الجمعة، 28 يونيو 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(غير مسلسل 14)



أدت الحرب التي بدأت في سوريا في عام 2011 إلى موجات متتابعة من النزوح القسري للسوريين. ورغم أن وسائل الإعلام الدولي دأبت على تناول مآسي النازحين بشكل عام والنازحين السوريين بشكل خاص، إلا أنه لوحظ  في أواخر أغسطس ومطلع سبتمبر 2015 ظهور حملة إعلامية دولية مكثفة  ركزت من جهة على ظروف النازحين السوريين وما يلاقونه خلال تهريبهم إلى أوروبا من مشاق، وما تتعرض له حياتهم من مخاطر ، ومن جهة ثانية على ردود فعل الحكومات والمجتمعات الأوروبية على ظهور ما بات يطلق عليه "أزمة اللاجئين."

غرق الكردي

وبلغت تلك الحملة الإعلامية ذروتها في مطلع شهر سبتمبر بوفاة طفل سوري  اسمه آلان الكردي، ويبلغ من العمر 3 سنوات في الـ2 من سبتمبر 2015  غرقا في بودروم التركية. وقد تحولت صورة الطفل الغريق،  الذي أوردت وسائل الإعلام اسمه بصيغ مختلفة، وهو منكفئ على وجهه على شاطئ البحر، بعد أن قذفت به الأمواج، خلال ساعات فقط، إلى رمز مكثف لمأساة 11 مليون سوري نزحوا بسبب الحرب.

وتشير تفاصيل غرق آلان إلى أنه كان برفقة والديه، عبد الله (40 سنة)، وريحانة (28 سنة)،     وأخيه غالب (5 سنوات) على ظهر قارب مطاطي يبلغ طوله 15 قدما مكتظ باللاجئين السوريين الفارين من الحرب المستعرة في  بلادهم، وأن القارب غادر تركيا متجها نحو جزيرة "كز" اليونانية التي تقع على بعد حوالي 4 كم من الساحل التركي، غير أنه تعرض لانقلاب وسط البحر. وحاول عبد الله الكردي، والد الطفل، جاهدا خلال 3 ساعات بين الأمواج إنقاذ زوجته وطفليه غير أن جهوده، كما خلصت إلى ذلك وسائل الإعلام، باءت بالفشل لينتهي الأمر بغرق الآن وأخيه  ووالدته والى جانبهم تسعة آخرين، وقيل أكثر.  



وتظهر الصورة الشهيرة التي التقطت لجثة الغريق آلان بعد العثور عليها من قبل جندي تركي، الرضيع بشعره الأسود الغامق وهو يرتدي قميص نص كم بلون احمر فاتح وبنطلون قصير غامق، بينما انتشرت صورة أخرى لجندي تركي متجهم الوجه وهو يحمل بين يديه جثة الطفل الرضيع.

ورغم أن أزمة اللاجئين السوريين كانت جد حقيقية، إلا أن التصعيد الإعلامي الذي شهده شهر سبتمبر 2015 لم يكن تلقائيا على الإطلاق ويبدو أن أجندات عدة كانت تقف خلفه وأهمها ما يلي:  

1- الضغط على الحكومات حول العالم، والأوروبية منها والكندية على وجه الخصوص، من خلال استهداف عواطف الرأي العام الأوروبي والكندي والدولي، ودفعها للتحرك في عدد من الاتجاهات أهمها:

أ-زيادة مساهماتها المالية في جهود المنظمات الدولية المعنية باللاجئين وفي مقدمتها مفوضية الأمم المتحدة العليا لشئون اللاجئين، وهي الجهاز الأساسي المعني باللاجئين في نظام الأمم المتحدة.   

ب- بلورة سياسة موحدة بالنسبة للدول الأوروبية للتعاطي مع أزمة اللاجئين بشكل عام، واللاجئين السوريين بشكل خاص وتحديد عدد معين لكل دولة من اللاجئين تعمل على استيعابهم وإعادة توطينهم على أراضيها بالتعاون مع المفوضية السامية للاجئين.  ولأن بلورة سياسة أوروبية موحدة بشأن الهجرة لا يمكن أن تكون إلا موضوعا انقساميا في ظل تحول اللاجئين في نظر الكثيرين إلى تهديد أمني، فإنه من غير المستبعد أن يكون الهدف النهائي من الضغط على الأوروبيين لإنتاج سياسة بشأن الهجرة هو تمزيقهم بعد أن تحول الاتحاد الأوروبي إلى عائق أمام سياسات الهيمنة الأمريكية على القارة العجوز.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن رئيس الوزراء البريطاني حينذاك ديفيد كاميرون، وسط خلافات حول العديد من الموضوعات داخل الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها الهجرة، قد تقدم في نوفمبر 2015 برسالة إلى رئاسة الاتحاد الأوروبي يطلب فيها، من بين مسائل أخرى، تعليقا لمدة 4 سنوات للمساعدات والسكن الاجتماعي التي يحصل عليها مواطنو الاتحاد الأوروبي الذين يهاجرون إلى بريطانيا. ومع أن كاميرون حصل على بعض الاستثناءات والإعفاءات، إلا أنه وفي مواجهة الضغوط المتزايدة للرأي العام وأعضاء حزب المحافظين، أعلن في 20 فبراير 2016 إجراء استفتاء في 23 يونيو من نفس العام حول بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وقد عقد الاستفتاء في الموعد المحدد وحصل خيار الخروج على أغلبية 51.9% من أصوات المشاركين.

ج- الضغط على الدول التي لا تقبل لاجئين وفي مقدمتها دول الخليج العربي الست الغنية،  لتغيير سياساتها في هذا الجانب، خصوصا وأن 13 دولة عربية بينها دول الخليج الغنية الست لم تصادق على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن اللاجئين التي أقرت في عام 1951، ولا على البروتوكول الاختياري الملحق بها. وتعد اليمن الدولة الوحيدة في المشرق العربي (دول الهلال الخصيب ودول الجزيرة العربية)  التي صادقت على الاتفاقية الدولية بشأن اللاجئين (تم تبنيها في إطار الأمم المتحدة في  28 يوليو 1951 ودخلت حيز التنفيذ في 22 ابريل 1954) وعلى  البروتوكول الملحق بها (تم تبنيه في 31 يناير 1967 ودخل حيز التنفيذ في 4 أكتوبر 1967).   

2- الضغط على الدول وخصوصا المنتجة والمصدرة للنفط لدعم اتفاقية دولية بشأن المناخ تعمل على الحد التدريجي من استخدام مصادر الطاقة الأحفورية (الفحم، النفط الخام، والغاز الطبيعي) المتهمة بالتسبب بظاهرة الاحتباس الحراري، لصالح مصادر الطاقة المتجددة (مثل الرياح والمياه والشمس وحركة الأمواج) و/أو مصادر الطاقة غير القابلة للنفاذ مثل الطاقة النووية. وكان ذلك يعني بالنسبة للدول التي تعتمد في دخولها النقدية من العملة الصعبة على مصادر الطاقة الأحفورية وتمتلك مخزونات هائلة منها أن تبدأ في العمل ضد مصالحها.  ولم يكن من قبيل الصدفة، وفي ظل الربط بين التغير المناخي من جهة، نشوء الصراعات العنيفة من جهة ثانية، والهجرة الدولية واللجوء من جهة ثالثة، أن تظهر الحملة الإعلامية بشأن اللاجئين بالتزامن مع زيارة ملك السعودية إلى واشنطن، أو أن يكون التغيير المناخي على قائمة الموضوعات التي سيناقشها ملك السعودية مع الرئيس الأمريكي في قمتهما المرتقبة في واشنطن يوم 4 سبتمبر 2015.

3- تثبيط جهود النازحين وجعلهم يترددون كثيرا قبل الإقدام على مغامرة العبور بحرا من تركيا إلى أوروبا. ولم يقتصر الأمر في سبيل تحقيق ذلك على غرق الطفل الان الكردي. ففي 8 سبتمبر مثلا سرب مقطع فيديو للمصورة التلفزيونية المجرية في محطة "إن ون" بترا لازلو وهي تركل وتحكول طالبي لجوء في مدينة روسكا على حدود المجر مع صربيا،  بينما كانوا يحاولون الفرار من معسكر اعتقال للشرطة. ويظهر الفيديو اللاجئ السوري أسامة الغضب، وهو يسقط مع ابنه البالغ من العمر سبع سنوات بعد أن تعرض للعرقلة من قبل لازلو. ورغم أن المحطة التلفزيونية ردت فور ظهور المقطع وانتشاره السريع بإقالة لازلو، إلا أن الحادثة ظلت تتفاعل إعلاميا لأسابيع.    

4- تليين مواقف أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في أمريكا بشأن الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، والذي كان مخططا أن يبدأ مجلسي الكونجرس بمناقشته في الـ7 من سبتمبر.   ففي ظل تنامي أزمة النازحين، وظهور مئات الدراسات التي تربط بين التغير المناخي والصراعات المسلحة والنزوح القسري، انقسامات الأوروبيين داخل كل دولة وفيما بين الدول إزاء الهجرة واللجوء، تحول طالبي اللجوء بكل ما يعانونه من مآسي إلى تهديد أمني من وجهة نظر الكثيرين، والضخ الإعلامي المركز حول كل ذلك، ربما رأى أعضاء الكونجرس أن معارضة الاتفاق حول برنامج إيران النووي السلمي لن يؤدي، في ظل غياب أي بديل معقول،  سوى إلى المزيد من التغيير المناخي، والمزيد من الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط، والمزيد من الملايين من البشر الذين يدقون على أبواب أوروبا وأمريكا الشمالية طالبين حق اللجوء.  

5-لفت الانتباه إلى ما تعانيه تركيا جراء تدفق اللاجئين السوريين عليها واضطرارها إلى إنفاق المليارات لتوفر لهم الطعام والمأوى، وقد ساهمت الحملة الإعلامية في توصل تركيا والاتحاد الأوروبي في أواخر نوفمبر 2015  إلى تفاهمات تعمل بموجبها تركيا على منع تهريب اللاجئين من أراضيها عبر الطريق البحري الذي يربطها بأوروبا مقابل مساهمة الأوروبيين ماليا في جهود تركيا لإطعام وإيواء اللاجئين.    

نتائج الحملة

في 29 فبراير 2016 كشف في آزادي بارك بمدينة السليمانية العراقية عن تمثال من الرخام صممه النحات بختيار هالابجاي للطفل السوري الغريق الآن الكردي. وفي مايو 2017، أعلنت الحكومة الفنلندية بمناسبة الذكرى المئة لاستقلالها نيتها وضع صورة تظهر جنديا تركيا وهو يحمل الطفل الغريق آلان الكردي على عملتها الوطنية. وفي 10 فبراير 2019، أعيد في احتفال حضره عبد الله الكردي والد الطفل الغريق، تسمية سفينة إنقاذ ألمانية تعمل في البحر الأبيض المتوسط باسم الان الكردي.
ورغم الانخفاض الكبير في عدد المهاجرين وطالبي اللجوء في أوروبا خلال الأعوام التالية، فإن المفوضة السامية للاجئين تذكر في بيان صدر في الذكرى الثانية لغرق الكردي، أنه  بين الـ2 من سبتمبر 2015 و الـ2 من سبتمبر 2017 فقد أو توفي، ما لا يقل عن 8500 نازح ومهاجر وهم يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا.