الخميس، 2 أغسطس 2018

نقاشات محرمة... الأزمة مع قطر



(1)
تبدو النقاشات الأمنية التي تدور بين الجانبين السعودي والأمريكي حول الأزمة مع قطر أقرب ما تكون إلى تبادل وجهات النظر بين طرفين متحالفين في مواجهة طرف ثالث، غير أن تلك النقاشات تعكس حالة من التيه وغياب الرؤية بالنسبة لإدارة ترامب؛ وحالة من الشخصنة للأزمة بالنسبة للجانب السعودي، تتناقض حتى مع مصالح السعودية ذاتها. 



بدأ الجانب الأمريكي الحديث متذمرا، فذكر أن هناك شعور في دوائر الحزب الجمهوري الأمريكي أنهم كلما وصلوا إلى السلطة فإن عليهم أن يواجهوا في الشرق الأوسط ثلاثة أنواع من أحزاب المعارضة التي تعمل رغم اختلافاتها على أجندة واحدة وتلك الأحزاب هي: الحزب الديمقراطي؛ حزب قطر؛ وحزب قناة الجزيرة. وسارع مشارك من الجانب السعودي إلى الإشارة إلى أن معارضة حزب قطر وحزب قناة الجزيرة تمر دائما عبر أجواء السعودية، لكنه أضاف أن على الأمريكيين في حالة مثل هذه النظر إلى النصف الممتلئ من الكأس وأن يراهنوا كما فعل الجمهوريون دائما على ثقل السعودية، وإن كانت بلاده كما أشار لا تملك قناة قادرة على التأثير مثل الجزيرة.

رد المتحدث الأمريكي أن الجمهوريين في أمريكا أيضا لا يملكون قناة مثل الجزيرة وأن ذلك له علاقة بطبيعة القيم المحافظة، وأن المشكلة دائما تكمن في أن الإعلام يولد ليبراليا وبالتالي حليف للديمقراطيين بالفطرة.      

ثم سارع الجانب الأمريكي، مغيرا موضوع الحديث، إلى القول،  انه بالنسبة للنظام  السياسي الأمريكي، فلا يوجد مشكلة لأن على الحزب الحاكم أن يتعايش مع المعارضين حتى ولو كانوا بحجم جزيرة كوبا وبتشدد كاسترو. وهنا أشار مشارك سعودي، بأنه على الرغم من اختلاف النظام السعودي عن نظيره الأمريكي، إلا أنه أيضا لا يجد صعوبة في إتباع قاعدة التعايش مع قطر كما حدث خلال الربع قرن الأخير، غير أن هناك مراحل تمر بها الدول يصبح فيه التعايش مع دولة أخرى أكثر تكلفة من الافتراق. رد الجانب الأمريكي بأن ذلك أمر يمكن تفهمه، وأكد بان ذلك بالتحديد ربما يكون سبب استهداف الجيش الأمريكي لمكاتب ومراسلي قناة الجزيرة في حروب أفغانستان والعراق إن كان مثل ذلك الاستهداف قد حدث بالفعل.  لكن الجانب الأمريكي أشار رغم ذلك إلى أن زواج الجغرافيا كاثوليكي بطبيعته، وأن أي فراق يظل ذا طابع افتراضي أكثر منه واقعا.
  
قال مشارك سعودي، في غمزة واضحة، انه من حسن حظ الجمهوريين في أمريكا أن كوبا لا تستضيف على أرضها قاعدة عسكرية أمريكية، فرد عليه مشارك أمريكي بان الجمهوريين في أمريكا ، رغم ذلك، لم يفكروا قط في غزو كوبا خلال الخمسين عاما الماضية، مبررا ذلك  بأنه كان على أمريكا بقوتها وجبروتها أن تقبل بكوبا كما هي  منذ عام 1961  وان تمتنع  عن أي محاولة لغزوها وضمها أو الضغط على نظامها تفاديا للدفع بها للارتماء بشكل أكبر في أحضان السوفييت. وأضاف في ملاحظة جانبية ذات علاقة أن المؤسسة العسكرية الأمريكية بطبيعتها جمهورية، لكنها عندما تقيم في قطر تصبح اقرب إلى الديمقراطيين. 


قال الجانب السعودي مستدركا وعائدا بالحوار إلى الموضوع الأساسي، ومع ذلك فإن أمريكا ورغم ما أبدته من تسامح، فقد قطعت علاقاتها بكوبا وفرضت عليها حصارا اقتصاديا ولا زالت تعاقبها حتى اليوم رغم أنها لم تكن تملك من الموارد ما يكفي ليجعلها تفكر بالتبشير بالشيوعية في أمريكا. رد الجانب الأمريكي، أن ما كان يقلق بلاده هو أن يستغل السوفييت أي تطبيع أمريكي للعلاقات مع كوبا فيعملوا على استغلال الكوبيين في القيام بأعمال تجسسية وتخريبية داخل أمريكا. أما الآن، فقد أصبحت طرق التعامل مع كوبا جزءا من التقاليد السياسية المحافظة التي يحرص الحزب الجمهوري على عدم الخروج عليها  

(2)

عبر الجانب الأمريكي وقد انتقل من حديث التوريات إلى الحديث المباشر عن قلق بلاده من فكرة أن تتزعم قطر وقناة الجزيرة ومن خلفها تركيا وإيران والفلسطينيين والجماعات الشيعية والسنية المعارضة في الشرق الأوسط وحول العالم لـ"صفقة القرن" التي يراهن عليها الرئيس ترامب، ولجهود احتواء إيران وبرنامجها النووي مما يعقد الأمور، مؤكدا أن حدوث أمر مثل هذا يبدو مؤكدا في ظل الأزمة القائمة، وهو ما يعني أن الأجندة الخارجية لترامب يمكن، بسبب المماحكات الإقليمية، أن تتعرض للتعطيل.

رد الجانب السعودي بصوت لا يخلو من مسحة سخرية أن قطر ستفعل ذلك على أي حال وسواء أكان هناك أزمة وقطع علاقات وفرض عقوبات، أو كانت العلاقات طبيعية بين قطر والسعودية، ومواقف قطر كما ذكر معروفة في هذا الجانب مذكرا بان خلافات بلاده مع قطر خلال العقد الأول من الألفية لم يكن لها من موضوع سوى مواقف قطر الرسمية وتغطيات قناة الجزيرة للمبادرة العربية للسلام التي تقدم بها في ذلك الوقت ولي العهد السعودي والأمير عبد الله، والتي دأبت قناة الجزيرة على وصفها بـ"الخيانية" ووصف آل سعود بـ"الخونة."
 
رد الجانب الأمريكي، أن ذلك قد يكون صحيحا إلى حد ما فقط، ولكن ليس بالمطلق.  ودلل على ذلك بأن السعودية والإمارات والبحرين سحبت سفرائها  من الدوحة في مطلع عام 2014 وافتعلت أزمة مع قطر دامت حتى نهاية فصل الصيف لكنها عندما بدأت في الإعداد لحرب على اليمن، لم تجد بدا من تطبيع العلاقات مع الدوحة واكتفت بتعيين ابو هلالة واليافعي في قناة الجزيرة بينما تخلت عن كل ما كانت تطرحه من اشتراطات، ثم ذهبت أبعد من ذلك، فضمت الدوحة إلى دول التحالف. 

وذهب متداخل سعودي، في تعليق على ما قيل، إلى أن ضم قطر إلى التحالف لم يمثل إضافة، وانسحابها من التحالف لم يمثل خصما. لقد كان جنود قطر في الحد الجنوبي للسعودية، كما قال، بينما قطر ذاتها كانت في صف الحوثيين. رد الجانب الأمريكي أن السؤال الذي يتمنى ان يتمكن السعوديون من الرد عليه بشفافية هو: هل كان يمكن أن تشن السعودية حربا على اليمنيين في ظل معارضة قطر وقناة الجزيرة لمثل تلك الحرب منذ البداية؟ ودون أن ينتظر جوابا لسؤاله، تابع يقول أن احتواء قطر والقبول بها كدولة معارضة داخل النظام الإقليمي وضمن قواعد معينة ربما كان أفضل من الدفع بها إلى المعسكر المقابل واتخاذها كعدو كما يحدث منذ 5 يونيو 2017. وأضاف المشارك الأمريكي أنه وفي الوقت الذي تمثل فيه قطر وجع في المؤخرة، فإنه ربما كان هناك حاجة كبيرة  لدور قطر في المرحلة القادمة، مشيرا في مداخلته إلى  أن الصلات والعلاقات التي تعاقب قطر بسببها قد تمثل فرصة للسعودية وحلفائها. 

أقر مشارك سعودي بأن قطر، بحكم إتباعها ذات المذهب المتبع في السعودية وان باعتدال وبحكم انحدار سكانها من نجد، لعبت دورا تاريخيا هاما في خدمة الأجندة الخليجية والأمريكية على السواء من خلال التعاطي  مع الجماعات الدينية السنية منها والشيعية بما في ذلك حركة الإخوان المسلمين في مختلف الأقطار العربية وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والدول المحكومة بأنظمة ذات صبغة دينية كالسودان وإيران وتركيا. وأكد أن السعوديين والأمريكيين استفادوا كثيرا مما توفره قطر والإمارات كجارتين وحليفتين وعضوين في مجلس التعاون الخليجي من مزايا بناء النفوذ على الصعيد الدولي عن طريق أدوات القوة الناعمة ووظفوا ما توفره الليبرالية الاجتماعية التي تتبعها الإمارات، والليبرالية الاجتماعية والإعلامية ذات الصبغة القومية والإسلامية التي تتبناها قطر في دعم مختلف الأجندات السياسية.

 وأضاف المتحدث السعودي أن بعض المسئولين السعوديين، بما في ذلك الملك، لم يكونوا يرضون عن ما تبثه قنوات شبكة الجزيرة  وخصوصا عندما تتناول الشأن السعودي، إلا أن الأجهزة السعودية لم تكن بغافلة عن الفاعلية التي تتميز بها قنوات شبكة الجزيرة والإعلام المدعوم من قطر بشكل عام. ولذلك عملت الأجهزة السعودية بشكل مستمر كما ذكر على تمرير الأجندة الإعلامية السعودية الخفية بأساليب شتى من خلال وسائل الإعلام القطرية  وفي مقدمتها قنوات شبكة الجزيرة ولم يشذ عن ذلك سوى فترات الأزمات الشديدة بين الدولتين، أو بين أطراف معادلة الحكم داخل السعودية.
      
وأضاف المتحدث أن التنوع الخليجي في بعديه القطري والإماراتي وفر  خلال العقدين الماضيين للنظام السعودي مرونة كبيرة في الحركة وتوزيع الأدوار والتعامل بالتالي مع قطاعات واسعة من الجماعات والعلاقات وبناء النفوذ في مختلف الدول والأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية. فعندما تعرضت المملكة مثلا إلى ضغوط من قبل الحكومة المصرية بشأن الشيخ القيادي في حركة الإخوان المسلمين يوسف القرضاوي في منتصف التسعينيات، كان من السهل عليها أن ترضي محبي القرضاوي وتلاميذه ومريديه داخل السعودية وخارجها من جهة، والحكومة المصرية من جهة ثانية، عن طريق نقله إلى قطر. وعندما كانت تريد أن تتخذ موقف مناهض للوحدة اليمنية، كانت وما زالت تلجأ للإمارات للقيام بذلك كما تفعل الآن. فلم يكن لدى قطر مشكلة في استقبال الإسلاميين، ولم يكن لدى الإمارات مشكلة في مناهضة القومية والدين. 

(3)
أبدى الجانب الأمريكي دهشته من انتقال العلاقات السعودية القطرية من التفاعل الايجابي المفيد للجانبين إلى التفاعل السلبي المكلف للجميع، وتساءل عما إذا كان هناك سبب واحد محدد يمكن أن يبرر ما يجري.  رد الجانب السعودي أن الدول الأربع التي قطعت العلاقات مع قطر وفرضت عقوبات عليها فعلت ذلك بتنسيق تام مع حلفائها (يقصد الأمريكيين). قال الجانب الأمريكي، إن خصوم إدارة  ترامب استدرجوها إلى مواقف وسياسات وقرارات كثيرة ثبت لاحقا أنها لم تكن سوى "فخاخ" نصبت بدقة. أما بالنسبة للأزمة مع قطر، كما أشار، فقد كان لها أهداف "محدودة" و"محددة" وذات طبيعة آنية، ولم يكن هناك أي نية، على الأقل بالنسبة للجانب الأمريكي، لتحويلها إلى سيرك بهذه الطريقة. وأضاف أنه ربما كان للإسرائيليين وكوشنر (صهر الرئيس ترامب) أهداف أخرى، لكن الأمريكيين لم يكن لهم أهداف بعيدة المدى.

قال الجانب السعودي، أن ما يحدث لا يخلو من فائدة، لأن عروض السيرك يمكن أن تشغل الرأي العام العالمي بشيء مسل بدلا من أن يتم شغله بجنون البقر، وأنفلونزا الطيور والخنازير، أو  بالعلاقة غير المشروعة التي أقامها الرئيس الأمريكي مع ستورمي دانيللز. رد الجانب الأمريكي، بأن ذلك كان يمكن أن يكون صحيحا لو أن الرئيس الأمريكي نفسه لم يكن هو اللاعب الرئيس في "حلبة السيرك"، ولو أن عجز الرئيس الأمريكي لم يكن هو المادة المسلية التي تستخدم في الترفيه على جمهور السيرك.       

عاد المتحدث السعودي إلى عرض التطورات التي أدت إلى القطيعة بين بلاده وقطر، فذكر   أنه كان من الطبيعي أن يؤدي توزيع الأدوار والاختلافات في التوجهات الإيديولوجية والجوار الجغرافي بين قطر والإمارات إلى نشؤ تنافس بين الدولتين في مختلف المجالات وأن يعمل ذلك التنافس في مسار تطوره على استحضار وتأكيد الماضي الصراعي والعدائي بين الدولتين. وأضاف أن ذلك الصراع ظل تحت السيطرة النسبية في سنوات ما قبل الربيع العربي، ثم شهدت مرحلة ما بعد الربيع خروج الصراع بين الدولتين عن السيطرة.   فقد دعمت قطر الإسلاميين، الذين مثلوا القوة الرئيسية في ثورات الربيع العربي، في حين تولت الإمارات دعم وتمويل الثورات المضادة التي قام بها العلمانيون وأتباع الأديان الأخرى.

رأى الجانب الأمريكي، في رده على ما سبق،  أن التنافس بين القطريين والإماراتيين يمكن أن تكون له فوائده بالنسبة للسعودية، وأنه لا يفهم بالتحديد لماذا اختارت السعودية جانبا في الصراع، وأصبحت أكثر تشددا تجاه قطر أكثر من الدول الثلاث الأخرى التي يفترض أن تكون المتضرر الأساسي من الدور القطري. وقال انه يخشى أن يكون صحيحا ما تتداوله بعض التقارير من أن سلمان ظل يحمل في نفسه شيئا ضد قطر منذ التسعينيات، وأنه رغم الظروف الصعبة والتحديات الجمة التي تواجهها السعودية وحلفاؤها، يعمل على تغليب أجندة شخصية ثأرية. 

تابع الجانب السعودي شرحه مبينا كرد على ما طرحه الجانب الأمريكي دون التطرق إلى الموقف الشخصي للملك، أن هناك توجها جديدا الآن ليس فقط على مستوى السعودية ولكن أيضا على المستويات الإقليمية والدولية. فلم يعد ممكنا، كما قال، الحفاظ على الثنائية الدينية/الليبرالية، التي اتسم بها المجتمع السعودي والمجتمعات الخليجية الأخرى، وبالتالي فإن المساحات التي كانت تتحرك فيها قطر والإمارات تتعرض لإعادة صياغة جذرية.

وأضافه أنه بينما تعمل الإمارات بشكل مستمر على تكييف مواقفها وتوجهاتها حسب مقتضيات السياسة الخارجية السعودية، حتى وأن تعرض المجال الذي تعمل فيه لإعادة تشكيل، أو على الأقل تمتنع عن تبني موقف علني معارض للسياسات السعودية، فإن قطر وخصوصا منذ تولي حمد بن خليفة السلطة في عام 1995 تتبنى خطا في السياسة الخارجية ليس فقط مستقلا عن السعودية ولكن أيضا مناهضا لها في بعض الحالات، دون أن تقتضي مصالح قطر مثل ذلك الموقف الذي يحول العلاقات بين البلدين إلى حلقات متتابعة من برنامج "الاتجاه المعاكس" على قناة الجزيرة. 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق