الاثنين، 14 ديسمبر 2009

اليمن المطلوب تغييره: الفصل الثاني (فقر التعليم)



يمتاز الإنسان عن الحيوان بقدرته على اكتساب المعرفة المجردة عن الظواهرالمحيطة به. فالإنسان هو وحده القادر على القول بثقة أن الأجسام تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة، وهو الوحيد القادر على فهم السبب الذي يؤدي إلى تمدد الأبواب الخشبية في منزله في فصل الصيف، وبالتالي صعوبة قفلها، وانكماشها في فصل الشتاء، وبالتالي سهولة فتحها وإقفالها. والإنسان وحده، من بين الكائنات الأخرى، هو القادر ومن خلال التعليم على إكتساب المعرفة والوسائل التي تمكنه من تطوير تلك المعرفة، وعلى إكتساب الوعي بالماضي والحاضر والمستقبل. والإنسان وحده هو القادر على توظيف المعرفة لتحقيق أهدافه الخاصة والعامة وللتكيف مع العالم من حوله والسيطرة على الظواهر الطبيعية والتأقلم مع الظروف التي يجد نفسه فيها..

إخترع الإنسان السيارة والقطار والطائرة والتلفون والإنترنت والإذاعة والتلفزيون وغيرها من وسائل التواصل والإتصال ليتغلب على المسافات التي تعزله عن غيره من بني البشر، واخترع الكمبيوتر والآلات الحاسبة ومختلف أنواع الأسلحة ليغطي بها عجزه البدني والذهني في مواجهة أعدائه من بني جنسه وفي مواجهة أنواء الطبيعة وتقلباتها. وبنى الإنسان الطرق والجسور لإختصار المسافات وتسهيل عملية الإنتقال عليها باستخدام الآلات. ومع أن الإنسان لا يستطيع التحكم بالزلازل والأعاصير والبراكين وغيرها من الظواهر الطبيعية، الإ أنه تمكن بفعل العلم من التنبوء بها وطور مختلف الطرق للتخفيف من آثارها..ففي اليابان تهتز المباني عند وقوع الزلازل لكنها نادرًا ما تسقط..وفي كثير من جزر العالم يعيش الناس محاصرين بالبحر لكنهم نادرًا ما يغرقون.

ولا يبلغ الإنسان والمجتمع بشكل عام ما تؤهله إنسانيته لبلوغه بدون التعليم. ولا يمكن تصور أن يحقق أي مجتمع كان التنمية ويبني الحضارة ويمتلك الثقافة في غياب التعليم، وبالتعليم يعلو الفرد والمجتمع ويتحقق الرفاه، وبالجهل تفنى الأمم كما أكد الكثير من الفلاسفة. والتعليم هو الذي يضع الفرد والمجتمع على الطريق الصحيح للتنمية وهو الذي يفتح أمام الفرد والمجتمع طرق التغيير. وعندما يحضر التعليم في المجتمع يغيب الفقر لأن التعليم والفقر نقيضان لا يجتمعان.

وتثبت الدراسات وجود علاقة بين ضعف وغياب التعليم في المجتمع وانتشار الفقر، فكلما زاد تعليم الفرد زاد احتمال حصوله على عمل، وزاد احتمال حصوله على دخل أعلى، وقلت احتمالات وقوعه في دائرة الفقر والعوز. وكلما ازداد مستوى التعليم قل احتمال تعرض الإنسان للأمراض والأوبئة.

ويتم قياس التعليم في أي دولة أو مجتمع، كما تم الإشارة إلى ذلك في الفصل الأول، عن طريق حساب مؤشرين هما: الأول هو نسبة السكان البالغين 15 سنة أو أكثر والقادرين على القراءة والكتابة؛ والثاني هو نسبة السكان المقيدين في المراحل الدراسية المختلفة قياسًا بالسكان في سن الدراسة، وكلما كانت النسبة لأي من المؤشرين أعلى كان ذلك دليلا على وضعٍ تعليمي أفضل للمجتمع مع ملاحظة أن المؤشر الأول هو أكثر أهمية من المؤشر الثاني لأن الأول يتصل بحاضر الإنسان في حين أن الثاني يتصل بالمستقبل أكثر من اتصاله بالحاضر.

أولا- التنمية التعليمية في اليمن

حصلت اليمن في عام 2007 كما سبقت الإشارة في الفصل الأول على درجة 508 من أصل 999 درجة على مقياس التنمية، بشكل عام. وبالنسبة للتعليم فقد حصلت اليمن في عام 2007 على 545 درجة من أصل 999 على مقياس التعليم وهو ما يعني أنها حققت في عنصر التعليم درجة أعلى من الدرجة التي حققتها على المقياس الشامل للتنمية، والذي يشمل بالإضافة إلى التعليم، عدد سنوات الحياة المتوقع أن يعيشها الفرد عند الولادة، ومعدل دخل الفرد السنوي. وهذا التحسن الطفيف في درجة التعليم قد يكون خادعًا وذلك لأن المسألة برمتها تعتمد على الأرقام وليس على المعارف والمهارات التي يتم إكتسابها، فليس كل من هو مقيد في المدرسة أو الجامعة يذهب فعلاً. وليس كل من حصل على شهادة قد إكتسب معرفة أو تعلم مهارة جديدة. وما أكثر الطلاب الذين يصلون إلى الصف الخامس أو السادس أو حتى يُكملون المرحلة الأساسية وهم يجدون صعوبةً كبيرةً في القراءة والكتابة.

جدول رقم ( 4): درجة اليمن على مقياس التعليم مقارنة بالدول العربية الأخرى

الدولة

الدرجة (من أصل 999)

فلسطين

891

ليبيا

875

الكويت

871

لبنان

871

الأردن

868

البحرين

864

قطر

852

السعودية

806

الإمارات

791

عمان

766

سوريا

755

تونس

750

مصر

732

الجزائر

711

جيبوتي

553

اليمن

545

المغرب

544

السودان

531

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

وتظل درجة اليمن المحققة في مجال التعليم، مقارنةً بالدول الأخرى، مخيبةً للآمال، رغم تضخيمها من خلال التركيز على العدد، فقد زادت درجة اليمن (انظر الجدول رقم 4) على مقياس التعليم على الدرجة التي حققتها المغرب لنفس المؤشر بدرجة واحدة فقط حيث حققت اليمن 545 درجة في حين حققت المغرب 544 درجة. وزادت درجة اليمن على درجة السودان ب14 درجة. ويلاحظ أن فلسطين حصلت على 891 درجة، وليبيا 875 درجة، وسوريا 755 درجة ومصر 732 درجة. وتقدمت جيبوتي على اليمن ب8 درجات حيث حصلت على 553 درجة.

جدول رقم (5): نسبة السكان البالغين (15 سنة فأكثر) القادرين على القراءة والكتابة (1995-2005)

الدولة

النسبة

الكويت

93.3

فلسطين

92.4

الأردن

91.1

قطر

89

الإمارات

88.7

البحرين

86.5

ليبيا

84.2

السعودية

82.9

عمان

81.4

سوريا

80.8

تونس

74.3

مصر

71.4

الجزائر

69.9

السودان (الشمال)

60.9

اليمن

54.1

المغرب

52.3

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

ولو كان التعليم عبارة عن مادة يدرسها الطالب في المدرسة واليمن عبارة عن طالب والمستوى الذي يتحقق هو الدرجة التي يحصل عليها الطالب في نهاية العام، فإن اليمن تكون قد حصلت على درجة تبلغ حوالي 50 درجة من 100 درجة يمكن الحصول عليها في تلك المادة. ويكون التقدير الذي حصلت عليه اليمن هو "مقبول" في أحسن الأحوال. ومشكلة اليمن كدولة هي أنها تعيش في عالم يوجد فيه دول أخرى تحقق نتائج أفضل وتحصل على تقديرات أعلى بكثير من التقديرات التي تحصل عليها اليمن. ومشكلة اليمن أيضا هي أن الأشياء القيمة تتوزع على الدول بحسب التقدير الذي تحصل عليه كل منها.

ثانيا- مستوى الأمية بين البالغين

لقد كانت الأمية دائما، وفقا للدكتور عبد العزيز المقالح، سببًا رئيسيًا في الإبقاء على الأنظمة التقليدية المعادية للتطور.[1] ولعل ذلك هو السر في أن بعض الأنظمة التقليدية المعادية للتطور قد حافظت وبشكل شبه مستمر على نسبة عالية من الأمية بين مواطنيها أو على أساليب من التضليل والتجهيل، وغسل الأدمغة تفرغ التعليم من مضمونه الهام. ولليمن تجربة مريرة مع الأنظمة التي تعتبر الأمية انجازًا يساعدها على البقاء في السلطة. وكما اشتهرت اليمن في سالف الأزمان بتجارة البخور وبالحضارات الزراعية فإنها تشتهر اليوم بالأمية، حيث لم تتجاوز نسبة السكان البالغين القادرين على القراءة والكتابة في اليمن(انظر الجدول رقم 5) خلال الفترة (1995-2005) 54.1% من اجمالي السكان. وبلغت النسبة المحققة، ولنفس الفترة، في البحرين 86.5%، وفلسطين 92.4% ، والأردن 91.1%، وفي قطر 89%. والدولة الوحيدة التي حققت نسبة أسوأ من اليمن هي المغرب حيث بلغت نسبة السكان البالغين القادرين على القراءة والكتابة فيها 52.3%.

جدول رقم (6): نسبة السكان البالغين (15 سنة فأكثر) القادرين

على القراءة والكتابة حسب النوع (2005)

الدولة

إناث

ذكور

اليمن

34.7

73.1

المغرب

39.6

65.7

السودان

51.8

71.1

مصر

59.4

83

الجزائر

60.1

79.6

العراق

64.2

84.1

تونس

65.3

83.4

عمان

73.5

86.9

سوريا

73.6

87.8

ليبيا

74.8

92.8

السعودية

76.3

87.5

جيبوتي

79.9

79.9

البحرين

83.6

88.6

الأردن

87

95.2

الإمارات

87.8

89

قطر

88.6

89.1

الكويت

91

94.4

لبنان

93.6

93.6

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

ويحاول المرء البحث عن أعذار ومبررات لوضع التعليم في اليمن، فيقول من جديد، ربما أن سكان اليمن يفوقون سكان الدول الأخرى عددًا، أو ربما أن كبر المساحة يجعل الدولة عاجزة عن الوصول إلى مختلف الأرجاء...أو ربما... أو ربما..

لكن مقارنة اليمن بالدول العربية الأخرى (انظر الجدول 5) تبين أن نسبة البالغين القادرين على القراءة والكتابة في الجزائر، وهي دولة أكبر بكثير من اليمن في المساحة والسكان تبلغ حوالي 70%. وتصل النسبة في البحرين، وهي دولة أصغر بكثير من اليمن في المساحة والسكان، إلى قرابة 87%..ولم يمنع الاحتلال الإسرائيلي فلسطين من تحقيق تقدم كبير في نشر التعليم ومكافحة الأمية، حيث زادت نسبة البالغين من السكان والقادرين على القراءة والكتابة عن 92%. ولم تمنع الحروب التي لا تتوقف شمال السودان من الوصول بالنسبة إلى 60%.

ومثل كل شي آخر، فان القدرة على القراءة والكتابة بين السكان البالغين لا تتوزع بالتساوي بين السكان. فهناك فجوة كبيرة بين الذكور والإناث سواء على مستوى البلاد ككل، أو/و على مستوى الريف والحضر. فقد وصلت نسبة السكان الذكور البالغين القادرين على القراءة والكتابة في اليمن (في عام 2005) حوالي 73%، وهذا يعني أن واحدا فقط من بين كل 3 ذكور يعيش أميًا غير قادر على مسك القلم، أو رسم شكل حرف، أو مسك ورقة أو صحيفة ووضعها في الاتجاه الصحيح.

ومع أن الأمية تمثل قيدا على إنسانية الإنسان ومواهبه وقدراته الكامنة، الا أن التمييز في توزيعها بين الرجال والنساء يجعلها أيضا أداة يستخدمها بعض المجتمع لتكريس دونية البعض الآخر. وفي الحالة اليمنية تزيد الفجوة في توزيع الأمية بين الرجال والنساء لتصل إلى حوالي 40%. وتبلغ نسبة الإناث البالغات والقادرات على القراءة والكتابة في اليمن (انظر الجدول رقم 6) حوالي 35% وهو ما يعني أن اثنتين من كل ثلاث يمنيات يعشن حياتهن في ظلام دامس لا يتمكن معه من الاعتماد على أنفسهن في اكتساب أي معرفة حول أي أمر من أمور الحياة، ولا يتمكن من الإعتماد على أنفسهن حتى في التصويت أثناء الانتخابات.

وتعتبر النسبة التي حققتها اليمن بالنسبة للإناث البالغات القادرات على القراءة والكتابة ألأسوأ في العالم العربي. وتأتي المغرب بعد اليمن في المرتبة الثانية من حيث السوء، حيث تبلغ نسبة المغربيات البالغات القادرات على القراءة والكتابة 39.6 %، وتحتل السودان المرتبة الثالثة من حيث السوء بنسبة 51.8، وتبلغ نسبة الإناث البالغات القادرات على القراءة والكتابة في لبنان 93.6%، و 91% في الكويت، و 88.6% في قطر، و 87.8% في الإمارات.

لقد أعطى رجال اليمن لنسائها حق التصويت في الإنتخابات لكنهم "أنثوا" الأمية و"ذكروا" القدرة على القراءة والكتابة. وصار "الصوت" الانتخابي في يد ملايين الأميات مجرد ورقة بيضاء لا قيمة لها ما دمن غير قادرات على التعبير عن أنفسهن من خلال الكتابة عليها. وهكذا أخذ الرجال منهن باليمين ما أعطوه لهن بالشمال.

جدول رقم (7): نسبة السكان المقيدين في المراحل الدراسية المختلفة إلى إجمالي السكان في سن الدراسة (2005)

الدولة

النسبة

ليبيا

94.1

البحرين

86.1

لبنان

84.6

فلسطين

82.4

الأردن

78.1

قطر

77.7

مصر

76.9

تونس

76.3

السعودية

76

الكويت

74.9

الجزائر

73.7

عمان

67.1

سوريا

64.8

الإمارات

59.9

المغرب

58.5

اليمن

55.2

السودان (الشمال)

37.3

جيبوتي

25.3

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

ولا تمثل الأمية بين الرجال أو النساء في اليمن انعكاسا لفقر الدولة أو المجتمع بقدر ما تمثل توزيعا للأدوار بين الفئات الاجتماعية المختلفة. فقد كان التعليم في عهد الأئمة البغيض حكرًا على فئات اجتماعية معينة وعلى أسر محددة، وكانت الأمية بمثابة المادة "المثبتة" لتوزيع فئوي للأدوار الإجتماعية. وإذا كانت بعض المجتمعات قد مارست القمع في وجه المطالب السياسية الناتجة عن إرتفاع مستوى الوعي، فإن أئمة اليمن قد وظفوا الجهل لضمان عدم نمو أي تطلعات إجتماعية نحو المشاركة السياسية. وظلت الأمية حتى بعد قيام الثورة، تمارس وظيفتها التقليدية في تثبيت الأدوار الاجتماعية.

جدول رقم (8): نسبة السكان البالغين المقيدين في المراحل الدراسية الثلاث حسب النوع (2005)

الدولة

إناث

ذكور

ليبيا

97

91

البحرين

90

82

لبنان

86

83

قطر

85

71

تونس

79

74

الأردن

79

77

الكويت

79

71

السعودية

76

76

الجزائر

74

73

الإمارات

68

54

عمان

67

67

سوريا

63

67

المغرب

55

62

العراق

51

67

اليمن

43

67

السودان

35

39

جيبوتي

22

29

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

ولا يخلو التعامل الرسمي مع الأمية في اليمن من دلالة. ففي الوقت الذي تشير فيه البيانات الرسمية إلى أن عدد مراكز محو الأمية في الجمهورية بلغ 722 مركزًا في عام 2003 وأن عدد الملتحقين قد بلغ 112 ألف دارس في عام 2003 منهم 97 ألف من النساء [2] و 172 ألف دارس في عام 2005.[3] واظهرت إحدى الدراسات الميدانية التي اعتمدت على المقابلات المفتوحة في عدد من المحافظات وشارك في تنفيذها مؤلف هذا الكتاب ضعف الجهود الحكومية الموجهة نحو محو الأمية وأن المراكز التي يتم الحديث عنها هي مجرد أرقام في الدفاتر ولا وجود لمعظمها على ارض الواقع.

وتتغذى الأمية بشكل أساسي على بقاء نسبة كبيرة من الأطفال وخاصة الإناث خارج المدارس وعلى معدل عال لتسرب الملتحقين في المدارس خلال الصفوف الأولى وخصوصا الإناث. ولا تزيد جهود محاربة الأمية في اليمن عن الإحتفال سنويًا باليوم العالمي لمحو الأمية، وهو إحتفال يجسد الحضور الكبير للأمية وليس غيابها وتزايد أعداد الأميين وليس تناقصها. فبحلول عام 2010 سيتجاوز عدد الأميين في اليمن ال10 مليون نسمة.

ثالثا- القيد في المراحل الدراسية

بلغت نسبة السكان المقيدين في المراحل الدراسية المختلفة في اليمن في عام 2005 (انظر الجدول رقم 7) حوالي 55%، وهو ما يعني أن حوالي واحدا من كل 2 في سن الدراسة يدرس فعلا. وللمقارنة، فإن نسبة القيد في المراحل الدراسية المختلفة تبلغ 94.1% في ليبيا، و 86.1 في البحرين، و 82.4% في فلسطين، و 91.1% في لأردن، و 76.9 في مصر. وتتفوق اليمن على كل من جيبوتي التي بلغت النسبة فيها 25.3% وشمال السودان الذي بلغت النسبة فيه 37.3%.

جدول رقم (9): نسبة القيد الصافي في المرحلة الأساسية في اليمن والدول العربية الأخرى (2005)

الدولة

نسبة القيد الصافي في المرحلة الأساسية

فلسطين

80

الكويت

87

لبنان

92

الأردن

89

البحرين

97

قطر

96

السعودية

78

الإمارات

71

عمان

76

سوريا

95

تونس

97

مصر

94

الجزائر

97

جيبوتي

33

اليمن

75

المغرب

86

السودان

43

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

وباستثناء السودان وجيبوتي، فإن اليمن (انظر الجدول رقم 8) تملك أسوأ معدل لقيد الفتيات في المراحل الدراسية المختلفة في الوطن العربي، وهو 43%، مما يعني أنه من بين كل 100 أنثى في سن الدراسة فإن المقيدات في المدارس هن 43 فتاة فقط، في حين أن 57 فتاة هن خارج المدارس. هذا بينما يبلغ معدل قيد الفتيات في المراحل الدراسية المختلفة 97% في ليبيا، و90% في البحرين، و86% في لبنان، و55% في المغرب. وتملك اليمن أوسع فجوة في معدلات القيد في المراحل الدراسية بين الإناث والذكور في العالم العربي.

وتعكس تلك المؤشرات التقسيم التقليدي للأدوار الاجتماعية والذي ما زال كما يبدو هو المسيطر في الكثير من النواحي الحياتية. فعندما يبلغ الذكر والأنثى سن الخامسة فإن الذكر يذهب إلى المدرسة، أما الأنثى فإن هناك احتمالاً كبيرًا بانها تذهب إلى المطبخ أو إلى زريبة الماشية. وتعمل السُلطة السياسية والإجتماعية على المستوى المركزي والمحليات على تكريس ذلك التوزيع التقليدي للأدوار بقصد أو بغير قصد. ورغم أن الدستور ينص على إلزامية التعليم في المرحلة الأساسية، الإ أن علاقات السُلطة الاجتماعية تتواطأ في نزع أي حماية قانونية عن الأطفال في مواجهة أسرهم وخصوصا الإناث.

وقد بلغت نسبة القيد في المرحلة الأساسية ، وهي التي تبدأ من الصف الأول وتنتهي بالصف التاسع، في عام 2005 في اليمن 75% (ثلاثة من بين كل 4) مقارنة بـ94% في مصر، و78% في السعودية، و87% في الكويت، و97% في البحرين، و 97% في الجزائر. ويتمكن 73% فقط من الأطفال المقيدين في الصف الأول في اليمن من إكمال الصف الخامس مقارنة بنسبة 94% لمصر، 92% لسوريا، 96% في الجزائر، 96% في السعودية، و99% في البحرين. [4]

ويشكل غياب المدارس أهم سبب لعدم إلتحاق الكثير من اليمنيين المقيمين في الريف أو الحضر بالنظام التعليمي، فكما تشير النتائج الخاصة بمسح ميزانية الأسرة لعام 2006 فإن حوالي 46% من الذين لم يلتحقوا بالتعليم في الريف وحوالي 35% من الذين لم يلتحقوا بالتعليم في الحضر ذكروا غياب المدارس كسبب رئيس لعدم التحاقهم بالدراسة. ولأن نسبة عالية من الأطفال في اليمن تبقى خارج المدارس، فإن المتوقع لأعداد الأميين، كما سبقت الإشارة، أن تزيد مع مرور السنوات بدلا من أن تنقص.

ورغم أن النظام التعليمي في اليمن يبدو على السطح وكأنه يناضل للتمدد والوصول إلى مختلف الفئات وفي كافة المناطق، الإ أنه في الواقع يعمل على الحد من الإلتحاق بالتعليم ويشجع على التسرب، ويبقي عددا كبيرا من السكان في سن الدراسة خارج المدارس. وصحيح أن هناك الكثير من المشاكل المتصلة بعدد المدارس وتوزيعها وقدرتها الاستيعابية، و أن هناك الكثير من المشاكل المتعلقة بالمدرسين، و أن الإمكانيات المالية المخصصة للتعليم غير كافية، الإ أن الصحيح أيضا هو أن هناك إرادة اجتماعية وسياسية تعمل بوعي أو بقوة العقل الباطن على تكريس الأمية. فليس من الصعب في الكثير من مناطق اليمن، اذا ما توافرت الإرادة السياسية والإجتماعية، إلزام السكان بإرسال أبنائهم وبناتهم في سن الدراسة إلى المدارس والإبقاء عليهم فيها حتى إكمال المرحلة الأساسية. وليس من الصعب تنظيم حملات لمحو الأمية تجمع بين تعليم الناس الأبجدية ومهارات القراءة وبين توعيتهم بمختلف الجوانب الحياتية.

وإذا كان ما سبق هو حال التعليم الأساسي، فإن الوضع هو بالتأكيد أسوأ بكثير بالنسبة للتعليم الثانوي العام والفني والمهني، وللتعليم الجامعي كذلك. فوفقا للبيانات الرسمية، فان 2 فقط من بين كل 5 يمنيين في سن الدراسة الثانوية يدرسان فعلا. [5] ورغم أن معدل الالتحاق بالدراسة الثانوية هو منخفض أصلا الإ أن هناك مشكلة أخرى أيضا تتمثل في أن 35% من الطلاب (واحد من بين كل 3 تقريبا) الذين يلتحقون بالمدارس الثانوية يغادرون المدارس الثانوية قبل إكمال دراستهم. والأرقام للإناث هي بالتأكيد أسوأ بكثير من الأرقام الخاصة بالذكور حيث لا تزيد نسبة الفتيات اللاتي يلتحقن بالدارسة الثانوية عن 5% من عدد الفتيات في سن الدراسة الثانوية.

ورغم الزيادة الكبيرة بين السكان في الطلب على التعليم الفني والمهني والتقني على المستوى الثانوي، فقد بلغ عدد الطلاب المقبولين في عام 2005/2006 قرابة 20 الف طالب منهم حوالي 11%، أو 1 من بين كل 10، من الإناث.

رابعا- الوضع التعليمي للسكان

بالرغم من أن مؤشرات مثل نسبة البالغين القادرين على القراءة والكتابة ونسبة السكان المقيدين في المراحل الدراسية المختلفة نسبة إلى السكان في سن الدراسة يمكن أن تكون مفيدة كمؤشرات عامة الإ أنها قد تخفي الكثير من التفاصيل عن حقيقة الوضع التعليمي. وإذا كانت نسبة السكان البالغين 15 سنة فأكثر والقادرين على القراءة والكتابة في اليمن خلال الفترة 1995-2005 قد بلغت حوالي 54.1 % (انظر الجدول رقم 5) فإن الإشكالية التي تبرز هي أن القدرة على القراءة والكتابة لا تكفي بحد ذاتها لمعرفة ما إذا كان الفرد القادر على القراءة والكتابة قد حصل أو لم يحصل على درجة معينة من التعليم. كما أن التركيز على القدرة على القراءة والكتابة لا يعني أن أقصى ما تطمح إليه المجتمعات هو أن يكون سكانها البالغون قادرين على القراءة والكتابة. لكنها تعني فقط أن التباين في المستويات التعليمية لبني الإنسان من دولة إلى أخرى تجعل القدرة على القراءة والكتابة عبارة عن الحد الأدنى للتعليم في وقتنا الحاضر.

وبلغ عدد الملتحقين بالجامعات الحكومية في عام 2005/2006 حوالي 170 الف طالب منهم حوالي 28% من الإناث. وما زال الالتحاق بالتعليم الجامعي دون ال10% من السكان في الفئة العمرية 19-24. ويذهب أكثر من 85% من الملحقين بالجامعات الحكومية إلى التخصصات النظرية وخصوصا التربية والتجارة والشريعة والقانون. [6]

ولكل ما سبق يعتبر الوضع التعليمي للسكان ككل في اليمن (انظر الجدول رقم 10) أكثر قدرة على عرض صورة أكثر تفصيلاً مع ملاحظة أن البيانات الواردة في الجدول قد تم جمعها إعتمادًا على الاستبيان، مع ما يعنيه ذلك من أن الذين شاركوا في العينة هم الذين حددوا مستواهم التعليمي. ولذلك لا غرابة أن تختلف بيانات الجدول رقم (10) ولو بعض الشيء مع البيانات التي تم استخدامها في الأقسام السابقة والتي يتم معالجتها بطرق مختلفة لتصبح أكثر دقة.

جدول رقم (10): الوضع التعليمي لليمنيين (%)


ذكور

إناث

جملة

أمـــــي

21.34

59.96

40.69

يقراء ويكتب

40.98

26.28

33.62

إبتدائي / أساسي

17.77

7.20

12.48

دبلوم قبل الثانوية

1.03

0.18

0.61

ثـــانـــويـــة

11.17

4.20

7.68

دبلوم بعد الثانوية

1.65

0.49

1.07

جامعي فأعلى

3.63

1.05

2.34

غـيـر مـبـيـن

2.42

0.63

1.52

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء، مسح ميزانية الأسرة لعام 2006

وكما تبين النتائج (انظر الجدول رقم 10) فإن قرابة 41% من السكان، أي أن 4 من كل 10 اشخاص لا يقرأون ولا يكتبون، بينما حوالي 34% أو واحد من بين كل 3 أشخاص، يقرأون ويكتبون فقط. وهذا يعني أن حوالي ثلاثة أرباع السكان أو 3 أشخاص من بين كل 4 لم يحظوا بأي مستوى تعليمي ولا يحملون أي مؤهل دراسي. ويحمل حوالي 12% فقط من السكان، وبمعدل شخص واحد من بين كل 10 أشخاص، شهادة التعليم الأساسي. ويحمل حوالي 8% من السكان، وبمعدل شخص واحد من بين كل 12 شخص، شهادة التعليم الثانوي أو ما يعادلها، ويحمل قرابة 3% من السكان، أو شخص واحد من بين كل 33 شخص، شهادات ما بعد الثانوية العامة مثل دبلوم ما بعد الثانوية والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه.[7]

جدول رقم (11): الوضع التعليمي للسكان بحسب الحالة الحضرية والنوع (%)


حضر

ريف

ذكور

إناث

جملة

ذكور

إناث

جملة

أمـــــي

11.55

35.35

23.45

25.31

69.90

47.66

يقرأ ويكتب

37.51

33.41

35.46

42.39

23.41

32.87

إبتدائي / أساسي

21.37

14.85

18.11

16.32

4.11

10.20

دبلوم قبل الثانوية

1.28

0.50

0.89

0.93

0.05

0.49

ثـــانـــويـــة

15.87

10.31

13.09

9.26

1.73

5.49

دبلوم بعد الثانوية

2.39

1.19

1.79

1.34

0.21

0.77

جامعي فأعلى

7.70

3.47

5.59

1.97

0.08

1.02

أخــــــــــرى

0.03

0.00

0.02

0.00

0.00

0.00

غـيـر مـبـيـن

2.29

0.91

1.60

2.47

0.52

1.49

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء، مسح ميزانية الأسرة لعام 2006

وتؤكد نتائج مسح ميزانية الأسرة لعام 2006 (انظر الجدول رقم 11) النقاش السابق بشأن غياب العدالة في توزيع الأمية بين سكان الحضر وسكان الريف، وبين الرجال والنساء. فسكان الحضر يبدون أكثر حظا من سكان الريف في الإفلات من الأمية. كما أن الرجال هم أكثر حظا بكثير من النساء في تجنب فخ الأمية.

وقد بلغت نسبة الأميين بين سكان الحضر حوالي 32%، أو حوالي واحد من بين كل 3 أشخاص، بينما ترتفع النسبة بين سكان الريف إلى قرابة 48% أي ما يقارب نصف سكان الريف أو واحد من بين كل اثنين. وتتضح الفجوة بين سكان الريف وسكان الحضر بشكل أكبر في نسبة السكان الحاصلين على الثانوية العامة، أو ما يعادلها حيث تصل النسبة بين سكان الحضر إلى حوالي 14% أو حوالي الواحد من بين كل 10 أشخاص بينما لا تتجاوز 6% ، أو الواحد من بين كل 20 شخص، بين سكان الريف.

ويرتفع معدل الأمية بين الإناث مقارنة بالذكور سواء بين سكان الريف أو سكان الحضر. ففي الوقت الذي تصل فيه نسبة الأمية بين الذكور من سكان الحضر إلى حوالي 12%، أو واحد من كل 10 تقريبا، فإنها ترتفع بين الإناث الساكنات في الحضر لتصل إلى حوالي 35%، أو واحدة من بين كل 3 إناث. وبينما تبلغ نسبة الأمية بين الذكور المقيمين في الريف حوالي 25%، أو واحد من بين كل أربعة ذكور، فإنها ترتفع بين نساء الريف لتصل إلى حوالي 70% أو حوالي 3 من بين كل 4 إناث.

وتشكل نساء الريف القاعدة الأكبر لهرم الأمية في اليمن وبما يزيد على خمسة مليون أمية، يليهن في المرتبة الثانية الذكور الساكنين في الريف بقرابة 2 مليون أمي، ثم الإناث الساكنات في الحضر وبما يقارب المليون أمية. ويأتي في المرتبة الرابعة الذكور الساكنون في الحضر والذين يساهمون في هرم الأمية بحوالي 300 ألف شخص. ويبلغ إجمالي الأميين في اليمن حوالي 9.25 مليون شخص.

وبينما ترتفع نسبة الذكور القادرين على القراءة والكتابة (فقط) في الحضر لتصل إلى حوالي 38%، فإن نسبة الإناث الساكنات في الحضر والقادرات على القراءة والكتابة تبلغ حوالي 33%. وتبلغ نسبة الذكور القادرين على القراءة والكتابة في الريف حوالي 42% بينما تبلغ النسبة للإناث الساكنات في الريف حوالي 23%. وفي الوقت الذي تصل فيه نسبة الحاصلين على التعليم الأساسي بين الذكور من سكان الحضر إلى 21% فإن النسبة بالنسبة للإناث الساكنات في الحضر تنخفض إلى حوالي 15% .

خامسا- تكلفة التعليم

بلغ متوسط الإنفاق السنوي على التعليم في اليمن خلال الفترة 2002-2005 حوالي 10% من الدخل المحلي الإجمالي (ما يساوي حوالي الثلث من الإنفاق الحكومي السنوي) وهو المعدل الأعلى بين الدول الواردة في الجدول رقم (12). لكن المشكلة هي أن الإنفاق المرتفع على التعليم في اليمن يقابله عائد منخفض ربما لإن الجهاز الإداري للتربية والتعليم والذي ينتشر فيه الفساد كما ينتشر في كل مؤسسة يمنية اخرى يبتلع جزءا كبيرا من المخصصات بدلا من توظيفها في تطوير وتسيير التعليم. ويكاد التعليم في اليمن يتحول إلى أداة لتكريس كل ما هو سيء في المجتمع بدلا من أن يتحول إلى أداة للتغيير والتطور والتنمية.

هناك مشاكل تتصل بالمدرسين، وهناك مشاكل تتصل بالمدارس والمنشئات المدرسية، ومشاكل تتصل بالنظم والوسائل التعليمية والمختبرات والمناهج.. ومشاكل تتصل بالإدارة المدرسية.

فالغالبية من المدرسين، أو ما يساوي الثلثين، يحملون الثانوية العامة فقط، وقليل جدًا من المدرسين الذين يحملون الدرجات الجامعية متخصصون في التربية. فالكثير من المدرسين وجدوا أنفسهم مرغمين على التدريس في ظل غياب الخيارات الوظيفية الأخرى.

ويعاني الكثير من المدرسين من ضعف التأهيل وضعف الكفاءة وضعف التدريب والتحفيز، ويضطر المدرس بسبب ضئالة المرتب وإرتفاع تكاليف المعيشة إلى الحصول على عمل آخر، وبالتالي عدم قضاء الوقت الكافي في التحضير ومتابعة الطلاب وتطوير الذات. وفي حين تزدحم بعض المناطق بالمدرسين، فإن البعض الآخر يعاني من عدم وجود العدد الكافي من المدرسين وخصوصا في المواد العلمية واللغة الإنجليزية والرياضيات. وقد شهدت اليمن العديد من الإحتجاجات منذ عام 2004 بعد أن قررت وزارة التربية والتعليم أن تعيد إلى الميدان للتدريس حوالي 5000 موجه وموجهة.

وبالنظر إلى إجمالي عدد المدارس في الجمهورية، فإن وجود هذا العدد الكبير من الموجهين الفائضين هو أمر يبعث على التساؤل حول الطريقة والسبب الذي جعل الوزارة ترقي ذلك العدد الكبير من المدرسين وتخرجهم من فصول الدراسة إلى التوجيه. وبحلول عام 2008 كان الصراع بين الوزارة والموجهين مازال مستمرًا وعلى أشده. ولم تستطع الوزارة إعادتهم إلى الفصول الدراسية.[8] ولا يتوقع أنها ستتمكن من فعل ذلك في المستقبل.

ولا تغطي المدارس الموجودة الإحتياجات القائمة من المدارس. وما زال الأطفال في بعض المناطق يدرسون تحت ظلال الأشجار أو في الجوامع أو في غيرها من الأماكن التي لا تنطبق عليها مواصفات المدارس. وتعاني الكثير من المدارس من غياب الحمامات، والمياه وغير ذلك من الخدمات. كما تعاني الكثير من المدارس من قدم المبانى وغياب الترميم الدوري، وبالتالي عدم الصلاحية لأن تكون مباني للدراسة. وتعاني بعض المدارس من الإزدحام الشديد في فصولها بحيث يصعب على المدرس والتلميذ التعليم والتعلم.

وتتكرر كل سنة وعلى نحو ممل قصة عدم وصول كل أو بعض الكتب المدرسية إلى المدارس في الوقت المحدد. وفي حين ترتفع الصيحات من هنا وهناك شاكية عدم توفر المناهج، فإن آلاف النسخ من تلك المناهج تتكدس على أرصفة ميدان التحرير في العاصمة صنعاء حيث يتاجر بها الباعة المتجولون. وتغيب الوسائل التعليمية الحديثة والمختبرات. أما المكتبات وأجهزة الكمبيوتر وخطوط الإنترنت فتنتمي إلى عصر آخر لم تصل إليه المدارس اليمنية بعد.

جدول رقم (12): الإنفاق على التعليم والجيش في اليمن مقارنة بالدول العربية الأخرى

الدولة

نسبة الإنفاق على التعليم من الدخل المحلي الإجمالي

2002-2005

نسبة الإنفاق على الجيش من الدخل المحلي الإجمالي

2005

الكويت

5.1

4.8

الإمارات

1.3

2

ليبيا

2.7

2

عمان

3.6

11.9

السعودية

6.8

8.2

الأردن

4.9

5.3

لبنان

2.6

4.5

تونس

7.3

1.6

المغرب

6.7

4.5

جيبوتي

7.9

4.2

اليمن

9.6

7

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

ويشير تقرير مؤشرات التعليم في الجمهورية اليمنية لعام 2005-2006 الذي تصدره وزارة التربية والتعليم إلى أن هناك 145 مدير مدرسة لا يحمل أي مؤهل (وربما لا يقرأ ولا يكتب أيضا) وأن 110 مدير مدرسة لديه مؤهل الإبتدائية فقط، و569 مدير مدرسة لديه دبلوم بعد الابتدائية. وإجمالاً فإن التقرير يشير إلى أن 3769 مدير مدرسة يحملون مؤهلاً دون الثانوية (أو بدون مؤهل) وأن 2227 مدير مدرسة لديهم مؤهل الثانوية العامة و2235 مدير مدرسة يحملون شهادة دبلوم ما بعد الثانوية. ويحمل الشهادة الجامعية فقط 3240 مدير مدرسة. وليس من النادر أن يكون هناك مدرسة يديرها أمي في حين أن المدرسين في ذات المدرسة قد يكون بينهم الجامعي وربما حامل الدبلوم ما بعد الجامعي.

وتلعب المعايير السياسية، وليس التربوية، الدور الأكبر في التعيين والترقية للقيادات المدرسية وفي القرارات المتصلة بالتوسع في المدارس وتحديد مضامين المناهج الدراسية وغيرها من القرارات. ويحتفظ مدراء المدارس بوظائفهم كما لو كانت ملكية خاصة طالما كان ولاؤهم مطلقا للنظام القائم. وتشكل عضوية الحزب الحاكم ليس فقط شرطاً للتعيين للقيادات التربوية بما في ذلك إدارة المدارس، ولكنها تشكل أيضًا حصانةً من المساءلة. فالجباية من الطلاب هي إحدى الظواهر التي لطالما اشتكى منها أولياء الأمور. ولطالما اشتكى المدرسون في أكثر من مديرية من الجبايات التي تمارسها ضدهم المراكز التعليمية.

وينتشر الغش بشكل كبير في إختبار الشهادات الموحدة وعلى نحو خاص الثانوية العامة نظرًا لأن المعدل الذي يحصل عليه الطالب في إمتحان الشهادة الثانوية هو الذي يحدد فرصته في الحصول على منحة خارجية أو داخلية وإمكانية إلتحاقه بالجامعات الحكومية. وفي بعض المراكز الإمتحانية يقوم الأساتذة عند الامتحانات بكتابة أجوبة أسئلة الإمتحانات على الصبورة ليتم نسخها من قبل الطلاب إلى كراسات الإمتحانات، ويمتحن طلاب بدل آخرون. وتتم عمليات الغش الجماعي غالبًا بتواطؤ من الطلاب واللجان المشرفة ومقابل مبالغ مالية يدفعها الطلاب. وفي أحيان أخرى تتم عمليات الغش بالقوة وبتدخل العديد من النافذين. ويقوم الطلاب المقيمون في مديرية معينة بالإنتقال من مدرسة إلى أخرى أو من مديرية إلى أخرى أو حتى من محافظة إلى أخرى للتسجيل في مدارس ومراكز تسمح للطلاب بالغش، أو بإحضار آخرين للإختبار بدلاً عنهم.

وعلى سبيل المثال، فقد ذكر تقرير صادر عن وزارة التربية والتعليم حول إمتحانات الشهادة الثانوية للعام الدراسي 2007/2008 أنه تم ضبط 324 حالة إنتحال شخصية، و 468 حالة غش، و123 حالة إعتداء وتهديد لمشرفي ومراقبي الإمتحانات. كما ذكر التقرير أنه تم نقل 116 مركزًا امتحانيًا من محافظة إلى أخرى.[9] وما يبينه تقرير وزارة التربية والتعليم ليس سوى جزءًا بسيطًا من واقع التعليم في اليمن، فقد أصبح الغش بمثابة ثقافة بين الطلاب تجعله في نظر معظمهم ونظر أسرهم حقا للطالب.

ويتضح الضعف الشديد للعائد من التعليم قياسًا بالإنفاق من خلال النسب العالية للبطالة وخصوصًا بين الشباب، وتركز طلاب الجامعات في الكليات النظرية مثل التربية والآداب والتجارة والشريعة والقانون في حين أن الكليات التطبيقية كالهندسة والطب والحاسوب وغيرها لا تستوعب سوى نسبة صغيرة جدًا من خريجي الثانوية العامة. ويتوجه العديد من خريجي الثانوية العامة والجامعات، في ظل غياب التأهيل المناسب، إلى مزاولة أعمال مثل الخدمة في المطاعم وبيع الملابس على الأرصفة وغيرها من الأعمال الهامشية.

وإذا كان الأئمة قد حاولوا بكل قوة حصر حق التعليم في فئة صغيرة في المجتمع خوفا من الآثار السياسية التي ستترتب على التوسع فيه، فإن النظام الجمهوري الذي يحكم اليمن اليوم بوعي أو بدون وعي يُضيق نطاق التعليم ويُسطح مضامينه ويمنعه من التحول إلى قوةٍ خلاقةٍ تساهم في التحول الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والفكري. وما وجود مدراء مدارس أميين أو بدون مؤهلات أو بمؤهلات متواضعة، والتركيز على الكم، وتسييس إدارة التعليم ومناهجه، وإنتشار الغش، وغير ذلك من الظواهر سوى قرائن على أن وضع التعليم لا يعبر عن محدودية الموارد أو ضعف الكوادر البشرية أو غير ذلك بقدر ما يعبر في جانب كبير منه عن نظام سياسي وإجتماعي يعمل على شد المجتمع إلى الخلف وإجهاض أي تحولات يمكن أن تهدد مصالحه.



[1] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003، 51، إطار رقم 2-1.

[2] وزارة التخطيط والتعاون الدولي، تقرير التنمية الإنسانية الثالث للجمهورية اليمنية، 2003

[3] بالنسبة للأرقام، انظر: وزارة التخطيط والتعاون الدولي، "إستراتيجية التخفيف من الفقر"، www.mpic-yemen.org/2006/prsp/Arabic/main_page/reports5.html

[4] UNDP, Human Development Report 2007-2008

[5] بالنسبة للأرقام، انظر: وزارة التخطيط والتعاون الدولي، "إستراتيجية التخفيف من الفقر"، www.mpic-yemen.org/2006/prsp/Arabic/main_page/reports5.html

[6] المرجع السابق.

[7] تم جمع هذه المعلومات اعتمادا على إفادات الأفراد الذين تم مسحهم. وحيث أن الأفراد ينزعون بشكل عام إلى إظهار ذواتهم بشكل أفضل فإن الأرجح أن الوضع الفعلي ربما كان أسوأ بكثير مما تعكسه هذه البيانات..

[8] "الموجهون التربيون في مرمى الاستهداف السياسي"، المصدر، العدد (40)، 26 أغسطس 2008، 5

[9] محمد السياغي، " 75.8 بالمائة نسبة النجاح في الثانوية العامة وحرمان 1986 طالبا من النتيجة"، السياسية، العدد (20439)، 6 سبتمبر 2008، 4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق