الأربعاء، 11 ديسمبر 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية (غير مسلسل 20)


تدافع الحجيج في منى

"لم يكن هناك مهرب، كنت ترى آباء يتركون صغارهم والمسنين لكي ينجوا بأنفسهم."
الحاج النيجيري
داهيرو شيتو إبراهيم

”كانت أمي تمسك بيد أبي لكن يدها أفلتت، وحين التفتت تبحث عنه كان قد سقط، لك أن تتصور شعورها في تلك اللحظة التي رأت فيها شريك حياتها يفقد حياته“
محمد عمر عارف-لاهور، باكستان

ارتبطت حوادث الحج الكبرى التي تترك خلفها مئات من القتلى منذ تولي آل سعود السلطة في السعودية بتوفر ثلاثة شروط: الأول، الخلاف بين أبناء عبد العزيز على السلطة؛ والثاني، وجود توتر حاد في العلاقات السعودية-الإيرانية؛ والثالث، وجود اضطراب في العلاقات السعودية الأمريكية. وكانت كل تلك الشروط متوفرة في سبتمبر 2015 والذي جعل منه الرئيس الأمريكي باراك اوباما بمثابة شهر المظلومية الأمريكية وعمل خلال السنوات الأخيرة من حكمه على قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين خلاله.  
     
رمي الجمرات الثلاث

شهد يوم الوقوف بعرفة، أي يوم 23 سبتمبر 2015 تعطل النظام الآلي للأبواب في قطار المشاعر، وقد أدى ذلك إلى حدوث 204 إصابة بين الحجاج وهم في الطريق إلى عرفة. ونتجت الإصابات كما قيل عن الإغماء والإجهاد والإعياء. وكان حادثا كهذا يعكس حالة من التوتر في عمل النظام.  وفي خطبة الوقوف بعرفة، وصف مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ الحوثيين (وهم من شيعة اليمن) بأنهم "جماعة مجرمة آثمة ظالمة تحمل فكرا خبيثا، سبوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  وكفروا خليفتي المسلمين ابو بكر وعمر."  

وعند منتصف ليل الأربعاء الـ23 من سبتمبر 2015 كان اثنين مليون حاج قد وصلوا إلى مزدلفة، والتي تقع في شرق مكة على مسافة حوالي 20 كم  وشرعوا في جمع الحصى التي سيرمون بها الجمرات الثلاث بدءا من صباح أول يوم من أيام التشريق، أو ما يعرف بيوم النحر.   


وفي الساعة التاسعة من صباح يوم الـ24 من شهر سبتمبر 2015 الموافق العاشر من شهر ذو الحجة، وهو أول أيام عيد الأضحى المبارك، حدث تدافع بين حشود الحجاج في منطقة منى على الطرق المؤدية إلى جسر الجمرات. وأدى "الحادث"، بحسب تقديرات أولية،  إلى مقتل حوالي 800 شخص وإصابة قرابة 900 آخرين. 

وذكرت وكالة اسوشيتد برس حسبما نقلت عنها بي بي سي في 19 أكتوبر أن عدد الضحايا وصل إلى 2121 منهم 1051 قتيلا. لكن السعودية لم تعلق على التقرير ولم تنشر أي تحديثات تتعلق ببياناتها عن الضحايا التي أعلنتها في مؤتمر صحفي لوزير الصحة السعودي حينها خالد الفالح. وبحسب بيانات جمعت من إعلانات الدول عن ضحاياها فقد بلغ عدد الضحايا من الإيرانيين 464 والمصريين 138 والاندونيسيين 91 والنيجيرين 64 والماليين 60 والهنود 51 والباكستانيين 46.

ووصفت اجنس فرانس برس الحادث بأنه الأسوأ منذ ربع قرن وأن إدارة الحج واجهت انتقادات واسعة، وأن الملك أمر عشية وقوع التدافع بفتح تحقيق لتحديد المسئولين عن الحادث.

تدافع ديني أم سياسي

هناك قرائن قوية على أن تدافع "منى" في 24 سبتمبر عام 2015 كان تدافعا سياسيا وليس دينيا، وأهم تلك القرائن ما يلي:

أولا، ارتفاع عدد الضحايا من الإيرانيين.

ثانيا، جاء التدافع بعد أسبوعين من سقوط الرافعة في الحرم، وهو ما يعني حادثين كبيرين خلال موسم حج واحد، وهذا أمر يصعب قبوله.
  
ثالثا، وقع التدافع، كما يذكر موقع ارم نيوز الإخباري،  في مكان غير مصنف على أنه من نقاط الاختناق. والأكثر من ذلك كما يضيف الموقع هو أن:

"...الجانب الأكبر من المليارات التي أنفقتها السعودية على تأمين الحشود في موسم الحج انصب على تطوير منطقة رمي الجمرات، فتم توسيع الطرق وأقيمت عدة طوابق يتسنى منها رمي الجمار كما زادت نقاط الدخول والخروج لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجيج وتأمينها، كما تتيح أنظمة المراقبة المتطورة وكاميرات الفيديو للسلطات السيطرة على حركة الحجيج والتأكد من أنهم لا يصلون إلى الموقع على نحو أسرع مما ينبغي قبل أن تغادره الأفواج التي سبقتهم."

رابعا، وقع التدافع بعد أن حققت إيران نجاحا كبيرا في مفاوضاتها مع الغرب بشأن برنامجها النووي، وتأكد ذلك النجاح بفشل الكونجرس الأمريكي في 10 سبتمبر أي قبل أسبوعين من حادثة التدافع في الاعتراض على الاتفاق الذي قادته إدارة اوباما. وكان نجاح إيران في التوصل إلى اتفاق نووي مع الغرب يعني فشلا سعوديا ذريعا في الإبقاء على إيران محاصرة اقتصاديا ومنعها من بيع نفطها في الأسواق الدولية، ناهيك عن اعتراف المجتمع الدولي بسلمية وقانونية البرنامج النووي الإيراني.  

رابعا، للسعوديين تاريخ طويل في قتل الشيعة عن طريق الأعمال الإرهابية سواء داخل السعودية ذاتها أو في الدول الأخرى، وقد وظفت الاستخبارات السعودية بشكل متكرر الجماعات المتطرفة لتنفيذ تلك الأعمال. فقد قتل آل سعود منذ عام 1979 بشكل مباشر أو غير مباشر عشرات الآلاف من الشيعة الأفغان والباكستانيين قبل أن تنتقل عملياتها إلى العراق وبعدها إلى اليمن وسوريا ولبنان وغيرها من دول العالم ويحدث ذلك أحيانا بتواطىء، وأحيانا أخرى بمشاركة أمريكية.

وكما أن الناس لا يتحدثون اليوم عن قتلى الإرهابيين السعوديين في العراق أو سوريا أو في اليمن من الشيعة أو غير الشيعة، فإنهم لم يتحدثوا كذلك عن المذبحة المروعة التي نفذتها "طالبان" ربيبة السعودية ضد سكان مدينة مزار شريف من الشيعة، باستخدام سيارات دفع رباعي وأسلحة رشاشة كانت قد حصلت عليها من السعودية بشكل مباشر أو عبر دولة خليجية أخرى.  وقد خلفت المذبحة، التي وقعت بعد زيارة قام بها الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية إلى أفغانستان في يونيو عام 1998، ما بين 6 إلى 8 قتيل من الرجال والنساء والأطفال الشيعة الساكنين في المدينة.           

رد فعل إيران

أعلنت إيران العزاء 3 أيام على ضحاياها من الحجاج. وانتقد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، كما نقلت اجنس فرانس برس، "الإجراءات غير الملائمة" التي أدت إلى وقوع التدافع وطالب السعودية بتحمل مسؤولياتها حيال الحادث. وظل الحادث موضوعا للتراشقات الإعلامية بين الإيرانيين والسعوديين لشهور. وبينما طالب الإيرانيون كما نقلت البي بي سي العربية في 4 أكتوبر بـ"تسديد التعويضات إلى أسر الضحايا، ومعاقبة الضالعين في الكارثة، وتقديم السعودية الاعتذار إلى الحكومات والشعوب التي سقط لها ضحايا في الحادث، وتقديم ضمانات للحيلولة" دون تكراره، فقد استمرت شكاوي أقارب الضحايا من مختلف الدول بشأن عدم تجاوب السعودية في موضوع التعويضات.