الاثنين، 16 أغسطس 2010

اليمن المطلوب تغييره (الفصل الثالث عشر: تنامي الفقر الشامل)



"إن الفقر في اليمن لم يعد مجرد مشكلة إقتصادية بل أصبح بمثابة محنة وطنية ذات أبعاد تتجاوز مجرد حرمان الفقراء من الحصول على السلع والخدمات الأساسية بل تصل إلى حد حرمانهم من أية فرص حقيقية لتحسين أحوالهم… "
د.  ياسين الشيباني، أستاذ القانون بجامعة صنعاء
من دراسة بعنوان الفقر والديمقراطية

يشكل فقر التعليم، وفقر الصحة، وفقر الدخل، وفقر العمل، والأشكال الأخرى من الفقر ما يمكن أن يطلق عليه شبكة الفقر الشامل. والمشكلة هي أن تلك الشبكة تزداد اتساعاً وعمقاً من خلال تفاعلها مع بعض الظواهر الأخرى مثل المعدل المرتفع للنمو السكاني، والإختلال في توزيع السكان بالنسبة للموارد، وغير ذلك.  
جدول رقم (66): معدل النمو السكاني في اليمن وبعض الدول العربية الأخرى خلال الفترة 2000-2005
العراق
2.2
الكويت
2.2
قطر
1.9
الإمارات
2.5
البحرين
1.7
ليبيا
1.9
عمان
2
السعودية
2.1
الأردن
2.2
لبنان
1
تونس
1
الجزائر
1.5
فلسطين
3
سوريا
2.2
مصر
1.7
المغرب
1.2
السودان
2.1
جيبوتي
1.7
اليمن
2.9
الصومال
2.8
Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008
جدول رقم (65): معدل الخصوبة في اليمن والدول العربية الأخرى خلال الفترة 2000-2005
العراق
4.9
الكويت
2.3
قطر
2.9
الإمارات
2.5
البحرين
2.5
ليبيا
3
عمان
3.7
السعودية
3.8
الأردن
3.5
لبنان
2.3
تونس
2
الجزائر
2.5
فلسطين
5.6
سوريا
3.5
مصر
3.2
المغرب
2.5
السودان
4.8
جيبوتي
4.5
اليمن
6
الصومال
6.4
Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008
لا يمكن القول أن نمو السكان بمعدل عال هو الذي يخلق الفقر، أو يحوله إلى قدر  لا مفر منه. فالفقر في جانب كبير منه صناعة بشرية ينتجه البعض ليستهلكه البعض الآخر.  وللتمثيل فقط، فإن الفساد، بكافة أشكاله، يؤدي إلى شفط الموارد العامة التي يمكن الإستفادة منها في بناء وتجهيز المدارس وفي دعم الفقراء وفي تحسين الخدمات الصحية وبناء الطرق وغير ذلك من البرامج،  وتحويلها إلى الجيوب الخاصة. كما أنه يساهم، في ظل غياب أنظمة الثواب والعقاب والحماية للمواطنين، في تحويل القضاة وأعضاء النيابات العامة وعقال الحارات وأقسام الشرطة ومدراء المدارس والعاملين فيها والمرافق الصحية ومرافق البلديات  وموظفي الحكومة بشكل عام إلى نظام متكامل للتصيد والتهطش والإفقار المنظم  للمواطن.   
وإذا كان هناك من علاقة بين الفقر والتكاثر البشري في اليمن، فإن التفسير الأقرب للواقع لتلك العلاقة، هو أن  التكاثر السكاني بمعدلات مرتفعة يمثل نتيجة للفقر وليس سببا له. فانتشار الأمية وضعف التعليم وخصوصا للفتيات،  وغياب الوعي وضعف الخدمات الصحية المقدمة للأمهات، وغياب فرص العمل وغيرها من العوامل تعمل مجتمعة على حصر وظيفة الإنسان في الإنجاب.     
وتؤدي المعدلات العالية للنمو السكاني، في غياب السياسات الحكومية الفعالة القادرة إما على خلق موارد جديدة أو إستغلال الموارد المتاحة الإستغلال الأمثل  أو حتى السيطرة على النمو السكاني، إلى تحويل الفقر من أزمة مؤقتة يمكن تجاوزها بتبني سياسات حكومية عادلة وفعالة إلى دائرة مغلقة تزداد اتساعا مع مرور الزمن ومع زيادة السكان.    
وهذا هو الوضع في اليمن في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، أي بعد إنقضاء ألفي سنة وبدء ألف ثالثة على ميلاد المسيح عليه السلام. وما يحدث هو أن معدلات الأمية والفقر والبطالة تتغذى  على معدل عال من نمو السكان لا يقابله معدل مماثل في خلق الموارد الجديدة أو في تحسين طرق استغلال الموارد المتاحة. 
جدول رقم (67): عدد سكان اليمن وبعض الدول العربية الأخرى بالملايين
الدولة
2005
2015
العراق
28
34.9
الكويت
2.7
3.4
قطر
0.8
1
الإمارات
4.1
5.3
البحرين
0.7
0.9
ليبيا
5.9
7.1
عمان
2.5
3.1
السعودية
23.6
29.3
الأردن
5.5
6.9
لبنان
4
4.4
تونس
10.1
11.2
الجزائر
32.9
38.1
فلسطين
3.8
5.1
سوريا
18.9
23.5
مصر
72.8
86.2
المغرب
30.5
34.3
السودان
36.9
45.6
جيبوتي
0.8
1
اليمن
21.1
28.3
الصومال
8.2
10.9
Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008
وتملك اليمن معدلاً مرتفعاً للخصوبة، والذي يعرف على أنه عدد المواليد لكل امرأة في سن الإنجاب،  هو واحد من أعلى المعدلات في العالم (انظر الجدول رقم  65) حيث بلغ 6 مواليد  خلال الفترة 2000-2005  مقارنة بـ3.2 مولود في مصر، و4.8 في السودان، و4.5 في جيبوتي. وإذا ما تم إستثناء الصومال، التي تعيش حالة المجتمع البدائي، فإن اليمن تعتبر الأسوأ في العالم العربي من حيث معدل الخصوبة.    
كما تملك اليمن أيضاً معدلاً مرتفعا للنمو السكاني يقدره البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة بحوالي 3% خلال الفترة 2005-2015. وللمقارنة، فإن  البرنامج الإنمائي يقدر معدل النمو خلال نفس الفترة في العراق والكويت بـ2.2%،  وفي قطر وليبيا ب1.9%، وفي لبنان وتونس ب1% فقط (انظر الجدول رقم  66).  وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدد السكان في اليمن بمعدل يزيد عن ال3 %، فإن الواضح  أن الإقتصاد ينمو بمعدل أقل من ذلك وهو ما يعني أن الضيوف الجدد يمثلون عبئا على مضيفيهم الذين لم يحسبوا حسابهم عند إعداد الوليمة.  
وقد بلغ عدد سكان اليمن (انظر الجدول رقم 67)  حوالي 21 مليون في عام 2005. ويزيد سكان اليمن بمعدل 700 ألف نسمة في العام وهو ما يساوي حوالي 2000 شخص في اليوم الواحد أو 80 شخص في الساعة.[1]  وعندما يصل هذا الكتاب إلى يد القارئ سيكون عدد سكان اليمن قد وصل إلى حوالي 24 مليون نسمة.  ويتوقع أن يصل عدد سكان اليمن إلى 28 مليون في عام 2015. ولا يمكن لأحد أن يكره الزيادة في السكان في اليمن لأنهم يشكلون عامل قوة إذا توفرت لهم الصحة والتعليم والتغذية الصحية وفرص العمل. لكن إضافة ملايين جديدة من الفقراء  إلى الملايين الحالية من الفقراء لن يعني سوى المزيد من الفقر والأمية والبطالة والتشرد.      
تعاني اليمن العديد من المشاكل المتصلة بالسكان، فقد بلغ سكان الحضر في اليمن في عام 2005 حوالي 27.3 %  من إجمالي  السكان. ويتوقع أن يبلغ سكان الحضر في عام 2015 حوالي 32% فقط، في حين يبلغ سكان الحضر في مصر حوالي 43%، وفي عمان 71.5،  وفي السعودية 81%، وفي سوريا 50.6%،  وفي الجزائر 63.3%. وكما هو واضح من الجدول فإن اليمن تملك أسوأ معدل في العالم العربي لسكان الحضر.


جدول رقم (68): نسبة سكان الحضر في اليمن والدول العربية الأخرى
الدولة
2005
2015
العراق
66.9
66.9
الكويت
98.3
98.5
قطر
95.4
96.2
الإمارات
76.7
77.4
البحرين
96.5
98.2
ليبيا
84.8
87.4
عمان
71.5
72.3
السعودية
81
83.2
الأردن
82.3
85.3
لبنان
86.6
87.9
تونس
65.3
69.1
الجزائر
63.3
69.3
فلسطين
71.6
72.9
سوريا
50.6
53.4
مصر
42.8
45.4
المغرب
58.7
65
السودان
40.8
49.4
جيبوتي
86.1
89.6
اليمن
27.3
31.9
الصومال
35.2
40.1
Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008
وتجد الحكومة اليمنية، كما تقول، صعوبة كبيرة في نشر خدمات التعليم والصحة والكهرباء والطرق في المناطق الريفية بسبب طبيعة التوزيع السكاني الذي يغلب عليه التجمعات السكانية الصغيرة والمتباعدة والتي تنتشر في الجبال والوديان والسواحل. [2]  كما تجد الحكومة، وبنفس القدر، صعوبة في تغطية المناطق الحضرية بالخدمات لإن ظاهرة التحضر تنمو بمعدلات كبيرة حيث ينمو سكان العاصمة صنعاء مثلا، بمعدل  وصل إلى 10% سنويا، ولأن الموارد كما تقول الحكومة محدودة. [3]      
وبالتأمل فيما تقوله الحكومة وما تفعله، يبدو واضحاً أن الحكومة لا تمتلك سياسة سكانية واضحة تجاه التحضر، أو التشتت السكاني، وهي بالتالي تستخدم التركز السكاني كمبرر لغياب الخدمات أو ضعفها. كما تستخدم التشتت السكاني كمبرر أيضًا لضعف، أو غياب الخدمات. أما توزيع الخدمات ذاته فلا يتبع معايير أو خطط واضحة وإنما يخضع لمعايير الوجاهة الإجتماعية والولاء السياسي والقرب من صناع القرار.
وتبدو الحكومة حريصة على إبقاء السكان في الريف نظرًا لما يوفره لها التشتت من قدرة على السيطرة وضمان الأصوات في الإنتخابات. وقد تعلمت الحكومة من الدورات الإنتخابية البرلمانية والرئاسية، التي عقدت خلال السنوات الـ18 الماضية من عمر الوحدة اليمنية، أن التمرد السكاني في الحضر يجعلها تحت رحمته ويقود في الغالب إلى التصويت ضدها. ولذلك توجهت الحكومة إلى نشر بعض الخدمات في الأرياف مع إضعافها في المدن.  ولعل الإستثناء لتلك القاعدة هو الشوارع المؤدية من وإلى القصر الرئاسي، وجامع الرئيس، والمناطق المحيطة بهما. وفيما عدا ذلك فإن بعض مناطق الأرياف، وخصوصا حول العاصمة، تتمتع بمستوى من الخدمات يفوق المستوى الذي تنعم به بعض الأحياء في العاصمة.  وفي حين يتم شق طريق بمئات الملايين لخدمة بضع مئات من الأشخاص على قمة جبل، فإنه لا يتم زفلتة حتى شارع واحد في حي داخل العاصمة يسكنه أكثر من ثلاثين ألف شخص.   
وفي ظل غياب المعايير الإقتصادية والسكانية الواضحة والتي يتم على ضوئها شق وسفلتة الطرق، وتوصيل الكهرباء والماء،  فإن ما جري وما يجري خلال السنوات الحالية هو تبديد للموارد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى حيث تنفق الحكومة مئات بل وآلاف الملايين على طرق  ومشاريع خدمات في مناطق لا يجد فيها السكان ما يسد رمقهم وليس لها أي عائد إقتصادي في حين أنه كان يمكن جمع أولئك السكان في مكان واحد وبناء مدينة لهم وتقديم تلك الخدمات وتوفير مبالغ طائلة يمكن استخدامها في خلق أنشطة اقتصادية مفيدة.        
وإذا ما تم إستثناء فلسطين، فإن اليمن تملك أعلى معدل من بين الدول العربية في نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة إلى إجمالي السكان في عام 2005 (انظر الجدول رقم 69) وهو 45.9% في حين بلغ المعدل في  لبنان وتونس والبحرين والإمارات والجزائر وقطر والكويت أقل من 30%. وبلغ المعدل في ليبيا والمغرب ومصر وعمان والسعودية أقل من 35%.  ووجود نسبة عالية من السكان تحت سن 15 سنة يعني أن هناك شريحة كبيرة من السكان بحاجة إلى الخدمات الأساسية من رعاية صحة، وتعليم، وتغذية وغير ذلك.   
جدول رقم (69): نسبة السكان تحت سن ال15 سنة  في اليمن وبعض الدول العربية
الدولة
2005
2015
الإمارات
19.8
19.7
قطر
21.7
20.6
الكويت
23.8
22.5
تونس
26
22.5
البحرين
26.3
22.2
لبنان
28.6
24.6
الجزائر
29.6
26.7
ليبيا
30.3
29.4
المغرب
30.3
26.8
مصر
33.3
30.7
عمان
33.8
28.6
السعودية
34.5
30.7
سوريا
36.6
33
الأردن
37.2
32.2
جيبوتي
38.5
33.5
السودان
40.7
36.4
العراق
41.5
36.6
الصومال
44.1
42.9
فلسطين
45.9
41.9
اليمن
45.9
42.4
Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008
 وتعاني اليمن التي تبلغ مساحتها حوالي 460 ألف كم مربع من وجود إختلال كبير في توزيع السكان بالنسبة للموارد. فعلى الهضبة الوسطى والجبلية يسكن قرابة 70% من السكان في حين يسكن السواحل الجنوبية والشرقية حوالي 13%، وسهل تهامة قرابة 12% والهضبة الصحراوية حوالي 6%.[4]   وتبلغ الكثافة السكانية على مستوى اليمن ككل 28 شخصاً لكل كيلو متر مربع بينما يبلغ أعلى معدل لها في مدينة صنعاء  وهو 4385 شخصا لكل كيلو متر مربع، تليها محافظة إب التي تبلغ الكثافة السكانية فيها 299 شخصا لكل كيلو متر مربع، ثم تأتي بعد ذلك محافظة تعز بمعدل 196 شخصا لكل كيلو متر مربع.  وتقل الكثافة كلما اتجه الإنسان شرقاً وجنوباً حيث تبلغ 6 أشخاص لكل كيلو متر مربع في حضرموت ومأرب، و 5 أشخاص لكل كيلو متر مربع في شبوة، و 4 لكل كيلو متر مربع في الجوف، و2  لكل كيلو في المهرة.[5]
وفي حين يتركز حوالي نصف السكان في محافظات تعز، اب، صنعاء، والحديدة، فإن سكان محافظات المهرة، مارب، والجوف مجتمعة لا يصل سوى إلى حوالي 3% من حجم السكان. [6] وفي الوقت الذي يتركز فيه حوالي أربعة أخماس السكان في المحافظات الشمالية  التي تمثل ثلث مساحة البلاد فإن خمس السكان فقط ينتشرون في المحافظات الجنوبية التي تحتل ثلثي مساحة البلاد.
وهناك إختلال كبير في توزيع السكان بالنسبة للموارد. ففي الوقت الذي يتركز فيه معظم سكان البلاد في المرتفعات الجبلية حيث تنعدم الموارد فإن المناطق الغنية بالموارد، وهي المناطق الساحلية والسهول الغربية والجنوبية،  تعاني من إنخفاض كبير في معدل الكثافة السكانية.  وستزداد المشكلة تفاقما بنفاذ المخزن النفطي في البلاد والذي بدأ بالتراجع منذ حوالي الخمس سنوات الأخيرة ويتوقع أن ينفذ في فترة قد لا تتجاوز العشر سنوات القادمة.
وفي حين تمثل قطاعات الأسماك، والخدمات البحرية، والسياحة، القطاعات المستقبلية للإقتصاد اليمني، فإن الملاحظ أن موارد تلك القطاعات تتركز في المناطق الساحلية في جنوب اليمن وغربها وعلي سواحل البحر العربي، وخليج عدن، والبحر الأحمر. لكن معظم السكان يعيشون على قمم الجبال. وتشهد العاصمة صنعاء التي ترتفع عن سطح  البحر بحوالي 2200[7]  متر معدلاً كبيرًا في النمو حيث يقدر سكانها الآن بحوالي 4 مليون نسمة بالرغم من التحذيرات الدولية المتعلقة بنفاذ المخزون المائي في حوض صنعاء.


[1] بالنسبة لمعدل الزيادة السنوية انظر: وليد التميمي، "تزايد النمو السكاني في اليمن بمعدل 700 الف نسمة سنويا"، الأيام، العدد (5491)، 8
[2]  وزارة التخطيط والتعاون الدولي، "إستراتيجية التخفيف من الفقر"، www.mpic-yemen.org/2006/prsp/Arabic/main_page/reports5.html
[3]  المرجع السابق.
[4] وزارة التخطيط والتعاون الدولي، خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر 2006-2010، أغسطس 2006، 124
[5] United Nations Development Program (UNDP), An Annex to Government Support Document, 1997, 7
[6]  وزارة التخطيط والتعاون الدولي، "إستراتيجية التخفيف من الفقر"، www.mpic-yemen.org/2006/prsp/Arabic/main_page/reports5.html
[7] وزارة التخطيط والتعاون الدولي، خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر 2006-2010، أغسطس 2006، 124

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق