الخميس، 31 ديسمبر 2009

أوضاع البلاد ومشروع رؤية الإنقاذ الوطني




د. عبد الله الفقيه

استاذ العلوم السياسية

" كانت العراق حرب الأمس. اما افغانستان فحرب اليوم، وما لم تتصرف الولايات المتحدة بسرعة، فان اليمن ستكون حرب الغد."

السيناتور جوزف ليبرمان، رئيس لجنة الأمن الداخلي في مجلس الشيوخ الأمريكي

نقلا عن مسئول يمني

لا يمكن ادراك أهمية مشروع الإنقاذ الوطني في معزل عن سياق الأزمة الشاملة التي تجتاح البلاد من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ومن اقصى الشرق الى اقصى الغرب. والأزمة الشاملة التي تعيشها اليمن تكبر بالتدريج يوما بعد آخر مثل كرة من نار، وأهم مظاهرها اليوم هي: الوضع المتفجر في الجنوب، الحرب في صعدة، الإرهاب، والقرصنة، والوضع الإقتصادي، وعلاقة السلطة باحزاب اللقاء المشترك التي تمثل المعارضة الرئيسية في البلاد.

اولا- الأزمات التي تعيشها البلاد

1. الوضع المتفجر في الجنوب (2007-___)

توحد اليمنان بطريقة سلمية طوعية ودخل الجنوب الوحدة كشريك كامل في السلطة والثروة وبالمناصفة. لقد استغرق الأمر شخص مثل كاتب هذه السطور سبع سنوات حتى يصل الى هذه القناعة. ساهم الجنوبيون في الشراكة الجديدة بدولة يمكن ان نقول عنها ما نقول الا ان ننكر قوتها النسبية ومدنيتها وكونها باب الجزيرة العربية الجنوبي الى العالم. وساهم الجنوبيون ب70% من مساحة البلاد وب20% من السكان. واستمر عقد الشراكة حتى وقوع حرب عام 1994 التي كانت كارثة على الشعب اليمني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى...وكانت حرب عام 1994 حربا حول حصص الشركاء وحول توزيع ارباح الشراكة. وكان يمكن تجاوز الكارثة لو ان حكام اليمن ترفعوا عن المصالح الشخصية والأسرية والقبلية وتخلوا عن نزعات الإستبداد والإستئثار بكل شيىء..لكنهم لم يفعلوا...

وكان الذي حدث بعد حرب عام 1994 هو اخراج الجنوب من الشراكة الوطنية في السلطة والثروة وتحويل الوحدة من مشروع وطني ديمقراطي الى مشروع للغلبة الداخلية والإستئثار بالسلطة والثروة. وتم النظر الى الجنوب على انه ارض وموارد بلا بشر ولا تاريخ ولا ذاكرة. وتم تسريح مئات الالاف من الجنوبيين في السلكين المدني والعسكري من الوظيفة العامة ويستوي في ذلك القائد العسكري ووكيل الوزارة والمدير العام والموظف العادي. ونهبت اراضي الجنوب وشواطئه وبحاره. واصبحت معظم اراضي الجنوب وفقا لتقرير كتبه اثنان من الوزراء في الحكومة مملوكة ل15 شخصا فقط احداهما طار والآخر سيطير عن قريب. وكما يقول احد الذين كتبوا التقرير فقد تم وضع خيار امام الرئيس: اما ان يختار الوحدة اليمنية وينزع تلك الأراضي من اولئك الإقطاعيين الجدد او يغامر بمستقبل الوحدة اليمنية. وفشلت السلطة في تحقيق النمو الإقتصادي والعدالة والمواطنة المتساوية وبناء الدولة الوطنية الحديثة.

ولم يكن الجنوب مجرد ارض وموارد بلا بشر. ولذلك بدأت الحركة الإحتجاجية في المحافظات الجنوبية والشرقية من اليمن بعد حرب عام 1994 مباشرة وان بشكل محدود. ثم نمت وترعرعت على مرأى ومسمع من الجميع. وظهرت في بداية هذا العقد حركة التصالح والتسامح. ثم ظهرت بشكل واسع على شكل حركة مطلبية في منتصف عام 2007. وحاولت السلطة التعامل مع الوضع بطريقتين: سياسة الجزرة والتي عملت الحكومة بموجبها على اعادة الكثير من افراد الأمن والجيش والجهاز الحكومي الى الخدمة بعد ان كان قد تم احالة الكثير منهم الى التقاعد المبكر او بعد ان كانوا قد تركوا اعمالهم. وتم تسوية اوضاع البعض واحالتهم الى التقاعد. وعملت السلطة على شراء ولاءات بعض القادة الجنوبيين وتعيين البعض منهم في مواقع حكومية وتوزيع السيارات وغير ذلك من السياسات. أما سياسة العصا فقد لجأت الحكومة بموجبها (وخصوصا خلال العام المنصرم) الى الأساليب الأمنية والقمعية. وسقط العشرات من القتلى في صفوف الحراك والحكومة ومن (البدون) وهم ابناء الشمال داخل الجنوب. وسقط المئات من الجرحى. واعتقل خلال الأعوام الثلاثة الماضية الالاف من الأشخاص بعضهم سجن لفترات قصيرة والبعض الآخر سجن لفترات متوسطة وهناك من سجن لفترات طويلة دون محاكمات.

في البداية كانت مطالب الحراك حقوقية وتولى قيادة الحراك حينها جمعيات المتقاعدين العسكريين والمنتمين الى المؤسسات الأمنية. ثم ظهرت مطالب سياسية ثم طرحت مطالب الإنفصال بقوة. ولم يعد الأمر يقتصر اليوم على الحراك ومطالب الإنفصال. فقد دخل في الوضع الجنوبي قضايا اخرى. ومع تكاثر وتزامن المشاكل والتحديات التي تواجه السلطة بدأت الكثير من مناطق الجنوب تخرج عن السيطرة. وبدأ الحديث عن القاعدة والجماعات الجهادية. وهناك اليوم دعوات الإضراب الشامل والعصيان المدني في بعض المدن.

ويدرك الكثير في السلطة وفي المعارضة وفي الداخل والخارج وفي النظام العربي والنظام الدولي ان ترك كرة النار تتدحرج في الجنوب سيقود الى تفتت كبير وان الكرة الملتهبة ستمتد الى البحرين العربي والأحمر والى الشرق والشمال ولن تقتسر على الأرض بل ستمتد الى السماء. لكن ماذا نحن فاعلون؟ وماذا هم فاعلون؟ وماذا عسى الجميع يفعل؟ فاي جهد لن يكتب له الكثير من النجاح دون ان يكون هناك ارادة سياسية رسمية للتعاطي مع هذا الملف الشائك.

2. التمرد الحوثي (2004- )

بدأ هذا التمرد في عام 2004 ، وها هي البلاد تنهي الشهر الخامس من الحرب السادسة التي كلفت اليمن واليمنيين الالاف من الشباب الذين سقطوا في الحراب سواء اكانوا في صفوف الجيش او من ابناء القبائل او من المغرر بهم في صفوف الحوثي، وأدت الحرب الى تشريد مئات الالاف من الأسر وهدم الاف المساكن والمدارس والوحدات الصحية والمزارع، وكلفت البلاد خسائر مادية فادحة. وادت الدعاية المصاحبة للحرب الى الحاق الكثير من الضرر بالوحدة الوطنية. وكان هناك الكثير من المحاولات الداخلية والخارجية لإيقاف نزيف الدم دون ان يكتب لأي منها النجاح.

ومهما كانت الأسباب التي تقف خلف هذا الصراع فانه لا يمكن النظر اليه سوى انه في ظهوره وفي تطوره وفي الآثار التي ترتبت عليه انما يعبر عن خلل عميق في بنية وطريقة ادارة البلاد ويتبدى ذلك الخلل في المظاهر التالية:

أ. غياب النظام المؤسسي القادر على التعاطي مع التنوع والتعدد الإجتماعي

ب. محاولة العبث بالتنوع الإجتماعي والزج بمكوناته في لعبة التوازنات التي تخدم السلطة القائمة

ج. فشل السلطة في وضع نهاية للتمرد سواء عن طريق الحرب او التفاوض

ومع ذلك هناك اصرار من قبل السلطة على ان تستمر في الحرب لخمس او ست سنين مع ما يحمله ذلك من مخاطر على البلاد. وقد شهدت الحرب السادسة دخول السعودية كطرف مع ما ترتب على ذلك من:

أ. التفريط بسيادة اليمن دون مراعاة الإجراءات الدستورية والقانونية في عقد التحالفات.

ب. ظهور اتهامات حوثية للولايات المتحدة بالمشاركة في قصف مناطق الصراع في الشمال

ج. زيادة احتمال التقارب بين التمرد والقاعدة في مواجهة عدو مشترك هو السعودية وامريكا

ج. زيادة احتمال تأسيس دولة شيعية على الحدود الجنوبية للسعودية لإن استمرار الحرب سيقود اكثر فاكثر الى تعميق الهوية وتوسيع الفجوة بين مكونات المجتمع المدني وسيقلل من فرص الحفاظ على اليمن موحدا.

3. الإرهاب

ادت حالة عدم الإستقرار في الشمال والجنوب الى تصاعد التهديد الذي يمثله الإرهاب على اليمن واليمنيين وعلى الدول المجاورة. ورأينا القاعدة ولأول مرة:

أ. تتحدى سيادة الدولة عن طريق الإختطاف والسجن والمحاكمة وتنفيذ احكام بالأعدام

ب. تؤيد الإنفصال وهو موقف معاد لمصالح الشعب اليمني، وهناك فرق بين من يطالب بالإنفصال سلميا وبين من يتبنى الإنفصال بالإرهاب

ج. نزول عناصر القاعدة الى الشارع وتوجيه تهديدات لدول شقيقة وصديقة واستعداء المجتمع الدولي على الشعب اليمني

د. اصبحت تهدد الدول المجاورة لليمن وخصوصا السعودية وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة وقد بدا هذا واضحا من خلال العمليات الموجهة ضد السعودية والعملية المزعومة ضد طائرة امريكية عشية عيد الميلاد. وكل ذلك يضر بعلاقات اليمن الخارجية التي تعتبر مصلحة حيوية للشعب اليمني.

ه. أصبحت تأوي الإرهابيين الفارين من الدول الأخرى وجعلت المجتمع الدولي ينظر الى اليمن على انها اصبحت معسكر للايواء والتجنيد ..

وتحدي الإرهاب مثله مثل تحدي التمرد في الشمال ومثل تحدي الحراك في الجنوب يعبر عن ازمة دولة وازمة نظام وازمة ادارة. واذا كان التمرد في الشمال قد كلف البلاد السيادة على حدودها الشمالية والقرصنة في خليج عدن قد كلفت اليمن السيادة على مياهه الإقليمية فان القاعدة ستكلف اليمن السيادة على كافة اراضيها.

4. القرصنة

لم تصنع الحكومة اليمنية القرصنة. فالقرصنة باتفاق الكثيرين هي نتاج لإنهيار الدولة الصومالية ولكن الحكومة اليمنية وبسبب الإنشغال بازماتها الداخلية المتعددة، اخفقت في:

أ. التنبوء بالإثار المختلفة لإنهيار الدولة الصومالية على اليمن ومياهه الإقليمية

ب. اعداد العدة لمواجهة ظاهرة القرصنة عن طريق التركيز على بناء قوة بحرية قادرة على حماية المصالح اليمنية بشكل فعال

ج. حماية المصالح الإقتصادية للشعب اليمني سواء تمثلت تلك المصالح في صيد الأسماك او في التجارة او في السياحة وغيرها

د. حماية حياة الإنسان اليمني حيث اصبح الصيادين اليمنيين واصحاب السفن والعاملين في النقل البحري بشكل عام معرضين للكثير من المخاطر بما في ذلك القتل من قبل القراصنة أو الأساطيل الدولية المتواجدة في المنطقة.

هـ. حماية السيادة اليمنية من خلال العمل مع الدول الأخرى والمجتمع الدولي على تنظيم التدخل الأجنبي في خليج عدن

5. الوضع الإقتصادي

تتغذى معظم ازمات اليمن على الوضع الإقتصادي المتردي للبلاد. وتتبدى مظاهر الأزمة الإقتصادية في اليمن في عدة مؤشرات أهمها العجز المزمن عن تحقيق النمو الإقتصادي وما ترتب على ذلك من ارتفاع معدلات البطالة وخصوصا بين الشباب، انخفاض دخل الفرد، وتدهور الخدمات الإجتماعية، وانتشار رقعة الفقر. وها هي البلاد اليوم تواجه أزمة كبيرة وخطيرة بسبب تراجع اسعار النفط في الأسواق العالمية من جهة والنضوب التدر يجي للمخزون النفطي من جهة أخرى.

وبالرغم من ان اليمن بدأت برنامجا للاصلاح الإقتصادي في عام 1995 الإ ان ذلك الإصلاح ظل محكوما باعتبارات بقاء الحاكم في السلطة وليس باعتبارات التنمية التي يحتاجها اليمنيون. وكانت النتيجة ان برامج الإصلاح الإقتصادي قد ركزت على سحب الدعم عن السلع الأساسية والبرامج الإجتماعية دون ان تعمل على توظيف الموارد التي تم اخذها من المواطنين في تحقيق النمو الإقتصادي. وتنامت عائدات النفط في مطلع القرن الحالي الى مستويات قياسية ومع ذلك لم يتم توظيف تلك الموارد في تحقيق التنمية.

ويمكن ارجاع الفشل الإقتصادي الى شخصنة الدولة وغياب المؤسسية والإعتماد في التعيين على معايير الولاء السياسي بدلا عن الكفاءة، واطلاق يد الفساد باشكاله المختلفة وغياب مبدأ الثواب والعقاب وجمع المسئولين بين السياسة والتجارة، والعجز عن الإستفادة من المنح الخارجية والقروض وغير ذلك من الأمراض والعلل.

6. علاقة السلطة بالمعارضة

تمثل علاقة السلطة بالمعارضة عاملا هاما من عوامل استقرار او عدم استقرار البلاد ويتم الحفاظ على تلك العلاقة في حالة استقرار من خلال الحوار والقبول بالآخر كشريك وطني وليس كعميل او خائن او حاقد او طامع في السلطة. والحوار بين السلطة والمعارضة مطلوب. لكن يجب التفريق بين حوار "الإنقاذ" وحوار "الإغراق" وعلى الوطنيين جميعا ان يدفعوا نحو حوار "الإنقاذ" وينأوا بانفسهم عن حوار "الإغراق." اما كيف نعرف الفرق بين حوار الإنقاذ وحوار الإغراق فعلينا الإهتداء بالعلامات التالية:

أ‌. حوار الإغراق يدعو اليه مجلس الدفاع الوطني وحوار الإنقاذ يدعو اليه لجنة الحوار الوطني.

ب‌. حوار الإغراق يمثل اصطفافا ضد الوطن في حين يمثل حوار الإنقاذ اصطفافا مع الوطن ومع الذين يعانون من ابناء الشعب اليمني.

ج‌. حوار الإغراق يقود الى الجرع في حين ان حوار الإنقاذ يتبنى اصلاحات واضحة يتفق عليها الناس .

د‌. حوار الإغراق يهدف الى تقاسم الكعكة بين الفرقاء في حين ان حوار "الإنقاذ" يهدف الى تنمية الكعة وتكبيرها بحيث يستفيد منها الجيل الحالي والجيل القادم

ثانيا. استجابة المبادرة للتحديات

جاءت مبادرة لجنة الحوار الوطني بطرح رؤية الإنقاذ الوطني لتمثل استجابة ناضجة ومسئولة وشجاعة للازمة الشاملة التي تواجهها البلاد. وقد كانت اللجنة موفقة في تشخيص جذر الأزمة الشاملة الا وهي الإستبداد بما يعنيه من شخصنة الدولة وتغييب المؤسسية والإستئثار بالسلطة والثروة والإرتكاز على العصبية. والإستبداد هو الأب الشرعي للفساد بكل اشكاله. واذا حضر الإستبداد والفساد غابت التنمية . واذا غابت التنمية فلا يمكن الحديث عن شراكة بلا حرب، ولا يمكن الحديث عن وحدة بل تجزأة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق