الدكتور عبدالفتاح ماضي
أستاذ مشارك في العلوم السياسية
جامعة ألاسكندرية عنوان
كتاب مهم صدر في بيروت منذ أسابيع عالجت فيه مجموعة تطلق على نفسها "قطريون من أجل الإصلاح" عددا من أوجه الخلل المسكوت عنها في بلدهم. الكتاب صرخة جادة وعلمية من مجموعة وطنية من المهمومين بقضايا وطنهم، يجمعها شعور قوي بضرورة رفع "صوت جماعي للإصلاح في قطر" بعد أن غابت طرق التعبير والحوار في الهامش الرسمي المتاح، وعلى رأس هؤلاء الباحث القطري المعروف علي خليفه الكواري الذي يستضيف مجموعة لقاءات شهرية منذ مارس 2011 أثمرت مجموعة أوراق وبحوث نشرت ضمن أعمال الكتاب.
غطت فصول الكتاب موضوعات مختلفة منها الجوانب الدستورية والسلطة القضائية وحكم القانون والمسألة السكانية والمجتمع والثقافة والإعلام والتعليم والهُوية وتراجع دور اللغة العربية في الإدارة والتعليم واستخدامات الغاز الطبيعي وصادرات الغاز والبيئة وغيرها. كما يحتوي الكتاب على قراءة نقدية رصينة لإستراتيجية قطر الوطنية والحاجة للإصلاح في ضوء أوجه الخلل في دستور 2004.
وقد لخص الدكتور الكواري في مقدمة الكتاب عقبات الإصلاح في أربع، أولها حجب المعلومات ذات العلاقة بالشأن العام ولاسيما في القضايا المهمة كالسكان والتجنيس والمال العام، وثانيها غياب الشفافية تجاه القرارات المصيرية المحددة "لحاضر البلد ومصير المجتمع ومستقبل أجياله القادمة"، كما في الاتفاقيات الأمنية ونظام التأمين الصحي والتعليم. وثالثها ضيق هامش حرية التعبير عن الرأي وغياب مؤسسات المجتمع المدني المستقلة التي تهتم بالشأن العام وبحقوق المواطن وحقوق المهنيين والعمال وواجباتهم.
أما العقبة الرابعة فهي الخلط بين العام والخاص وقصور نظام الإدارة العامة الأمر الذي يعرقل قيام الإدارة العامة بوظيفتها المركزية و"ضمان توظيف المال والنفوذ والقرار العام من أجل المصلحة العامة التي يتم التوصل إليها من خلال الدراسات والحوارات الجادة التي يشارك فيها المواطنين عامة والمهنيين على وجه الخصوص" كما أورد في مقدمة الكاتب. ويطرح الكتاب أجندة وطنية للإصلاح , أعتقد أنه يجب أخذها في الحسبان في أي استرتيجية وطنية، تتضمن أهم قضايا الإصلاح المتصلة بأوجه الخلل المزمنة، والتي حددها الكواري في أربع قضايا. القضية الأولى هي تفاقم الخلل السكاني دون وجود أفق لإصلاحه، فنسبة المواطنين من إجمالي السكان تدنت من 40% عام 1970 إلى 12% فقط عام 2010. ويدق الكتاب ناقوس الخطر ويرى أن استمرار هذا الخلل يهدد "باقتلاع المجتمع القطري وطمس هُويته وثقافته وإخراج لغته العربية من التداول وتقويض دور ألمواطنين" .
أما الخلل الثاني فهو الخلل الإنتاجي/الاقتصادي نظرا للاعتماد المُطلق والمُتزايد على ريع صادرات ثروات طبيعية ناضبة(النفط والغاز)، ويلخص الكاتب هذا الخلل بقوله أنه "يتجلى في تركيب الناتج المحلي الإجمالي وسائر الحسابات القومية الأخرى ، لأن مصدر هذه الدخول هو ريع تصدير ثروة طبيعية ناضبة وليس إنتاجية الإفراد والمؤسسات كما هو الحال في الاقتصاد الإنتاجي". ويضيف الكاتب إلى أن المشكلة الكبرى هي غياب سياسة نفطية وطنية تخضع بموجبها صادرات النفط لاعتبارات التنمية ، والخلط بين المال العام والمال الخاص ، وغياب الشفافية ، إذ لا يوجد حسابات ختامية للميزانية ولا حسابات مُدققة للاحتياطي العام .
أما الخلل الثالث فهو غياب الديمقراطية واختلال علاقة السلطة بالمجتمع ، إذ توجد "سلطة أكثر من مطلقة ومجتمع أقل من عاجز " نتيجة احتكار السلطة وغياب المشاركة وعدم احترام مبدءا المواطنة وعدم وجود محكمة دستورية وتعطل العمل بالمواد الدستورية الخاصة بالديمقراطية. ويشير الكاتب إلى أن هذا الخلل كان يحتم وضع التنمية السياسية على رأس الأولويات في رؤية قطر الوطنية ، وتعديل وتنقيح الدستور لإحداث انتقال ديمقراطي حقيقي .
أما الخلل الرابع فهو الخلل الأمني وعجز الدول الست عن الدفاع عن نفسها عسكريا واعتمادها على الحماية الأجنبية والتحالف مع دول عظمى، والسبب هو صغر وضعف كل دولة من دول المنطقة منفردة ، الأمر الذي "جعل كل منها تجد "أمن نظامها" في استمرار الحماية الأجنبية بالتحالف مع دول عظمى و إعطاءها تسهيلات وقواعد عسكرية من أجل حماية نفسها" كما أورد بالكتاب. فضلا عن أن الخلل الأمني يتصل أيضا بعجز "كل من دول المنطقة منفردة على تحقيق تنمية حميدة مستدامة بسبب صغر الحجم وغياب كثير من متطلبات التنمية ومنها امتلاك الإرادة الوطنية وتنوع الموارد نسبيا وقلة السكان وضيق السوق" كما جاء بالكتاب. ويرى الكاتب أن الحل الوحيد يتمثل في إقامة "كيان إتحادي ديمقراطي بين منظومة دول مجلس التعاون يتوفر له الحد الأدنى من القدرة على بناء منظومة دفاعية وتبني سياسة خارجية فاعلة، كما تتوفر له شروط التنمية الحميدة ألمستدامة " .
ويقدم الكتاب خمسة مداخل لمعالجة وإصلاح أوجه الخلل مؤكدا أن قطر بحاجة إلى إصلاح جذري وشامل نظرا لأن هناك ما يهدد وجود المجتمع ذاته وهويته ومستقبله، لافتا إلى أن الإصلاح يحتاج إلى جهود طرفين أساسيين : فتح الحكومة آفاق الإصلاح، وتوافق المجتمع الأهلي. ثم يرى الكتاب أن هناك حاجة إلى توافق رسمي وأهلي على أولويات الإصلاح ومراحله وإلى حوار وطني جاد ، بجانب توفير المعلومات والشفافية. ويعترف الكاتب أن الكتاب ، الذي هو ثمرة حوارات متعددة ، خطوة لازمة ولكنها غير كافية ، إذ لا بد من توفر إرادة مجتمعية تدرك حجم المخاطر وأوجه الخلل وتعمل من أجل الإصلاح ، أي "تبقى مسألة وضع هذه المقترحات موضع التنفيذ متوقفة على نمو إرادة وطنية للإصلاح وتوافق على قواسم عامة مشتركة بين أفراد المجتمع وجماعاته " كما جاء بالكتاب.
ويطرح الكتاب ست استراتيجيات ملحة كمداخل للإصلاح ، هي وقف الخلل السكاني وإصلاحه تدريجيا والعودة بنسبة المواطنين في إجمالي السكان وفي قوة العمل خلال خمسة أعوام إلى المستوى الذي كانت عليه عام 2004 (30% و14% على التوالي)، أي زيادة نسبة المواطنين تدريجيا في السكان وفي قوة العمل بنسبة تتراوح بين 2-1% سنويا. والإستراتيجية الثانية هي إصلاح وتنمية الإدارة العامة لأجل تمكين الإدارة العامة من القيام بأداء وظائفها وتصديها لمهمات صيانة حرمة المال العام. بجانب الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي بتنقيح دستور 2004 وتحريره من الإضافات التي عطلت مفعوله عن طريق انتخاب جمعية تأسيسية وفق قانون انتخابات ديمقراطية.
فضلا عن تنقيح رؤية قطر وإستراتيجيتها واستكمالهما ليشملا إصلاح أوجه الخلل الرئيسية المزمنة ومواجهة مشاكل التنمية في كافة المجالات وذلك عن طريق طرحها لمناقشة وطنية عامة وموسعة من منظور الإصلاح والتنمية. أما المدخل الأخير فهو استكمال تفعيل مؤسسات القضاء وكفالة حق التقاضي وذلك بتفعيل المحكمة الدستورية وتمكين القضاء الإداري من النظر في كافة خلافات المواطنين والمقيمين مع السلطة التنفيذية، مع إلغاء الحصانة القضائية عن ما يطاله النزاع بين الحكومة والمجتمع.
الشعوب العربية دخلت عصرا جديدا بعد أن تخلت عن صمتها وعرفت طريقها نحو نيل حقوقها، وفي الخليج يواصل نفر من الناس نداءات الإصلاح الحقيقي ، والآمل بعد الله عز وجل هو في استجابة الحكام لأصوات التغيير وفهم سنن الكون في التغيير.
للإطلاع على مقدمة الكتاب والوصول لمحتوياته أنظر الرابط التالي http://dr-alkuwari.net/node/406
أستاذ مشارك في العلوم السياسية
جامعة ألاسكندرية عنوان
د عبد الفتاح ماضي |
غطت فصول الكتاب موضوعات مختلفة منها الجوانب الدستورية والسلطة القضائية وحكم القانون والمسألة السكانية والمجتمع والثقافة والإعلام والتعليم والهُوية وتراجع دور اللغة العربية في الإدارة والتعليم واستخدامات الغاز الطبيعي وصادرات الغاز والبيئة وغيرها. كما يحتوي الكتاب على قراءة نقدية رصينة لإستراتيجية قطر الوطنية والحاجة للإصلاح في ضوء أوجه الخلل في دستور 2004.
وقد لخص الدكتور الكواري في مقدمة الكتاب عقبات الإصلاح في أربع، أولها حجب المعلومات ذات العلاقة بالشأن العام ولاسيما في القضايا المهمة كالسكان والتجنيس والمال العام، وثانيها غياب الشفافية تجاه القرارات المصيرية المحددة "لحاضر البلد ومصير المجتمع ومستقبل أجياله القادمة"، كما في الاتفاقيات الأمنية ونظام التأمين الصحي والتعليم. وثالثها ضيق هامش حرية التعبير عن الرأي وغياب مؤسسات المجتمع المدني المستقلة التي تهتم بالشأن العام وبحقوق المواطن وحقوق المهنيين والعمال وواجباتهم.
أما العقبة الرابعة فهي الخلط بين العام والخاص وقصور نظام الإدارة العامة الأمر الذي يعرقل قيام الإدارة العامة بوظيفتها المركزية و"ضمان توظيف المال والنفوذ والقرار العام من أجل المصلحة العامة التي يتم التوصل إليها من خلال الدراسات والحوارات الجادة التي يشارك فيها المواطنين عامة والمهنيين على وجه الخصوص" كما أورد في مقدمة الكاتب. ويطرح الكتاب أجندة وطنية للإصلاح , أعتقد أنه يجب أخذها في الحسبان في أي استرتيجية وطنية، تتضمن أهم قضايا الإصلاح المتصلة بأوجه الخلل المزمنة، والتي حددها الكواري في أربع قضايا. القضية الأولى هي تفاقم الخلل السكاني دون وجود أفق لإصلاحه، فنسبة المواطنين من إجمالي السكان تدنت من 40% عام 1970 إلى 12% فقط عام 2010. ويدق الكتاب ناقوس الخطر ويرى أن استمرار هذا الخلل يهدد "باقتلاع المجتمع القطري وطمس هُويته وثقافته وإخراج لغته العربية من التداول وتقويض دور ألمواطنين" .
أما الخلل الثاني فهو الخلل الإنتاجي/الاقتصادي نظرا للاعتماد المُطلق والمُتزايد على ريع صادرات ثروات طبيعية ناضبة(النفط والغاز)، ويلخص الكاتب هذا الخلل بقوله أنه "يتجلى في تركيب الناتج المحلي الإجمالي وسائر الحسابات القومية الأخرى ، لأن مصدر هذه الدخول هو ريع تصدير ثروة طبيعية ناضبة وليس إنتاجية الإفراد والمؤسسات كما هو الحال في الاقتصاد الإنتاجي". ويضيف الكاتب إلى أن المشكلة الكبرى هي غياب سياسة نفطية وطنية تخضع بموجبها صادرات النفط لاعتبارات التنمية ، والخلط بين المال العام والمال الخاص ، وغياب الشفافية ، إذ لا يوجد حسابات ختامية للميزانية ولا حسابات مُدققة للاحتياطي العام .
أما الخلل الثالث فهو غياب الديمقراطية واختلال علاقة السلطة بالمجتمع ، إذ توجد "سلطة أكثر من مطلقة ومجتمع أقل من عاجز " نتيجة احتكار السلطة وغياب المشاركة وعدم احترام مبدءا المواطنة وعدم وجود محكمة دستورية وتعطل العمل بالمواد الدستورية الخاصة بالديمقراطية. ويشير الكاتب إلى أن هذا الخلل كان يحتم وضع التنمية السياسية على رأس الأولويات في رؤية قطر الوطنية ، وتعديل وتنقيح الدستور لإحداث انتقال ديمقراطي حقيقي .
أما الخلل الرابع فهو الخلل الأمني وعجز الدول الست عن الدفاع عن نفسها عسكريا واعتمادها على الحماية الأجنبية والتحالف مع دول عظمى، والسبب هو صغر وضعف كل دولة من دول المنطقة منفردة ، الأمر الذي "جعل كل منها تجد "أمن نظامها" في استمرار الحماية الأجنبية بالتحالف مع دول عظمى و إعطاءها تسهيلات وقواعد عسكرية من أجل حماية نفسها" كما أورد بالكتاب. فضلا عن أن الخلل الأمني يتصل أيضا بعجز "كل من دول المنطقة منفردة على تحقيق تنمية حميدة مستدامة بسبب صغر الحجم وغياب كثير من متطلبات التنمية ومنها امتلاك الإرادة الوطنية وتنوع الموارد نسبيا وقلة السكان وضيق السوق" كما جاء بالكتاب. ويرى الكاتب أن الحل الوحيد يتمثل في إقامة "كيان إتحادي ديمقراطي بين منظومة دول مجلس التعاون يتوفر له الحد الأدنى من القدرة على بناء منظومة دفاعية وتبني سياسة خارجية فاعلة، كما تتوفر له شروط التنمية الحميدة ألمستدامة " .
ويقدم الكتاب خمسة مداخل لمعالجة وإصلاح أوجه الخلل مؤكدا أن قطر بحاجة إلى إصلاح جذري وشامل نظرا لأن هناك ما يهدد وجود المجتمع ذاته وهويته ومستقبله، لافتا إلى أن الإصلاح يحتاج إلى جهود طرفين أساسيين : فتح الحكومة آفاق الإصلاح، وتوافق المجتمع الأهلي. ثم يرى الكتاب أن هناك حاجة إلى توافق رسمي وأهلي على أولويات الإصلاح ومراحله وإلى حوار وطني جاد ، بجانب توفير المعلومات والشفافية. ويعترف الكاتب أن الكتاب ، الذي هو ثمرة حوارات متعددة ، خطوة لازمة ولكنها غير كافية ، إذ لا بد من توفر إرادة مجتمعية تدرك حجم المخاطر وأوجه الخلل وتعمل من أجل الإصلاح ، أي "تبقى مسألة وضع هذه المقترحات موضع التنفيذ متوقفة على نمو إرادة وطنية للإصلاح وتوافق على قواسم عامة مشتركة بين أفراد المجتمع وجماعاته " كما جاء بالكتاب.
ويطرح الكتاب ست استراتيجيات ملحة كمداخل للإصلاح ، هي وقف الخلل السكاني وإصلاحه تدريجيا والعودة بنسبة المواطنين في إجمالي السكان وفي قوة العمل خلال خمسة أعوام إلى المستوى الذي كانت عليه عام 2004 (30% و14% على التوالي)، أي زيادة نسبة المواطنين تدريجيا في السكان وفي قوة العمل بنسبة تتراوح بين 2-1% سنويا. والإستراتيجية الثانية هي إصلاح وتنمية الإدارة العامة لأجل تمكين الإدارة العامة من القيام بأداء وظائفها وتصديها لمهمات صيانة حرمة المال العام. بجانب الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي بتنقيح دستور 2004 وتحريره من الإضافات التي عطلت مفعوله عن طريق انتخاب جمعية تأسيسية وفق قانون انتخابات ديمقراطية.
فضلا عن تنقيح رؤية قطر وإستراتيجيتها واستكمالهما ليشملا إصلاح أوجه الخلل الرئيسية المزمنة ومواجهة مشاكل التنمية في كافة المجالات وذلك عن طريق طرحها لمناقشة وطنية عامة وموسعة من منظور الإصلاح والتنمية. أما المدخل الأخير فهو استكمال تفعيل مؤسسات القضاء وكفالة حق التقاضي وذلك بتفعيل المحكمة الدستورية وتمكين القضاء الإداري من النظر في كافة خلافات المواطنين والمقيمين مع السلطة التنفيذية، مع إلغاء الحصانة القضائية عن ما يطاله النزاع بين الحكومة والمجتمع.
الشعوب العربية دخلت عصرا جديدا بعد أن تخلت عن صمتها وعرفت طريقها نحو نيل حقوقها، وفي الخليج يواصل نفر من الناس نداءات الإصلاح الحقيقي ، والآمل بعد الله عز وجل هو في استجابة الحكام لأصوات التغيير وفهم سنن الكون في التغيير.
للإطلاع على مقدمة الكتاب والوصول لمحتوياته أنظر الرابط التالي http://dr-alkuwari.net/node/406
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق