات محرمة...مستقبل الحرب في اليمن

(1)

على عكس الوضوح الذي اتسم به النقاش بين الجانبين السعودي والأمريكي فيما يتعلق بإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية في الداخل السعودي، فقد شعر الجانبان فيما يتعلق بالحرب في اليمن بأن هناك الكثير من النقاط المعتمة ليس فقط بالنسبة للجانب السعودي ولكن أيضا بالنسبة للجانب الأمريكي. وبدا النقاش في بعض فصوله أشبه ما يكون بحوار الطرشان. 

وقد أثنى السعوديون في البداية على الدور الذي يلعبه الجانب الأمريكي في تخطيط وإدارة وتنفيذ العمليات العسكرية وخصوصا الجوية، وأكدوا بأنهم يشعرون بالارتياح أكثر فأكثر بمرور الزمن من المهنية العالية التي ينفذ بها الجانب الأمريكي التزاماته بموجب اتفاقيات الحماية بين البلدين، حتى في حالات وجود اختلافات في الرؤية. 

كما أثنى السعوديون على الدور الذي لعبه الجانب الأمريكي في دعم النظام الجديد في السعودية في مواجهة ما بات يعرف بأزمة 21 ابريل 2015 والتي نشأت جراء تمرد رئيس الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله على أوامر الملك بتحريك قوات الحرس الوطني إلى الحد الجنوبي للمملكة، ومثلت تهديدا لاستمرار الحرب واستقرار النظام. وأشار السعوديون إلى أنه لولا الجهود التي بذلها الجانب الأمريكي في احتواء الأزمة وإيجاد المخارج المناسبة وإقناع رئيس الحرس الوطني بالالتزام بأوامر القائد العام للقوات المسلحة لربما تطورت الأمور بشكل سلبي. وسارع مشارك من الجانب الأمريكي إلى القول، في انتقاد ضمني لإدارة أوباما، أن ما حدث خلال تلك الأزمة يبرهن على عمق العلاقات الأمنية السعودية الأمريكية وقدرتها على تجاوز الخلافات السياسية.



واتفق الجانبان في تقييمهما للدور الذي لعبته الحرب في إبراز الأمير محمد بن سلمان كرجل دولة محنك، وما وفرته الحرب للنظام الجديد من غطاء لاتخاذ أكثر القرارات جذرية وراديكالية في تاريخ السعودية. فقد خلقت الحرب، كما ذهبت النقاشات، الحاجة إلى تحريك قوات الحرس الوطني التي تمركزت وحداتها في الرياض ومثلت التهديد الأبرز للنظام الجديد إلى مواقع في الحد الجنوبي تبعد عن العاصمة الرياض بمئات الكيلومترات. وبإبعاد قوات الحرس عن الرياض، انكشف الغطاء عن ترتيبات النظام القديم، وتمكن سلمان ونجله من إبعاد الأمير مقرن عن ولاية العهد في 29 ابريل 2015، أي بعد أسبوع واحد فقط من تحريك قوات الحرس نحو الحدود. 

ثم توالت، على وقع انفجارات صواريخ الحوثيين البالستية (إيرانية الصنع) في سماء مدن المملكة، خطوات الإصلاحات الهامة. فتم تصفية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أنشأت في عام 1926، وابعد المئات من القيادات المحسوبة على النظام السابق، واعفي محمد بن نايف ولي العهد الجديد من جميع مناصبه في يونيو 2017، وحل محمد بن سلمان مكانه. وبلغ النجاح ذروته في 4 نوفمبر 2017 بعزل وتطويق وتوقيف ابرز معارضي النظام الجديد ومنافسيه من رموز العهد السابق وفي مقدمتهم رئيس الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله نجل الملك الراحل، والأمير الملياردير الوليد بن طلال، والعشرات غيرهم من الأمراء ورجال الأعمال والشخصيات النافذة. 

وفي حين سارع احد المشاركين الأمريكيين إلى التذكير بما حظيت به العملية من دعم على أعلى مستوى في الإدارة الأمريكية خلال مراحل التخطيط والتنفيذ والى المشاركة الأمريكية الرمزية كما وصفها في تنفيذ العمليات النفسية المصاحبة، فقد أشاد مشارك سعودي بدور الملك سلمان وحكمته في إرسال قوات الحرس الوطني إلى الحد الجنوبي ثم صبره الطويل خلال عامين ونصف حتى تتهيأ الظروف قبل أن يفعل ما لم يكن هناك بد من فعله.

(2)

ذكر مشارك من الجانب الأمريكي أن الحرب أيضا مكنت النظام الجديد من تنفيذ أكبر عملية ضد أصدقاء إيران (ربما يقصد شيعة السعودية) في تاريخ المملكة باستخدام العصا في يد والجزرة في اليد الأخرى، فجردت إيران إلى حد كبير من أهم أسلحتها في الداخل السعودي، وفعلت ذلك وهي ترتدي قبعة الإخفاء (يقصد أن العملية لم تثر ضجة دولية). 

كما مكنت الحرب، حسب احد المشاركين السعوديين في النقاشات الدائرة حول مستقبل الحرب في اليمن، محمد بن سلمان نجل الملك من التحرك نحو العرش بسرعة الضوء. في يناير 2015، عين وزيرا للدفاع، وبعد حوالي 3 أشهر أصبح وليا لولي العهد وزيرا للدفاع، وبعد أكثر من عامين بقليل أصبح ولي العهد والممارس الفعلي لسلطة الملك، وأصبح لديه من المناصب ما يحتاج إذا ما تم تدوينه إلى مجلد كامل. ولم يعد يعيقه عن الجمع بين اللقب الرسمي (الملك) والسلطة الفعلية سوى بقاء والده على قيد الحياة. 

لكن معاون آخر لأبن سلمان حذر من المبالغة في تقييم ما تحقق من نتائج وسارع إلى إبلاغ الأمريكيين في جلسة نقاش لاحقة للزيارة المطولة التي قام بها بن سلمان إلى الولايات المتحدة أن ولي العهد الذي يراهن عليه الجميع يشعر رغم كل النجاحات التي تحققت بقلق شديد منذ منتصف ابريل 2018 مرجعا أسباب ذلك القلق إلى ما تكشف لولي العهد وبشكل مفاجئ كما نقل المعاون أن بعض الأطراف داخل الأسرة ما زالت قادرة على استغلال الأخطاء التي قد تحدث والعمل عن طريق والده على تقييد سلطته وإحراجه أمام حلفاء المملكة كما حدث مثلا خلال زيارته المطولة تلك عندما سارع الديوان الملكي إلى إصدار بيان بشأن موقف المملكة من القضية الفلسطينية ناقض فيه ما عبر عنه ولي العهد من مواقف وما أدلى به من تصريحات.

وما حز في نفس ولي العهد أكثر من البيان، حسب ما نقل المعاون، أنه اضطر إلى التنقل من دولة إلى أخرى في دول لم تكن على جدول زياراته حتى يهدأ والده ويسمح له بالعودة إلى المملكة، وأنه عند عودته إلى الرياض تم تهميشه تماما في كل ما يخص القمة العربية التي عقدت في الظهران، وتم تغيير اسم القمة العربية في اللحظات الأخيرة إلى "قمة القدس" في خطوة بدت وكأنها موجهة ضده وضد حلفائه في واشنطن، وبدا البيان الختامي، كما أضاف المعاون، وكأنه توبيخ لولي العهد وحلفائه في واشنطن. 

وفي حين تصدر سعود بن نايف ابن عم ولي العهد، كما ذكر المعاون، القنوات الإخبارية وهو يستقبل ويودع الملوك والرؤساء، تجنبت وسائل الإعلام ولأول مرة، اسم ولي العهد ووجهه كما يتجنب الأصحاء المصاب بالجرب. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل تم إيقافه عن العمل ووجه له الأمر بملازمة منزله لأسابيع وكأنه تلميذ في مدرسه.

وأضاف المعاون أن ولي العهد يشعر أن لقب "ملك الأمر الواقع" قد تعرض للاهتزاز وبات يخشى الآن أكثر من أي وقت سابق أن يتمكن خصومه في الأسرة وفي المجتمع من إعاقة وصوله إلى السلطة في حال توفي والده خصوصا بعد التراجع المخيف لشعبيته في أوساط السعوديين جراء السياسات التي تبناها والتي بقدر ما رفعت التوقعات عند الناس فإنها لم تثمر حتى الآن سوى علقما.

(3)
 
قال مشارك سعودي في النقاشات الأمنية أن ما يريده بن سلمان الآن بعد أن تعرضت مكانته الشعبية لبعض الاهتزاز هو أن يجني بعض ثمار الحرب الدائرة في اليمن بأسرع وقت ممكن حتى يتمكن من تحسين وضعه السياسي ورفع رصيده الشعبي. وعندما سأل احد المشاركين من الجانب الأمريكي عن طبيعة الثمرة التي يريد ولي العهد السعودي قطفها، أجاب الجانب السعودي أنهم يتمنون أن تكون "الحسم العسكري" لكنهم يمكن أن يقبلوا بما دون ذلك كالسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها ولا بأس أن قضت القوات ما تبقى من هذا العام وكامل العام القادم في استكمال السيطرة على الساحل الغربي.

وسارع الجانب الأمريكي إلى التحذير من مغبة الاستعجال في قطف الثمار مبديا انزعاجه من قيام التحالف بخطوات (في إشارة إلى ما يحدث في الساحل الغربي) غير محسوبة ولا تصب في صالح الأهداف التي يسعى الجميع إلى تحقيقها من الحرب وفي مقدمتها تحييد المخاطر الإقليمية التي تهدد السعودية وتوفير غطاء مستمر للنظام للقيام بتنفيذ إصلاحات داخلية عميقة. وأكد الجانب الأمريكي تحديدا على النقاط التالية: 

أولا، أن ما يمكن أن يتحقق خلال الأجل الطويل يفوق بكثير ما يمكن أن يتم الحصول عليه الآن، وأن الدور الذي تلعبه الحرب كغطاء للانتقال السياسي ولقرارات الإصلاح التي لا تحظى بشعبية في أوساط النخب أو في أوساط السعوديين عامة لا غنى عنه، وأن ما يواجهه ولي العهد الآن من متاعب إنما يؤكد أن الحاجة للحرب ما زالت قائمة وأن تلك الحاجة ستظل مستمرة حتى يتم نقل السلطة بشكل كامل وتثبيت النظام الجديد، وأن على ولي العهد أن يكون مستعدا لحرب قد تستمر لعقود وليس فقط لعشر أو 15 سنة. 

ثانيا، أن الإمارات باتت تتصدر بشكل متزايد واجهة الحرب الدائرة في حين يتراجع بشكل مضطرد الدور السعودي الرمزي بطبيعته حتى يتم تخفيف الضغوط الإعلامية والسياسية على ولي العهد السعودي ونظامه. 

ثالثا، أن الهدف الأهم للحرب بالنسبة للولايات المتحدة، وينبغي أن يكون كذلك للسعودية أيضا، هو القضاء التام على الجماعات الإرهابية والمتشددة وتجفيف المنابع الفكرية للإرهاب، وأن ذلك الهدف لن يتحقق سوى بترك عجلة الحرب تأخذ وقتها في تمهيد الأرض والتهيئة لقيام مجتمع مدني مسالم في اليمن لا يمثل تهديدا لجيرانه أو المجتمع الدولي. وأضاف الجانب الأمريكي بلهجة لا تخلو من تحذير أن حكومته تخشى أن يؤدي اتساع سيطرة الشرعية والتحالف على التراب اليمني بسرعة إلى خلق ملاجئ آمنة للجماعات الإرهابية. 

رابعا، إن حكومة الولايات المتحدة تنظر إلى الضغط الشديد الذي يمارس على الحوثيين وما يتعرضون له من استنزاف بشري ومادي على أنه يمثل انحرافا عن مسار الحرب وخروجا على أهدافها. وأضاف المشارك من الجانب الأمريكي، أن بلاده تشعر بخيبة أمل لأن التحالف وفي الوقت الذي يسعى فيه إلى تجفيف موارد الحوثيين، فإنه يضع في ذات الوقت الكثير من الموارد تحت تصرف الفرع اليمني للصحوة (يقصد حزب الإصلاح) رغم ما يمثله ذلك من تهديد ليس فقط للولايات المتحدة ولكن للسعودية ودول الخليج أيضا. وأكد الجانب الأمريكي في نهاية مجادلته أن الولايات المتحدة تشعر بأن ما يجري في الساحل الغربي يرقى إلى مستوى محاولة التحالف تحقيق الحسم العسكري في ظروف غير ناضجة وقبل أن تحقق الحرب الحد الأدنى من أهدافها، وهو ما يمثل من وجهة نظر الولايات المتحدة تهديدا لمصالحها.