الأربعاء، 19 سبتمبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(27)


عمل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي اتصفت علاقته مع السعوديين بالتوتر الشديد، خلال مرحلة التفاوض مع إيران على طمأنة إسرائيل والسعودية بشأن مخاوفها الأمنية.  وكانت أهم خطوة قام بها اوباما هي دعوته بالتزامن مع وصول المفاوضات مع إيران إلى مراحلها النهائية لقادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى اجتماع  في "كامب ديفيد" بالولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر مايو 2015، وذلك بهدف مناقشة ما لدى القادة الخليجيين من تحفظات ومخاوف بشأن المفاوضات التي تجري مع إيران.

كانت الحجة الأساسية بالنسبة لأوباما، والتي سيؤكد عليها المرة تلو الأخرى، هي أن أي اتفاق يمكنه تقييد قدرة إيران على امتلاك السلاح النووي، ولو لفترة عشر سنوات ، يظل ومهما كانت محدوديته وأوجه القصور التي يعاني منها، أفضل من عدم وجود أي اتفاق على الإطلاق، وقد صيغت حجته باختصار لتقرأ "صفقة سيئة أفضل من عدم وجود أي صفقة." وكان يمكن لحجة أوباما أن تكون مقبولة ومقنعة لو أن الخلاف مع إيران اقتصر على برنامجها النووي. لكن الوضع لم يكن كذلك.

فبالنسبة للسعودية وإسرائيل، كانت المشكلة الأساسية التي لا يتم الحديث عنها صراحة في تلك المرحلة هي حصول إيران على أموالها المجمدة والتي قدرت بحوالي 150 مليار دولار ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وما يمكن أن يعنيه كل ذلك بالنسبة للدور الإقليمي الذي تلعبه ولموازين القوة المختلة أصلا في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. وكان الحديث عن تلك الأمور، بسبب ما تم شرحه في حلقة سابقة، يشبه الدوس على أصابع قدم اوباما أثناء النزهة معه.   



وصحيح أن السعودية وإسرائيل كانتا وما زالتا تشعران بالخوف والقلق من تطوير إيران لقنبلتها النووية، غير أن ما كان يخيفهما حينها أكثر من نووي إيران هو الطريقة التي ستؤثر بها الأموال التي ستحصل عليها إيران على المسائل التالية:

الأول، تعاظم القوة العسكرية لإيران وإن بطابعها التقليدي،  فالصواريخ  الإيرانية القادرة على الوصول إلى أي مكان في السعودية أو إسرائيل والتي تتطور باستمرار شكلت وستظل دائما تشكل مصدر قلق للدولتين.

الثاني، تنامي الدور الإقليمي لإيران حتى وهي محاصرة اقتصاديا على حساب الدور السعودي ليس فقط في العراق وسوريا ولبنان ولكن في اليمن ومنطقة الخليج ذاتها. وبالنسبة لإسرائيل، فإن تنامي الدور الإقليمي لإيران  في ظل العداء المستحكم بين الدولتين، والطابع الديني للنظام، قد جعلها تشعر على نحو متزايد بالتهديد على نحو أكبر مما تشعر به السعودية.

الثالث، قدرة إيران على توظيف السكان الشيعة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن كأذرع بما يمكنها من خوض حروب بالوكالة سواء مع إسرائيل أو مع السعودية مع وجود إمكانية لخلق اذرع أخرى بما في ذلك داخل السعودية ذاتها. 

الرابع، المواقف المتشددة لإيران من القضية الفلسطينية والتي مثلت دائما إحراجا للسعودية التي تقدم نفسها كدولة قائدة للمسلمين بشكل عام والمسلمين السنة بشكل خاص، لكنها رغم ذلك تتبع، بطريقة مهينة أحيانا، المواقف الأمريكية المنحازة دائما لصالح إسرائيل. كما مثلت المواقف الإيرانية المتشددة تهديدا بالنسبة لإسرائيل، الدولة صغيرة الحجم بطبيعتها والمحاطة بشكل مباشر بثلاثة من الأذرع الإيرانية (حزب الله في لبنان، حركة حماس في فلسطين، والعلويون الذين يحكمون سوريا).        

الخامس، الطابع الديني الشيعي للنظام الإيراني والذي يقدم رغم الاختلاف المذهبي بديلا إسلاميا مقبولا للنموذج السياسي الاسلامي السني الذي تتبعه السعودية.          

ولا يعرف لماذا اختار أوباما المنتجع الرئاسي سيئ السمعة المعروف بـ "كامب ديفيد" كمكان للاجتماع. كان المنتجع، الذي يقع في ولاية ميرلاند، قد ارتبط في الذاكرة العربية بانطباع سلبي كونه شهد خلال عامي 1978-1979  المفاوضات المصرية الإسرائيلية برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر (ينتمي إلى الحزب الديمقراطي). وقد أدت تلك المفاوضات التي عقدت  في "كامب ديفيد"، رغم المعارضة السعودية والعربية لها، إلى توقيع اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979. فهل أراد اوباما مثلا إيصال رسالة للسعودية فحواها بأن المفاوضات مع إيران ماضية  بالرغم من أي معارضة وأن تلك المفاوضات ستكلل في النهاية بالنجاح كما حدث مع المفاوضات المصرية الإسرائيلية؟

لا يستبعد أي شيء بالنسبة لنوايا أول رئيس ملون يحكم أمريكا. فقد أصبح أوباما في سنته السابعة في البيت الأبيض يمارس السياسة بصفاقة يصعب فهمها أو حتى تبريرها، وليس من المستبعد بالتالي أن يكون قد أختار "كامب ديفيد" قاصدا اهانة وإذلال ضيوفه الخليجيين وفي مقدمتهم ملك السعودية.        

أما توقيت القمة، فقد كان اغرب من مكانها، لأن اوباما سعى إلى عقدها بالتزامن مع إقرار الكونجرس للقانون الذي يعطي مجلسيه بأغلبيتهما الجمهورية  الحق في مراجعة أي اتفاق تتوصل إليه إدارة اوباما مع إيران، وكأن أوباما أراد من خلال القمة أن ينظم عرضه المسرحي الخاص الذي يتحدى به الكونجرس، دون أن يأخذ في الاعتبار مشاعر ومصالح الكائنات التي  اسند إليها الأدوار الرئيسية في المسرحية التي يقوم بإخراجها.  ومثل تصرف مثل هذا اهانة أخرى لضيوفه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق