الأربعاء، 8 أغسطس 2018

عاصفة الخلافات تهب على السعودية...(9)



بدأ خبر وفاة ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز يتسلل إلى المواقع الإخبارية والشبكات الاجتماعية مع حلول الربع الثاني من ليلة الخميس/الجمعة (22-23 يناير 2015)، إلا أن الكثير من الناشطين لم يضيعوا وقتا واسرعوا الى تكذيب الخبر.  وذهب بعض الناشطين ابعد من ذلك، فاعتبروا التسريب جزءا من مؤامرة للتغطية على حدث ابتلاع إيران لليمن والذي كان ليلتها يشغل الإقليم والعالم. وكان الناشطون إلى حد ما معذورين، فالملك عبد الله الذي يعد الأطول عمرا بين ملوك السعودية، كثيرا ما تسرب خبر موته الى المواقع والشبكات الاجتماعية، ليتبين بعد ذلك انه مازال حيا يرزق وأن الخبر لا أساس له من الصحة. وربما وقع بعض الناشطين نتيجة للتسريبات الكاذبة المتكررة في غفلة منهم في خطأ الاعتقاد، بأن ملك السعودية الذي عمر دهرا  ليس من النوع الذي يمكن أن يموت.

وبينما بدأت الاتربة التي أثارتها حوافر خيول الفرس  الذين غزو اليمن عبر مختلف القنوات الفضائية تحط بعض أوزارها مع حلول الجمعة مكان الخميس،  نعى الديون الملكي السعودي رسميا الملك عبد الله في بيان (لاحظ وقت الوفاة المذكور) كان أهم ما ورد فيه ما يلي:

"ببالغ الأسى والحزن ينعي صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وكافة أفراد الأسرة والأمة، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حيث وافته المنية في تمام الساعة الواحدة من صباح هذا اليوم الجمعة الموافق 3 / 4 / 1436هـ  إنا لله وإنا إليه راجعون."

ثم صدر بيان ثان متزامن مع الأول جاء فيه:

"تلقى صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود البيعة ملكاً على البلاد وفق النظام الأساسي للحكم. وبعد إتمام البيعة ، وبناءً على البند ( ثانياً ) من الأمر الملكي رقم أ / 86 وتاريخ 26 / 5 / 1435هـ ، الذي نص على أن يبايع صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود ولياً للعهد في حال خلو ولاية العهد ، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية - يحفظه الله - لمبايعة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً للعهد ، وقد تلقى سموه البيعة على ذلك. وستبدأ البيعة من المواطنين لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولسمو ولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز - يحفظهما الله - بقصر الحكم في الرياض بعد صلاة عشاء هذا اليوم الجمعة 3 / 4 / 1436هـ بمشيئة الله تعالى."



والواضح أن تعيين مقرن وليا للعهد  لم يكن سوى خطوة تكتيكية  أراد منها سلمان إقناع من بقي على قيد الحياة من ابناء عبد العزيز فعليا بعد إقناعهم نظريا بفكرة انه قد تم تجاوزهم في وراثة العرش قولا وفعلا.   وتأكيدا لذلك، فقد عين الملك في ذات اليوم ابن اخيه الشقيق محمد بن نايف وليا لولي العهد وزيرا للداخلية ليكون أول شخص من الجيل الثالث يوضع على خط المنافسة على الموقع الأول، بينما عين نجله محمد وزيرا للدفاع.  لكن تعيين مقرن وليا للعهد قد أعطى الطامحين من الأحفاد وفي مقدمتهم الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني الأمل بأن الحسم في مسالة نقل السلطة إلى الجيل الثالث ربما ، ورغم تعيين بن نايف وليا لولي العهد، قد أجل إلى ما بعد رحيل سلمان.

وفي حين احتفظ سلمان في يومه الأول كملك برجال العهد السابق في كل المواقع، فإنه وفي نقلة لا بد قد أكسبته الشعبية داخل الأسرة وفي الشارع السعودي، قد أطاح بأهم خصومه في النظام السابق وهو خالد التويجري من رئاسة الديوان الملكي ورئاسة الحرس الملكي وكافة مواقعه الأخرى، وعمل على التحفظ عليه وشل بذلك قدرة النظام السابق بما في ذلك وزير الحرس الوطني على الحركة. كان عبد العزيز التويجري، والد خالد  (توفي في عام 2007)، قد لقب بصانع الملوك، نظرا للدور الذي لعبه في وصول الملك عبد الله إلى العرش، وكان خالد يعمل على إيصال وزير الحرس الوطني إلى العرش بأي طريقة وأي ثمن حتى يصبح بدوره صانعا للملوك مثل أبيه.       

وكان ليل الخميس/ الجمعة (22-23 يناير 2015) من الأوقات السيئة بالنسبة لمن تبقى على قيد الحياة من ابناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن ال سعود، وللكثير من أحفاده الذين ينتظرون انتقال السلطة إلى جيلهم بفارغ الصبر. فقد بدأت تلك الليلة المشئومة بالغزو الفارسي لجارتهم الجنوبية، ثم انتصفت برحيل آخر ملوك السعودية الذين حظوا بالأجماع.

ومع أن بعض أبناء عبد العزيز ممن هم أكبر سنا من سلمان ومقرن مثل الأمير عبد الرحمن والأمير طلال، كانوا قد توعدوا سلمان منذ وقت مبكر برفض البيعة له كملك، وتوعدوا الأمير مقرن عندما عين وليا لولي العهد في مارس عام 2014 بأنهم سيرفضون تعيينه وليا للعهد، إلا أن الخطر الفارسي الذي بات يحاصر حدودهم الجنوبية، لم يترك لهم سوى خيارين اثنين: الذهاب لمبايعة سلمان ملكا، والحيلولة بالتالي دون استغلال الفرس للخلاف الذي يمكن أن ينشأ داخل الأسرة المالكة في السعودية؛ أو المكوث في منازلهم والتزام الصمت، ويمكن ان تسمى الأخيرة بـ"بيعة السكوت" والسكوت في المفاهيم العربية والإسلامية دلالة كافية على الرضا.    

أما النخب السعودية، فقد دخل أفرادها في تلك الليلة في "حيص بيص"، وتصاعدت روائح الدخان من العديد من المنازل جراء إحراق وثائق العهد القديم، وسكبت آلاف الأطنان من قوارير المشروبات الروحية في المجاري، ولم ينم الكثير منهم خوفا من أن تداهمهم جنود الفرس، وفي ذمتهم بيعة لم تؤد "لسلمان."  
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق