الأحد، 29 يوليو 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(1)



في ضحى يوم 20 ابريل 2015،  كان جو مدينة صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية غائما كما يكون عليه عادة في معظم أيام فصل الربيع، وكان سكان المدينة التي تتعرض لقصف عدواني عنيف منذ أواخر شهر مارس يتابعون شئون حياتهم اليومية كالمعتاد، وكأن شيء لم يكن. أرتص الاف السائقين بسياراتهم في طوابير طويلة أمام محطات البنزين، وراحت الباصات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي يعمل معظمها بالغاز المسال تزدحم بالركاب، وبدأ طلاب الصفوف الأولى من المرحلة الأساسية في العودة الى منازلهم مبكرا كعادتهم منذ بدء الحرب.

وعند حوالي الحادية عشر صباحا، دوى انفجار هائل في جنوب المدينة قيل أنه الأضخم منذ بدء الحرب، وأنه سمع بالآذان المجردة في مختلف ارجاء المدينة وضواحيها وفي مديريات ارحب وسنحان وبني مطر وبني حشيش، وأنه أدى الى اندلاع حزمة من النار كادت تربط بين الأرض والسماء. وتصاعدت، نتيجة الانفجار، سحب ترابية غطت مساحات واسعة من سماء جنوب المدينة، غير أن رادارات العيون المجردة الساكنة بعيدا عن مركز الانفجار قد حرمت نتيجة الأجواء الغائمة من مشاهدة تلك السحب.

نتج الانفجار عن قصف طائرات أمريكية تعمل تحت غطاء ما يسمى بالتحالف العربي بقيادة السعودية لما وصف بأنه مخزن تابع لألوية الصواريخ في الجيش اليمني يقع في الجبل المعروف بـ"فج عطان"جنوب صنعاء. وبينما اختلفت الروايات حول نوع الصاروخ، أو القنبلة التي استخدمت، فقد أدى الانفجار ذاته، حسب الأرقام التي نشرتها بعض وسائل الاعلام التابعة للحوثيين والرئيس السابق، إلى مقتل أكثر من 90 شخصا وجرح حوالي 400 بينهم نساء وأطفال. وتعرضت، نتيجة الانفجار، المئات من المباني والمئات من السيارات والعديد من الواجهات الزجاجية للمحلات التجارية ونوافذ المنازل الى اضرار تراوحت بين الجسيم والطفيف. ومن بين المباني التي تضررت بسبب الانفجار مبنى قناة اليمن اليوم المملوكة للرئيس السابق، والقريبة من الموقع. كما أدى الانفجار وما رافقه من خوف وهلع الى حدوث موجة نزوح كبيرة وفورية للسكان القريبين من مركز الانفجار.

وعزى سبب سقوط عدد كبير من الضحايا، رغم وجود تناقضات في الأرقام، إلى عدد من العوامل ربما كان أهمها ما يلي:

- الشظايا الناتجة عن الانفجار الهائل، والذي أودى بكتلة كبيرة من الجبل، في حدث يشبه الانهيارات الصخرية التي عادة ما تحدث في المناطق الجبلية، وإن كانت طبيعة جبل عطان البركانية قد جعلت الانهيار يخلف اكواما من الحصى والرمل مما خفف من الدمار الذي كان يمكن ان يلحق بالأرواح والممتلكات.

- سرعة اندفاع الرياح التي أدت بالتضامن مع الشظايا إلى تحطم نوافذ المنازل والأبواب الزجاجية والسيارات، وقد أمتد تأثير هذا العامل إلى مناطق تبعد بضعة كيلومترات عن موقع التفجير.

- الهزة الأرضية التي أحدثها الانفجار والتي أدت إلىانهيار أجزاء من المباني السكنية القريبة من الموقع.

- عدم وجود تحذير مسبق للسكان، رغم أن مجمع الأمم المتحدة الواقع بالقرب من موقع الانفجار ابلغ موظفيه بالبقاء في منازلهم ذلك اليوم نظرا للظروف الأمنية في مؤشر على معرفة مسبقة بما سيحدث

ولم يكن قصف الطائرات والبوارج الحربية لمعسكر الصواريخ جنوب غرب العاصمة اليمنية، الأول من نوعه، فمنذ بدء عمليات قصف الطائرات للعاصمة اليمنية والمدن اليمنية الأخرى في 26 مارس 2015 وحتى يوم الانفجار الكبير، والطائرات والبارجات تحاول بمختلف أنواع الصواريخ إحداث انهيارات في اجزاء من الجبل بحثا عن مخازن الصواريخ المفترض وجودها في باطن الجبل.

والأكثر من ذلك، هو أن عددا من اجهزة الاستخبارات الخارجية كانت قد نشطت لعقد كامل على الأقل في زرع المحسوبين عليها في الأحياء المحيطة بالجبل، وبلغ الهوس بتلك الأجهزة حدا جعلها تدشن العمل بمشاريع استثمارية خارجية تكلف المليارات في مناطق قريبة جدا من الموقع المفترض لمخازن الصواريخ، وذلك بهدف استخدام الاعمال الانشائية كغطاء لأعمال المراقبة على مدار السرعة والقيام بدراسات واختبارات جيولوجية للمكونات الترابية والرملية والصخرية للجبل الأجرد.

وعد انفجار عطان الذي وقع قبل ظهر يوم 20 ابريل الأكبر من نوعه على الإطلاق منذ اندلاع الحرب، وحتى الآن.  واستمد الانفجار أهميته في تاريخ الحرب العدوانية الدائرة ليس فقط من حجم المادة المتفجرة، وما أحدثه من دمار وخلفه من ضحايا، ولكن أيضا من عملية النفخ والتهويل التي قام بها الاعلام والتي اراد التحالف من خلالها جعل الحدث نقطة تحول في مسار الحرب. 

وهكذا بدا "انفجار عطان"، مع مراعاة الفارق في الدرجة وفي الأهداف، اشبه ما يكون بإلقاء الأمريكيين مع نهاية الحرب العالمية الثانية بقنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في يومي 6 و9 اغسطس 1945، في حدث أفضى في النهاية الى استسلام اليابان في 15 اغسطس من ذات العام، ووضع نهاية للحرب العالمية الثانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق