الاثنين، 17 سبتمبر 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(26)

كان التحدي الأكبر والأخطر الذي واجهه السعوديون خلال الأسابيع الأولى من الحرب هو العمل على حل، أو على الأقل احتواء، حالة الفوضى والخلافات التي تعيشها الأطراف السياسية اليمنية النازحة إلى السعودية حتى لا تنعكس الخلافات والفوضى السائدة على شرعية الحرب ذاتها.

وتمثل التحدي بالنسبة للسعوديين، في أن ما سمي بـ"الشرعية اليمنية" والتي يحتشد عناصرها خلف الرئيس هادي لم تكن في حقيقة الأمر سوى خليط من القيادات العسكرية، الأحزاب والعقائد، والمشايخ والوجاهات، والفعاليات التي لا يجمعها من رابط سوى الولاء للسعودية. وإذا كانت تلك المكونات، وبينها من يكره هادي أكثر مما يكره خصومه في الداخل، قد أعلنت الولاء للشرعية مجسدة بهادي، فإنها لم تفعل ذلك، إلا لأنها افترضت أن ذلك هو ما تريده السعودية، وأن حفاظها على المصالح سيتوقف على انحيازها ذاك.


وزاد من حدة المشكلة أن الانقسامات في أوساط الشرعية اليمنية تطابقت أيضا مع انقسامات في أوساط الأسرة الحاكمة في السعودية، وفي أوساط النخب السعودية المؤثرة، وكذلك بين دول التحالف ذاتها، وهو ما جعل تحقيق الانسجام في مواقف الشرعية أمرا في غاية الصعوبة.

كان الأمريكيون بدورهم قد طوروا حساسية لكل ما يمت إلى السعودية في اليمن أو الإسلام السني بصلة. وقد غذى رئيس اليمن السابق علي عبد الله صالح تلك الحساسية باتهاماته لقادة الجيش اليمني ولقادة وأعضاء حزب الإصلاح وللمشايخ الذين انضموا إلى الثورة الشبابية ضد نظامه في عام 2011 والمدعومين من السعودية وقطر، بدعم الأنشطة الإرهابية التي تمولها السعودية على الأراضي اليمنية.

وبالنسبة لقيادات وناشطي حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن، والذي يمثل التنظيم الجامع للمنتمين إلى حركة الإخوان المسلمين والمناصرين لهم، فقد وجدت السعودية نفسها خلال الأشهر الأولى من حكم سلمان، منقسمة بشأن الطريقة المثلى للتعامل معهم، في ظل ضغوط أمريكية عليها بأن تلتزم بما سبق أن أعلنته في مطلع شهر مارس عام 2014 من اعتبار حركة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وأن تعمل على حرمانهم من تحقيق أي مكاسب من خلال الحرب الدائرة.

وفي حين حددت السعودية مع بداية الحرب، وفي موقف يناقض الموقف الأمريكي والإماراتي، الرئيس السابق وأفراد أسرته كأعداء وأكدت بأنه لن يكون لهم أي دور مستقبلي، فإنها كانت في المقابل تجد صعوبة في الدفع بالمحسوبين عليها من أمثال اللواء الركن على محسن الأحمر وأبناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر إلى الواجهة للعب أي ادوار هامة.

وبينما كان اللواء الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع، و الذي خرج إلى السعودية في سبتمبر 2014 بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء، ينتظر وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه أن يتم تعيينه بصفته العدو اللدود للحوثيين نائبا للرئيس، أدت الانقسامات داخل السعودية ذاتها وبين السعوديين والأمريكيين إلى مسارعة هادي بتعيين بحاح نائبا للرئيس بالإضافة إلى منصبه كرئيس للوزراء، رغم ما تحمله الخطوة من غباء، ومن تضييق لقاعدة ما سمي بـ"الشرعية" في وقت كان يفترض العمل على توسيعها.

كان من الواضح أن محسن نفسه والموالين له من قيادات وقواعد حزب الإصلاح وبعض التيارات الحزبية الأخرى، وبعض القيادات العسكرية والمشايخ والوجاهات الاجتماعية، يضغطون جميعا لتعيين محسن نائبا للرئيس، لكن بحاح الذي كان يتطلع إلى وراثة هادي نظرا لما يحظى به من إجماع في أوساط القوى السياسية أو هكذا أعتقد، رأى في وجود نائب للرئيس خطرا على تطلعاته، وضغط كما يبدو في اتجاه تعيين نفسه نائبا للرئيس، في حين أن هادي ذاته المعروف بمحدودية قدراته، لم يفطن إلى ما يرمي إليه بحاح.

وهكذا وجه هادي، من خلال تعيين بحاح نائبا للرئيس إلى جانب عمله كرئيس لمجلس الوزراء في 12 ابريل 2015 ، إلى ما اسمي بـ"عاصفة الحزم" أحيانا، و"إعادة الأمل" أحيانا أخرى صاروخا أصابها منذ البداية بجرح بليغ، ووسع الفجوة بينه وبين محسن رغم العلاقة التاريخية التي تربط بينهما حيث كان اللواء الأحمر بمثابة "العراب السياسي" لهادي منذ وصول الأخير فارا من جنوب اليمن عقب المواجهات الدموية بين الأجنحة المتصارعة داخل الحزب الاشتراكي في مدينة عدن في عام 1986.



وفي اليوم التالي لتعيين بحاح، خرجت محطة مآرب الغازية للكهرباء ومقرها مدينة مآرب، والتي تعد المسئولة عن توليد الجزء الأكبر مما تنتجه البلاد من الكهرباء، عن الخدمة فدخلت البلاد في ظلام دامس ممتد لم تخرج منه حتى الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق