الأحد، 29 نوفمبر 2015

مستقبل اليمن الذي "يحدده الخليجيون"


 عبد الله الفقيه* 

نقل الصحفي اليمني لطفي شطارة على صفحته في الفيس بوك عن وزير الدولة للشئون الخارجية بدولة الإمارات العربية المتحدة انور قرقاش قوله في مؤتمر صحفي عقد يوم 29 نوفمبر "ان مستقبل اليمن يحدده اليمنيون أنفسهم سواء اتفقوا على كيانين أو اقليمين أو عدة أقاليم ، ولكن دون الاستقواء بالسلاح لفرض حل سياسي." 

وهذا القول البلاغي بشأن اليمن والذي غالبا ما يردده الأمريكيون والأوروبيون والخليجيون يفتقر في الواقع الى اي قدر من المصداقية، ولم يكن في يوم من الأيام أقل مصداقية كما هو عليه اليوم. فقد ظل الخليجيون دائما بما يقومون، أو بما لا يقومون به، هم من يحدد مستقبل اليمن دائما، وفي حالتنا هذه تحديدا لم يكن الأمريكيون والأوروبيون في معظم الوقت سوى مرددين أو منفذين لما يقوله الخليجيون! 

فالحقيقة المرة هي أن "خير اليمن وشرها" مصدره دول الخليج، وغني عن الذكر هنا أن المقولة المنسوبة الى الوزير قرقاش تتضمن الكثير من التناقضات،  واذا كان هناك من حياد خليجي في الشأن اليمني، فإنه ليس افضل من الحياد الأمريكي عندما يتعلق الأمر بامريكا اللاتينية او حتى بوسط وجنوب وغرب أوروبا، أو الحياد الألماني عندما يتعلق الأمر بالشأن الأوروبي او الحياد الفرنسي عندما يتعلق الأمر بدول شمال افريقيا! ونتيجة لذلك، فانه لا يمكن في ظل مثل هذا النوع من الحياد تفسير ظهور وتطور اخوان اليمن أو حوثييه أو سلفييه، او التحولات التي تطرأ على مكانة وادوار قبائله  بمعزل عن ما يعتمل سياسيا بين وداخل كل دولة من دول الخليج. 

ويدرك الطلاب المجتهدون أن هناك جوانب مظلمة في ثنايا العلاقات الدولية من النادر ان يتحدث عنها الناس ربما لأن الحقيقة كما تقول الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار "لا تقال ابدا!" ويذهب "الواقعيون" من دارسي العلاقات الدولية الى القبول بتلك الجوانب المظلمة باعتبارها انعكاسا طبيعيا لجانب مظلم في الطبيعة الإنسانية ذاتها. 

وفيما يتعلق بالعلاقات الخليجية-اليمنية فإن السؤال لا يدور اليوم حول ما اذا كان الخليجيون او اليمنيون هم من يقرر مستقبل اليمن لان هذه المسالة حسمتها في الواقع العوامل الجيوسياسية والإقتصادية والإجتماعية، ولكن السؤال الذي يدور أو ينبغي أن يدور في اذهان الخليجيين واليمنيين على السواء هو حول ما اذا كان الخليجيون: اولا يملكون رؤية استراتيجية واضحة وقابلة للتطبيق للمستقبل الذي يريدونه لليمن؛ وثانيا، يتفقون على مستوى الدول وعلى مستوى النخب داخل كل دولة على تلك الرؤية. وتعتبر الإجابة على مثل هذا السؤال في غاية الأهمية ليس فقط بالنسبة لليمنيين ولكن بالنسبة للخليجيين ايضا. 

ولا يريد كاتب هذا التحليل ان يكون متشائما او متفائلا بسذاجة، لكن غياب الرؤية العملية الواضحة والمتفق عليها بين الخليجيين كدول أو كنخب داخل كل دولة حول المستقبل الذي يريدونه لليمن سيعني ببساطة أن أوضاع اليمن المنفلتة والخارجة عن السيطرة هي التي ستحدد مستقبل الخليج إن خيرا أو شر. 

 *استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء

السبت، 28 نوفمبر 2015

فيينا: المحادثات التي ستقصم ظهر اليمن والخليج

عبدالله الفقيه*

منذ بدأت محادثات فيينا متعددة الأطراف (الصين ومصر والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيران والعراق وإيطاليا والأردن ولبنان وعمان وقطر وروسيا والسعودية وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة والأمم المتحدة والولايات المتحدة) حول الأزمة السورية في شهر اكتوبر الماضي، والوضع العسكري في اليمن يراوح مكانه او يتخذ شكل الكر والفر الذي يدفع ثمنه في النهاية اليمنيون من دمائهم ، وبغض النظر عن الطرف الذي يحاربون في صفه. 

ولا يمكن تفسير هذه المراوحة الا باستدعاء الربط "الخبيث" و "الخطير" الذي يتم بين ما يجري في سوريا، وما يجري في اليمن، وهو الربط الذي سيكون له مترتباته ليس فقط بالنسبة لليمنيين، ولكن بالنسبة للخليجيين ايضا! بل أنه يمكن ان يكون بحق "القشة" التي ستقصم ظهر اليمن والخليج.

ولكن كيف يمكن تفسير هذا الربط  غير المنطقي، وغير الضروري، بين أحداث اليمن واحداث سوريا؟ هناك تفسيرين محتملين لهذه المسالة وهناك الكثير من الأدلة التي تدعم كل واحد منهما: الأول أن مزاعم دول الخليج بشأن تهديد الإنقلاب "الحوثي-العفاشي" لأمنها القومي ليست "حقيقية" ولا "واقعية" ولا تمثل تقييم الأسر الحاكمة في الخليج للوضع، وان ما يجري في اليمن لا "يعدو" عن كونه محاولة خليجية للتفاوض حول سوريا،  بدماء اليمنيين. 


أما التفسير الثاني فهو أن دول الخليج "صادقة" فيما يتعلق بتهديد "انقلابي" اليمن لأمنها القومي وان خطابها السياسي يعكس تقييمها للوضع بدقة، لكنها في ذات الوقت تفتقر الى استراتيجية واضحة وفعالة للتعاطي مع التهديد. 


ووفقا للتفسير الثاني، فأنه بينما تجلس الأطراف المختلفة في محادثات فيينا للمساومة على أمن دول أخرى مثل سوريا، العراق، تركيا، ودول الخليج، فإن دول الخليج ذاتها تجلس في تلك المحادثات لتساوم على "امنها القومي."

وايا كان الوضع بالنسبة لدول الخليج في ظل هذا الربط الإعتسافي بين ما يجري في اليمن وما يجري في سوريا، فإنه لا يمكن الحديث عن "حسم" عسكري، أو سياسي، لما يجري في اليمن ولصالح اي طرف! وستظل الأوضاع تراوح في مكانها حتى يتم حسم الوضع في سوريا سلميا! 

وحيث انه لا يوجد سقف زمني لمحادثات فيينا التي ستبدأ جولتها الثانية الشهر القادم، فهذا يعني بالنسبة لليمنيين أن بلادهم  قد تتحول، وهي في انتظار جودو، الى سوريا أخرى! 

* استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء. 

الجمعة، 7 أغسطس 2015

في صحبة شبيه العوسج.. قراءة في مذكرات الدكتور علي خليفة الكواري

بقلم : هاني الخراز 

هي حتماً ليست "ذكريات رجل عادي" كما شاء الدكتور علي خليفة الكواري أن يقدم لها تواضعاً في أول الكتاب، فالدكتور علي صاحب بصمة واضحة في المشهد الوطني القطري وصاحب مبادرات ومواقف نقلت تأثيره خارج الحدود القطرية على امتداد رقعة الوطن العربي. 


وهي أيضاً ليست ذكريات عادية ولا مجرد سيرة ذاتية بل توثيق لتاريخ لم يدون وأريد له أن يمحى من الذاكرة الوطنية القطرية كوسيلة لإحداث قطيعة بين الأجيال تقطع الطريق أمام مراكمة الشعب لتجاربه وتعرقل مسيرته نحو الحصول على حقوقه الأصيلة في وطنه. وهذه المذكرات أيضاً سجلٌّ يوثق جهود وإسهامات شخصيات وطنية عانت من التجاهل الإعلامي وغيبت عن المشهد الوطني قسراً. 

تأخذنا مذكرات الدكتور من قرى قطر في عصر ما قبل النفط إلى "فرجان" الدوحة ثم إلى سينمات القاهرة ومقاهيها ومسارحها فشوارع دمشق وأزقتها التاريخية ولبنان ومكتباتها والمملكة المتحدة وجامعاتها العريقة لنراها بعيون خليجية رأتها لأول مرة وسجلت انطباعتها المبكرة حولها وسجلت ذكرياتها الحية فيها. 

يبدأ الدكتور علي بسرد ذكريات طفولته في قرية (الغارية) الواقعة شمال دولة قطر فيصف حالها قبل عصر النفط وصلاتها وعلاقاتها بما جاورها من قرى ليشرح نشأة المجتمع القطري بعيداً عن السلطة المركزية، حيث يذهب الدكتور الى أن قطر قبل عصر النفط "كانت أشبه بفيدرالية من تجمعات قبلية على شكل مجموعات قرى منفصلة جغرافياً وقبلياً" ويعتقد أن مفهوم الشعب القطري لم يتشكل إلا بعد اكتشاف النفط وتجمع أهل قطر للعمل في الصناعة النفطية عند رب عمل واحد فكانت مدينة (دخان) الصاهرة الحقيقية لمكونات المجتمع والمشكّلة للشعب القطري بمفهومه الحالي. 

يمضي الدكتور في سرد قصته بعد النزوح إلى مدينة الريان حيث يبدي مشاعره الحانقة تجاه التمايز الاجتماعي والاقتصادي الذين لاحظهما في مجتمع الريان – على عكس ما نشأ عليه في الغارية - نتيجة الحظوة التي شملت أبناء الأسرة الحاكمة دون غيرهم حيث خصصت لهم رواتب مقتطعة من عوائد النفط وامتيازات وخدمات مجانية في الوقت الذي عانى فيه الغالبية من الشعب من شظف العيش وضيق الحال. كان هذا مدخلاً مهماً لمناقشة سياسات تخصيص عوائد النفط في قطر حيث استفاض الدكتور في شرح خلفياتها وأثرها الاجتماعي والاقتصادي آنذاك. 

في دخان حاضنة الصناعة النفطية في بداياتها في قطر يصف الدكتور حياة العمال القطريين والصعوبات التي واجهوها ويوثق أنشطتهم الاجتماعية والثقافية وبيئة عملهم في صورة قريبة جدا من تلك التي رسمها عبدالرحمن منيف في خماسية مدن الملح. ينطلق الدكتور من هناك ليوثق نشاط الحركة العمالية في قطر وإضراباتها في سعيها لتحسين وضعها الوظيفي وتحصيل حقوقها المشروعة ويبين تأثرها وتفاعلها مع زخم المد القومي في حينه. 

والملاحظ فيما وثقه الدكتور علي تفاعل المجتمع القطري في الخمسينات والستينات من القرن الماضي مع القضايا القومية المصيرية وارتباطه وتأثره بعمقه العربي. نقل الدكتور في مذكراته مثلا خروج القطريين في مظاهرات تلقائية ضد العدوان الثلاثي على مصر في ٥٦ وتأييداً للوحدة بين مصر وسوريا في ٥٨, كما وصف الجهود الشعبية لجمع التبرعات دعماً للثورة الجزائرية تارة، ودعما للمجهود الحربي في أعقاب هزيمة ٦٧ تارة أخرى. ولم تقتصر هذه التحركات على الحركة العمالية ورجل الشارع بل امتدت الى داخل المدارس وبين صفوف الطلبة. 

تطرق الدكتور علي الكواري في مذكراته أيضا من خلال سرده لذكريات سنينه الأولى في المدرسة إلى السياسات التعليمية المبكرة في قطر وكفاءة المناهج والعناصر المستقدمة من الدول العربية لتلبية احتياجاتها. كما حاول رسم صورة للتأثيرات الأيديولوجية في أروقة إدارة المعارف المشرفة على العملية التعليمية والتجاذبات القائمة بينها. 

يفرد الدكتور علي بعد ذلك فصلا كاملا يتحدث فيه عن تأسيس أول نادٍ ثقافي في قطر (نادي الطليعة) ويوثق أنشطته الثقافية والفنية وتفاعل المجتمع القطري معها قبل قيام السلطات بمداهمة النادي بالعسكر والبنادق واعتقال منتسبيه. لا يستغرب الدكتور في مذكراته موقف السلطة من النادي لأنه يعتقد أنه يعبر عن "سياسة ثابتة لدى السلطة" تتمثل في "منع قيام أي مؤسسة أو جماعة أو جمعية غير حكومية من المواطنين ما لم تكن من صنع السلطة ورهن إرادتها وتحت جناح أصحاب النفوذ فيها". 

الملفت أن مؤسسي النادي كانت أعمارهم حينها بين السادسة عشرة والعشرين سنة. والملفت أكثر حجم الملفات والقضايا التي تناولها أعضاء النادي في هذه السن المبكرة. هؤلاء المؤسسون لنادي الطليعة تحولوا مع المتفاعلين معهم عبر الوقت إلى "طيف ثقافي وطني تجمعه القضايا والاهتمامات. طيف غير منظم ولكنه متواصل وحاضر في حياة قطر الثقافية" حسب تعبير الدكتور في مذكراته. 

أفردت المذكرات مساحة واسعة للحديث عن حركة ١٩٦٣ التي تفجرت بعد تعرض أحد أبناء الأسرة الحاكمة لمظاهرة مؤيدة للوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق وإطلاق النار عشوائياً عليها. هذه الحادثة لم تكن سوى شرارة لتفجر الأوضاع المشحونة في المجتمع القطري نتيجة لتصاعد التذمر الشعبي من ضيق الظروف المعيشية والامتيازات التي تختص بها الأسرة الحاكمة وتقلص فرص التوظيف للقطريين وتصاعد مخاطر التجنيس العشوائي. 

وثق الدكتور المطالب الشعبية التي وردت في العريضة الصادرة باسم لجنة الاتحاد الوطني وأسماء الموقعين عليها وموقف السلطات منها وعقوباتها ضد الناشطين السياسيين المحركين لها. كما تناول تداعياتها السياسية والاجتماعية ابتداءاً من سجن ناصر المسند وحمد العطية مرورا بوفاة العطية في السجن واستمرار حبس المسند دون محاكمة وما أدى إليه من موقف قبيلة المهاندة وهجرتهم إلى الكويت كموقف سياسي رافض لتبعات الموقف الحكومي. 

تبرز المذكرات في هذه المرحلة الشخصية الفاعلة الحركية والمؤثرة في محيطها الوطني للدكتور على ورفاقه. فعلى الرغم من وجودهم في القاهرة إبان أحداث حركة ١٩٦٣ وعدم مشاركتهم فيها إلا أنهم تفاعلوا معها فأصدروا بياناً تضامنياً مع الحركة وطالبوا بالإفراج عن المعتقلين السياسيين. فكان لهم نصيباً من العقوبات بقطع بعثاتهم الدراسية ومنعهم من الدخول للقاهرة لاستكمال الدراسة على نفقاتهم الشخصية. 

يظهر الدكتور في هذه المرحلة كماكينة هادرة لا تتوقف عن العمل وكرجل لا يعرف اليأس ولا يفرط في كرامته. عمل في بعثة أمريكية للتنقيب عن النفط وساهم في تعليم عمالها القطريين القراءة والكتابة ثم انتقل لاستكمال دراسته في سوريا على نفقته الخاصة. وبعد العودة ورغم كونه واحداً من أوائل الخريجين الجامعيين في قطرة، وجد أبواب التوظيف موصدة في وجهه فما كان له إلا السير في "اتجاه إجباري" بفتح برادات الأمل والتي حكى من خلالها الدكتور تجربة إنسانية ثرية بمعاني الكفاح والمثابرة والتكافل الاجتماعي. 

يختم الدكتور علي مذكراته بقصة عودته إلى مساره الطبيعي بين الكتب محضراً لشهادة الدكتوراة موجهاً جهوده واهتماماته للشأن العام والهموم الوطنية كما كانت رغبته دائماً. 

ضمّن الدكتور علي مذكراته أمنيات ثلاث ورسائل مهمة للأجيال الشابة في قطر ومحيطها. أولها " إحياء روح نادي الطليعة والمحافظة على تراثه والعمل على عودته ومواصلة نشاطاته بشكل مادي أو افتراضي على شبكة المعلومات". وثانيها بث الروح في مؤتمر النفط العربي وآخرها الاستفاضة في دراسة موقف سلطة الحماية البريطانية من حركة ١٩٦٣ الوطنية. 

في مذكرات الدكتور علي خليفة الكواري غابت الأنا وبرزت صورة المواطن القطري الكادح، الحريص على كرامته، المرتبط بمجتمعه وعمقه العربي، المطالب بحقه بمقدار ما تسنح له الظروف، تماماً كشجرة العوسج التي اختارها الدكتور عنواناً لمذكراته. لم يغرق الدكتور في ذكر تفاصيل حياته دون التنويه بالمواقف النبيلة التي حاطته من المقربين وحتى البعيدين عنه في صور تعكس طيبة وتعاضد المجتمع القطري. 3-8-2015 

 الناشر : منشورات ضفاف (009613223227 ) 
Editions.difaf@gmail.com
 http://dr-alkuwari.net/node/497















الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

بيان صادر عن قسم العلوم السياسية جامعة صنعاء


بسم الله الرحمن الرحيم
بيان صادر عن قسم العلوم السياسية جامعة صنعاء 
 بشأن اختطاف الأستاذ الدكتور عبدالمجيد المخلافي

عقد مجلس قسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء اجتماعا استثنائيا، يوم الأحد الموافق 8/2/ 2015، وذلك لمناقشة موضوع الاختطاف والإخفاء القسري للأستاذ الدكتور عبدالمجيد عبده سيف المخلافي عضو هيئة التدريس بالقسم وذلك بتاريخ 18/4/ 2015م، وهو في طريقه إلى الأردن للمشاركة في اجتماع علمي لعمداء فروع الأكاديمية العربية بالدول العربية. 
الأستاذ الدكتور عبد المجيد المخلافي


وقد انتهى اجتماع القسم إلى الآتي: 

- يُحيّي القسم الدكتور عبدالمجيد المخلافي، ويعتز بسجله الحافل بالنجاح سواء في الجانب الأكاديمي والتدريسي، أو في الخدمة العامة والعمل الوطني من خلال المهام الوزارية التي تولاها في الفترة السابقة. 

- يُدين وبشدة اختطاف الأستاذ الدكتور، وكافة أعمال الاختطاف والإخفاء القسري التي تطال النشطاء السياسيين والأكاديميين والإعلاميين والحقوقيين. 

- يُحمل القسم جماعة الحوثيين (أنصار الله) كامل المسؤولية عن اختطاف الأستاذ الدكتور عبدالمجيد المخلافي وسلامته، ويدعوهم إلى سرعة الافراج عنه دون قيد أو شرط. 

- يؤكد أعضاء مجلس القسم أنهم بصدد تنفيذ برنامج احتجاجي حتى يتم اطلاق سراح الدكتور المخلافي. 

- يدعو أعضاء القسم كافة المنظمات الحقوقية والاتحادات الطلابية والمهنية، ووسائل الإعلام في الداخل والخارج للتضامن مع الدكتور المخلافي، وممارسة كل أشكال الضغط لسرعة اطلاق سراحه. 

- يناشد مجلس قسم العلوم السياسية عمادة الكلية، ورئاسة جامعة صنعاء، وقيادة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بذل كل الجهود والتواصل مع الجهات ذات العلاقة لسرعة الافراج عن الأستاذ الدكتور المخلافي ، وضمان سلامة أعضاء هيئة التدريس، وحماية العملية الدراسية بالجامعة. 

- قرر القسم تشكيل لجان من بين أعضاءه تتولى مهمة التواصل والمتابعة إلى حين الافراج عن الأستاذ الدكتور المخلافي. 

صادر عن قسم العلوم السياسية – جامعة صنعاء بتاريخ 3/8/2015.





السبت، 25 يوليو 2015

الحاجة لتفكير جديد في العلاقات السعودية اليمنية


لم يعد الوضع الأمني سواء في اليمن أو الخليج أو على المستويين الإقليمي والدولي يحتمل معالجة المشاكل العربية بطرق التفكير القديمة، ولم تعد الترتيبات التي وضعتها القوى الغربية كافية لتحقيق الحد الأدنى من الأمن في مواجهة التطورات المتسارعة. 

وعندما يتصل الأمر بالعلاقات بين السعودية (وبالتبعية الخليج العربي) واليمن، فهناك حاجة ماسة الى طريقة جديدة في التفكير تستفيد من تجارب الماضي، البعيد منه والقريب، وتقرأ التهديدات القائمة والمحتملة بطريقة صحيحة وواقعية. فهناك فرص تحملها التهديدات الحالية ويمكن الإستفادة منها.

لقد اثبتت السبعون عاما الماضية، أو نحو ذلك، من العلاقات السعودية اليمنية أنه لا امن لليمن فيما يهدد السعودية، ولا أمن للسعودية بدون الأمن لليمن. ولم يعد مقبولا أو ممكنا، نتيجة لذلك، أن يستمر الوضع في علاقة البلدين على ما كان عليه في الماضي، ولا بد من حدوث تحول في العلاقات يرقى الى مستوى المخاطر القائمة. 

وفي اعتقادي أن مواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة وتتخذ من اليمن موضع قدم يتطلب في الحد الأدنى قيام كونفدرالية بين السعودية واليمن تركز في البداية على جوانب الدفاع والأمن باعتبارهما أولوية ملحة. 

والمقصود بالكونفدرالية هنا هو قيام سلطة تعاهدية مشتركة تدير الجوانب التي يتم الإتفاق عليها والتي تشكل مصالح حيوية للجانبين. وقيام مثل هذه الكونفدرالية هو تحصيل لما هو حاصل واصلاح لما هو قائم وانتقال بالعلاقات التي يفرضها المصير المشترك من إطار الممارسات غير الرسمية وغير المعلنة والتي تتصف بالتأرجح والإضطراب وغياب المشروعية الى مرحلة التنظيم والعلنية والمسئولية المشتركة والمشروعية. 

ومع ان مثل هذه الخطوة قد تبدو بلا معنى للبعض الإ انها يمكن ان تشكل بداية لتحول في موازين القوة في المنطقة، وهو ما تتطلبه المرحلة القادمة. كما يمكن لهذه الخطوة أيضا أن تمهد الطريق لخطوات اخرى أكثر عمقا مستقبلا!

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

مركز الخليج لسياسات التنمية يصدر الثابت والمتحول 2015: الخليج والآخر

يدشن مركز الخليج لسياسات التنمية إصداره السنوي الثالث في تاريخ 14 يونيو بعنوان "الثابت والمتحول 2015: الخليج والآخر". ويرتكز الإصدار على مساهمات أكثر من أربعة عشر باحثاً ومختصاً من دول مجلس التعاون انطلاقاً من مبدأ أن "أهل مكّة أدرى بشعابها"، وأنّ أهل المنطقة هم المعنيّون – في نهاية المطاف – بتبعات ما يحصل لها، حيث يجمعهم وحدة الأرض والمصير. 

تتطرق سلسلة إصدارات "الثابت والمتحول" إلى أوجه الخلل المزمنة التي تعاني منها مجتمعات دول المجلس، وهي الخلل السياسي والخلل الاقتصادي والخلل الأمني والخلل السكاني. كما سيرصد الإصدار المتغيرات والمستجدات التي طرأت في دول المجلس في الأعوام 2014 و2015. 
الثابت والمتحول 2015

وسيركّز هذا العدد من الإصدار على علاقة الخليج مع "الآخر"، حيث يتبنى هذا المفهوم علاقات مجتمعات الخليج مع الأطراف الفاعلة في تحديد مصيرها، أكانت في الداخل، كالعلاقة مع الوافدين، أو في الخارج، بما فيها دول الجوار والقوى الغربية. وفي هذا الصدد نوه مدير المركز عمر الشهابي: " إن أردنا التعرف على الذات، فعلينا فهم علاقاتنا مع الآخر. ولقد أصبح هذا الموضوع ملحاً اليوم، لا سيما وأن الخليج والعالم العربي الأوسع يتعاطى مع مرحلة متفجرة سياسياً في ظل تصاعد وتيرة التغيّرات داخلياً وفي المحيط الأوسع، مما يحتم فهم طبيعة العلاقات بين مجتمعات الخليج والقوى الفاعلة الأخرى في هذه المرحلة ". 

ويشمل الإصدار ملفاً معمقاً حول العلاقة التاريخية ما بين دول المجلس والجمهورية  اليمنية، والتي من المؤمل أن تساهم في فهم التطورات المتصاعدة في اليمن. كما يتضمن الإصدار دراسة ترصد بشكل منهجي حالات التطبيع مع الكيان الصهيوني على المستوى السياسي والاقتصادي في دول المجلس، في محاولة لإعادة البوصلة نحو القضية المحورية في العالم العربي "فلسطين". وعلى نفس المنوال، يخصص الإصدار ملفاُ معمقاُ لتحليل العلاقة التاريخية ما بين المملكة العربية السعودية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس). 

أما في الشأن السكاني والاقتصادي، فيختبر الإصدار مدى استدامة السياسات التنموية القائمة في دول المجلس، و يخصص ملفاً معمقاً لدراسة حملة تصحيح أوضاع العمالة الوافدة في السعودية، كأول جهد رسمي من نوعه في الألفية الجديدة للتعاطي مع الخلل السكاني المتفاقم في دول المجلس. 

يذكر أن هذا هو الإصدار الثالث في سلسلة "الثابت والمتحول" السنوية للمركز بعد إصدار "الخليج 2013: الثابت والمتحول" و "الثابت و المتحول 2014: الخليج ما بين الشقاق المجتمعي و ترابط المال و السلطة."

روابط ذات صلة 

مركز الخليج لسياسات التنمية




الاثنين، 1 يونيو 2015

النساء والمعتقلون .. وجع يتكرر.

رضية المتوكل*

نساء مع أطفالهن يقفن كل مرة في مكان جديد آخره اليوم أمام مبنى النائب العام في صنعاء للمطالبة بالإفراج عن أبنائهن وأزواجهن .. مشهد ذكرني بأولئك النساء اللواتي خرجن من أجل ذات المطالب خلال حروب صعدة الستة حين كان نظام علي عبد الله صالح يملأ السجون بمعتقلين مدنيين على خلفية الحرب ، لكن الفرق أن ضحية الأمس أصبح جلاد اليوم ، ومن كانت زوجاتهم وأمهاتهم يبكين قهراً وكمداً من أجلهم ، اصبحوا سبباً في بكاء أمهات وزوجات معتقلين آخرين ، يواجهوهن بذات الصلف وبذات المبررات التي كانت تُقال لعائلاتهم ، وبذات الخسة. 

لا تكتفي جماعة الحوثي اليوم باعتقال قيادات وصحفيي ومحاميي وأقرباء قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح وغيرهم من الناشطين والصحفيين ، بل أنها تتلبس كل تفاصيل عدو الأمس حليف اليوم ، ابتداءً بانتهاك حرمات البيوت ، وترويع النساء والأطفال ومن ثم جر فلذات أكبادهم أمام أعينهم تحت تهديد السلاح ، ومروراً بإخفائهم في أماكن مجهولة ومنع أهاليهم من زيارتهم أو الاطمئنان عليهم ، وانتهاءً بخصلة جديدة تفوقت فيها جماعة الحوثي على كل من سبقها وهو وضع المعتقلين في أماكن معرضة للقصف كما حدث مع الصحفيين الذين قتلا وهما رهن اعتقال الحوثيين في ذمار ( عبد الله قابل ، ويوسف العزيري ) والقيادي في حزب الإصلاح بإب ( أمين الرجوي ). 

ومازالت الأسماء تتوارد ضمن هذا الشكل الجديد والدنيء في تعريض المعتقلين للخطر. وهم بذلك يتشاركون قبح الجريمة مع السعودية التي تقتل المدنيين بلا حساب وباسترخاء شرس. 

محمد قحطان - عضو الهيئة العليا للإصلاح وزوج ابنته ، نجل عبد الوهاب الآنسي– الأمين العام للإصلاح ، ونجل شقيقه ، والذي لا علاقة لكليهما بحزب الإصلاح ، فتحي العزب – عضو الأمانة العامة للإصلاح ، محمد حسن دماج – قيادي في حزب الإصلاح ، وعبدالمجيد المخلافي القيادي في حزب الإصلاحي والأكاديمي ونجله فكري ، وعبدالجليل سعيد رئيس دائرة التخطيط في حزب الإصلاح ، المحامي عبد الباسط غازي والمحامي محمد الهناهي ، الصحفي جلال الشرعبي ، الناشط أكرم الشوافي وقائمة طويلة جداً تتكاثر كل يوم .. كلهم معتقلون لدى الحوثيين وفق قانون وحيد هو قانون ( السلاح والبلطجة). 

نريد أن نعرف مكانهم .. نريد أن نتحدث إليهم .. نريد أن نطمئن عليهم .. نريد أن نرسل لهم بعض الثياب والطعام والأدوية اللازمة .. هذه تصبح أبسط مطالب الأهالي حين يضيق بهم الحال ويخنقهم القلق .. لم أزر اليوم سوى القليل من أسر المعتقلين، ولكن كمية الدموع الصامتة التي رأيتها كانت بحجم بلد. 

يتعامل الحوثيون مع العائلات التي تطرق الأبواب بحثاً عن ابنائها بعنف أحياناً وبلؤم شديد دائماً ، استهتار وكذب وتلميح خبيث بأن المعتقلين في أماكن معرضة للقصف ويطلبون السماح من أمهاتهم . وعلى قلوبهم غشاوة لا ينفع معها التذكير بأن أمهاتهم وزوجاتهم كن في ذات الموقع بالأمس .. ترى هل يذكرن هن؟ هل تذكرين يا ( نون ) ، ويا ( سين ) و يا ( جيم ) ويا ( هاء ) و ( ميم) ؟ هل تذكرن كل ما كان يُقال لكن عن أبنائكن وأزواجكن في أبواب المعتقلات ؟ هل تذكرن إحساسكن بالظلم والقهر؟ هل تذكرن كوابيس أطفالكن وكل ما مروا به ؟ هل تذكرن شعوركن حين كان يُقذف في وجوهكن بمبرر الإجرام ؟ هل تذكرن كل ما تعلمتنه في تلك الفترة عن حقوق السجين ؟ وعن إجراءات الحجز القانونية والمحاكمة العادلة ؟ هل مازلتن تذكرن مصطلح ( الإخفاء القسري ) الذي حفظتنه آنذاك عن ظهر قلب؟ 

كل تلك الاعتقالات التي قام علي عبد الله صالح خلال حروب صعدة الستة لم تفده في شيء ، لكنها لطخت وجهه إلى الأبد ، تماماً كما تلطخون وجوهكم الآن وبدون فائدة. 


* من صفحة الكاتبة على الفيس بوك، نشر في الأول من يونيو 2015

الثلاثاء، 7 أبريل 2015

عاصفة الحزم تهب على اليمن: أسباب الدعم الشعبي اليمني واحتمالات التآكل


أثار بيان أصدره حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن يؤيد تحالف "عاصمة الحزم" ردود فعل جنونية من قبل التحالف الحوثي-المؤتمري رغم أن البيان عبر عن واقع الحال. فقد حظيت وما زالت تحظى عمليات طائرات الدول المشاركة في "عاصفة الحزم" منذ بدئها في 26 مارس 2015 بدعم أغلبية اليمنيين سنة وشيعة لأسباب كثيرة ووجيهة..لكن هذا الدعم للعمليات لا ينبغي ان يفهم سواء من حزب الإصلاح أو من القوى السياسية الأخرى داخل اليمن وخارجها بأنه "شيكا" على بياض، بل هو في الحقيقة محدود في نطاقه الزمني والموضوعي ويمكن بسهولة وبفعل غياب الرؤية الواضحة لدول التحالف، تراكم الأخطاء، والاستخدام المفرط للقوة أن يتحول الى نقمة. 

ويناقش هذا التحليل العوامل المختلفة التي تقف خلف دعم اليمنيين لـ"عاصفة الحزم" ثم ينتقل بعد ذلك الى استعراض العوامل التي ستساهم في تآكل الدعم الشعبي للعمليات. وينتهي التحليل بطرح مجموعة من الأفكار المترابطة التي يمكن ان تشكل اساسا لوقف الأعمال العدائية. 

أسباب الدعم 

هناك العديد من الاعتبارات التي تقف خلف الدعم الشعبي اليمني لعمليات "عاصفة الحزم" ربما كان أهمها ما يلي: 

اولا، يعتبر اليمن جزء لا يتجزأ من أرض الجزيرة العربية واذا كان قد تم استبعاده من عضوية مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 وحتى اليوم،في خطأ استراتيجي واضح، فإن المشاكل والتحديات التي تواجه اليمن وبحكم الجغرافيا والمصير المشترك تفرض نفسها كأمر واقع على دول الخليج وفي مقدمتها السعودية سواء شاءت هذه الدول ذلك أم ابت. 

ثانيا، تعتبر اليمن منطقة حيوية بالنسبة لأمن السعودية والخليج العربي بشكل عام ويقر المجتمع الدولي، باستثناء ايران، بهذا الأمر ويحترمونه. ولا يمكن فهم الدعم الدولي منقطع النظير للعمليات السعودية ضد الحوثيين وحليفهم الرئيس اليمني السابق الا في ضوء هذا المعطى الجيواستراتيجي. 

ثالثا، ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها السعودية في اليمن بهذا الشكل. فمنذ عام 1962 وحتى عام 1970 تدخلت السعودية بقوة لدعم قوى الإمامة (شيعية المذهب) التي اتخذت من صعدة واراض السعودية قاعدة لها وكانت ايران ذاتها يومها الى جانب السعودية مقرة بأن التواجد المصري في اليمن أو أي تواجد آخر معاد للسعودية يمثل خطرا بالغا على أمن السعودية والخليج. وتكرر الأمر بعد ذلك مع نهاية عام 2009 وبداية 2010 عندما تدخلت السعودية بنفس الطريقة التي تتدخل بها اليوم لقصف الحوثيين في محافظة صعدة خلال الحرب السادسة بين نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين.وكان اكثر الناس تأييدا واشدهم حماسة للتدخل السعودي يومها هو رئيس اليمن السابق وكافة القيادات المدنية والعسكرية في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح وكذلك شيوخ القبائل والقوى السياسية الفاعلة الأخرى على الساحة اليمنية. والأكثر من ذلك أن الحوثيين والمؤتمرين في الحروب التي خاضوها ضد خصومهم السياسيين منذ نهاية أكتوبر 2013 كانوا يتحركون بدعم سعودي وامريكي وليس ايراني فقط. 

رابعا، يعتمد اليمن بشكل شبه كلي في الجوانب الاقتصادية والعسكرية والسياسية على السعودية ودول الخليج الأخرى، وينظر اليمنيون اليوم الى علاقتهم بالسعودية ودول الخليج على انها علاقة مصير مشترك تفرضه الجغرافيا واللغة والتاريخ والدين. 

خامسا، ظلت المملكة طيلة نصف قرن بحكم مساحتها وامكاناتها وتحالفاتها مع الفئات المختلفة في المجتمع اليمني ودورها في العالمين العربي والإسلامي بمثابة المرجعية لكافة القوى السياسية اليمنية سنة وشيعة بما في ذلك تلك القوى التي اتخذت موقفا معاديا من المملكة في فترات معينة ثم ادركت بعد ذلك أن أي قوة سياسية معادية للسعودية في اليمن لا يمكن لها البقاء والاستمرار. 

سادسا، لا يشعر الكثير من اليمنيين ان سيادة بلادهم انتهكت بالضربات الجوية التي تقودها السعودية لانهم لم يشعروا منذ نفذت الطائرات الأمريكية بدون طيار في عام 2002 أولى عمليات القتل ضد يمنيين متهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة بأن بلادهم يمتلك سيادة، وتعمق هذا الشعور بظهور التمرد الحوثي وتحديه لسيادة الدولة الذي بلغ ذروته في عام 2011 عندما انسلخ المتمردون بمحافظة صعدة عن السيادة اليمنية وبدأوا التوسع في المحافظات المجاورة. كما تعمق هذا الشعور ايضا نتيجة فتح اجواء اليمن بشكل كامل أمام الطائرات الأمريكية بدون طيار خلال السنوات الماضية.ويدرك اليمنيون بأن المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية قد وضعت اليمن تحت اشراف المجتمع الدولي بما في ذلك الدول المتدخلة حاليا. 

سابعا، بينما يشعر بعض اليمنيين بالانزعاج الشديد من استهداف معسكرات الجيش ومخازن السلاح والتي تمثل مقدرات للشعب اليمني، فإن الأغلبية من اليمنيين في المقابل لا تشعر بأن اليمن يمتلك جيشا وطنيا وتنظر الى ما يجري وهي محقة في ذلك الى أنه استهداف لميليشيات صورت على سبيل التضليل بانها جيش وطني. ويتساءل الكثير من اليمنيين عبر الشبكات الاجتماعية وفي مجالس القات بمرارة: اين كان الجيش اليمني من التمرد الحوثي خلال السنوات الماضية؟ واين كان من جماعات القاعدة التي ظهرت كتهديد لليمن وجيرانه والمجتمع الدولي؟ ولماذا لم يسمع به احد عندما انسلخ الحوثيون بمحافظة صعدة عن السيادة اليمنية وبدأوا في التوسع في المحافظات المجاورة لها حتى تمكنوا من احتلال مدينة صنعاء في 21 سبتمبر 2011؟ ولماذا لم يسمع اليمنيون عن الجيش اليمني الا عندما بدأت "عاصفة الحزم" في قصف معسكراته وتدمير مخازن اسلحته؟ 

ثامنا، يدرك الكثير من اليمنيين أن المطارات التي يتم قصفها ومخازن السلاح التي تتعرض للتفجير والأسلحة التي تقصف مولت في الغالب بمعونات سعودية وخليجية وبدلا من أن تسخر لصالح اليمن واليمنيين ولخدمة أمن الجزيرة العربية والخليج حولها التحالف الحوثي-المؤتمري الى جسور لبناء علاقات مع ايران وبالتالي الى عامل تهديد لأمن اليمن وجيرانه. 

تاسعا، يتفهم اليمنيون تماما المخاوف السعودية والخليجية مما يحدث في اليمن ويشعرون أن التحالف الحوثي المؤتمري لم يقم باي خطوة جدية ومخلصة لتطمين السعودية ودول الخليج الأخرى، بل أنه وعلى العكس من ذلك حاول فرض نفسه بقوة السلاح على الشعب اليمني، وعلى جيران اليمن. وأظهر التحالف، الذي يغلب عليه الطابع الطائفي في بلد لم يعرف الطائفية السياسية كأيديولوجية للفرز، وعلى نحو متكرر عدائه لجيران اليمن واستعداده التام للدخول في مقامرات غير محسوبة العواقب. ولم تقتصر استفزازات التحالف تجاه السعودية على اسقاط اليمن ومقدراته بيد ايران، بل أن الصلف والغرور بلغ به حدا اختار معه أن ينفذ انقلابه على الشرعية في اليمن ممثلة بالرئيس هادي في نفس اليوم الذي تولى فيه الملك سلمان بن عبدالعزيز ال سعود العرش في المملكة اثر وفاة اخيه الملك عبدالله. ولم تتوقف استفزازات هذا التحالف المغامر عند هذا الحد، بل انه حشد قواته الى حدود السعودية لإجراء مناورات عسكرية هناك في استفزاز وتهديد واضح للسعودية. 

عاشرا، يشعر اليمنيون بان المتمردين الحوثيين ورئيس اليمن السابق وفي اطار بحثهم عن أي قوة تدعمهم في مسعاهم للاستيلاء على السلطة والانقلاب على الشرعية قد تحولوا الى أدوات في المشروع الإيراني المعادي لليمن ودول الخليج وأنهم على استعداد تام لارتكاب افظع الانتهاكات بحق من يختلفون معهم بما في ذلك تفجير المساجد ودور القرآن والجامعات مبررين افعالهم تارة باتهام شركائهم في الوطن بالانتماء الى جماعات القاعدة الإرهابية، وتارة أخرى بأنهم "دواعش." وهناك شعور عميق لدى الكثير من اليمنيين بأنه لا يمكن الثقة بالحوثيين وذلك جراء ما اظهروه من نكث للوعود والعهود وغدر بالشركاء ونزعة الى اذلال الناس وانتهاك الحقوق وتجريد الطائفية كسلاح دونما اعتبار لحقوق المواطنة والتعايش! 

حادي عشر، ينظر الكثير من اليمنيين الى عمليات "عاصفة الحزم" على أنها تهدف الى، استعادة الدولة اليمنية من مختطفيها ومنع اليمن من الانهياروالانزلاق الى الحرب الأهلية الطائفية، والى الحفاظ على وحدة اليمن، ومنع فئة اجتماعية صغيرة عميلة لإيران من التغول على الشعب بقوة السلاح والتحول الى عامل تهديد لإستقرار اليمن ودول الخليج العربي. كما ينظر اليمنيون الى عملية التدخل على انها خطوة هامة لإعادة التوازن في المنطقة وكبح جماح الصلف والغرور الإيراني والذي يكشف عن طبيعته القذرة من خلال دعمه للنظام الطائفي الفاشي لال الأسد في سوريا. 

عوامل التآكل

لا ينبغي ان ينظر الى اصطفاف اليمنيين خلف السعودية على أنه اصطفاف ضد إخوانهم الشيعة الذين تعايشوا معهم لقرون عديدة، أو أنه اصطفاف ضد أنفسهم ومصالحهم، أو انه تفويض مفتوح وبلا حدود لقوى التحالف باستخدام القوة المفرطة أو بتدمير البنية التحتية للبلاد وقتل المدنيين. واذا كان اليمنيون يدعمون علميات "عاصفة الحزم"لأسباب كثيرة ، فإن هذا الدعم يمكن ان يتعرض الى التآكل بسرعة كبيرة بفعل العديد من العوامل، وأهمها: 

أولا، تشكل العاصمة اليمنية صنعاء ومدن تعز وعدن أكبر مراكز للتجمعات السكانية داخل البلاد ، وقد أدت العمليات الجوية الى التأثير سلبا على الحياة اليومية للناس في هذه المدن بحيث تعطلت اعمالهم وانشطتهم اليومية وتم اغلاق المدارس والجامعات واضطر الكثير منهم الى النزوح عن مساكنهم بينما يعيش آخرون في حالة رعب مستمر من أن يقعوا ضحايا للضربات أو أن يموتوا جوعا بعد اختفاء المواد الغذائية والمشتقات النفطية، وما يعنيه هذا أن الغالبية العظمى من اليمنيين لن يدعموا العمليات الجوية الى ما لا نهاية وأن هذا الدعم سيتحول، في ظل غياب الاهتمام بمعاناة اليمنيين، بسرعة الى نقمة وكراهية وفقدان للثقة. 

ثانيا، مع أن الضربات الجوية تكون دائما مصحوبة بتكلفة بشرية من بين الأبرياء، الا أن تراكم الأخطاء واللامبالاة بحياة المدنيين التي يحملها بعض تلك الأخطاء والاستخدام المفرط للقوة يمكن ان تحول اتجاهات الناس بسرعة وبزاوية 180 درجة. فليس مقبولا ولا معقولا أن يتم قصف معسكر للاجئين لإن طقما يحمل مضادا بدائيا للطائرات لا يقدم ولا يؤخر اختبأ داخله، ويفترض بالقائمين على مثل هذه العمليات أن يظهروا درجة عالية من الاهتمام بالمدنيين واستعدادا للتضحية في سبيل ذلك. فمن الغبن لليمنيين أن يدفعوا وحدهم حياتهم ثمن المحافظة على أمن السعودية والخليج. 


ثالثا، يتفهم اليمنيون دوافع "عاصفة الحزم" في استهداف المطارات وفرض حالة حصار على اليمنيين لكنهم لا يتفهمون كيف أن الدول المشاركة في العمليات لم تظهر اي اهتمام بوضع اليمنيين الذين وجدوا انفسهم عالقين في الكثير من مدن العالم في ظروف لا يعلم سوى الله تفاصيلها وغير قادرين على العودة الى بلادهم. 

رابعا، يتوقع اليمنيون أن الهدف من الضربات التي توجه ضد الأهداف العسكرية للتحالف الحوثي-المؤتمري هو تجنيب بلادهم الحرب الأهلية والتدخل الخارجي والتجزئة وليس الدفع بالبلاد نحو حرب أهلية بين السنة والشيعة أو بين الشمال والجنوب أو بين قبيلة وقبيلة. لكن التغطية الإعلامية لبعض الوسائل الإعلامية ذات الطابع القومي تتعاطى مع الأحداث بطريقة توحي أن المسالة هي مسالة حرب طائفية بين السنة والشيعة أما داخل اليمن أو على مستوى العالم العربي، وهذا بالطبع بعيد كل البعد عن الواقع. صحيح أن ايران تحاول جاهدة استغلال الحوثيين والرئيس السابق، بحكم انتمائهم الى الزيدية (وهي فرقة من فرق الشيعة)، كورقة في سعيها للهيمنة على العالمين العربي والإسلامي، الا أن الصحيح ايضا أن ايران يمكن ان تستخدم اي ورقة متاحة في هذا الصراع سواء أكانت سنية أو شيعية. 

خامسا، يؤيد اليمنيون بقوة الرئيس عبدربه منصور هادي كرمز للشرعية ويرفضون الانقلاب الحوثي-المؤتمري عليه جملة وتفصيلا، الا أن الرئيس هادي وأركان نظامه كأشخاص لا يحظون باي تأييد شعبي في أوساط اليمنيين الذين ينظرون اليهم بشكل عام على أنهم جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل، وأي مبالغة في التمسك بالرئيس هادي ومستشاريه قد تكون مكلفة لدول التحالف ومعقدة لبناء السلام في اليمن. ويمكن قول ذات الشيء حول المشاريع السياسية للرئيس هادي ومستشاريه والتي شكلت أهم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. فتلك المشاريع لا تحظى باي دعم في اوساط اليمنيين وينظرون اليها على أنها بعيدة كل البعد عن المشاكل التي يعانون منها. 

سادسا، يدرك اليمنيون أن نجاح هذه الضربات وعدم تحولها الى عامل تهديد لليمن والخليج سيرتبط ارتباطا وثيقا ليس فقط بتماسك الجبهة الداخلية للدولة القائدة للتحالف ولكن ايضا بوحدة وتماسك التحالف ذاته واتفاقه على اهداف محددة. ومن الواضح لأي مراقب أن هناك إشكاليات في كل هذا الجوانب، وأن الشعب اليمني يشعر بأنه  يمكن ان يتحول بسهولة الى ضحية. 

ما يمكن عمله 

عندما تقوم الحرب تكون السياسة كنشاط سلمي قد فشلت، لكن ذلك الفشل لا يمنع من استمرار السياسة كرديف للحرب، وفي الحالة اليمنية لا يحتاج الحل السلمي الى معجزة وإن كان يتطلب من التحالف الحوثي-المؤتمري زحزحة واضحة في المواقف المتشددة والعدمية. وتمثل الأفكار التالية احد النماذج المعقولة للوصول الى حل سلمي: 

أولا، يعلن الحوثيون قبولهم بعودة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل 21 سبتمبر 2014 ويوقفون عملياتهم العسكرية في كافة المناطق. 

ثانيا، تعلن كافة القوى المسلحة ميليشات كانت أو نظامية ايقاف كافة عملياتها المسلحة. 

ثالثا، تعلن كافة القوى السياسية اليمنية قبولها الدخول في حوار وطني برعاية مجلس التعاون الخليجي وبحضور سفراء الدول العشر المشرفة على تنفيذ المبادرة الخليجية مضافا اليها ايران. 

رابعا، توقف دول "عاصفة الحزم" كافة عملياتها العسكرية. 

خامسا، تناقش القوى السياسية في حوارها كافة الموضوعات المتعلقة بترتيب أوضاع السلطة وبسط نفوذ الدولة وحل مشاكل اليمن. 

سادسا، تحدد الأطراف المتحاورة مدى الحاجة الى دور الأمم المتحدة مستقبلا على ان يتم استبدال كافة ممثلي المنظمة السابقين بما في ذلك مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المثير للجدل جمال بن عمر.




























السبت، 31 يناير 2015

الملك يتحرك بسرعة: هل يصلح سلمان ما أفسده المغامرون؟


تحركت القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية باسرع مما كان متوقعا ، وأصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز يوم 29 يناير 2015 اي بعد أسبوع واحد من توليه العرش قرارات تغيير وتبديل في المواقع القيادية داخل الدولة السعودية يمكن ان تكون الأوسع في تاريخ المملكة، وتتمثل أهم دلالات تلك القرارات في الاتي: 

1. يفهم من القرارات التي اتخذت أن الملك يحاول بسرعة وحسم، ومن خلفه الأسرة المالكة، اصلاح الإختلال في التوازنات داخل الأسرة، والذي كان قد ظهر وتوسع خلال السنوات الأخيرة من حكم الملك عبدالله نتيجة محاولة الأمير متعب نجل الملك الراحل وخالد التويجري رئيس الديوان الملكي والأمير بندر سلطان رئيس مجلس الأمن الوطن وغيرهم استغلال مرض الملك لتعزيز مواقعهم داخل السلطة على حساب الأسرة المالكة. وصحيح أنه كان يمكن التدرج في اتخاذ القرارات لتجنب اي ارباك يمكن أن يحدث لكن الواضح أن القرارات لم تكن ارتجالية أو عشوائية ويبدو انها كانت معدة منذ وقت طويل بدليل أن القرارات المتصلة بالإنفاق الهائل (مرتبين لموظفي الدولة ومكافات للمتقاعدين وتخصيصات مختلفة) كانت مخططة ضمن الموازنة العامة للحكومة السعودية. كما يعتقد ايضا أن السرعة في اتخاذ القرارات والتزامن فيما بينها، أمر فرضته الظروف. 

2. يحاول البعض من المغرضين قراءة القرارات على انها محاولة لتصفية ارث الملك عبدالله أو دور اسرته في حين أن المنصفين سيرون بوضوح أن الأوامر الملكية تعيد توزيع السلطة داخل الأسرة بعد أن كان قد تم تركيزها في أنجال الملك الراحل وانصارهم بدون وجه حق. فصحيح انه تم ابعاد انجال الملك الراحل من مواقع امارات مكة والرياض وابعاد احد احفاده عن حقيبة الإسكان، الا أن الصحيح ايضا ان الأمير متعب نجل الملك عبدالله قد احتفظ بحقيبة الحرس الوطني ولا يعتقد أنه سيتم ابعاده منها حفاظا على التوازنات داخل الأسرة من جهة ولإن استمرار متعب في موقعه يؤدي وظيفة معينة للنظام، من جهة ثانية. ولا يمكن تصور ابعاد متعب عن موقعه، الإ في حال خرج هو أو انصاره على قواعد اللعبة السياسية المتفق عليها داخل الأسرة. 

3. اعطت الأوامر الملكية مواقع هامة للأسر الحليفة للأسرة المالكة من خارج اسرة ال سعود، وربما كان عدد الأمراء مقارنة بالتكنوقراط من خارج الأسرة المالكة في الحكومة التي شكلها الملك سلمان هو الأصغر في تاريخ السعودية في مؤشر على أن سلمان ومن خلفه الأسرة المالكة قد يعملون على توسيع دائرة المشاركة في السلطة، وهو الإتجاه المناسب. 

4. تؤشر الأوامر الملكية وخصوصا من خلال احتفاظ وزارء الخارجية، النفط، والمالية بمواقعهم ان السعودية على الأقل في الوقت الحالي غير عازمة على احداث تغييرات واسعة في سياساتها النفطية والمالية والنقدية، أو في السياسة الخارجية، لكنها بالتأكيد لن تستمر في السياسات التي اتبعها المغامرون والتي قزمت دور السعودية كثيرا في العالمين العربي والإسلامي ولم يكن لها اي عائد يذكر قياسا بالتكلفة الهائلة. 

5. كانت الأوامر الملكية موفقة في اغلاق الدكاكين الكثيرة التي أنشأها المغامرون لإيجاد مواقع لأتباعهم وأستبدالها بمجلسين هما مجلس الشئون السياسية والأمنية، ومجلس الشئون الإقتصادية والتنموية، ويعتقد أن هذه الخطوة سوف توحد وتعزز القبضة الأمنية وتسد الثغرات التي يمكن النفاذ منها لزعزعة أمن البلاد سواء من الداخل أو الخارج. 

6. يمكن النظر الى القرارات التي اتخذت والتي لاقت ارتياح شعبي واسع على انها تهيىء المسرح لقرارات أخرى أكثر أهمية على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولسياسات أكثر اتزانا من تلك التي اتبعت في السنوات الأخيرة من عهد الملك الراحل والتي يتحمل تبعاتها المغامرون وليس الملك الراحل الذي من الواضح انه لم يكن يمارس السلطة شخصيا خلال السنوات الأخيرة من عمره. 

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ستصلح قرارات الملك سلمان ما أفسده المغامرون؟ والجواب هو أن هذا ما يأمله السعوديون والعرب والمسلمون. لكن المغامرين لن يسلموا بفشل مشروعهم بسهولة، والمتابع لردة فعلهم الإعلامية منذ صعود الملك سلمان الى السلطة في وقت مبكر من يوم 23 يناير 2015 سيلاحظ انهم مستعدون لممارسة المعارضة بالحق وبالباطل، ويعتقد ان القرارات التي اتخذها الملك سلمان ستزيد من حدة الموقف وراديكالية الخطاب. 

ومع ان العمل الإعلامي المستتر (بما ينطوي عليه من معارضة سياسية) لا يمكن منعه في عصرنا وخصوصا اذا ما تلبس قميص الليبرالية المزيفة، الإ ان الخوف هو من لجوء العناصر المغامرة الى التلاعب بالورقة الأمنية اما باستغلال عناصرها المتغلغلة داخل مؤسسات الدولة، والأمنية منها على وجه خاص، أو بتوظيف علاقاتها وتحالفاتها وامتداداتها الخارجية المشبوهة لإفتعال المشاكل واثارة الزوابع. وقد أظهرت سلسلة الحوادث الأمنية التي شهدتها المملكة خلال الفترة الماضية أن الفئة المغامرة يمكن أن تفعل اي شيء.





الأربعاء، 28 يناير 2015

انتقال السلطة في السعودية: بواعث التفاؤل، مصادر القلق، وما ينبغي عمله

عبدالله الفقيه*

بالرغم من كل المخاوف التي أثيرت حول انتقال السلطة في المملكة العربية السعودية، إلا أن الأحداث والتطورات التي مرت منذ اعلان وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز في وقت مبكر من صباح يوم 23 يناير 2015 يمكن ان تجعل المراقب يردد "كذب المحللون ولو صدقوا!" فقد انتقلت السلطة بكل سلاسة، ونجحت السعودية في المرور من عنق الزجاجة. لكن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الطريق أصبح ممهدا لحياة سياسية مستقرة دون منغصات. فأي تقييم واقعي للوضع بمجمله لا ينبغي أن يتوقف عند بواعث التفاؤل، بل لا بد أن يأخذ في الاعتبار ايضا مصادر القلق التي سيكون من الخطأ اغفالها أو التقليل من شأنها. 

بواعث التفاؤل 

هناك العديد من الجوانب التي تبعث على التفاؤل حول الوضع السياسي في السعودية. وأول بواعث التفاؤل هو أن السلطة انتقلت، وخلال بضع ساعات فقط من وفاة الملك، إلى ولي عهده. وقام الملك سلمان، ووفقا للترتيبات التي كان قد وضعها الملك عبدالله، بتعيين الأمير مقرن وليا للعهد. 

أما الباعث الثاني على التفاؤل، وربما الأهم، فيتمثل في تعيين الأمير الشاب محمد بن نائف بن عبدالعزيز "وليا لولي العهد". وتنبع أهمية هذه الخطوة من الاعتبارات التالية: 

1. أنها حسمت، ربما لعقود قادمة، مسألة انتقال السلطة من الجيل الثاني (ابناء الملك المؤسس) الى الجيل الثالث (جيل الأحفاد)، فاصبح محمد بن نائف، وفقا للترتيبات الجديدة، أول امير من الجيل الثالث سيتولى العرش. 

2. أنها أكدت تقليدا اصبح واضحا وهو أن الملوك يصعدون عبر ثلاث وزارات سيادية يمكن ان يطلق عليها "وزارات القوة المادية" وهي: الداخلية، الحرس الوطني (حتى قبل ان يصبح وزارة)، والدفاع. واذا كان صعود مقرن سيمثل استثناء، فهو استثناء تم هندسته بعناية ليؤكد القاعدة وليس لينفيها. وتكمن أهمية هذا التقليد في انه ينحاز الى ما يمكن أن يطلق عليه "رجال الدولة" في مقابل "اعضاء الأسرة الحاكمة." وما يعنيه هذا الترتيب بالنسبة للدولة السعودي ككل هو ان التحالفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي وضع لبناتها الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز في ستينيات القرن الماضي ستستمر نحو المستقبل. 

3. تشير الخطوة الى أن الفرز بين "رجال الدولة" من أعضاء الأسرة المالكة سيعتمد مستقبلا على الكفاءة وطبيعة المرحلة وليس على عامل السن. فاختيار محمد بن نائف (من مواليد عام 1959) ليكون أول ملك من الجيل الثالث يمكن النظر إليه على أنه محاولة من الأسرة للدفع بأفضل ما لديها خلال مرحلة مفصلية في تاريخ المملكة والمنطقة العربية. 

4. اذا كان المراقبون للشأن السعودي قد ركزوا في تحليلاتهم على أن الخلافات داخل الأسرة السعودية ستتركز حول شرعية الأمير مقرن، فيلاحظ أن تعيين بن نائف المعروف بنفوذه الواسع داخل الأسرة "وليا لولي العهد" يرسخ أكثر فاكثر شرعية الأمير مقرن وإن كان يجعله بحكم مجيئه من خارج الوزارات السيادية الثلاث المشار اليها اعلاه معتمدا في تغطية ظهره على الأمير محمد بن نائف والأمير متعب بن عبدالله اللذان يسيطران على اكبر قوتين داخل البلاد. 

5. بالنظر الى سن الملك سلمان (حوالي 80 عاما)، وما يثار حول المشاكل الصحية التي يعاني منها، وبالنظر كذلك الى سن الأمير مقرن ولي العهد (71 عاما) وافتقاره الى القوة المادية المساندة وربما الى الدعم الكافي داخل الأسرة وبين المواطنين السعوديين، فإنه يبدو واضحا أن السلطة تتجه نحو بن نائف وفي وضع يذكر بما حدث في عام 1975 بعد اغتيال الملك فيصل (تولى الحكم خلال الفترة 1964-1975) حيث أن السلطة انتقلت اسميا الى الملك خالد (تولى خلال الفترة 1975-1982)، في حين انتقلت فعليا الى فهد ولي العهد الذي تولى بعد ذلك الملك خلال الفترة (1982-2005). لكن هذا الأمر لا ينبغي ان يؤخذ على انه مسالة محسومة. 

وبالرغم من أنه أسيئ كثيرا فهم خطوة تعيين بن نائف من قبل بعض المحللين وذهب البعض منهم (ديفيد هيرست مثلا) الى حد وصف الخطوة بانها انقلاب على الأمير متعب نجل الملك الراحل ووزير الحرس الوطني (من مواليد عام 1953) الا أن الواضح ومن خلال الأهمية البالغة للخطوة أنه كان متفقا عليها مسبقا وانها جزءا هاما من ترتيب واسع يعتقد أنه كان قد تم الاتفاق عليه في وقت مبكر ولم يتم تعيين بن نائف وزيرا للداخلية في 5 نوفمبر 2012 الا في إطار تنفيذ تلك الترتيبات. وهذا يعني ان الأمير متعب سيكون الثاني على خط تولي العرش اذ سيصبح "وليا لولي العهد" بمجرد تولي مقرن الملك وصعود محمد بن نائف لولاية العهد. 

ويمكن قول ذات الشي حول الخطوة التي أقدم عليها الملك سلمان بتعيين نجله محمد (من مواليد عام 1980) وزيرا للدفاع . فالواضح انها كانت جزءا من الترتيب الذي سبق ذكره على أن حظوظ بن سلمان بالنظر إلى صغر سنه في الدخول كمنافس قوي على العرش مستقبلا سيعتمد على قدرته على الاحتفاظ بالوزارة لوقت طويل وبناء النفوذ داخلها. 

مصادر القلق 

لا يمكن القول في نهاية المطاف أن كل شيء على ما يرام لان الأمور ليست كذلك. وهناك ثلاثة مصادر رئيسية للقلق في هذا الجانب هي: الوضع الداخلي، الوضع الإقليمي، والوضع الدولي. 

بالنسبة للوضع الداخلي، فإنه يمكن التمييز بين التهديدات النابعة من الخلافات الجارية أو المحتملة داخل الأسرة، وتلك التي يمكن أن تأتي من الوسط الشعبي. وفيما يتصل بالنوع الأول من التهديدات، فصحيح أن السلطة انتقلت بشكل سريع وسلس وحاسم وأن الخطاب الظاهر للأسرة الحاكمة يعكس حتى الان على الأقل قدرا كبيرا من الوحدة، الا أن الصحيح أيضا أن الترتيبات الجديدة وهذا امر كان متوقعا ستواجه تحديات وصعوبات. ولا تكمن المشكلة هنا في صراع تيار السديرين وغير السديرين داخل الأسرة السعودية المالكة وهو امر غالبا ما يركز عليه المحللون بقدر ما تكمن في الصراع المحتمل بين الذين "يحكمون" ويمتلكون مصادر القوة المادية والذين لا "يحكمون" ويمتلكون مصادر أخرى للقوة. 

 ولا تنبع التهديدات المتعلقة بهذا المصدر من الخلافات داخل الأسرة ذاتها ولكنها تنبع من مدى قدرة الترتيبات التي تم تبنيها على ادارة تلك الخلافات بكفاءة. وبالنسبة للتهديدات التي يمكن أن تأتي من الوسط الشعبي، وقد تتفاقم بفعل الخلافات داخل الأسرة الحاكمة ذاتها، فستتوقف على قدرة النظام على ادارة عملية الإصلاح السياسي وخصوصا في جوانب توسيع المشاركة السياسية، وتعزيز الحريات المدنية. 

ويمكن ارجاع التهديدات الإقليمية بشكل اساسي الى تصاعد القوة والمطامح الإيرانية في المنطقة العربية والى قدرتها على الإبقاء على الحرائق مشتعلة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، ويمثل تصاعد القوة الإيرانية تهديدا ليس فقط للنظام في السعودية ولكن لكل الدول الخليجية بلا استثناء. كما تنبع التهديدات الإقليمية ايضا وان بشكل ثانوي من اهتزاز الوضع العربي، بشكل عام، والوضع الخليجي بشكل خاص.

ولا يقل الوضع الدولي الراهن في غموضه وتعقيداته عن الوضعين الداخلي السعودي والإقليمي العربي. فعودة اجواء الحرب الباردة وتراجع الاقتصاد الأمريكي ، وغير ذلك من الملفات، تجعل الأمريكيين يلقون على السعودية بعبء كبير في مسالة الحفاظ على اسعار منخفضة للنفط بما يخدم مصالح امريكا وحلفائها ويضيق الخناق على روسيا وايران. 

ولا شيء يمكن أن يعبر عن حالة القلق الأمريكي من حدوث تغيير في سياسات السعودية النفطية بشكل أوضح من قيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وعلى غير عادة الأمريكيين، بزيارة الى السعودية بعد ثلاث ايام فقط على رحيل الملك عبدالله وبرفقته العديد من كبار الشخصيات الأمريكية من الإدارات السابقة. ومع أن الهدف المعلن للزيارة التي هي الثالثة التي يقوم بها أوباما الى السعودية خلال فترة ولايته—وهذا رقم قياسي— هو تقديم التعازي، الا انه لم يتم التكتم على ان القمة السعودية الأمريكية ناقشت عدد من الملفات الساخنة وفي مقدمتها ملف اسعار النفط. 

ومن الواضح ان الأمريكيين يجيدون استخدام الملفات الساخنة في المنطقة بالإضافة الى الملفات السعودية الداخلية كملف حقوق الإنسان بشكل استراتيجي تارة للضغط على النظام لدفعه لتبني سياسات مواتية للمصالح الأمريكية، وتارة أخرى لتخفيف الضغوط على النظام. 
   
وفي مقابل القلق الأمريكي من حدوث تحول في السياسات النفطية السعودية، لا بد أن السعوديين يشعرون بالقلق بدورهم من الأضرار التي يمكن أن تلحق بهم جراء سياسات الحفاظ على أسعار منخفضة للنفط ليس فقط على المستوى الاقتصادي ولكن أيضا على المستويين السياسي والأمني. ويكمن التحدي بالنسبة للسعوديين في إيجاد نقطة توازن يمكن عندها إبقاء الأمريكيين سعداء وفي ذات الوقت عدم الدفع ببعض الدول إلى الحافة وبحيث تصبح مستعدة لفعل أي شيء ، أو الدفع بالاقتصاد السعودي ذاته إلى حافة الهاوية. 

ما ينبغي عمله 

سيكون على القياد السعودية الجديدة التحرك على أكثر من جبهة ومواجهة ملفات كثيرة ساخنة سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي. وبالنظر الى طبيعة التحديات القائمة على كل المستويات، فإنه يبدو أن وحدة القيادة وانسجامها ستكون حاسمة في مسالة النجاح أو الفشل. 

*استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء