الخميس، 17 أكتوبر 2019

عاصفة الخلافات تهب على السعودية (غير مسلسل 18)


هادي يكافأ البكري ويعاقب بحاح!

ظل الصراع بين هادي ونائبه-رئيس وزرائه خالد بحاح يزداد تعقيدا وخصوصا بعد انفراد بحاح في 17 يوليو 2015 بإعلان استعادة محافظة عدن كاملة من الحوثيين. وكعادة هادي في ضرب خصومه ببعضهم كلما أتيحت له الفرصة، سارع في 14 سبتمبر إلى إدخال تعديل على حكومة خالد بحاح وذلك على النحو التالي:

- عين الدكتور ناصر محسن باعوم وزيراً للصحة العامة والسكان ليحل مكان الدكتور رياض ياسين الذي كلف بالخارجية، وكان بقائه فيها موضع خلاف بين هادي من جهة وبحاح من جهة ثانية، وفهمت خطة تعيين وزير جديد للصحة بأنها تعني تثبيت وزير الخارجية الذي لا يطيقه بحاح في منصبه.

-عين  المهندس سيف محسن عبود الشريف وزيراً للنفط والمعادن، ولم يكن هذا التعيين مثار جدل.

- عين محافظ عدن الجديد نايف البكري الذي لم يؤد اليمين الدستورية أو يكمل شهره الثاني، في إقالة ضمنية له من منصبه، وزيرا للشباب والرياضة. وكان تعيين البكري يعني ضمنيا إعفاء الوزير الشاب رأفت الأكحلي الذي عاد به رئيس الوزراء خالد بحاح من كندا وأوكل إليه حقيبة الشباب والرياضة في  حكومة الكفاءات التي شكلت في 7 ديسمبر 2014.  


إزاحة البكري
بدت إزاحة البكري من موقعه "الهام والحساس أمنيا وعسكريا واستراتيجيا" كمحافظ لعدن وتوليته "حقيبة"، بدت في  لحظتها جد "هامشية" وكأنها انتصارا لبحاح ومن خلفه "تحالف العلمنة"، لكن بحاح الذي لا يحب البكري لأسباب إيديولوجية، كان  في الواقع ضمن الخاسرين. وربما كانت خسارة بحاح، الذي كان يعارض تمكين الإصلاحيين باعتبار ذلك مهمة إقليمية ودولية أوكلت إليه،  هي الأكبر بالتأكيد. فإذا كانت حكومة الكفاءات التي شكلت في 7 ديسمبر 2014  قد مثلت توافقا بين الرئيس ورئيس الوزراء، فقد كان الرئيس الاسمي الان يعمل بالتدريج على الإطاحة بحلفاء رئيس الوزراء. ولم يكن بحاح بالتأكيد يدرك حتى وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه تعقيدات الوضع والتغييرات التي تحدث داخل السعودية نفسها وفي العلاقات السعودية الأمريكية.    

وصحيح أن هادي هو الذي عين البكري محافظا لعدن، لكن الصحيح أيضا أنه فعل ذلك، رغم ما كان يشعر به من قلق من هذا التعيين، لإرضاء ما أطلق عليه حينها المقاومة في عدن، وليس عن قناعة ذاتية. وقد تجلى قلق هادي واضحا من خلال تعيينه في ذات اليوم الذي عين فيه البكري لأحد أبناء محافظة أبين، وهو احمد سالم ربيع علي، وكيلا أول لمحافظة عدن. كما تجلى ذلك القلق بشكل متزايد لاحقا، وربما كان لبحاح فضلا في ذلك، في محاولة إبعاد ملفات الإغاثة وإعادة الأعمار وغيرها عن المحافظ البكري، الإصلاحي الذي يخشى الجميع بأن يعمل على بناء نفوذ الحزب في المدينة أو أن يعمل على منع هادي وأقاربه وأبناء محافظته من جني الأرباح.

وقد حاول هادي من خلال حزمة القرارات الثلاثة تمرير الإقالة الضمنية للبكري بطريقة "سلسة" تصب بشكل أساسي لصالحه. ولتجنب شعور الإصلاحيين بأن إبعاد البكري قد جاء استجابة لضغوط الإمارات، فقد أسند إليه، في خطوة لم تخلو من رمزية وإظهار الانحياز للإخوان حقيبة الشباب والرياضة  التي تعد من الحقائب التي يسعى الإخوان كجماعة عقائدية تهتم بالتربية، إلى السيطرة عليها. لكن تلك الرمزية لم يكن لها أي أهمية في ذلك الوقت بالنظر لأن التعيين يتم في حكومة منفى.   

وهكذا كان هادي الرابح الوحيد  من التعديل الوزاري. فقد تمكن من تعزيز موقعه المهتز في مواجهة بحاح "وتوجيه رسالة" للأطراف الداخلية والإقليمية والدولية بأنه "لا زال مصدر الشرعية والتفاوض والسلطة وخط أحمر لا يمكن تجاوزه."  

ردود فعل 

أثار اختيار البكري الذي لم يجف بعد حبر قرار تعيينه محافظا لمحافظة عدن، وزيرا للشباب والرياضة، سخرية واسعة على الشبكات الاجتماعية استهدفت هادي شخصيا ومعه حزب الإصلاح ودولة الإمارات.. وفيما يلي عينة من ردود فعل الناشطين:

- عدنان الجبرني (ناشط): "هادي ما فيش معه غير الإصلاح معترف به كرئيس وجالس يمارس سلطته عليهم..يوم يعيّنهم ويوم يقيلهم...يشوفهم أهم حلفاءه ويشوفهم في ذات الوقت المعارضة التي يجب محاربتها...يعيّن أحدهم ويمضي القرار فيصرخ: أنا الرئيس..يقيل أحدهم ويُستجاب لقراره فيصرخ: ما زلت أنا الرئيس. "
- مذحج محمد الأحمر (شيخ): "هادي يعين قائد مقاومة عدن نايف البكري وزير للرياضه مش بعيد يعين قائد مقاومة الضالع عيدروس الزبيدي مندوب اليمن بالفيفا!"
- سمير النمري (اعلامي): "وقف الحراك وأبناء عدن جميعهم مع نائف البكري ليكون محافظا للمدينة .. إلا أن السياسة الدولية قالت كلمتها في الأخير."
- مآرب الورد (اعلامي): "الرئيس أقال محافظ عدن نايف البكري لاشتراطه تبعية ملفات الجرحى وأسر الشهداء ورواتب المقاومة للسلطة المحلية ووضع ملف إعادة الاعمار تحت إشراف(ه)."
- نبيل سبيع (صحفي): "من الطبيعي ان يصدر هادي قرار بتعيين وزيرا للشباب والرياضة في هذا الوقت ويترك منصب وزير الدفاع شاغر فاليمن لا تشهد حرب بل تشهد خليجي 24)"
-عبد الغني المجيدي (ناشط): "عندما يعين هادي قائد منطقة وبعد شهرين يغيره او محافظ وقبل ان يؤدي اليمين الدستورية يعزله ويعينه وزير للشباب والرياضة فهذا يعني ان اي محافظ جديد سيكون حوله جدل سيعين بمرتبة وزير ..!! والامر اما ان البكري كان يستحق ان يكون محافظ لعدن وقرار عزله خطأ فادح (و) إما انه كان لا يستحق ان يكون محافظ ومعنى هذا ارتجالية هادي في القرارات وعدوله عنها تفقد هيبة الدولة وتسحقها سحقا ... ويبدوا ان هادي لن يتعلم من أخطائه قط  .. !"
- خالد الحبيشي: "نايف البكري الذي صمد وقاوم حين هرب الجميع صمد في عدن الجريحة ورتب صفوف مقاومتها حين خذلها الجميع  هو حالة يمنية فريدة يجب ان تتكرر في كل محافظة ومنطقة في ربوع الوطن نحن لا نمجد الأشخاص ولكن نمجد أعمالهم التي تدل عليهم (...) كان يجب على الحكومة اليمنية ان تكرم هذا الشخص وتقف بجانبه للاستمرار في عملية إعادة اعمار محافظة عدن حيث وانه الشخص الذي يعرف عدن ويعرف مكمن الوجع ويملك اجماعآ وطنيآ بنزاهته وترفعه عن المناطقية والحزبية المقيته في ظل هذه المرحلة الحساسة .لقد صدمت كغيري بقرار اقالته وتعيينه في منصب وزير للشباب والرياضة ...اعتقد أنهم يريدون وأد كل وطني جسور بمنصب شكلي بعيد عن النضال والتضحية."
-سالم عياش: "بعد تعيين البكري وزيراً للرياضة، اتوقع يتم تعيين حمود سعيد المخلافي وزير للصحة، وكل شيء متوقع بعهد دنبوعنا العظيم."
- فاطمة الناخبي (ناشطة): "قرار (...) هادي قائد جبهة الرياض، جعلني أعود إلى كلامي السابق بأنهم لا يريدون الخير لعدن، وأبناؤها فقط هم من يريدون الخير لها... اما حكاية ان نايف وزير للرياضة فهذا ليس تكريم ولا تشريف انما وعلى بلاطة تصريف، لأن ملف الاعمار قادم والنهب يتطلب دنبوع صغير لتتم المشاركة بنجاح."
- عماد هادي: " هادي حسسنا بأن نايف البكري كان رئيس منتخب اليمن الذي وصل إلى نهائيات كأس العالم، وليس رئيس مجلس المقاومة التي حررت عدن."

موقف البكري

على عكس ما أراد أو توقع الكثير من الناشطين، فقد اصدر نايف البكري في اليوم التالي لتعيينه وزيرا للشباب والرياضة بيانا جاء فيه:

"سأظل خادما لعدن من موقعي في المقاومة. ويوم حملت روحي على كفي ونذرتها لله وللوطن لم أكن حينها طامعا في منصب ولا موقع ولا إدارة ولا وزارة وهذا هو موقفي ولا زال. فيوم صدر قرار بتعيني المحافظ لم يكن بطلب مني ولم أكن أسعى إلى نيل هذا المنصب وكان رفاق الدرب في المقاومة قد رأوا ان هذا الموقع رافدا للمقاومة ودعما نوعيا لها لتمكينها من التغيير المنشود الذي سينهض بعدن ويداوي جراحها ويعطي المقاومين ولو شيئاً يسيرا مما يستحقوه كأبطال قدموا أغلى ما يملكون لدينهم ووطنهم .... والجود بالنفس أقصى غايات الجود....
وعليه فإني ومن موقعي في المقاومة أوضح موقفي الثابت الذي سأحيا وأموت عليه أعلن بأنني سأظل جنديا مجندا في صفوف المقاومة خادما لعدن وللوطن بأكمله ولم أسعى لكرسي الوزارة حتى لا يتصور البعض أن نايف البكري قد رضي لنفسه بأن يكون قد قبض ثمن جهده وجهاده فأنا منكم وإليكم أحبتي في المقاومة ولن أرضى بكم بديلا ....وإني إن سكنت على الثريا... لقلت إليك يا عدن مآلي... وسأسعى لخدمة الوطن من أي مكان أنا فيه."   

وأسكت بيان البكري قول كل خطيب من الذين عارضوا على الشبكات الاجتماعية أو على وسائل الإعلام الأخرى إبعاد البكري من موقعه كمحافظ لعدن وتعيينه وزيرا للشباب. لكن إبعاد البكري من منصبه كمحافظ لعدن وعدم استجابة هادي لترشيح مقاومة تعز للشيخ حمود سعيد المخلافي ليكون محافظا لتعز لم يكن ليمر مرور الكرام ودون أن يحدث أثره العميق في العلاقة بين مكونات ما يسمى بالشرعية وفي الطريقة التي ينظر بها الاصلاحيون إلى دورهم في الحرب.

البخيتي يصطاد بالمياه العكرة

كتب الناشط والقيادي السابق في الحركة الحوثية علي البخيتي ملخصا الموقف بنغمة احتجاجية، يعتقد أنها "مغرضة" و"مضللة" ما يلي:

"في عدن ازيح نايف البكري، وفي تعز لم يتم دعم جبهتها لنفس السبب، لأن حمود المخلافي اخواني، وفي مأرب سيتكرر نفس السيناريو، لأن الإماراتيين هم من يتقدمون جبهتها، وما التشكيك في المقدشي المحسوب على علي محسن وبالتالي محسوب على الإخوان الا بداية الفلم، وسلطان العرادة هو الهدف التالي بعد المقدشي، وبنفس الحجة، من أجل أن لا يزعل الاماراتيون.
هناك سؤال بديهي: لماذا تتصدر الامارات وتمسك بملفات كل المحافظات التي خرج منها الحوثيون؟ في الجنوب وتعز وفي الشمال كذلك، واين المحافظات التي باستلام السعودية أو بقية دول التحالف؟"   

الحرب كمنجم للذهب

حيث أن الصراع الدائر هو صراع سلطة أولا وقبل كل شيء، فلم يكن أحدا يتوقع من الإصلاحيين أن يرضوا بالحتوف نصيبا لهم وأن يشاركوا في المغرم بأكبر نصيب لينالوا من المغنم خفي حنين، إلا أن أحدا لم يتوقع كذلك بأن يستولي الاصلاحيون على أهم مصادر الثروة في البلاد وأن يحولوا الحرب إلى منجم للذهب يغترفون منه ويزدادون غنى على غنى.
 
وصحيح أن اليدومي وخبرته لن يقولوا للرئيس هادي ومحمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي اذهبوا وقاتلوا انتم وربكم إنا هاهنا قاعدون، إلا أن الصحيح أيضا أنهم أيضا ومنذ ذلك الوقت لن يتصدروا الصفوف الأولى من اجل الجنان التي تجري من تحتها الأنهار.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق