الجمعة، 10 أغسطس 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(11)

حظيت الأوامر الملكية التي أصدرها الملك سلمان في 29 يناير 2015 ، أي بعد أسبوع على مبايعته ملكا،  بشعبية في أوساط السعوديين، وعدت الأكبر في حجمها في تاريخ المملكة وإن كانت قد حجبت بشكل ملحوظ عن ولي العهد الأمير مقرن أي دور في إدارة الدولة باستثناء دوره الرمزي كولي للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء.


وبقدر ما قوبلت تلك القرارات بالارتياح في الداخل السعودي،  فإنها قد استقبلت بانزعاج شديد في الخارج، وخصوصا في واشنطن الحليف الرئيس والضامن التاريخي لأمن الأسرة الحاكمة في السعودية.  وهناك العديد من الأسباب لانزعاج واشنطن، ولعل أهمها ما يلي:


أولا، أن الملك الجديد والذي اتصفت علاقته مع الأمريكيين بالتوتر نتيجة انحياز الأمريكيين في الصراع الذي كان يدور على العرش إلى الملك عبد الله والمقربين منه، قد أطاح في أول يوم يتولى فيه السلطة وقبل أن يوارى جثمان الملك الراحل الثرى بخالد التويجري الذي كان يعد أهم رجال أمريكا في البلاط السعودي، وهو ما اعتبره الأمريكيون إشارة غير ودية من قبل الملك الجديد. وفي محاولة لتقليل الخسائر، قرر الرئيس أوباما، في سابقة تاريخية بالنسبة للرؤساء الأمريكيين، زيارة السعودية يوم 26 يناير 2015، أي بعد ثلاث أيام على رحيل الملك عبد الله، لتقديم واجب العزاء. ولم تساعد مبادرة اوباما في تحسين الوضع، بل أن الملك الجديد  قد استغل الزيارة كما يبدو لإصدار عددا كبيرا من الأوامر أطاحت بالمزيد من أصدقاء أمريكا مع الإيحاء ضمنيا من خلال التوقيت  بأن تلك القرارات قد تمت بموافقة أمريكا.  


 ثانيا، عكست الأوامر الملكية في جانب الإعفاءات لرؤساء الهيئات والتعيينات الجديدة مخاوف الأمريكيين من أن سلمان المحافظ بطبيعته والمقرب من المؤسسة الدينية والمؤمن بأولوية تحقيق الاستقرار السياسي قد يقوض خطوات الإصلاح التي بدأها الملك عبد الله، والتي كانت تسير ببطء شديد يبعث على الإحباط.    


ثالثا،  كان إنفاق الملك الجديد في ليلة واحدة أكثر من 110 مليار ريال سعودي دفعة واحدة، ودون التشاور مع الأمريكيين، على شراء القلوب والعقول وفي ظل أوضاع مالية واقتصادية غير مواتية يعني أن العهد الجديد لن يستمر على منوال عبد الله في وضع مبالغ مالية طائلة وبطرق مختلفة تحت تصرف الأمريكيين لتمويل العديد من برامجهم وأنشطتهم في الشرق الأوسط، وداخل أمريكا نفسها. 


وبينما كان سلمان في حاجة ماسة إلى زرع الخوف في قلوب مواطنيه وتحقيق الاستقرار الداخلي، كان الأمريكيون الضامن التاريخي لأمن المملكة كما كان عليه حالهم دائما في حاجة ماسة إلى المزيد من النقود، وكان على الطرفين أن يعملا، وان في ظل ظروف صعبة، للبحث بسرعة عن طريقة لإشباع حاجات الطرفين معا. ولم يكن عليهما أن يبدأا من الصفر في ظل وجود الكثير من المشروعات المشتركة. وكما هي طبيعة السياسة دائما، فقد اختلفت الأهداف الخفية للطرفين بطبيعتها الصفرية عن الأهداف المتكاملة المتفق عليها من قبل الجانبين.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق