1. مجموعة من الناس People:
أ. لا يشترط عدد محدد من الناس لقيام الدولة. فقد يكون عدد سكان الدولة كبيرا كما هو الحال في الدول الخمس الأكثر سكانا في العالم وهي الصين (حوالي 1.4 مليار؛ الهند 1.2 مليار؛ الولايات المتحدة 307 مليون؛ اندونيسيا 232 مليون؛ البرازيل 192 مليون) وقد يكون عدد السكان محدودا (الفاتيكان 800 شخص؛ ....). وتتوقف أهمية السكان بالنسبة لقوة الدولة على العلاقة بين السكان والموارد. فإذا كان عدد السكان يفوق حجم الموارد المتاحة فان السكان يتحولون إلى عبء وعامل إعاقة للتقدم. ومع ان الهجرة تمثل إحدى الطرق لحل هذه المشكلة الإ ان القيود على الهجرة بين الدول الغنية والدول الفقيرة تزداد مع مرور الزمن. وقد يلجأ المجتمع التي تبني سياسات قاسية للحد من النسل وهي سياسات تتصف بالتدخل الفج في حياة الفرد وقد تنجح بثمن أنساني باهض كما هو الحال في الصين أوقد تفشل نتيجة غياب الوعي والأمية وغير ذلك. وإذا كان عدد السكان أقل من الموارد فان الدولة تجد نفسها مرغمة على فتح باب الهجرة وهو أمر قد يؤدي الى تحويل السكان الاصليين الى أقلية في بلدانهم كما هو الحال في الكثير من دول الخليج أو قد تلجأ الى توطين المهاجرين وهو أمر لا يخلو بدوره من مشاكل تتصل بالتجانس الثقافي والاجتماعي وخصوصا في مجتمعات تتصف بانعدام الحريات والخوف من الآخر المختلف دينيا أو ثقافيا أو لغويا. كما قد تلجأ الدولة الى تبني سياسات سكانية تشجع الإنجاب وذلك عن طريق الحوافز المالية وتسهيلات الزواج وغير ذلك.
ب. لا يشترط لقيام الدولة ان يكون السكان متجانسين. فقد تتعدد الأديان أو اللغات أو الأعراق أو الثقافات أو غير ذلك من الأمور بين سكان إقليم معين وفي هذه الحال يطلق عليهم "شعب" people. اما في حال التجانس وهو نادر جدا (اليابان مثلا) فانه يطلق عليهم "امة" nation. فالأمة رابطة ثقافية بينما الشعب يقوم على الرابطة الجغرافية. وعادة ما يتكون الشعب من مجموعة من الأمم وقد تتوزع الأمة الواحدة في أكثر من دولة كما هو حال الأمة العربية.
وقد يشكل عدم التجانس مشكلة للاستقرار السياسي عندما ترفض الأمم المكونة لشعب ما التعايش وتلجأ بدلا عن ذلك إلى التناحر أما لان البعض يسعى لتغيير الوضع الراهن المتصل بتوزيع الثروة والسلطة في المجتمع أو لان البعض من تلك الأمم يرفض فكرة التعايش في دولة واحدة ويسعى إلى إقامة دولة مستقلة. والأمثلة على صراع الامم المكونة للشعوب كثيرة. فالشيشانيون مثلا لم يكفوا عن السعي لإنشاء دولتهم المستقلة والسودانيون في الجنوب لم يكفوا عن الصراع مع السودانيين في الشمال في سبيل توزيع أفضل للثروة والسلطة والأكراد في العراق وتركيا لهم تاريخ طويل في الصراع مع الحكومات في العراق وتركيا. ورغم أن التعايش قد يفرض على الأمم كما فعل ستالين بالنسبة لجمهوريات الاتحاد السوفيتي وكما فعل تيتو في يوغسلافيا الا أن ذلك التعايش المفروض بالقوة والقهر وسيطرة أمة على الأمم الأخرى لا يكتب له النجاح في الكثير من الحالات. فجمهوريات الاتحاد السوفيتي سرعان ما قررت الانسلاخ وتكوين دولها المستقلة بعد أن ضعف الاتحاد السوفييتي وفي يوغسلافيا أدى رحيل تيتو وانهيار الشيوعية إلى حروب طاحنة بين الجمهوريات المكونة لما كان يعرف بجمهورية يوغسلافيا الاتحادية. ومع أن عدد الدول في تزايد مضطرد ومع أن حق تقرير المصير هو حق مكفول للأمم منذ عشرينيات القرن العشرين الا أن الكثير من الدول لا تشجع انسلاخ الأقليات الأممية عن الدول الأم وتكوين دولها المستقلة وذلك خوف المعاملة بالمثل.
وقد يشكل الاختلاف البسيط مثل التعدد القبلي مشكلة أيضا (الصومال مثلا). وقد يشكل عدم التجانس عامل قوة لأنه يثري الدولة ثقافيا وعلميا وقد يؤدي إلى زيادة قوتها (الولايات المتحدة مثلا). ويتوقف قبول عدد من الأمم بالتعايش مع بعضها على عدة عوامل منها طريقة توزيع تلك الأمم جغرافيا، ونوع النظام السياسي، ومدى قدرته على تحقيق العدالة في توزيع الثروة والسلطة وضمان الحقوق والحريات لمختلف الأمم بما في ذلك حقها في استخدام لغتها في التعليم أو تعليم مذهبها وثقافتها وتراثها الفكري.
2. إقليم محدد Territory
لا يشترط مساحة معينة للإقليم. فقد تكون مساحة الإقليم كبيرة (روسيا 17 مليون كم مربع؛ كندا حوالي 10 مليون كم مربع؛ الصين 9.5 مليون كم مربع؛ الولايات المتحدة حوالي 9.25 مليون كم مربع؛ البرازيل 8.5؛ الهند حوالي 3.3 مليون كم مربع). كما قد تكون الدولة صغيرة مثل الفاتيكان التي تعد أصغر دولة في العالم بمساحة 0.2 ميل مربع.
ولا ينبغي أن يفهم من الكلام السابق أن مساحة الإقليم غير مهمة. المقصود هنا أنها غير مهمة عندما يتعلق الأمر بوجود الدولة ككيان قانوني. لكن مساحة الإقليم بالنسبة الدولة مهمة لعدة أسباب. فكلما كبر حجم الإقليم كلما كان احتمال وجود الموارد المائية والطبيعية أكبر، وكذلك الشأن بالنسبة للتنوع المناخي الذي يرتبط بدوره بقدرة الدولة على الاكتفاء ذاتيا ولو غذائيا. وكلما كبر حجم الإقليم كلما وفر للدولة عمقا استراتجيا وأمنيا أكبر وخصوصا في فترات الحروب. فكبر حجم روسيا مكنها خلال الحرب العالميتين الأولى والثانية من التغلب على الهزائم المرحلية التي تلقتها ومن استدراج جيوش الغزاة شيئا فشيئا إلى العمق الروسي لتحول بعد ذلك هزائمها إلى نصر. ويزداد الأمر أهمية في عصر الأسلحة الفتاكة حيث يمكن الإقليم كبير المساحة الدولة المعنية من تلقي الضربات المدمرة في جزءا من إقليمها مع الاحتفاظ بقدرتها على الرد على العدو.
ويشترط في الإقليم:
أ. أن يكون محددا: والحدود قد تكون طبيعية كالجبال والأنهار أو صناعية كالأسلاك الشائكة والجدران. وأبرز الأمثلة على الحدود الصناعية هو جدار برلين الذي فصل بين مواطني الدولتين الألمانيتين خلال الحرب الباردة (1945-1990) وكذلك السور الذي تبنيه دولة إسرائيل حاليا. ولا تنتفي مسألة التحديد عندما يكون هناك نزاع على الحدود بين دولتين فهذا أمر شائع الا إذا كان ذلك النزاع يتعلق بكامل الإقليم. كما أنه لا يشترط أن يكون الإقليم متصلا ببعضه. فهناك حالات قد نجد فيها التالي: إقليم الدولة أ----إقليم الدولة ب---ثم إقليم الدولة أ مرة ثانية. وابرز الأمثلة على ذلك حالتي الولايات المتحدة والإمارات وحالة باكستان قبل انفصال بنجلادش عنها.
ب. أن يشتمل الإقليم على الحدود المائية والفضائية للدولة وكافة الموارد الموجودة على ظاهر الأرض أو باطنها. وتتحدد الحدود الجوية والمائية وفقا لقدرات الدولة. ففي الوقت الذي يعترف فيه للدول بمجال جوي معين يلبي التطورات الحاصلة في مجالات الطيران والاتصالات، فأنه من الملاحظ أن الفضاء بشكل عام تستغله الدول المتقدمة للعديد من الأغراض بما في ذلك التجسس على الغير عن طريق الأقمار الصناعية أو عن طريق الطائرات التي تحلق على ارتفاعات لا يمكن للمضادات الأرضية الوصول إليها.
أما بالنسبة للحدود البحرية فأن القانون الدولي يحددها بثلاثة إلى اثني عشر ميلا حيث يحق للدولة أن تستغل مياهها الإقليمية لإغراض أنشاء الموانئ والصيد ونشر قوات خفر السواحل في حين تبقى المساحات المائية بين الدول مشاعة الاستخدام باعتبارها مياه دولية. لكن الالتزام بذلك التقسيم على أرض الواقع ليس موجودا فالولايات المتحدة مثلا تحدد مياهها الإقليمية بمأتي ميل في حين تفرض على ليبيا أن تلتزم بالأميال الثلاثة. اذا فالمسألة ترتبط بقوة الدولة وقدرتها أكثر مما ترتبط بالقانون الدولي. ويتصل بمسألة المياه الدولية المشاعة مسألة استغلال الموارد المتوفرة بما في ذلك الأسماك ومسألة الموارد الموجودة في أعماق البحار. مرة أخرى فأن الدول المتقدمة تكنولوجيا هي القادرة على استغلال تلك الموارد ولمنفعتها بغض النظر عن الحق القانوني للدول الأخرى. وغياب المياه الإقليمية (ظاهرة الدولة المغلقة) وأن كان لا يؤثر على مسألة قيام الدولة فانه قد يخلق لها الكثير من المصاعب الاقتصادية والأمنية.
3. حكومة
الركن الثالث من أركان الدولة هو الحكومة وهي السلطة السياسية التي تفرض سيطرتها على كل من الإقليم والأفراد الساكنين فيه سواء أكانوا من مواطني الدولة أومن القادمين إليها للإقامة المؤقتة. قد تكون تلك الحكومة ملكية أو جمهورية، ديمقراطية أو ديكتاتورية. المهم هو وجود الحكومة للقيام بالوظائف المختلفة. وتختلف الحكومة عن الدولة في أن الدولة اصطلاحيا هنا تدل على الإقليم والشعب والحكومة وأمور أخرى بينما تعني الحكومة هنا السلطات والمؤسسات المكونة للحكومة والأشخاص الذين يمارسون تلك السلطات. وتنقسم سلطات الدولة التي تمارسها الحكومة إلى ثلاث:
o تشريعية: يوكل اليها سن القوانين.
o تنفيذية: يوكل إليها تنفيذ القوانين وتحتوي على الوزارات والأجهزة الأمنية والعسكرية وسائر الوزراء والموظفين صغارا وكبارا.
o قضائية: تتولى الفصل في النزاعات بين المواطنين أو بين المواطنين وسلطات الدولة.
4. الاعتراف الدولي
إذا كانت الحكومة والإقليم والشعب تمثل الأركان المادية لقيام الدولة فأن الاعتراف الدولي رغم أهميته المتزايدة وخصوصا في وقتنا الحاضر يبدو أقل وضوحا في أهميته. والاعتراف الدولي يعني أن تقبل الدول الأخرى بشكل صريح (إصدار بيان رسمي) أو ضمني (التعامل السياسي والتجاري والثقافي) بقيام الدولة الجديدة وتمنحها الحقوق وتلزمها بالواجبات. وعندما يتعلق الأمر بالاعتراف الدولي فأنه ليس شرطا أن تعترف كل الدول بالدولة الجديدة. المهم أن دول معينة ينبغي أن تعترف بها. ونذكر على وجه الخصوص هنا الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، والصين. هذه الدول الخمس تشترك في التمتع بحق الاعتراض (الفيتو) وهو حق يمكنها من منع دولة معينة من الانضمام إلى الأمم المتحدة وبالتالي منع الاعتراف الدولي الواسع بها. وبالإضافة إلى ذلك فأن تلك الدول الخمس تتمتع بنفوذ واسعا في دول أخرى مما يجعل اعترافها بأي دولة جديدة بداية لاعترافات أخرى من الدول الواقعة في دائرة نفوذها. الاعتراف الدولي يمكن أن يكون حاسما في الكثير من الحالات. خذ الأمثلة التالية:
o في عام 1994 وخلال الحرب الأهلية في اليمن أعلن قادة اليمن الجنوبي الانفصال عن الجمهورية اليمنية وتكوين دولة جديدة، لكن تلك الدولة لم يعترف بها احد سوى دولة أخرى لم يعترف بها أحد وهي جمهورية شمال الصومال. وهكذا لم يكتب لتلك الدولة البقاء.
o جمهورية شمال الصومال أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991 وشكلت حكومتها ولكن لم يعترف بها أحد.
o جمهورية الشيشان أعلنت استقلالها عن روسيا ولم يعترف بذلك أحد.
o أعلن رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في عام 1988 قيام دولة فلسطين وهي دولة لم تتطابق أركانها مع الأركان المذكورة سابقا واعترف بها قرابة المائة دولة ولكن الدول المؤثرة دائمة العضوية في مجلس الأمن لم تعترف بها وهكذا انتهت تلك الدولة كما بدأت.
o يتوفر لجمهورية تايوان (التي انسلخت عن الصين خلال الحرب الأهلية) الأرض والشعب والحكومة ولكن ينقصها الاعتراف الدولي الذي يمكن أن يحولها الى دولة مستقلة.
وهناك فرق بين الاعتراف بالدولة مبدئيا وبين الاعتراف بسلطة جديدة تقوم على أرض دولة معترف بها من قبل. خذ الأمثلة التالية:
o لم يعترف بحكم طالبان في أفغانستان سوى المملكة العربية السعودية وباكستان والإمارات العربية المتحدة وهو أمر حرمها من أن تصبح عضوا في المجتمع الدولي لكن ذلك لم يمنع أفغانستان من الاستمرار كدولة.
o عندما انتهت الحرب الأهلية في الصين بهزيمة الوطنيين وفرارهم إلى تايوان وقيام أعضاء الحزب الشيوعي الصيني بتأسيس "جمهورية الصين الشعبية" رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بالسلطة الجديدة وبحكم تمتعها بحق النقض (الفيتو) لم تسمح للسلطة الجديدة بالجلوس في المقعد الدائم في مجلس الأمن والمخصص للصين وبدلا عن ذلك سمحت للسلطة القائمة في تايوان بالجلوس في ذلك المقعد. لكن ذلك لم يمنع السلطة الجديدة في الصين من أن تصبح فاعلا دوليا.
5. السيادة Sovereignty
يمكن تعريف السيادة باختصار على أنها "تمتع الدولة بالسلطة العليا في إدارة شئونها الداخلية والخارجية." ويعني المبدأ في القانون الدولي ان حكومة الدولة تمتلك حق السيطرة الكاملة على شئونها داخل نطاقها الجغرافي. وقد ظهر مبدأ السيادة من خلال اتفاقية وستفاليا Peace of Westphalia التي تم التوصل إليها في عام 1648 بعد حرب الثلاثين سنة في أوروبا (1918-1948). فقد أدت الحروب الدينية بين الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وملوك أوروبا إلى ظهور هذا المبدأ الذي حرم الكنيسة من التدخل في شئون الدول.
وللسيادة أنواع كما يلي:
أ. السيادة المطلقة: حق الدولة في السيطرة على كافة أوجه الحياة وقد يوجد هذا الشكل في الدول الشمولية حيث تنظم الدولة ليس فقط الحيز العام ولكن أيضا الحيز الخاص وطريقة اللبس والأكل والكتب التي ينبغي ان تقرأ والإذاعات التي يجب ان تسمع.
ب. السيادة الكاملة: وتعني انه لا يوجد على ارض الدولة من بإمكانه تحدي القوانين التي تشرعها الدولة أو الأوامر التي تصدرها أو يحاول مشاركة الدولة في سيادتها. فإذا وجد في دولة معينة مثلا من يقوم بمحاكمة الأشخاص وإصدار حكم الإعدام ضدهم وتنفيذه رغم أن حق المحاكمة وتنفيذ الحكم وخصوصا الإعدام ينبغي أن يترك للدولة فانه يكون هناك خلل في السيادة.
ج. السيادة الداخلية: وتعني انه لا يوجد سلطة أعلى من سلطة الدولة داخل حدودها.
د. السيادة الخارجية: وتعني انه لا يوجد سلطة تملي على الدولة سلوكها الخارجي وان الدولة مساوية لغيرها من الدول في الخارج في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الاختلاف في درجات القوة والمساحة والنفوذ والثروة وغير ذلك. وبالتالي لا يحق لدولة أن توجه الأوامر إلى دولة أخرى.
هـ. السيادة القانونية de jure: حق الدولة القانوني في ممارسة السيادة على أراضيها.
و. السيادة الفعلية de facto: قدرة الدولة على ممارسة السيادة فعليا. ويمكن قياسها عن طريق معرفة مدى قدرة الدولة على إرغام مواطنيها على الطاعة ومدى شيوع طاعة الدولة بين المواطنين.
ز. السيادة الشعبية: تعني ان ممارسة السيادة تتم وفقا للإرادة الشعبية وليس وفقا للحق المقدس في الحكم
ويشكل الحضور العسكري لدولة على أراضي دولة أخرى من وجهة نظر البعض على الأقل انتقاصا لسيادة الدولة وبحيث تصبح دولة محمية أو تابعة وبالتالي ناقصة السيادة وخصوصا وان الحضور العسكري لدولة في أراضي دولة أخرى لا يخضع لقوانين الدولة المستضيفة. ويمكن قول ذات الشيء حول قيام دولة أجنبية بتنفيذ عمليات عسكرية داخل دولة أخرى بموافقتها أو بدون موافقتها. ففي نهاية عام 2002 مثلا قامت طائرة أمريكية بدون طيار باستهداف سيارة على التراب اليمني وقتلت من فيها بحجة وجود احد المطلوبين من أفراد القاعدة ضمن ركاب تلك السيارة. وكان رد الفعل من قبل بعض الأطراف الداخلية وبعض المنظمات غير الحكومية الدولية هو أن التصرف الأمريكي يعد انتقاصا من سيادة الدولة اليمنية واختراقا للقانون الدولي. اما الحكومة اليمنية فقد ذكرت بأن التصرف الأمريكي تم بالتعاون وبموافقة من الحكومة اليمنية. وكمثال آخر فان الولايات المتحدة تحتفظ بقوات عسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى، ويقوم دورها على الحامي العسكري لتلك الدول. وكمثال ثالث فقد تخلت الدول الأوروبية المنضوية في الاتحاد الأوروبي عن بعض سلطاتها السيادية لأجهزة الاتحاد الأوروبي. وهناك الكثير من الدول التي تتمتع وفقا لمفهوم السيادة بحقها في ممارسة سلطاتها الداخلية والخارجية دون تدخل لكنها مع ذلك تتعرض لمختلف الضغوط والتهديدات وترغم بكافة الوسائل على تبني قرارات وسياسات قد لا تخدم مواطنيها.
وتؤدي ظاهرة مثل العولمة إلى إضفاء الكثير من الغموض على مبدأ السيادة. فانضمام دولة إلى منظمة التجارة الدولية مثلا يحد من قدرتها على التشريع وتبني السياسات ويلزمها في الحال الخلاف مع الدول الأخرى بالاحتكام إلى المنظمة. وإذا كان مبدأ السيادة قد جاء لتحمي مواطني الدول من التأثير الخارجي الذي قد يرغم حكوماتهم على تبني سلوك معين قد لا يكون في مصلحتهم، فماذا يمكن القول عن الحالات السابقة وحالات أخرى.
تاريخيا كانت المسألة واضحة. كان هناك دول تخضع مؤقتا لسيطرة دول أخرى كحالة مصر تحت بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى (حالة الدولة التابعة) أو لسيطرة منظمة دولية (نظام الوصاية الذي جاءت به عصبة الأمم ثم نظام الانتداب الذي جاءت به الأمم المتحدة)، وكان هناك دول توضع قسرا أوبا رادتها تحت حماية دولة أخرى (مصر تحت الحماية البريطانية بين 1914-1922) ودول المغرب العربي تحت الحماية الفرنسية. كل تلك الدول كانت ناقصة السيادة. وبنفس الطريقة فأن الدول التي تم استعمارها اعتبرت دول فاقدة السيادة.
في الوقت الحالي لم يعد بالإمكان الحديث عن السيادة بنفس الطريقة. في الحالة العراقية يمكن الحديث عن دولة فاقدة السيادة لكن الوضع بالنسبة لبعض الدول الأخرى مثل كوريا واليابان أكثر تعقيدا.
غموض مفهوم السيادة لا يقتصر على الجانب الخارجي بل يمتد أيضا إلى الوضع الداخلي. أين تقع السيادة في دولة كاليمن مثلا، هل في رئيس الدولة أم في الحكومة أم في مجلس النواب أم في الدستور أم في الشعب اليمني؟ وهل يتطابق المفهوم أو التحديد القانوني للسيادة كما قد ينص الدستور (السيادة القانونية) مع التطبيق العملي (السيادة الفعلية)؟
أ. لا يشترط عدد محدد من الناس لقيام الدولة. فقد يكون عدد سكان الدولة كبيرا كما هو الحال في الدول الخمس الأكثر سكانا في العالم وهي الصين (حوالي 1.4 مليار؛ الهند 1.2 مليار؛ الولايات المتحدة 307 مليون؛ اندونيسيا 232 مليون؛ البرازيل 192 مليون) وقد يكون عدد السكان محدودا (الفاتيكان 800 شخص؛ ....). وتتوقف أهمية السكان بالنسبة لقوة الدولة على العلاقة بين السكان والموارد. فإذا كان عدد السكان يفوق حجم الموارد المتاحة فان السكان يتحولون إلى عبء وعامل إعاقة للتقدم. ومع ان الهجرة تمثل إحدى الطرق لحل هذه المشكلة الإ ان القيود على الهجرة بين الدول الغنية والدول الفقيرة تزداد مع مرور الزمن. وقد يلجأ المجتمع التي تبني سياسات قاسية للحد من النسل وهي سياسات تتصف بالتدخل الفج في حياة الفرد وقد تنجح بثمن أنساني باهض كما هو الحال في الصين أوقد تفشل نتيجة غياب الوعي والأمية وغير ذلك. وإذا كان عدد السكان أقل من الموارد فان الدولة تجد نفسها مرغمة على فتح باب الهجرة وهو أمر قد يؤدي الى تحويل السكان الاصليين الى أقلية في بلدانهم كما هو الحال في الكثير من دول الخليج أو قد تلجأ الى توطين المهاجرين وهو أمر لا يخلو بدوره من مشاكل تتصل بالتجانس الثقافي والاجتماعي وخصوصا في مجتمعات تتصف بانعدام الحريات والخوف من الآخر المختلف دينيا أو ثقافيا أو لغويا. كما قد تلجأ الدولة الى تبني سياسات سكانية تشجع الإنجاب وذلك عن طريق الحوافز المالية وتسهيلات الزواج وغير ذلك.
ب. لا يشترط لقيام الدولة ان يكون السكان متجانسين. فقد تتعدد الأديان أو اللغات أو الأعراق أو الثقافات أو غير ذلك من الأمور بين سكان إقليم معين وفي هذه الحال يطلق عليهم "شعب" people. اما في حال التجانس وهو نادر جدا (اليابان مثلا) فانه يطلق عليهم "امة" nation. فالأمة رابطة ثقافية بينما الشعب يقوم على الرابطة الجغرافية. وعادة ما يتكون الشعب من مجموعة من الأمم وقد تتوزع الأمة الواحدة في أكثر من دولة كما هو حال الأمة العربية.
وقد يشكل عدم التجانس مشكلة للاستقرار السياسي عندما ترفض الأمم المكونة لشعب ما التعايش وتلجأ بدلا عن ذلك إلى التناحر أما لان البعض يسعى لتغيير الوضع الراهن المتصل بتوزيع الثروة والسلطة في المجتمع أو لان البعض من تلك الأمم يرفض فكرة التعايش في دولة واحدة ويسعى إلى إقامة دولة مستقلة. والأمثلة على صراع الامم المكونة للشعوب كثيرة. فالشيشانيون مثلا لم يكفوا عن السعي لإنشاء دولتهم المستقلة والسودانيون في الجنوب لم يكفوا عن الصراع مع السودانيين في الشمال في سبيل توزيع أفضل للثروة والسلطة والأكراد في العراق وتركيا لهم تاريخ طويل في الصراع مع الحكومات في العراق وتركيا. ورغم أن التعايش قد يفرض على الأمم كما فعل ستالين بالنسبة لجمهوريات الاتحاد السوفيتي وكما فعل تيتو في يوغسلافيا الا أن ذلك التعايش المفروض بالقوة والقهر وسيطرة أمة على الأمم الأخرى لا يكتب له النجاح في الكثير من الحالات. فجمهوريات الاتحاد السوفيتي سرعان ما قررت الانسلاخ وتكوين دولها المستقلة بعد أن ضعف الاتحاد السوفييتي وفي يوغسلافيا أدى رحيل تيتو وانهيار الشيوعية إلى حروب طاحنة بين الجمهوريات المكونة لما كان يعرف بجمهورية يوغسلافيا الاتحادية. ومع أن عدد الدول في تزايد مضطرد ومع أن حق تقرير المصير هو حق مكفول للأمم منذ عشرينيات القرن العشرين الا أن الكثير من الدول لا تشجع انسلاخ الأقليات الأممية عن الدول الأم وتكوين دولها المستقلة وذلك خوف المعاملة بالمثل.
وقد يشكل الاختلاف البسيط مثل التعدد القبلي مشكلة أيضا (الصومال مثلا). وقد يشكل عدم التجانس عامل قوة لأنه يثري الدولة ثقافيا وعلميا وقد يؤدي إلى زيادة قوتها (الولايات المتحدة مثلا). ويتوقف قبول عدد من الأمم بالتعايش مع بعضها على عدة عوامل منها طريقة توزيع تلك الأمم جغرافيا، ونوع النظام السياسي، ومدى قدرته على تحقيق العدالة في توزيع الثروة والسلطة وضمان الحقوق والحريات لمختلف الأمم بما في ذلك حقها في استخدام لغتها في التعليم أو تعليم مذهبها وثقافتها وتراثها الفكري.
2. إقليم محدد Territory
لا يشترط مساحة معينة للإقليم. فقد تكون مساحة الإقليم كبيرة (روسيا 17 مليون كم مربع؛ كندا حوالي 10 مليون كم مربع؛ الصين 9.5 مليون كم مربع؛ الولايات المتحدة حوالي 9.25 مليون كم مربع؛ البرازيل 8.5؛ الهند حوالي 3.3 مليون كم مربع). كما قد تكون الدولة صغيرة مثل الفاتيكان التي تعد أصغر دولة في العالم بمساحة 0.2 ميل مربع.
ولا ينبغي أن يفهم من الكلام السابق أن مساحة الإقليم غير مهمة. المقصود هنا أنها غير مهمة عندما يتعلق الأمر بوجود الدولة ككيان قانوني. لكن مساحة الإقليم بالنسبة الدولة مهمة لعدة أسباب. فكلما كبر حجم الإقليم كلما كان احتمال وجود الموارد المائية والطبيعية أكبر، وكذلك الشأن بالنسبة للتنوع المناخي الذي يرتبط بدوره بقدرة الدولة على الاكتفاء ذاتيا ولو غذائيا. وكلما كبر حجم الإقليم كلما وفر للدولة عمقا استراتجيا وأمنيا أكبر وخصوصا في فترات الحروب. فكبر حجم روسيا مكنها خلال الحرب العالميتين الأولى والثانية من التغلب على الهزائم المرحلية التي تلقتها ومن استدراج جيوش الغزاة شيئا فشيئا إلى العمق الروسي لتحول بعد ذلك هزائمها إلى نصر. ويزداد الأمر أهمية في عصر الأسلحة الفتاكة حيث يمكن الإقليم كبير المساحة الدولة المعنية من تلقي الضربات المدمرة في جزءا من إقليمها مع الاحتفاظ بقدرتها على الرد على العدو.
ويشترط في الإقليم:
أ. أن يكون محددا: والحدود قد تكون طبيعية كالجبال والأنهار أو صناعية كالأسلاك الشائكة والجدران. وأبرز الأمثلة على الحدود الصناعية هو جدار برلين الذي فصل بين مواطني الدولتين الألمانيتين خلال الحرب الباردة (1945-1990) وكذلك السور الذي تبنيه دولة إسرائيل حاليا. ولا تنتفي مسألة التحديد عندما يكون هناك نزاع على الحدود بين دولتين فهذا أمر شائع الا إذا كان ذلك النزاع يتعلق بكامل الإقليم. كما أنه لا يشترط أن يكون الإقليم متصلا ببعضه. فهناك حالات قد نجد فيها التالي: إقليم الدولة أ----إقليم الدولة ب---ثم إقليم الدولة أ مرة ثانية. وابرز الأمثلة على ذلك حالتي الولايات المتحدة والإمارات وحالة باكستان قبل انفصال بنجلادش عنها.
ب. أن يشتمل الإقليم على الحدود المائية والفضائية للدولة وكافة الموارد الموجودة على ظاهر الأرض أو باطنها. وتتحدد الحدود الجوية والمائية وفقا لقدرات الدولة. ففي الوقت الذي يعترف فيه للدول بمجال جوي معين يلبي التطورات الحاصلة في مجالات الطيران والاتصالات، فأنه من الملاحظ أن الفضاء بشكل عام تستغله الدول المتقدمة للعديد من الأغراض بما في ذلك التجسس على الغير عن طريق الأقمار الصناعية أو عن طريق الطائرات التي تحلق على ارتفاعات لا يمكن للمضادات الأرضية الوصول إليها.
أما بالنسبة للحدود البحرية فأن القانون الدولي يحددها بثلاثة إلى اثني عشر ميلا حيث يحق للدولة أن تستغل مياهها الإقليمية لإغراض أنشاء الموانئ والصيد ونشر قوات خفر السواحل في حين تبقى المساحات المائية بين الدول مشاعة الاستخدام باعتبارها مياه دولية. لكن الالتزام بذلك التقسيم على أرض الواقع ليس موجودا فالولايات المتحدة مثلا تحدد مياهها الإقليمية بمأتي ميل في حين تفرض على ليبيا أن تلتزم بالأميال الثلاثة. اذا فالمسألة ترتبط بقوة الدولة وقدرتها أكثر مما ترتبط بالقانون الدولي. ويتصل بمسألة المياه الدولية المشاعة مسألة استغلال الموارد المتوفرة بما في ذلك الأسماك ومسألة الموارد الموجودة في أعماق البحار. مرة أخرى فأن الدول المتقدمة تكنولوجيا هي القادرة على استغلال تلك الموارد ولمنفعتها بغض النظر عن الحق القانوني للدول الأخرى. وغياب المياه الإقليمية (ظاهرة الدولة المغلقة) وأن كان لا يؤثر على مسألة قيام الدولة فانه قد يخلق لها الكثير من المصاعب الاقتصادية والأمنية.
3. حكومة
الركن الثالث من أركان الدولة هو الحكومة وهي السلطة السياسية التي تفرض سيطرتها على كل من الإقليم والأفراد الساكنين فيه سواء أكانوا من مواطني الدولة أومن القادمين إليها للإقامة المؤقتة. قد تكون تلك الحكومة ملكية أو جمهورية، ديمقراطية أو ديكتاتورية. المهم هو وجود الحكومة للقيام بالوظائف المختلفة. وتختلف الحكومة عن الدولة في أن الدولة اصطلاحيا هنا تدل على الإقليم والشعب والحكومة وأمور أخرى بينما تعني الحكومة هنا السلطات والمؤسسات المكونة للحكومة والأشخاص الذين يمارسون تلك السلطات. وتنقسم سلطات الدولة التي تمارسها الحكومة إلى ثلاث:
o تشريعية: يوكل اليها سن القوانين.
o تنفيذية: يوكل إليها تنفيذ القوانين وتحتوي على الوزارات والأجهزة الأمنية والعسكرية وسائر الوزراء والموظفين صغارا وكبارا.
o قضائية: تتولى الفصل في النزاعات بين المواطنين أو بين المواطنين وسلطات الدولة.
4. الاعتراف الدولي
إذا كانت الحكومة والإقليم والشعب تمثل الأركان المادية لقيام الدولة فأن الاعتراف الدولي رغم أهميته المتزايدة وخصوصا في وقتنا الحاضر يبدو أقل وضوحا في أهميته. والاعتراف الدولي يعني أن تقبل الدول الأخرى بشكل صريح (إصدار بيان رسمي) أو ضمني (التعامل السياسي والتجاري والثقافي) بقيام الدولة الجديدة وتمنحها الحقوق وتلزمها بالواجبات. وعندما يتعلق الأمر بالاعتراف الدولي فأنه ليس شرطا أن تعترف كل الدول بالدولة الجديدة. المهم أن دول معينة ينبغي أن تعترف بها. ونذكر على وجه الخصوص هنا الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، والصين. هذه الدول الخمس تشترك في التمتع بحق الاعتراض (الفيتو) وهو حق يمكنها من منع دولة معينة من الانضمام إلى الأمم المتحدة وبالتالي منع الاعتراف الدولي الواسع بها. وبالإضافة إلى ذلك فأن تلك الدول الخمس تتمتع بنفوذ واسعا في دول أخرى مما يجعل اعترافها بأي دولة جديدة بداية لاعترافات أخرى من الدول الواقعة في دائرة نفوذها. الاعتراف الدولي يمكن أن يكون حاسما في الكثير من الحالات. خذ الأمثلة التالية:
o في عام 1994 وخلال الحرب الأهلية في اليمن أعلن قادة اليمن الجنوبي الانفصال عن الجمهورية اليمنية وتكوين دولة جديدة، لكن تلك الدولة لم يعترف بها احد سوى دولة أخرى لم يعترف بها أحد وهي جمهورية شمال الصومال. وهكذا لم يكتب لتلك الدولة البقاء.
o جمهورية شمال الصومال أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991 وشكلت حكومتها ولكن لم يعترف بها أحد.
o جمهورية الشيشان أعلنت استقلالها عن روسيا ولم يعترف بذلك أحد.
o أعلن رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في عام 1988 قيام دولة فلسطين وهي دولة لم تتطابق أركانها مع الأركان المذكورة سابقا واعترف بها قرابة المائة دولة ولكن الدول المؤثرة دائمة العضوية في مجلس الأمن لم تعترف بها وهكذا انتهت تلك الدولة كما بدأت.
o يتوفر لجمهورية تايوان (التي انسلخت عن الصين خلال الحرب الأهلية) الأرض والشعب والحكومة ولكن ينقصها الاعتراف الدولي الذي يمكن أن يحولها الى دولة مستقلة.
وهناك فرق بين الاعتراف بالدولة مبدئيا وبين الاعتراف بسلطة جديدة تقوم على أرض دولة معترف بها من قبل. خذ الأمثلة التالية:
o لم يعترف بحكم طالبان في أفغانستان سوى المملكة العربية السعودية وباكستان والإمارات العربية المتحدة وهو أمر حرمها من أن تصبح عضوا في المجتمع الدولي لكن ذلك لم يمنع أفغانستان من الاستمرار كدولة.
o عندما انتهت الحرب الأهلية في الصين بهزيمة الوطنيين وفرارهم إلى تايوان وقيام أعضاء الحزب الشيوعي الصيني بتأسيس "جمهورية الصين الشعبية" رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بالسلطة الجديدة وبحكم تمتعها بحق النقض (الفيتو) لم تسمح للسلطة الجديدة بالجلوس في المقعد الدائم في مجلس الأمن والمخصص للصين وبدلا عن ذلك سمحت للسلطة القائمة في تايوان بالجلوس في ذلك المقعد. لكن ذلك لم يمنع السلطة الجديدة في الصين من أن تصبح فاعلا دوليا.
5. السيادة Sovereignty
يمكن تعريف السيادة باختصار على أنها "تمتع الدولة بالسلطة العليا في إدارة شئونها الداخلية والخارجية." ويعني المبدأ في القانون الدولي ان حكومة الدولة تمتلك حق السيطرة الكاملة على شئونها داخل نطاقها الجغرافي. وقد ظهر مبدأ السيادة من خلال اتفاقية وستفاليا Peace of Westphalia التي تم التوصل إليها في عام 1648 بعد حرب الثلاثين سنة في أوروبا (1918-1948). فقد أدت الحروب الدينية بين الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وملوك أوروبا إلى ظهور هذا المبدأ الذي حرم الكنيسة من التدخل في شئون الدول.
وللسيادة أنواع كما يلي:
أ. السيادة المطلقة: حق الدولة في السيطرة على كافة أوجه الحياة وقد يوجد هذا الشكل في الدول الشمولية حيث تنظم الدولة ليس فقط الحيز العام ولكن أيضا الحيز الخاص وطريقة اللبس والأكل والكتب التي ينبغي ان تقرأ والإذاعات التي يجب ان تسمع.
ب. السيادة الكاملة: وتعني انه لا يوجد على ارض الدولة من بإمكانه تحدي القوانين التي تشرعها الدولة أو الأوامر التي تصدرها أو يحاول مشاركة الدولة في سيادتها. فإذا وجد في دولة معينة مثلا من يقوم بمحاكمة الأشخاص وإصدار حكم الإعدام ضدهم وتنفيذه رغم أن حق المحاكمة وتنفيذ الحكم وخصوصا الإعدام ينبغي أن يترك للدولة فانه يكون هناك خلل في السيادة.
ج. السيادة الداخلية: وتعني انه لا يوجد سلطة أعلى من سلطة الدولة داخل حدودها.
د. السيادة الخارجية: وتعني انه لا يوجد سلطة تملي على الدولة سلوكها الخارجي وان الدولة مساوية لغيرها من الدول في الخارج في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الاختلاف في درجات القوة والمساحة والنفوذ والثروة وغير ذلك. وبالتالي لا يحق لدولة أن توجه الأوامر إلى دولة أخرى.
هـ. السيادة القانونية de jure: حق الدولة القانوني في ممارسة السيادة على أراضيها.
و. السيادة الفعلية de facto: قدرة الدولة على ممارسة السيادة فعليا. ويمكن قياسها عن طريق معرفة مدى قدرة الدولة على إرغام مواطنيها على الطاعة ومدى شيوع طاعة الدولة بين المواطنين.
ز. السيادة الشعبية: تعني ان ممارسة السيادة تتم وفقا للإرادة الشعبية وليس وفقا للحق المقدس في الحكم
ويشكل الحضور العسكري لدولة على أراضي دولة أخرى من وجهة نظر البعض على الأقل انتقاصا لسيادة الدولة وبحيث تصبح دولة محمية أو تابعة وبالتالي ناقصة السيادة وخصوصا وان الحضور العسكري لدولة في أراضي دولة أخرى لا يخضع لقوانين الدولة المستضيفة. ويمكن قول ذات الشيء حول قيام دولة أجنبية بتنفيذ عمليات عسكرية داخل دولة أخرى بموافقتها أو بدون موافقتها. ففي نهاية عام 2002 مثلا قامت طائرة أمريكية بدون طيار باستهداف سيارة على التراب اليمني وقتلت من فيها بحجة وجود احد المطلوبين من أفراد القاعدة ضمن ركاب تلك السيارة. وكان رد الفعل من قبل بعض الأطراف الداخلية وبعض المنظمات غير الحكومية الدولية هو أن التصرف الأمريكي يعد انتقاصا من سيادة الدولة اليمنية واختراقا للقانون الدولي. اما الحكومة اليمنية فقد ذكرت بأن التصرف الأمريكي تم بالتعاون وبموافقة من الحكومة اليمنية. وكمثال آخر فان الولايات المتحدة تحتفظ بقوات عسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى، ويقوم دورها على الحامي العسكري لتلك الدول. وكمثال ثالث فقد تخلت الدول الأوروبية المنضوية في الاتحاد الأوروبي عن بعض سلطاتها السيادية لأجهزة الاتحاد الأوروبي. وهناك الكثير من الدول التي تتمتع وفقا لمفهوم السيادة بحقها في ممارسة سلطاتها الداخلية والخارجية دون تدخل لكنها مع ذلك تتعرض لمختلف الضغوط والتهديدات وترغم بكافة الوسائل على تبني قرارات وسياسات قد لا تخدم مواطنيها.
وتؤدي ظاهرة مثل العولمة إلى إضفاء الكثير من الغموض على مبدأ السيادة. فانضمام دولة إلى منظمة التجارة الدولية مثلا يحد من قدرتها على التشريع وتبني السياسات ويلزمها في الحال الخلاف مع الدول الأخرى بالاحتكام إلى المنظمة. وإذا كان مبدأ السيادة قد جاء لتحمي مواطني الدول من التأثير الخارجي الذي قد يرغم حكوماتهم على تبني سلوك معين قد لا يكون في مصلحتهم، فماذا يمكن القول عن الحالات السابقة وحالات أخرى.
تاريخيا كانت المسألة واضحة. كان هناك دول تخضع مؤقتا لسيطرة دول أخرى كحالة مصر تحت بريطانيا قبل الحرب العالمية الأولى (حالة الدولة التابعة) أو لسيطرة منظمة دولية (نظام الوصاية الذي جاءت به عصبة الأمم ثم نظام الانتداب الذي جاءت به الأمم المتحدة)، وكان هناك دول توضع قسرا أوبا رادتها تحت حماية دولة أخرى (مصر تحت الحماية البريطانية بين 1914-1922) ودول المغرب العربي تحت الحماية الفرنسية. كل تلك الدول كانت ناقصة السيادة. وبنفس الطريقة فأن الدول التي تم استعمارها اعتبرت دول فاقدة السيادة.
في الوقت الحالي لم يعد بالإمكان الحديث عن السيادة بنفس الطريقة. في الحالة العراقية يمكن الحديث عن دولة فاقدة السيادة لكن الوضع بالنسبة لبعض الدول الأخرى مثل كوريا واليابان أكثر تعقيدا.
غموض مفهوم السيادة لا يقتصر على الجانب الخارجي بل يمتد أيضا إلى الوضع الداخلي. أين تقع السيادة في دولة كاليمن مثلا، هل في رئيس الدولة أم في الحكومة أم في مجلس النواب أم في الدستور أم في الشعب اليمني؟ وهل يتطابق المفهوم أو التحديد القانوني للسيادة كما قد ينص الدستور (السيادة القانونية) مع التطبيق العملي (السيادة الفعلية)؟
شكراً يادكتور على كل ماا تقدمة من اجل خدمة العلم ..... طالب /e a
ردحذف