السبت، 21 يوليو 2018

نقاشات محرمة...مستقبل الحرب في اليمن

(1)

على عكس الوضوح الذي اتسم به النقاش بين الجانبين السعودي والأمريكي فيما يتعلق بإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية في الداخل السعودي، فقد شعر الجانبان فيما يتعلق بالحرب في اليمن بأن هناك الكثير من النقاط المعتمة ليس فقط بالنسبة للجانب السعودي ولكن أيضا بالنسبة للجانب الأمريكي. وبدا النقاش في بعض فصوله أشبه ما يكون بحوار الطرشان. 

وقد أثنى السعوديون في البداية على الدور الذي يلعبه الجانب الأمريكي في تخطيط وإدارة وتنفيذ العمليات العسكرية وخصوصا الجوية، وأكدوا بأنهم يشعرون بالارتياح أكثر فأكثر بمرور الزمن من المهنية العالية التي ينفذ بها الجانب الأمريكي التزاماته بموجب اتفاقيات الحماية بين البلدين، حتى في حالات وجود اختلافات في الرؤية. 

كما أثنى السعوديون على الدور الذي لعبه الجانب الأمريكي في دعم النظام الجديد في السعودية في مواجهة ما بات يعرف بأزمة 21 ابريل 2015 والتي نشأت جراء تمرد رئيس الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله على أوامر الملك بتحريك قوات الحرس الوطني إلى الحد الجنوبي للمملكة، ومثلت تهديدا لاستمرار الحرب واستقرار النظام. وأشار السعوديون إلى أنه لولا الجهود التي بذلها الجانب الأمريكي في احتواء الأزمة وإيجاد المخارج المناسبة وإقناع رئيس الحرس الوطني بالالتزام بأوامر القائد العام للقوات المسلحة لربما تطورت الأمور بشكل سلبي. وسارع مشارك من الجانب الأمريكي إلى القول، في انتقاد ضمني لإدارة أوباما، أن ما حدث خلال تلك الأزمة يبرهن على عمق العلاقات الأمنية السعودية الأمريكية وقدرتها على تجاوز الخلافات السياسية.



واتفق الجانبان في تقييمهما للدور الذي لعبته الحرب في إبراز الأمير محمد بن سلمان كرجل دولة محنك، وما وفرته الحرب للنظام الجديد من غطاء لاتخاذ أكثر القرارات جذرية وراديكالية في تاريخ السعودية. فقد خلقت الحرب، كما ذهبت النقاشات، الحاجة إلى تحريك قوات الحرس الوطني التي تمركزت وحداتها في الرياض ومثلت التهديد الأبرز للنظام الجديد إلى مواقع في الحد الجنوبي تبعد عن العاصمة الرياض بمئات الكيلومترات. وبإبعاد قوات الحرس عن الرياض، انكشف الغطاء عن ترتيبات النظام القديم، وتمكن سلمان ونجله من إبعاد الأمير مقرن عن ولاية العهد في 29 ابريل 2015، أي بعد أسبوع واحد فقط من تحريك قوات الحرس نحو الحدود. 

ثم توالت، على وقع انفجارات صواريخ الحوثيين البالستية (إيرانية الصنع) في سماء مدن المملكة، خطوات الإصلاحات الهامة. فتم تصفية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أنشأت في عام 1926، وابعد المئات من القيادات المحسوبة على النظام السابق، واعفي محمد بن نايف ولي العهد الجديد من جميع مناصبه في يونيو 2017، وحل محمد بن سلمان مكانه. وبلغ النجاح ذروته في 4 نوفمبر 2017 بعزل وتطويق وتوقيف ابرز معارضي النظام الجديد ومنافسيه من رموز العهد السابق وفي مقدمتهم رئيس الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله نجل الملك الراحل، والأمير الملياردير الوليد بن طلال، والعشرات غيرهم من الأمراء ورجال الأعمال والشخصيات النافذة. 

وفي حين سارع احد المشاركين الأمريكيين إلى التذكير بما حظيت به العملية من دعم على أعلى مستوى في الإدارة الأمريكية خلال مراحل التخطيط والتنفيذ والى المشاركة الأمريكية الرمزية كما وصفها في تنفيذ العمليات النفسية المصاحبة، فقد أشاد مشارك سعودي بدور الملك سلمان وحكمته في إرسال قوات الحرس الوطني إلى الحد الجنوبي ثم صبره الطويل خلال عامين ونصف حتى تتهيأ الظروف قبل أن يفعل ما لم يكن هناك بد من فعله.

(2)

ذكر مشارك من الجانب الأمريكي أن الحرب أيضا مكنت النظام الجديد من تنفيذ أكبر عملية ضد أصدقاء إيران (ربما يقصد شيعة السعودية) في تاريخ المملكة باستخدام العصا في يد والجزرة في اليد الأخرى، فجردت إيران إلى حد كبير من أهم أسلحتها في الداخل السعودي، وفعلت ذلك وهي ترتدي قبعة الإخفاء (يقصد أن العملية لم تثر ضجة دولية). 

كما مكنت الحرب، حسب احد المشاركين السعوديين في النقاشات الدائرة حول مستقبل الحرب في اليمن، محمد بن سلمان نجل الملك من التحرك نحو العرش بسرعة الضوء. في يناير 2015، عين وزيرا للدفاع، وبعد حوالي 3 أشهر أصبح وليا لولي العهد وزيرا للدفاع، وبعد أكثر من عامين بقليل أصبح ولي العهد والممارس الفعلي لسلطة الملك، وأصبح لديه من المناصب ما يحتاج إذا ما تم تدوينه إلى مجلد كامل. ولم يعد يعيقه عن الجمع بين اللقب الرسمي (الملك) والسلطة الفعلية سوى بقاء والده على قيد الحياة. 

لكن معاون آخر لأبن سلمان حذر من المبالغة في تقييم ما تحقق من نتائج وسارع إلى إبلاغ الأمريكيين في جلسة نقاش لاحقة للزيارة المطولة التي قام بها بن سلمان إلى الولايات المتحدة أن ولي العهد الذي يراهن عليه الجميع يشعر رغم كل النجاحات التي تحققت بقلق شديد منذ منتصف ابريل 2018 مرجعا أسباب ذلك القلق إلى ما تكشف لولي العهد وبشكل مفاجئ كما نقل المعاون أن بعض الأطراف داخل الأسرة ما زالت قادرة على استغلال الأخطاء التي قد تحدث والعمل عن طريق والده على تقييد سلطته وإحراجه أمام حلفاء المملكة كما حدث مثلا خلال زيارته المطولة تلك عندما سارع الديوان الملكي إلى إصدار بيان بشأن موقف المملكة من القضية الفلسطينية ناقض فيه ما عبر عنه ولي العهد من مواقف وما أدلى به من تصريحات.

وما حز في نفس ولي العهد أكثر من البيان، حسب ما نقل المعاون، أنه اضطر إلى التنقل من دولة إلى أخرى في دول لم تكن على جدول زياراته حتى يهدأ والده ويسمح له بالعودة إلى المملكة، وأنه عند عودته إلى الرياض تم تهميشه تماما في كل ما يخص القمة العربية التي عقدت في الظهران، وتم تغيير اسم القمة العربية في اللحظات الأخيرة إلى "قمة القدس" في خطوة بدت وكأنها موجهة ضده وضد حلفائه في واشنطن، وبدا البيان الختامي، كما أضاف المعاون، وكأنه توبيخ لولي العهد وحلفائه في واشنطن. 

وفي حين تصدر سعود بن نايف ابن عم ولي العهد، كما ذكر المعاون، القنوات الإخبارية وهو يستقبل ويودع الملوك والرؤساء، تجنبت وسائل الإعلام ولأول مرة، اسم ولي العهد ووجهه كما يتجنب الأصحاء المصاب بالجرب. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل تم إيقافه عن العمل ووجه له الأمر بملازمة منزله لأسابيع وكأنه تلميذ في مدرسه.

وأضاف المعاون أن ولي العهد يشعر أن لقب "ملك الأمر الواقع" قد تعرض للاهتزاز وبات يخشى الآن أكثر من أي وقت سابق أن يتمكن خصومه في الأسرة وفي المجتمع من إعاقة وصوله إلى السلطة في حال توفي والده خصوصا بعد التراجع المخيف لشعبيته في أوساط السعوديين جراء السياسات التي تبناها والتي بقدر ما رفعت التوقعات عند الناس فإنها لم تثمر حتى الآن سوى علقما.

(3)
 
قال مشارك سعودي في النقاشات الأمنية أن ما يريده بن سلمان الآن بعد أن تعرضت مكانته الشعبية لبعض الاهتزاز هو أن يجني بعض ثمار الحرب الدائرة في اليمن بأسرع وقت ممكن حتى يتمكن من تحسين وضعه السياسي ورفع رصيده الشعبي. وعندما سأل احد المشاركين من الجانب الأمريكي عن طبيعة الثمرة التي يريد ولي العهد السعودي قطفها، أجاب الجانب السعودي أنهم يتمنون أن تكون "الحسم العسكري" لكنهم يمكن أن يقبلوا بما دون ذلك كالسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها ولا بأس أن قضت القوات ما تبقى من هذا العام وكامل العام القادم في استكمال السيطرة على الساحل الغربي.

وسارع الجانب الأمريكي إلى التحذير من مغبة الاستعجال في قطف الثمار مبديا انزعاجه من قيام التحالف بخطوات (في إشارة إلى ما يحدث في الساحل الغربي) غير محسوبة ولا تصب في صالح الأهداف التي يسعى الجميع إلى تحقيقها من الحرب وفي مقدمتها تحييد المخاطر الإقليمية التي تهدد السعودية وتوفير غطاء مستمر للنظام للقيام بتنفيذ إصلاحات داخلية عميقة. وأكد الجانب الأمريكي تحديدا على النقاط التالية: 

أولا، أن ما يمكن أن يتحقق خلال الأجل الطويل يفوق بكثير ما يمكن أن يتم الحصول عليه الآن، وأن الدور الذي تلعبه الحرب كغطاء للانتقال السياسي ولقرارات الإصلاح التي لا تحظى بشعبية في أوساط النخب أو في أوساط السعوديين عامة لا غنى عنه، وأن ما يواجهه ولي العهد الآن من متاعب إنما يؤكد أن الحاجة للحرب ما زالت قائمة وأن تلك الحاجة ستظل مستمرة حتى يتم نقل السلطة بشكل كامل وتثبيت النظام الجديد، وأن على ولي العهد أن يكون مستعدا لحرب قد تستمر لعقود وليس فقط لعشر أو 15 سنة. 

ثانيا، أن الإمارات باتت تتصدر بشكل متزايد واجهة الحرب الدائرة في حين يتراجع بشكل مضطرد الدور السعودي الرمزي بطبيعته حتى يتم تخفيف الضغوط الإعلامية والسياسية على ولي العهد السعودي ونظامه. 

ثالثا، أن الهدف الأهم للحرب بالنسبة للولايات المتحدة، وينبغي أن يكون كذلك للسعودية أيضا، هو القضاء التام على الجماعات الإرهابية والمتشددة وتجفيف المنابع الفكرية للإرهاب، وأن ذلك الهدف لن يتحقق سوى بترك عجلة الحرب تأخذ وقتها في تمهيد الأرض والتهيئة لقيام مجتمع مدني مسالم في اليمن لا يمثل تهديدا لجيرانه أو المجتمع الدولي. وأضاف الجانب الأمريكي بلهجة لا تخلو من تحذير أن حكومته تخشى أن يؤدي اتساع سيطرة الشرعية والتحالف على التراب اليمني بسرعة إلى خلق ملاجئ آمنة للجماعات الإرهابية. 

رابعا، إن حكومة الولايات المتحدة تنظر إلى الضغط الشديد الذي يمارس على الحوثيين وما يتعرضون له من استنزاف بشري ومادي على أنه يمثل انحرافا عن مسار الحرب وخروجا على أهدافها. وأضاف المشارك من الجانب الأمريكي، أن بلاده تشعر بخيبة أمل لأن التحالف وفي الوقت الذي يسعى فيه إلى تجفيف موارد الحوثيين، فإنه يضع في ذات الوقت الكثير من الموارد تحت تصرف الفرع اليمني للصحوة (يقصد حزب الإصلاح) رغم ما يمثله ذلك من تهديد ليس فقط للولايات المتحدة ولكن للسعودية ودول الخليج أيضا. وأكد الجانب الأمريكي في نهاية مجادلته أن الولايات المتحدة تشعر بأن ما يجري في الساحل الغربي يرقى إلى مستوى محاولة التحالف تحقيق الحسم العسكري في ظروف غير ناضجة وقبل أن تحقق الحرب الحد الأدنى من أهدافها، وهو ما يمثل من وجهة نظر الولايات المتحدة تهديدا لمصالحها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق