الخميس، 19 مارس 2020

تجربتي مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (5-11)

(5)

عندما تلقيت الدعوة من المركز العربي للدراسات للكتابة حول النزوح القسري في اليمن لم أكن على علم بأن القس عزمي بشارة الوصي على دويلة آل ثاني يخطط لثورة تطيح بالحوثيين وتلعب فيها منظمات الإغاثة دورا جوهريا كما فعلت خلال ثمانينيات القرن الماضي في دول أمريكا اللاتينية.

ومع أنني لاحظت ابتداء من مايو أن مواقع عزمي بشارة وصحفه ومحطاته التلفزيونية التي يصعب حصر ها بدأت تبث رسائل اصطفاف مع منظمات الاغاثة وادانة للحوثيين، إلا أنه لم يخطر على بالي بان عزمي سخيف الى الحد الذي يريد فيه أن يملي علي ما أقوله في ورقتي.

والحوثيون بالطبع ليسوا طيور الجنة. لكن هناك امر لا يستقيم مع المنطق. فقد اصبحوا فجأة بقرار من ادارة ترامب ومنظمات الاغاثة يختزلون كل شر في حين أنهم لم يكونوا كذلك طوال أربع سنوات من الحرب!

والحال أني في معالجة مسألة النزوح لا أر من فاعل ينبغي التركيز عليه سوى تحالف العدوان وداعميه بالاضافة الى منظمات الاغاثة. أما الأطراف اليمنية داخلية كانت او خارجية، فإن دورها يظل مع فارق في الدرجة محدودا الى حد كبير.

فمنذ بداية الحرب وكاقرار بالطابع الدولي للحرب، تحمل المجتمع الدولي مسئولية الاغاثة قانونيا وإن كان قد فرط عمليا بما التزم به.


 (6)

مع أن الدعوة التي تلقيتها من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كانت لكتابة ورقة واحدة حول النزوح، إلا انني بعد شهرين من العمل في جمع البيانات تحمست كثيرا لنصرة هذه الفئة الضعيفةالتي دفعت ثمن الحرب غاليا.

وقررت أن اكتب ورقتين بدلا عن واحدة وأن ارسل الورقة الأولى لمركز "القس" عزمي بشارة لنشرها في احدى الدوريات والثانية اعرضها في الورشة الخاصة بالنزوح القسري.

ظننت ان عزمي يعمل باستقلال عن اجهزة المخابرات الأمريكية والسعودية أو أنه على الأقل قادر على نصرة المظلومين والمضطهدين ولو لمرة واحدة في حياته.

كما ظننت أن الدوريات الفضائحية التي يصدرها هي دوريات حقيقية وليس مجرد فبركات وكذب وتدليس وتكييف للحقيقة بما يخدم اجندة اجهزة الاستخبارات.

ومع ذلك، فقد قررت زيادة في التأكد الكتابةللمركز لاستطلاع رأيهم ولأعطيهم الفرصة ليكونوا ايجابيين ولو لمرة واحدة. لكن اخلاق عزمي هي اخلاق عزمي التي لا تتغير.

فقد جاءني الرد مشجعا جدا وانه لا يوجد اي مشكلة حتى اني اقتنعت بأن الكتابة عن النزوح القسري لن تزعج ذلك الكائن الغريب المسمى عادل الجبير أو ذلك الكائن الأغرب منه المسمى بومبيو








(7)

 ارسلت الورقة البحثية الأولى إلى مركز "القس" عزمي بشارة للنشر المحكم في 14 يوليو 2019 . وفي 15 يوليو تلقيت الرد التالي من مجلة "سياسات عربية" التابعة للمركز:

"العزيز الدكتور عبد الله الفقيه المحترم
تحية طيبة؛
الموضوع: إشعار باستلام مقالتكم.
إشارة إلى مقالتكم (اليمني كتهديد للأمن الإقليمي والدولي: دراسة حول تأثير الحرب السعودية-الإماراتية على النزوح القسري للسكان في اليمن (2015-2019)") المستلمة يوم 14 تموز/ يوليو 2019 بواسطة البريد الإلكتروني. يرجى التأكيد بأن هذه المقالة قد أُعدت خصيصًا لطلب نشرها في دورية (سياسات عربية)، وأنكم لم تنشروها لا بصورة جزئية ولا كلية في أية وسيلة نشر ورقية أو إلكترونية، كما لم ترسلوها إلى أية دورية أو مجلة أخرى بغية طلب النشر. لا تشكل هذه الرسالة إعلامًا بالموافقة على النشر بل إعلامًا باستكمال متمماتها، لعرضها على لجنة القراء المحكمين.
مع أطيب التمنيات؛
سكرتير التحرير
إيهاب محارمة"

وكان ذلك أول وآخر رد تلقيته من مجلة سياسات عربية. فالورقة بدلا من أن تحال للتحكيم بهدف النشر أحيلت الى عادل الجبير وبومبيو ومنهما إلى فرق متخصصة في اعادة انتاج المعرفة بما يتلائم مع حاجات مجرمي الحرب في دفن الضحايا وطمس الحقائق. وسافصل في ذلك في حلقة لاحقة بعون من الله.

(8)
 

عندما ارسلت مسودة الورقة الثانية (انظر الصورة المرفقة) احالها عزمي بشارة إلى الجهات الاستخباراتية التي احال اليها الورقة الأولى لاتخاذ اللازم، ولم تقصر تلك الجهات كما سيتم توضيحه في حلقات قادمة. ثم احالها بعد ذلك الى فريق من "داعش" للتحكيم..

وقد صدمتني طريقتهم في تقييم الأبحاث. فالواضح أن مركز القس عزمي لا يتبع اي منهجية علمية متماسكة في تقييم الدراسات تنبع من طبيعة تلك الدراسات ذاتها وتستند الى الشروط المرجعية. وقد وصلني من دواعش عزمي الملاحظات التالية:

1- اختزل الباحث الحرب القائمة في اليمن إلى مجرد حرب بين من سماهم أطراف الداخل (أنصار الله والمؤتمرالشعبي العام) و (...) "التحالف السعودي الإمار اتي"، وبالتالي إسقاط الأطراف الداخلية الأخرى ممثلة بالمقاومة الشعبية والقوات العسكرية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي.

تعليق الباحث: من الواضح أن الحرب تدور بين اطراف الداخل والتحالف المسعوراتي. فعن اي اطراف ثالثة يتحدث "دواعش" عزمي؟ وعن اي مقاومة شعبية؟ وهل وجدت تلك المقاومة قبل تدشين التحالف للحرب أم بعد تدشينه لها؟ وهل قرارها بيدها أم بيد التحالف؟ ويمكن طرح ذات الأسئلة فيما يتعلق بالقوات العسكرية الموالية لهادي. فهل لهادي اساسا سلطات/مسئوليات عسكرية؟ وهل وجدت القوات الموالية لهادي قبل الحرب أم بعدها؟ وهل قرارها بيدها أم بيد التحالف؟ ربما ان "دواعش" عزمي يقصدون زملائهم خريجي جامعة الإيمان اليمنية الذين خرجوا من اليمن مع بدء الحرب واستقروا في الدوحة واصبحوا مستشارين في الديوان الأميري وفي مركز القس عزمي بشارة.

2- لم يتطرق الباحث للمؤسسات الحكومية اليمنية التي تتعاون مع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية الأجنبية المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين، ومدى مساهمتها في تسهيل أو إعاقة نجاح المنظمات الدولية والإقليمية في الاستجابة للأزمة الإنسانية للنازحين، وهي: الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، التي أنشأت بناء على قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 454 لسنة 2009 كجهة حكومية معنية "NAMCHA" بإدارة مخيمات النازحين، والهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية مواجهة الكوارث التي أنشأت بموجب قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى رقم (87 ) لسنة 2017 ، وصدر قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى بشأن إعادة تنظيمها في أكتوبر 2018.

تعليق الباحث: لو أن "دواعش" عزمي قرأوا عنوان الورقة الظاهر في الصورة لما كتبوا هذه الملاحظة، فالعنوان يحدد الموضوع بدقة ويبين ما يندرج في إطاره وما هو خارج عنه. وصحيح أنه يمكن تغيير العنوان، لكن المشكلة ليست في هذا الجانب. المشكلة اننا امام حرب دولية ضد اليمنيين في جميع انحاء اليمن وأن التحالف مسئول قانونيا واخلاقيا عن اغاثة اليمنيين، وأن المنظمات الدولية هي المسئول عن تنفيذ الاغاثة، ومسئولية أي طرف آخر يمني أو غير يمني انما هي مسئولية تفويضية وغير أصيلة.

ولا يمكن فهم محاولة التحالف، والأبواق الرخيصة التي تعمل لحسابه، تحميل الأطراف اليمنية مسئولية الاغاثة إلا على أنه محاولة لئيمة للتنصل من مسئولياته بموجب القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان. فكيف يتم الزج باليمنيين كطرف في حين أن التحالف يفرض حصارا بريا وبحريا وجويا على اليمن ويتحكم بالبنك الرئيس في عدن وبسياساته المالية والنقدية. ثم اليس التحالف هو الذي شن هذه الحرب والمسئول بالتالي عن فقدان الناس دخولهم ووظائفهم وعن قتلهم تجويعا وبالصواريخ وبالامراض المختلفة؟

3- قسم الباحث اليمن إلى "مناطق محتلة" و"مناطق مستقلة"، وهي مصطلحات لا تتوافق مع تعريف الأمم المتحدة للمناطق المحتلة، ولا مع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصراع في اليمن، ولا مع المصطلحات والتسميات التي تستخدمها المنظمات الدولية المعنية بالاستجابة للأزمة الإنسانية في اليمن.

تعليق الباحث: لا تعليق هنا لأن اي كلام يقال لن يكون مفيدا.

(9)
 

هذا ما حدث بعد خمسة اشهر من العمل في انجاز ورقتين وارسالهما الى مركز القس عزمي بشارة المسمى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات:

1-اختفت كل المعلومات، والروابط والملفات، التي اقتبستها من مركز الملك سلمان للإغاثة على الانترنت https://ksrelief.org. وتوقف الموقع لفترة عن العمل تم خلالها غربلة كل مواد الموقع وذكر لي طرف يمني أن مركز الملك سلمان يقوم بتبييض بعض اموال الاغاثة التي يدعي انها مخصصة لليمنيين لتمويل مركز عزمي بشارة وبعض مرتبات اليمنيين من خريجي جامعة الايمان اليمنية الذين يعملون تحت ادارة عزمي بمركز الدوحة.

2- اختفت كل المعلومات، والروابط والملفات، التي اقتبستها من موقع https://fts.unocha.org اوتشا الخاصة باليمن والمتصلة بالأموال التي يتم جمعها من المانحين سنويا منذ بداية الحرب وكيف يتم توزيعها على المنظمات المانحة. ووضع مكانها معلومات اخرى مجزأة ومشتتة وتفتقر الى الوضوح والدقة.

3- توقف مكتب الهجرة الدولية عن نشر تقارير مفصلة عن النازحين داخليا في اليمن شبيهة بالتقرير الذي اصدره في مارس 2019 والذي اعتمدت عليه بشكل اساسي فيما يتعلق بالبيانات حول النازحين.

4- اختزلت مشاركة اليمن في ورشة بيروت حول النزوح القسري في مدرس في معهد الدوحة التابع لعزمي بشارة يقوم بترديد ما يقوله عادل الجبير كالببغاء.

5- بناء على رغبة عادل الجبير تدخلت الأمم المتحدة فسيطرت على مجريات حلقات ونقاشات ورشة النزوح القسري.

6- تعرض الخطاب الناقد لمنظمات الاغاثة الى الكتم.

يتبع في حلقات قادمة...


(10)

تطرقت في حلقة سابقة للملاحظات التي تلقيتها من "دواعش" عزمي بشارة في المركزي العربي للابحاث ودراسة السياسات، وكان معظمها ذو طابع سياسي قابل للأخذ والرد.

لكنه كان هناك ملاحظات أخرى ذات طابع تجريفي. فمثلا ذهبت احدى الملاحظات إلى أن "الورقة تضمنت أحكام قيمة كثيرة، ابتداء من العنوان الرئيس للورقة: فائض المأساة وعجز الاستجابة." وقد شعرت حقيقة بالاهانة لإني تعاملت مع مركز بهذه الوضاعة. شعرت كاني قد دعيت إلى ورشة كل ما فيها نهيق حمير وعلى أن اتولى ترجمة ذلك النهيق الى كلمات.

فمن الواضح أن "دواعش" عزمي لا يملكون القدرة على التفريق بين الحكم "القيمي" والحكم الموضوعي، وهم معذورين على كل حال. فمن اين لمتطرف متعطش للدماء ويعتبر قتل الابرياء من النساء والأطفال "جهادا" في سبيل رضا الديوان الأميري أن يجد وقتا أو عقلا يساعده في التمييز بين ما هو حكم ذاتي عاطفي وما هو حكم موضوعي.

ففي نظر الخنازير التي تنعم بمكارم الديوان الاميري في الدوحة، فإن النازحين الذين يعيشون في مجاري السيول ومدن الصفيح والتجمعات العشوائية يشعرون بسعادة بالغة وراضون تماما عن ما ينالهم.

امثال هؤلاء "الدواعش" لو أنهم عاشوا في زمن ارسطو وليس قبله لوصفو مقولة ارسطو بأن "الانسان حيوان سياسي بطبعه" بانها حكم ذاتي.

وازعم هنا ان الحكم الذي يصفه "الداعشي" الذي يعمل لصالح عزمي بأنه "قيمي" يرقى الى مستوى البديهي الذي لا يحتاج الى اثبات!

كل تقرير تصدره منظمات الاغاثة عن الوضع في اليمن، وكل بحث ينفذ، وكل تقرير اخباري يحمل في طياته مثل هذا الحكم.


(11)

هل يستطيع امير قطر عزل عزمي بشارة من مواقعه في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا أم أنه لا بد أن يحصل على اذن من هيلاري كلينتون باعتبارها الان كبيرة "آل كلينتون"؟

قد يبدو هذا السؤال غريبا للبعض لكنه في الحقيقة ليس كذلك. فقطر التي أسسها "حمد بن خليفة" في عام 1995 هي في عمقها وجوهرها دولة "آل كلينتون" في الخليج العربي، أو دولة "الحزب الديمقراطي الأمريكي" كما قد يفضل البعض تسميتها وإن كان الأسم في هذه الحالة سيبدو فضفاضا، أو دولة "القاعدة العسكرية الأمريكية" التي تحمي الأسرة الحاكمة في قطر من "آل سعود."

ولا يمكن فهم الطريقة التي تعمل بها قطر ومراكزها البحثية دون فهم هذه الحقيقة البسيطة وهي أن دولة "حمد بن خليفة" تمثل حصيلة صراع ثلاثي بين السعودية والديمقراطيين الأمريكيين من جهة، وبين قطر والسعودية من جهة ثانية.

ولتفصيل الطريقة التي تشكلت بها دولة "حمد بن خليفة" والأدوار الوظيفية التي تقوم بها لا بد من العودة إلى الجذور وبالتحديد إلى الانقلاب الذي نفذه خليفة بن حمد (جد الأمير الحالي) على عمه احمد بن علي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق