السبت، 7 نوفمبر 2009

محاكمة الصحافيين!

د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
عن صحيفة العاصمة
شكل النظام اليمني محكمة جديدة خاصة بالصحافيين يقول الكثير من القانونيين انها غير دستورية. وكانت اولى ثمار تلك المحكمة حكما غريبا عجيبا قضى بسجن كاتب احد المقالات لمدة عامين ومنعه من الكتابة في الصحافة اليمنية مدى الحياة. كما قضى ايضا بسجن رئيس تحرير الصحيفة التي قامت بالنشر لمدة سنة مع وقف التنفيذ وحرمانه من ممارسة اي عمل له علاقة بالصحافة لنفس المدة. ولم يجيىء الحكم الغريب لإنصاف مواطن عادي قرر اللجوء الى القضاء بحثا عن العدالة في مواجهة صحفي تجاوز حدود القانون، بل جاء لإنصاف رئيس الجمهورية الذي عين القاضي الذي اصدر الحكم وعين وكيل النيابة الذي قام بالتحقيق والترافع في القضية.
والقارىء للحكم سيلاحظ دون عناء ان القاضي اعتبر ان المقال محل الخلاف قد انطوى على اهانة لرئيس الجمهورية دون ان يفصل او يبين وجه الإهانة في ان يعبر مواطن عن رأيه في دور رئيس الجمهورية وفي الطريقة التي يدير بها البلاد وفيما تحقق في عهده. بدا الحكم كما لو انه صادر عن محكمة عسكرية تم تشكيلها وتكليفها بمهمة ادانة نقاد الرئيس في زمن قياسي. ولذلك لم يقتبس القاضي نص اي مادة قانونية تسند الحكم وتبين وجه الإهانة الموجهة لرئيس الجمهورية ولو على سبيل تبصير الكتاب والصحفيين بما يجوز ولا يجوز. ويحتار شخص مثل كاتب هذه السطور وهو يدقق في نصوص الحكم ليتعلم منه ما يعتبر مهينا وما يعتبر غير مهين لشخص الرئيس لكن كل ما يجده هو حكم اعتبر ما ورد في المقال اهانة للرئيس. وما يفهم من الحكم هو ان اي نقد يوجه للرئيس يمكن ان يعتبر اهانة.
ومع ان كاتب هذا المقال مع وجهة النظر التي تقول بان الكتابة عن رئيس الدولة مدحا أو قدحا ينبغي ان تخضع لبعض القواعد الإ ان الكاتب يعتقد ايضا بان رئيس الدولة هو الذي يحدد في خطابه السياسي وفي طريقة تعامله مع ابناء شعبه ومع القوى السياسية ومع معارضيه قواعد التعامل داخل البلاد باعتباره المثل الأعلى للاخرين. واذا كان القاضي قد اعتبر مقال الماوري اهانة لرئيس الجمهورية، فماذا عن خطابات رئيس الجمهورية التخوينية والإتهامية والتحقيرية لخصومه السياسيين وللصحافيين والكتاب. وماذا عن مقالات السب واللعن والشتم ضد المشترك وقادته وضد بعض الكتاب ومعارضي الخارج وغيرهم والتي تنشرها صحيفة الجمهورية وغيرها من الصحف الرسمية وغير الرسمية والتي ترسل اليها من رئاسة الجمهورية؟ وماذا عن خطف الصحفيين واخفائهم قسريا بالمخالفة للدستور ولكل الشرائع الإنسانية والسماوية؟ وماذا عن خطف المعارضين والإعتداء عليهم؟ ثم كيف يسمح رئيس الجمهورية لنفسه ان يقاضي مواطنا بتهمة الإساءة لرئيس الدولة في حين يعرف جيدا انه لا يحق لأي شخص ان يقاضي رئيس الدولة لأي سبب كان؟ اليس الأجدر بالرئيس وهو يعرف تماما ان القضاء سلطة تابعة له ان يترفع عن محاكمة خصومه؟ اليس الأجدر بالرئيس ان ينشأ محاكم متخصصة ومستعجلة لإباطرة الفساد الذين تجاوزوا كل الحدود وعاثوا في الأرض وباتت البلاد بسببهم مهددة بكل الكوارث بدلا من ان يحاكم الصحفيين الذين يوجهون له النقد مهما كانت قسوة ذلك النقد؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق