السبت، 29 سبتمبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(31)



استمات أوباما، الذي آمن منذ وقت مبكر إن الخطر الذي يهدد الخليجيين ليس  "التعرض لهجوم من إيران" بل "سخط الشباب" داخل دولهم،  في الضغط على الملك سلمان لحضور قمة "كامب ديفيد" إمعانا منه في تحدي واهانة خصومه الجمهوريين، والمحسوبين عليهم.  وعلى الرغم من أن "أصحاب الجلالة والسمو" من حكام الخليج، قد عبروا في البيان الصادر عن القمة التشاورية الخليجية التي عقدت في 5 مايو "عن تطلعهم للقاء فخامة الرئيس الأميركي باراك أوباما في 13 و14" مايو، إلا أن اوباما لم يكن ليأخذ بتلك العبارة على عواهنها.

وحتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أرسل أوباما في 7 مايو، وزير خارجيته جون كيري إلى الرياض لاستبطان النوايا،  ولإقناع السعوديين بإعلان هدنة إنسانية لمدة 5 أيام في الحرب التي تشن على اليمن يتم خلالها إيقاف إطلاق النار والسماح لمنظمات الإغاثة بالوصول إلى مختلف مناطق اليمن، وعلى أن يتزامن بدء الهدنة مع انعقاد القمة الخليجية الأمريكية.  كان كيري نفسه واحدا من أهم اللاعبين، إن لم يكن اللعب الأهم على الإطلاق، في المفاوضات الجارية بين إيران والـ5+1، رغم ما كان قد أثير إعلاميا بشأن علاقة النسب التي تربطه بالإيرانيين، حيث أن ابنته الطبيبة فانيسا متزوجة من جراح دماغ أمريكي مولود لأبوين إيرانيين.

     

وأكد السعوديون لكيري في يوم الزيارة، كما ذهبت تسريبات البيت الأبيض، أن الملك سيحضر "كامب ديفيد." وفي 9 مايو، استضاف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، مستغلا الدفء الذي تشهده العلاقات الخليجية الفرنسية، اجتماعا في باريس لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي لمناقشة المفاوضات مع إيران والقمة الخليجية الأمريكية في كامب ديفيد.   ومن جديد، أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لكيري، على هامش الاجتماع، أن الملك سيترأس وفد المملكة إلى القمة.

لكن السعوديين فجأة اخطروا الأمريكيين في مساء اليوم ذاته (9 مايو) وفق التسريبات الأمريكية،  بأن هناك احتمال بأن تتغير خطط الملك بالنسبة لحضور القمة.  وفي 10 مايو، ابلغ السعوديون الأمريكيين رسميا بأن الملك لن يحضر قمة كامب ديفيد وأنه سينيب عنه ولي العهد-وزير الداخلية محمد بن نايف (ابن شقيق الملك)، وولي ولي العهد -وزير الدفاع محمد بن سلمان (نجل الملك).  وبرر غياب الملك من قبل السعوديين بانشغاله بالهدنة الإنسانية في اليمن، وبإجراءات افتتاح مركز الملك سلمان للإغاثة.

ويبدو أن إعلان البيت الأبيض في يوم الجمعة 8 مايو عن قمة ثنائية ستعقد بين الرئيس الأمريكي والعاهل السعودي على هامش قمة "كامب ديفيد" قد ساهم على الأقل جزئيا في تغيير رأي الملك، إذ ربما رأى، في ظل الوضع الصعب الذي وجد نفسه فيه، أن اوباما يدفع بالأمور إلى ابعد مما يمكن احتماله. ففي حين تعارض السعودية أي اتفاق مع إيران بنفس القدر الذي تعارض به إسرائيل مثل ذلك الاتفاق، وكذلك بنفس القدر الذي يعارض به حلفاؤها الجمهوريون في الكونجرس الاتفاق، فقد كان للملك سلمان طريقته المختلفة في التعامل مع الرئيس الأمريكي، ولا تنبع تلك الطريقة من النظام الأخلاقي أو البروتوكولي الذي يلتزم به ملك السعودية كما حاولت التسريبات الصحفية الصادرة عن البلاط السعودي الإيحاء لاحقا، ولكن لأن الملك لم يكن يستطع في سنته الأولى في الحكم خوض مواجهة مع اوباما كما يفعل رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو الجمهوريون في الكونجرس.

وفي حين كان اوباما يضغط على الملك سلمان لحضور قمة "كامب ديفيد" والمشاركة في استعراض يظهر وجود درجة عالية من الانسجام والوحدة والتوافق بين السعودية وإدارة اوباما بشأن  السياسة الأمريكية تجاه إيران، كان حلفاء السعودية في الكونجرس يطالبونها بمواقف أكثر قوة وتشددا في معارضتها للاتفاق، ولا يخلو إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية 98 مقابل 1 لمشروع قانون يلزم إدارة اوباما بعرض أي اتفاق تبرمه مع إيران على الكونجرس للمراجعة في اليوم ذاته الذي كان فيه وزير الخارجية الأمريكي كيري يزور السعودية (7 مايو) من رسالة ما في هذا الجانب.    

بالنسبة للرئيس اوباما، فإن عدم حضور الملك سلمان كان يعني بأن الشخص الذي يقوم بالدور الرئيس في المسرحية التي كان يقوم بإخراجها لن يحضر، ولم يكن ذلك مؤشرا جيدا غير أن ذلك ما كان ليعني تأجيل أو إلغاء القمة. فبالنسبة لأوباما، وقياسا على الطريقة التي يفكر بها، فإن "قمة بتمثيل منخفض أو حتى فاشلة، أفضل من عدم عقد القمة نهائيا."    

وسارع مسئولون أمريكيون وسعوديون، نقلت عنهم وكالة رويترز يوم 10 مايو دون ان تسميهم، إلى التأكيد أن درجة التوتر بين الرياض وواشنطن  تبلغ  "صفر"، وان السعودية ودول الخليج الأخرى سعيدة بالمواقف الأمريكية، وأن عدم حضور الملك لا يتضمن أي رسالة، ولا يحمل أي ازدراء للرئيس أوباما كما كانت قد تكهنت بعض الصحف مثل النيويورك تايمز. أما عن أسباب غياب الملك عن القمة، فقد ذكر أولئك المسئولين، أن الطبيعة الفنية للنقاشات التي ستدور في "كامب ديفيد" جعلت  الملك يعتقد أن ولي العهد، وولي ولي العهد مستعدين بشكل أفضل للتعاطي مع تلك الأمور. وربما رأى الأمريكيون أن هذا العذر أكثر ملائمة للعقلية الأمريكية من عذر الانشغال بالهدنة الإنسانية.    

وفي وقت متأخر من مساء الـ10 من مايو 2015، أعلنت القوات الملكية المغربية المسلحة أن إحدى طائراتها المشاركة في العمليات التي تقودها السعودية في اليمن، وهي من طراز اف 16 (أمريكية الصنع)، فقدت خلال مهمة كانت تنفذها في اليمن. وتبين لاحقا أن الطائرة، وفي حادث عد الأول من نوعه منذ بداية عمليات القصف الجوي في 26 مارس 2015، سقطت في وادي النشور بمحافظة صعدة اليمنية.

وبينما أعلن التحالف عن فقدان قائد الطائرة المغربي ياسين بحتي البالغ من العمر 26 عاما، تبين بعد ذلك أنه لقي مصرعه، ليكون بذلك أول طيار يلقى حتفه في العمليات، وأن الحوثيين عثروا على جثمانه غير بعيد عن المكان الذي سقطت فيه الطائرة.  واختلفت الروايات حول أسباب سقوط الطائرة. ففي حين ذكرت قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين أن رجال قبائل اسقطوا الطائرة بمضادات الطائرات، أكد المتحدث باسم التحالف سيء السمعة احمد عسيري أن سقوط الطائرة يعود إما إلى خلل فني، أو بسبب خطأ بشري، وأنها بالتأكيد، حسب قوله، لم تتعرض للإسقاط.  

الخميس، 27 سبتمبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية... (30)



اكتسب اللقاء ألتشاوري الخامس عشر لدول مجلس التعاون الخليجي والذي عقد في مدينة الرياض في 5 مايو 2015 أهمية استثنائية مقارنة بالقمم واللقاءات التشاورية السابقة عليه وذلك للأسباب التالية:

أولا، أنه أول قمة تعقد منذ قررت خمس من دول مجلس التعاون لدول الخليج، بالتحالف مع دول عربية أخرى،  التدخل العسكري في اليمن لصالح ما سمي بـ"الشرعية."

ثانيا، أنه  عقد في ظل دخول المفاوضات بين إيران والـ5+1  بشأن البرنامج النووي للأولى مراحلها الأخيرة بعد أن كانت الأطراف قد توصلت إلى الاتفاق الإطاري في الـ2 من ابريل 2015.

ثالثا، أن  اللقاء عقد قبل أسبوع واحد فقط من القمة الخليجية الأمريكية المرتقبة التي دعا إليها الرئيس أوباما في "كامب ديفيد"، وقبل أسبوع واحد فقط كذلك من إقرار المشرعين الأمريكيين لقانون يعطي الكونجرس بمجلسيه حق مراجعة أي اتفاق تعقده إدارة أوباما مع إيران عبر آلية الـ5+1.

رابعا، أن ما ستبلوره القمة من مواقف كان يحظى بترقب كبير من طرفي المعادلة الأمريكية (الرئيس والكونجرس) ومن المجتمع الدولي نظرا لتأثيراته المحتملة على مستقبل المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي.

خامسا، أن اللقاء عد أول قمة خليجية تعقد بحضور رئيس غربي هو الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والذي من المؤكد أنه ما كان ليحضر لولا الأهمية الكبيرة والحساسية البالغة للموضوعات محل النقاش. 



وتجلت تلك الأهمية الاستثنائية للقمة من خلال الضغوط العسكرية التي مارسها الحوثيون والرئيس السابق المتهمون بموالاة إيران على السعودية خلال الثلث الأول من شهر مايو بشكل عام، وفي يوم عقد القمة، بشكل خاص، كما سبق الإشارة.       
 
وعقد  اللقاء التشاوري في الرياض، وبحضور الرئيس الفرنسي، كما كان مخططا،  وخرج ببيان ختامي مطول جاء فيه، بالنسبة لحضور الرئيس الفرنسي والقمة الخليجية الأمريكية المرتقبة، ما يلي:

"(...) رحب أصحاب الجلالة والسمو بمشاركة فخامة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في هذا اللقاء التشاوري، مشيدين بالتنسيق والتعاون القائم مع الجمهورية الفرنسية وتطابق الرؤى في القضايا المهمة في المنطقة والعالم. وعبر أصحاب الجلالة والسمو عن تطلعهم للقاء فخامة الرئيس الأميركي باراك أوباما في 13و14 من الشهر الجاري في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تسهم المباحثات في تعزيز العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل التطورات والأحداث الجارية وبما يعزز أمن واستقرار المنطقة."

وفيما يتصل بموضوع الساعة وهو المفاوضات الجارية بين إيران والـ5+1، بشأن البرنامج النووي الإيراني، أورد البيان ما يلي:

"وأكد أصحاب الجلالة والسمو حرص دول مجلس التعاون على بناء علاقات متوازنة مع جمهورية إيران الإسلامية تسهم في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها وعبروا عن تطلعهم إلى تأسيس علاقات طبيعية معها قوامها احترام أسس ومبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول واتخاذ خطوات جادة من شأنها إعادة بناء الثقة والتمسك بمبادئ القانون الدولي والأمم المتحدة التي تقوم على حسن الجوار وتمنع التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها.
وعبر أصحاب الجلالة والسمو عن أملهم في أن يؤدي الاتفاق الإطاري المبدئي الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة 5+1 إلى اتفاق نهائي شامل يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني، وطالبوا بأن يضمن الاتفاق انسجام هذا البرنامج مع جميع المعايير الدولية بما في ذلك المعايير المتعلقة بأمن وسلامة المنشآت النووية والإشراف الكامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية عليها ومعالجة جميع المشاغل والتداعيات البيئية للبرنامج النووي الإيراني."

ورغم أن الجزء الأكبر من البيان الختامي خصص لما اسمي بـ"قضية اليمن" إلا أنه لوحظ أن هذا الجزء لم يتضمن أي إشارة إلى إيران خيرا أو شرا ، وهو ما يعني أن قادة الخليج كانوا يمشون على الحبل المشدود الذي وضعه لهم اوباما، وكلف الرئيس الفرنسي هولند بمراقبته، دون أن يحيدوا عنه قيد أنملة.

ويمكن اعتبار  البيان الصادر عن اللقاء التشاوري الخامس عشر للقادة الخليجيين انتصارا كبيرا لإدارة اوباما. فقد حصل الرئيس الأمريكي، بفضل الدور الفرنسي والضغوط العسكرية لليمنيين المدعومين من ايران، على ما أراده من تأييد خليجي خالص لا تشوبه شائبة، وحرم في الوقت ذاته خصومه في الكونجرس من الحصول على أي مادة يمكنهم استخدامها ضده أو ضد إيران، أو ضد المفاوضات الجارية.  

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(29)



مع دخول شهر مايو 2015، كان السعوديون والخليجيون عموما يتطلعون إلى عقد قمتين هامتين خلال اسبوعين: الأولى خليجية، وهي اللقاء ألتشاوري الخامس عشر لقادة دول مجلس التعاون، وقد حدد لها الـ5 من مايو؛  والثانية دولية، وهي القمة الخليجية الأمريكية في "كامب ديفيد"، وقد حدد لعقدها يومي الـ13، والـ14 من مايو. وكان الموضوع الأساسي والجوهري للقمتين هو المفاوضات التي تجريها دول الـ5+1 بشأن البرنامج النووي الإيراني.   

وقد عانى السعوديون كثيرا، على غير توقع، خلال الثلث الأول من شهر مايو 2015. فبعد خمسة أسابيع من قصف الطائرات الأمريكية المكثف للقوات الموالية للحوثيين والرئيس اليمني السابق، والذين تتهمهم السعودية بالعمل كوكلاء لإيران، ولليمن واليمنيين عموما، وجد السعوديون أنفسهم مع دخول شهر مايو يخوضون حربا مختلفة. ففي اليوم الأول من مايو، شن "رجال القبائل اليمنية"، وهو الاسم الحركي الذي اتخذته قوات الحوثيين والرئيس السابق في بداية المواجهات المباشرة مع السعوديين، أول هجوم رئيسي لهم على حدود السعودية. واقر السعوديون بوقوع الهجوم، وأعلنوا أنهم قتلوا العشرات من المهاجمين دون أن يذكروا شيئا عن خسائرهم البشرية والمادية. 

وفي 5 مايو، يوم انعقاد اللقاء التشاوري، هاجم "رجال القبائل اليمنية" نجران وجيزان بقذائف المورتارز وصواريخ الكاتيوشا مما أدى بحسب السعوديين إلى مقتل 5 أشخاص، فيما ذكرت وكالات أنباء أن 5 جنود سعوديين اسروا.  وتمكن الحوثيون والقوات الموالية للرئيس السابق في اليوم ذاته من السيطرة على مديرية التواهي بعدن، والتي تعد واحدة من أهم المديريات التي كانت ما زالت تحت سيطرة القوات الموالية "اسميا" لهادي، ويقع في نطاقها القصر الرئاسي، قناة عدن التلفزيونية الرسمية، فرع وكالة سبأ للأنباء، والمنطقة العسكرية الرابعة.   كما تمكن قناص في اليوم ذاته من قتل قائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء علي ناصر هادي، والذي كان يحارب في صفوف الشرعية.

وقد فهم السعوديون كل تلك التطورات التي بدأت في الحدوث مع مطلع شهر مايو، وبلغت ذروتها في يوم 5 مايو على أنها رسالة تحد من إيران  للسعودية ذات علاقة بموقف الأخيرة من المفاوضات الجارية حول نووي إيران.

وجاء رد السعوديين كالعادة مرتبكا. ففي وقت مبكر من مساء الـ5 من مايو، ظهر رياض ياسين (عبدالله) القائم بأعمال وزير خارجية هادي (يعمل الآن سفيرا في فرنسا) في مؤتمر صحفي على الهواء مع عز الدين الأصبحي وزير حقوق الإنسان (يعمل الآن سفيرا في المغرب).  وعرض ياسين، خلال المؤتمر الصحفي، عددا من الصور لضحايا كوارث مختلفة حدثت حول العالم، مؤكدا أنها لأبناء مدينة عدن الذين تم استهدافهم من قبل قوات الحوثيين والرئيس السابق، أثناء فرارهم من المدينة على قوارب صيد، مما أدى إلى سقوط العشرات منهم بين قتيل وجريح. وبكى ياسين بحرقة، وهو يطالب مجلس الأمن الدولي بعقد جلسة طارئة لإنقاذ مدينة عدن، ويتوسل دول التحالف القيام بعملية إنزال لقوات برية في المدينة.  أما الأصبحي، فقد ذهب أبعد من ذلك بكثير، وإن كان قد اخفق في ذرف الدموع، حيث طالب المجتمع الدولي بإنقاذ النساء في عدن مما يتعرضن له من اغتصاب.

وفي 6 مايو، قصفت الطائرات المحسوبة على التحالف، المحافظات اليمنية الواقعة على الحدود مع السعودية مما أدى، وفق تقديرات اعلامية، إلى مقتل 43 مدنيا. كما شنت غارات على مركز لتدريب الشرطة في مدينة ذمار مما أدى إلى مقتل 11 وجرح 18. وفي 8 مايو، أعلن التحالف، بكل غرور وغطرسة، وفي انتهاك لمبادئ القانون الإنساني الدولي، محافظة صعدة التي ينحدر منها الحوثيون وتقيم فيها قيادة الحركة، بكاملها منطقة حرب، ودعا جميع المدنيين في ذروة أزمة المشتقات النفطية إلى مغادرة المحافظة قبل السابعة مساء بالتوقيت المحلي.  وفي 9 مايو شنت طائرات تعمل تحت غطاء التحالف أكثر من 100 غارة على محافظات صعدة وحجة  مركزة بشكل أساسي على مديريات حرض، ميدي، وبكيل المير.

وفي  10 مايو 2015 ذكرت منظمات اغاثية دولية، كما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)،   أن 70 الف من سكان محافظة صعدة بينهم 28 ألف طفل نزحوا من المحافظة بعد قصف مكثف للمحافظة خلال ليلتين متتاليتين. ودانت 17 منظمة اغاثة، من بينها "اوكسفام"، "الإغاثة الإسلامية"، "أنقذوا الأطفال"، و"كير انترناشونال"، تصاعد حدة القصف.   

الجمعة، 21 سبتمبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية... (28)



شهدت العلاقات السعودية الفرنسية منذ أن أصبح سلمان ابن عبد العزيز (الأمير في ذلك الوقت) وزيرا للدفاع في عام 2011 ووليا للعهد في عام 2012 تطورا ملحوظا، ويرجع ذلك جزئيا على الأقل إلى سياسة توزيع الأدوار التي لجأ إليها الأمريكيون في ظل احتدام الصراع على السلطة داخل الأسرة المالكة في السعودية، وشعورهم بأنهم لا يستطيعون أن يكونوا قريبين من الملك عبد الله (تيار غير السديرين)، ومن ولي العهد (تيار السديرين)، في الوقت ذاته، وبالدرجة ذاتها.

ولعل الرئيس أوباما قد شعر، مع تقدم عملية التفاوض الأولية مع إيران خلال عامي 2013 و2014، وعلى نحو متزايد أنه سيكون عليه في مرحلة ما، وخصوصا بعد أن استنزف مخزون الثقة الذي كان يحتفظ به الخليجيون في علاقاتهم معه، ارتداء مسوح الرهبان والظهور بمظهر القديس الذي يعامل أبناء الله كلهم بطريقة واحدة. ضف إلى ذلك أن أوباما  كان يشعر بالقلق من أن  تأتي مرحلة   يصم فيها الخليجيون آذانهم كلما تحدث، ومهما كانت جودة ما يقول. ولأن ترك  "عيال الله" في الخليج يفعلون ما يريدون، لم يمثل أبدا خيارا معقولا، فقد كان على اوباما أن يكون ابتكاريا في البحث عن حلول حتى لو استدعى الأمر أن يتلبس في مظهره وجه شخص آخر. 



وبالتزامن مع التقدم الذي كانت تحققه المفاوضات بين إيران والـ5+1، بدأ الدور الفرنسي في الخليج يتنامى أكثر فأكثر. وأخذت العلاقات بين فرنسا وقبائل الخليج وفي مقدمتها آل سعود تشهد وبشكل مفاجئ ارتفاعا سريعا في درجة الحميمية. وفي المقابل، كان الدور السياسي الألماني في إيران يشهد ازدهارا مماثلا.

وبدت فرنسا، بما أشيع عن مواقفها المتشددة تجاه البرنامج النووي الإيراني، وكأنها أصبحت الممثل والناطق الرسمي باسم دول الخليج العربي على مائدة المفاوضات بين إيران ودول الـ5+1.  ونتيجة لذلك، وخلال فترة قصيرة، تجاوزت قيمة صفقات السلاح التي عقدتها دول الخليج مع فرنسا، ومعظمها لشراء طائرات رافال، الـ14 مليار دولار.  وبلغت العلاقات الخليجية الفرنسية حدا تجاوز كل التوقعات بالإعلان عن مشاركة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولند، الذي أصبح في أعين الخليجيين بمثابة "الرجل الطيب"، في القمة التشاورية الخامسة عشر لقادة دول مجلس التعاون والتي كانت ستعقد في مدينة الرياض في مايو 2015، ليكون بذلك أول رئيس دولة غربي يحضر قمة خليجية في سابقة عدت الأولى من نوعها منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981. وظل الطرف الذي وجه الدعوة إلى هولند مجهولا، الأمر الذي يفهم منه أن الرئيس هولند كان في الأساس ضيفا ثقيلا.  
    
وأثارت مسألة مشاركة الرئيس الفرنسي في قمة خليجية والغرام الخليجي المفاجئ بسيد الشانزليزيه، وبالمقاتلات الفرنسيات من طراز "رافال"، التي لم تكن في الحقيقة تحظى بشعبية على المستوى الدولي منذ كشف الغطاء عنها في عام 1988، الكثير من الأسئلة  والقليل من الأجوبة. وفيما  ظن البعض أن فرنسا وليس أمريكا هي التي تقوم بتنفيذ الضربات الجوية في اليمن، بدليل صفقات الأسلحة التي انهالت عليها فجأة، ذهب آخرون إلى أن فرنسا ورغم كونها حليف تاريخي للديمقراطيين في أمريكا، بدأت تعمل على ملء الفراغ الذي بدأ الأمريكيون يتركونه خلفهم في منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها الخليج. لكن تخلي الأمريكيين عن مصالحهم في الخليج لفرنسا، هكذا ببساطة، بدا أمرا يصعب تصديقه.