الأربعاء، 28 يناير 2015

انتقال السلطة في السعودية: بواعث التفاؤل، مصادر القلق، وما ينبغي عمله

عبدالله الفقيه*

بالرغم من كل المخاوف التي أثيرت حول انتقال السلطة في المملكة العربية السعودية، إلا أن الأحداث والتطورات التي مرت منذ اعلان وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز في وقت مبكر من صباح يوم 23 يناير 2015 يمكن ان تجعل المراقب يردد "كذب المحللون ولو صدقوا!" فقد انتقلت السلطة بكل سلاسة، ونجحت السعودية في المرور من عنق الزجاجة. لكن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الطريق أصبح ممهدا لحياة سياسية مستقرة دون منغصات. فأي تقييم واقعي للوضع بمجمله لا ينبغي أن يتوقف عند بواعث التفاؤل، بل لا بد أن يأخذ في الاعتبار ايضا مصادر القلق التي سيكون من الخطأ اغفالها أو التقليل من شأنها. 

بواعث التفاؤل 

هناك العديد من الجوانب التي تبعث على التفاؤل حول الوضع السياسي في السعودية. وأول بواعث التفاؤل هو أن السلطة انتقلت، وخلال بضع ساعات فقط من وفاة الملك، إلى ولي عهده. وقام الملك سلمان، ووفقا للترتيبات التي كان قد وضعها الملك عبدالله، بتعيين الأمير مقرن وليا للعهد. 

أما الباعث الثاني على التفاؤل، وربما الأهم، فيتمثل في تعيين الأمير الشاب محمد بن نائف بن عبدالعزيز "وليا لولي العهد". وتنبع أهمية هذه الخطوة من الاعتبارات التالية: 

1. أنها حسمت، ربما لعقود قادمة، مسألة انتقال السلطة من الجيل الثاني (ابناء الملك المؤسس) الى الجيل الثالث (جيل الأحفاد)، فاصبح محمد بن نائف، وفقا للترتيبات الجديدة، أول امير من الجيل الثالث سيتولى العرش. 

2. أنها أكدت تقليدا اصبح واضحا وهو أن الملوك يصعدون عبر ثلاث وزارات سيادية يمكن ان يطلق عليها "وزارات القوة المادية" وهي: الداخلية، الحرس الوطني (حتى قبل ان يصبح وزارة)، والدفاع. واذا كان صعود مقرن سيمثل استثناء، فهو استثناء تم هندسته بعناية ليؤكد القاعدة وليس لينفيها. وتكمن أهمية هذا التقليد في انه ينحاز الى ما يمكن أن يطلق عليه "رجال الدولة" في مقابل "اعضاء الأسرة الحاكمة." وما يعنيه هذا الترتيب بالنسبة للدولة السعودي ككل هو ان التحالفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي وضع لبناتها الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز في ستينيات القرن الماضي ستستمر نحو المستقبل. 

3. تشير الخطوة الى أن الفرز بين "رجال الدولة" من أعضاء الأسرة المالكة سيعتمد مستقبلا على الكفاءة وطبيعة المرحلة وليس على عامل السن. فاختيار محمد بن نائف (من مواليد عام 1959) ليكون أول ملك من الجيل الثالث يمكن النظر إليه على أنه محاولة من الأسرة للدفع بأفضل ما لديها خلال مرحلة مفصلية في تاريخ المملكة والمنطقة العربية. 

4. اذا كان المراقبون للشأن السعودي قد ركزوا في تحليلاتهم على أن الخلافات داخل الأسرة السعودية ستتركز حول شرعية الأمير مقرن، فيلاحظ أن تعيين بن نائف المعروف بنفوذه الواسع داخل الأسرة "وليا لولي العهد" يرسخ أكثر فاكثر شرعية الأمير مقرن وإن كان يجعله بحكم مجيئه من خارج الوزارات السيادية الثلاث المشار اليها اعلاه معتمدا في تغطية ظهره على الأمير محمد بن نائف والأمير متعب بن عبدالله اللذان يسيطران على اكبر قوتين داخل البلاد. 

5. بالنظر الى سن الملك سلمان (حوالي 80 عاما)، وما يثار حول المشاكل الصحية التي يعاني منها، وبالنظر كذلك الى سن الأمير مقرن ولي العهد (71 عاما) وافتقاره الى القوة المادية المساندة وربما الى الدعم الكافي داخل الأسرة وبين المواطنين السعوديين، فإنه يبدو واضحا أن السلطة تتجه نحو بن نائف وفي وضع يذكر بما حدث في عام 1975 بعد اغتيال الملك فيصل (تولى الحكم خلال الفترة 1964-1975) حيث أن السلطة انتقلت اسميا الى الملك خالد (تولى خلال الفترة 1975-1982)، في حين انتقلت فعليا الى فهد ولي العهد الذي تولى بعد ذلك الملك خلال الفترة (1982-2005). لكن هذا الأمر لا ينبغي ان يؤخذ على انه مسالة محسومة. 

وبالرغم من أنه أسيئ كثيرا فهم خطوة تعيين بن نائف من قبل بعض المحللين وذهب البعض منهم (ديفيد هيرست مثلا) الى حد وصف الخطوة بانها انقلاب على الأمير متعب نجل الملك الراحل ووزير الحرس الوطني (من مواليد عام 1953) الا أن الواضح ومن خلال الأهمية البالغة للخطوة أنه كان متفقا عليها مسبقا وانها جزءا هاما من ترتيب واسع يعتقد أنه كان قد تم الاتفاق عليه في وقت مبكر ولم يتم تعيين بن نائف وزيرا للداخلية في 5 نوفمبر 2012 الا في إطار تنفيذ تلك الترتيبات. وهذا يعني ان الأمير متعب سيكون الثاني على خط تولي العرش اذ سيصبح "وليا لولي العهد" بمجرد تولي مقرن الملك وصعود محمد بن نائف لولاية العهد. 

ويمكن قول ذات الشي حول الخطوة التي أقدم عليها الملك سلمان بتعيين نجله محمد (من مواليد عام 1980) وزيرا للدفاع . فالواضح انها كانت جزءا من الترتيب الذي سبق ذكره على أن حظوظ بن سلمان بالنظر إلى صغر سنه في الدخول كمنافس قوي على العرش مستقبلا سيعتمد على قدرته على الاحتفاظ بالوزارة لوقت طويل وبناء النفوذ داخلها. 

مصادر القلق 

لا يمكن القول في نهاية المطاف أن كل شيء على ما يرام لان الأمور ليست كذلك. وهناك ثلاثة مصادر رئيسية للقلق في هذا الجانب هي: الوضع الداخلي، الوضع الإقليمي، والوضع الدولي. 

بالنسبة للوضع الداخلي، فإنه يمكن التمييز بين التهديدات النابعة من الخلافات الجارية أو المحتملة داخل الأسرة، وتلك التي يمكن أن تأتي من الوسط الشعبي. وفيما يتصل بالنوع الأول من التهديدات، فصحيح أن السلطة انتقلت بشكل سريع وسلس وحاسم وأن الخطاب الظاهر للأسرة الحاكمة يعكس حتى الان على الأقل قدرا كبيرا من الوحدة، الا أن الصحيح أيضا أن الترتيبات الجديدة وهذا امر كان متوقعا ستواجه تحديات وصعوبات. ولا تكمن المشكلة هنا في صراع تيار السديرين وغير السديرين داخل الأسرة السعودية المالكة وهو امر غالبا ما يركز عليه المحللون بقدر ما تكمن في الصراع المحتمل بين الذين "يحكمون" ويمتلكون مصادر القوة المادية والذين لا "يحكمون" ويمتلكون مصادر أخرى للقوة. 

 ولا تنبع التهديدات المتعلقة بهذا المصدر من الخلافات داخل الأسرة ذاتها ولكنها تنبع من مدى قدرة الترتيبات التي تم تبنيها على ادارة تلك الخلافات بكفاءة. وبالنسبة للتهديدات التي يمكن أن تأتي من الوسط الشعبي، وقد تتفاقم بفعل الخلافات داخل الأسرة الحاكمة ذاتها، فستتوقف على قدرة النظام على ادارة عملية الإصلاح السياسي وخصوصا في جوانب توسيع المشاركة السياسية، وتعزيز الحريات المدنية. 

ويمكن ارجاع التهديدات الإقليمية بشكل اساسي الى تصاعد القوة والمطامح الإيرانية في المنطقة العربية والى قدرتها على الإبقاء على الحرائق مشتعلة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، ويمثل تصاعد القوة الإيرانية تهديدا ليس فقط للنظام في السعودية ولكن لكل الدول الخليجية بلا استثناء. كما تنبع التهديدات الإقليمية ايضا وان بشكل ثانوي من اهتزاز الوضع العربي، بشكل عام، والوضع الخليجي بشكل خاص.

ولا يقل الوضع الدولي الراهن في غموضه وتعقيداته عن الوضعين الداخلي السعودي والإقليمي العربي. فعودة اجواء الحرب الباردة وتراجع الاقتصاد الأمريكي ، وغير ذلك من الملفات، تجعل الأمريكيين يلقون على السعودية بعبء كبير في مسالة الحفاظ على اسعار منخفضة للنفط بما يخدم مصالح امريكا وحلفائها ويضيق الخناق على روسيا وايران. 

ولا شيء يمكن أن يعبر عن حالة القلق الأمريكي من حدوث تغيير في سياسات السعودية النفطية بشكل أوضح من قيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وعلى غير عادة الأمريكيين، بزيارة الى السعودية بعد ثلاث ايام فقط على رحيل الملك عبدالله وبرفقته العديد من كبار الشخصيات الأمريكية من الإدارات السابقة. ومع أن الهدف المعلن للزيارة التي هي الثالثة التي يقوم بها أوباما الى السعودية خلال فترة ولايته—وهذا رقم قياسي— هو تقديم التعازي، الا انه لم يتم التكتم على ان القمة السعودية الأمريكية ناقشت عدد من الملفات الساخنة وفي مقدمتها ملف اسعار النفط. 

ومن الواضح ان الأمريكيين يجيدون استخدام الملفات الساخنة في المنطقة بالإضافة الى الملفات السعودية الداخلية كملف حقوق الإنسان بشكل استراتيجي تارة للضغط على النظام لدفعه لتبني سياسات مواتية للمصالح الأمريكية، وتارة أخرى لتخفيف الضغوط على النظام. 
   
وفي مقابل القلق الأمريكي من حدوث تحول في السياسات النفطية السعودية، لا بد أن السعوديين يشعرون بالقلق بدورهم من الأضرار التي يمكن أن تلحق بهم جراء سياسات الحفاظ على أسعار منخفضة للنفط ليس فقط على المستوى الاقتصادي ولكن أيضا على المستويين السياسي والأمني. ويكمن التحدي بالنسبة للسعوديين في إيجاد نقطة توازن يمكن عندها إبقاء الأمريكيين سعداء وفي ذات الوقت عدم الدفع ببعض الدول إلى الحافة وبحيث تصبح مستعدة لفعل أي شيء ، أو الدفع بالاقتصاد السعودي ذاته إلى حافة الهاوية. 

ما ينبغي عمله 

سيكون على القياد السعودية الجديدة التحرك على أكثر من جبهة ومواجهة ملفات كثيرة ساخنة سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي أو الدولي. وبالنظر الى طبيعة التحديات القائمة على كل المستويات، فإنه يبدو أن وحدة القيادة وانسجامها ستكون حاسمة في مسالة النجاح أو الفشل. 

*استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق