الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

الهوية والإصلاح السياسي: حالة الهاشميين، حاشد، وبكيل في اليمن.. الجزء الرابع



الجزء الرابع

هذه مسودة اولية من ورقة عرضها الباحث في مؤتمر نظمته جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية حول الفرص والتحديات التي تواجه اليمن خلال الفترة الإنتقالية (19-21 اكتوبر 2012). يرجى عدم الإقتباس او اعادة النشر الإباذن الكاتب. جميع الملاحظات مرحب بها  ويمكن تقديمها من خلال مربع التعليقات في نهاية هذه الرسالة وسيتم الإشارة في هامش المسودة الثانية الى اسم اي شخص قدم ملاحظة مفيدة ساعدت في تطوير الورقة 


رابعا- مرحلة الدولة الموحدة   

جاء اعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 مصحوبا بليبرالية سياسية لإسباب وصفها مايكل هدسون، بالـ"برغماتية." [1] وتضمن الدستور الذي قامت على اساسه الدولة الجديدة بعض ملامح الدولة الحديثة التي يمكن بنائها بمعزل عن الهويات الأولية. لكن الصراع السياسي  ظل يمارس على خطوط الهويات الاجتماعية سواء تمثلت تلك الهويات في  حاشد وبكيل والهاشميين أو في الهويات المناطقية التي صبغت الصراع في الجنوب. ويمكن تقسيم هذه المرحلة الى: مرحلة التحالف الثنائي (1990-1993)، مرحلة التحالف الثلاثي (1993-1994)؛ ومرحلة حكم الحزب الواحد (1994-2010).   

1. الإئتلاف الثنائي الأول (1990-1993)

قامت الوحدة اليمنية على اساس تقاسم السلطة مناصفة بين الشمال (ويمثله المؤتمر الشعبي العام الذي كان حاكما في الشمال) والجنوب (ويمثله الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان حاكما في الجنوب) رغم التفاوت في مساحة الأرض لصالح الجنوب وفي حجم السكان لصالح الشمال. وكان واضحا منذ البداية ان الوحدة قد جاءت على حساب التحالف الذي كانت حاشد تقوده في حكمها للشمال. وقد عبر شيخ حاشد عن تراجع سلطة القبيلة، وان بشكل غير مباشر، عندما ذكر ان الاشتراكيين استحوذوا على الجنوب وفي نفس الوقت كانوا يشاركون في حكم الشمال. [2]  كما ان السماح للأحزاب السياسية وقد كانت محظورة دستوريا حتى ذلك التاريخ قد مثل سببا آخر للقلق. فقد نظر شيخ حاشد الى تبني "الحزبية" على انها سياسة تهدف لـ"محاربة القبيلة" وسحب البساط من تحت اقدام شيوخ القبائل. [3]

وقد جاء مجلس الرئاسة  كقيادة جماعية للدولة الجديدة ليحتوي على 5 شخصيات: علي عبد الله صالح (حاشد)  والذي كان رئيسا للجمهورية العربية اليمنية لحظة قيام الوحدة كرئيس للمجلس؛ علي سالم البيض (هاشمي) وكان يشغل موقع الأمين العام للحزب الاشتراكي والشخصية السياسية الأهم في الجنوب، نائبا للرئيس؛ عبد الكريم العرشي (بكيل، حليف لحاشد) والذي كان يشغل موقع رئيس مجلس الشورى في الشمال، عضوا؛ عبد العزيز عبد الغني (سني، حليف لحاشد) عضوا، سالم صالح محمد (حليف للهاشميين) عضوا.

واسندت رئاسة الحكومة الى المهندس حيدر ابو بكر العطاس (هاشمي) وكان رئيسا لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. كما اسندت رئاسة مجلس النواب الى ياسين سعيد نعمان (حليف للهاشميين/القيادة في الجنوب) وكان يشغل موقع  رئيس الحكومة في الجنوب لحظة قيام الوحدة. 

وبالنسبة لتيار الزمرة المنتمي في معظمه الى محافظة ابين والذي كان قد خرج من الجنوب في عام 1986 فقد تم استبعاده من المشاركة، وانتقل رئيسه علي ناصر محمد، نتيجة لضغوط قادة الاشتراكي، الى العيش في سوريا.
وقد أوعز صالح، في ظل ظهور التحدي الجديد، الى شيخ حاشد بأن يقوم بالانسلاخ هو والعناصر ذات التوجه الإسلامي وبعض العناصر القبلية عن المؤتمر الشعبي العام وأن يؤسسوا حزب التجمع اليمني للإصلاح ذو التوجه الإسلامي ليتولى معارضة مطالب الاشتراكي ويخفف من الضغوط على المؤتمر. [4] وواضح ان اقطاب حاشد الثلاثة (صالح، محسن، والشيخ الأحمر) كانوا قلقين على نحو خاص من انضمام هاشمي الشمال الى الحزب الاشتراكي بحكم  هيمنة الهاشميين (الحضارم) على الحزب. ولذلك فان شيخ حاشد كما يؤكد في مذكراته سعى الى ضم ابرز  الهاشميين في الساحة الشمالية الى حزب الإصلاح.[5]  

وتبنى الحزب الجديد برئاسة شيخ حاشد موقفا يمينيا متشددا بما يتلاءم والمواجهة مع اليسار.  ووقف في صف الإصلاح حزب هاشمي جنوبي صغير هو حزب رابطة ابناء اليمن. وكان رئيسه عبد الرحمن الجفري قد خرج من الجنوب خلال فترة حكم الاشتراكي بسبب القمع واستقر في السعودية وحصل على جنسيتها وقد عاد مع قيام الوحدة  ربما للانتقام من خصومه السابقين.  

وكمدخل ذكي للمطالبة بتعديل واسع للدستور بطريقة تعيد النظر في التوزيع القائم للسلطة، بدأ الإصلاح حياته الحزبية بالمطالبة بتعديل بعض المواد في الدستور لتعارضها مع الإسلام وهو ما يعني ان المعارضة لدستور دولة الوحدة كانت بالضرورة معارضة لهوية الدولة الجديدة. وقاد المعارضة للدستور الشيخ البكيلي المتأثر بالسلفية السعودية عبد المجيد الزنداني.. لكن معارضة دستور دولة الوحدة قبل الاستفتاء عليه بدت وكأنها معارضة للوحدة ذاتها وهو ما دفع باطراف تلك المعارضة الى التخلي عن مواقفهم مؤقتا حتى نهاية الفترة الإنتقالية.  

وبالنسبة للهاشميين والبكيليين فقد تحسن وضعهم السياسي كثيرا مع قيام دولة الوحدة. فالهاشميون الشماليون الذين حرموا من المناصب الرئيسية الثلاثة في الدولة منذ الإطاحة بالنظام الإمامي في عام 1962 تحولوا مع قيام الوحدة وبفضل الترتيبات الجديدة الى قوة رئيسية.  وبالإضافة الى القيادات الهاشمية الناشطة في احزاب الإشتراكي، المؤتمر، الإصلاح، والأحزاب القومية بشقيها البعثي والناصري،  فقد برز للهاشميين خلال هذه المرحلة عدد من التيارات الحزبية اهمها:
أ. حزب اتحاد القوى الشعبية وهو حزب هاشمي علماني شمالي ترجع جذوره الى خمسينيات القرن الماضي  وقد أنشأه ال الوزير بعد فشل انقلابهم على بيات حميد الدين وأسسه رسميا ابراهيم الوزير في عام 1960.[6]

ب. حزب رابطة ابناء اليمن  وهو حزب هاشمي سني جنوبي ترجع جذوره الى خمسينيات القرن الماضي حيث نشأ في ظل الاحتلال البريطاني للجنوب.[7]

ج. حزب الحق، وهو حزب جديد ذو توجه زيدي اسسه مجموعة من علماء الزيدية ومعظمهم هاشميون في عام 1991.[8] وقد طلب من مؤسسي حزب الحق وقبل السماح له بالتأسيس اعلان تخليه عن مبدأ الإمامة في البطنين وهو ما تم وان كان الإعلان قد جاء ملتويا.

وظهر بعد قيام الوحدة مباشرة والسماح بالتعددية السياسية ما سيعرف فيما بعد  بـ"تنظيم الشباب المؤمن" أو ما يعرف اليوم رسميا بـ"انصار الله" أو "الحوثيون."[9] وقد ظهرت هذا التنظيم في بدايته كحركة دينية ثقافية تعلم الزيدية خلال الفترة الصيفية لأبناء المناطق المنتمية الى المذهب الزيدي. وكان قيام تلك المراكز "هو الرد العملي" على  ظهور مركز دماج السلفي في مديرية وادعة القريبة من مدينة صعدة التي تعتبر كرسي "الزيدية الهداوية" [10]  وعلى محاولات الأنظمة الجمهورية المتعاقبة بالتعاون مع السعودية اضعاف الزيدية.

وبالنسبة للبكيلين فقد تحسن وضعهم داخل الأحزاب الرئيسية الثلاثة على الساحة (المؤتمر، الإصلاح والاشتراكي). كما سعى عدد من المشايخ والوجاهات البكيلية الى تأسيس احزاب بتوجهات مختلفة بدعم اما من الاشتراكي او من المؤتمر. 

وقد عقدت قبيلة بكيل خلال هذه المرحلة في ظاهرة تذكر بما حدث في الستينيات وان كانت مختلفة من حيث الأطراف المنظمة عدد من المؤتمرات ذات الصبغة القبلية البحتة في مؤشر على القوة المتنامية للقبيلة من جهة ووجود دعم سلطوي لها ربما من قبل الاشتراكي من جهة ثانية. [11]  

وبدا الصراع بين الإشتراكي من جهة والمؤتمر من جهة ثانية خلال هذه الفترة شبيها الى حد كبير بالصراع خلال الستينيات في شمال اليمن بين الملكيين (هاشميين في الغالب) والجمهوريين (قبائل في الغالب) او حتى ذلك الصراع بين اليمين واليسار الجمهوري، ومثل ايضا امتدادا للصراع السياسي بين الشطرين والذي اختلط فيه التعاون والسعي نحو تحقيق الوحدة بالصراع العنيف. ولم تكن التحالفات لتختلف كثيرا وكذلك الحال بالنسبة لأساليب ادارة الصراع. بل ان الاغتيالات التي استهدفت قادة الحزب الإشتراكي خلال السنوات الأولى من التسعينيات لم تكن مختلفة عن تلك التي استهدفت اليساريين أو المشايخ خلال الستينيات. [12] 

2. مرحلة الإئتلاف الثلاثي (1993-1994)

انتهت الفترة الانتقالية بعقد اول انتخابات على قاعدة التعددية الحزبية في 27 ابريل  1993. وقد جاءت نتيجة الانتخابات لتضع حزب المؤتمر في المرتبة الأولى بـ122  مقعد، الإصلاح في المرتبة الثانية بـ63 مقعد، والاشتراكي في المرتبة الثالثة بـ56 مقعد، وتقاسم المستقلون والأحزاب الصغيرة بقية المقاعد.[13] وهكذا انتجت الإنتخابات خارطة سياسية جديدة.   

وترجمة لنتائج الانتخابات فقد اتفقت الأحزاب الثلاثة على تكوين ائتلاف ثلاثي حاكم  حصل فيه شيخ حاشد على رئاسة مجلس النواب على حساب الإشتراكي، وحصل فيه الشيخ الإصلاحي عبد المجيد الزنداني (من قبيلة بكيل، حليف لحاشد) على مقعد في مجلس الرئاسة بدلا عن عبد الكريم العرشي وهو بكيلي حليف لحاشد لكنه لا يتمتع بثقل الزنداني وتشدده.

كان صالح و محسن قد فضلا قبل قيام الوحدة عدم بروز حاشد الى الواجهة كقبيلة حاكمة وفضلا نتيجة لذلك ان يمارس شيخ حاشد سلطات مساوية او على الأقل مقاربة لتلك التي يمارسها الرئيس ولكن دون ان يتولى اي موقع رسمي. كما فضلا دائما اسناد رئاسة السلطة التشريعية الى شخصية بكيلية للإيهام بوجود توازن في السلطة. اما بعد انتخابات ابريل 1993  فقد تغير هذا التوجه تماما.   

وسرعان ما بدأ الصراع بين الهويات الثلاث يحتدم  نتيجة لأسباب كثيرة أهمها اصرار المؤتمر والإصلاح على تعديل الدستور وازالة ما شابه من كفر والتخلص من مجلس الرئاسة كهيئة جماعية لقيادة البلاد. وشرع المؤتمر والإصلاح في التلويح بامكانية المضي معا في اجراءات تعديل الدستور ان رفض الإشتراكي المسألة وخصوصا وانهما يملكان معا اغلبية كبيرة في مجلس النواب.  وكان من الواضح ان التحالف الذي تقوده حاشد قد بدا اقرب الى تحالف الحرب منه إلى تحالف السلم. 

ونظر بعض الهاشميين وبعض البكيليين الى الصراع بين الاشتراكي من جهة والمؤتمر والإصلاح من جهة ثانية قياسا على تجربة الستينيات  على انه مواجهة بين حاشد من جهة والهاشميين من جهة أخرى. ووجد  الكثير من الأحزاب  الصغيرة والبيوت الهاشمية و ومنها على سبيل المثال بيت الحوثي وحزب اتحاد القوى الشعبية وغيرها نفسها في اصطفاف مع الاشتراكي.  وحتى عبدالرحمن الجفري رئيس حزب ربطة ابناء اليمن الحزب الهاشمي ذو التوجه السني والمعادي للإشتراكي  وجد نفسه وقد اصبح قريبا من الاشتراكي.

وعملت الأحزاب الصغيرة سواء اكانت قريبة من الاشتراكي أو من المؤتمر والإصلاح على الدفع نحو حوار وطني يتبنى اصلاحات واسعة.  وتبلورت قضايا الإصلاح التي طرحها الحزب الاشتراكي في ثلاث لا تختلف كثيرا عن تلك التي طرحت في عهد الإرياني أو الحمدي، وهي:  اصلاح الجهاز الإداري للدولة، اللامركزية، وتوحيد الجيش.[14]    ودخل الجميع في اواخر عام 1993 في حوار وطني سرعان ما انتهى الى التوقيع على  ما سمي بـ"بوثيقة العهد والاتفاق" والتي تبنت تقاسم جديد للسلطة وفق قواعد مختلفة. لكن منطق حسم الصراع بالقوة سرعان ما فرض نفسه على الجميع.

واندلعت الحرب الشاملة بين طرفي المعادلة السياسية في اواخر ابريل 1994. وفي حين راهن الإشتراكي في خوض الحرب على هوية الدولة الجنوبية وقوات الجيش واجهزة الأمن والإعلام التي لم يكن قد تم توحيدها والإصطفافات المناطقية الجنوبية وهو ما جعل تحالفاته الشمالية بما في ذلك منظمات الحزب الاشتراكي عديمة الأهمية، فان صالح خاض الحرب مسنودا بتحالفات حاشد العديدة ومن ضمنها تيار "الزمرة" الجنوبي. ولذلك وبعد حوالي 15 يوما من بدء الحرب تم اسناد منصب وزير الدفاع حينها الى العميد الركن عبد ربه منصور هادي.  وكان لإنضمام تيار الزمرة الذي ينتمي معظم افراده الى محافظة ابين أهميته البالغة لسببين: الأول، ان ابين مثلت المعادل الجنوبي لحاشد حيث سيطرت على السلطة في الجنوب لقرابة ثلاثة ارباع الفترة التي عاشتها الدولة الجنوبية؛ والثاني، ان تيار الزمرة كان على اطلاع تام بخفايا الاستراتيجية العسكرية الجنوبية.

وهكذا بدت حرب عام 1994 في احدى جوانبها وكأنها امتداد لحرب عام 1986 المناطقية بين كل من تيار الزمرة الأبيني وتيار الطغمة، أو بالأصح ما تبقى منه، ويسيطر عليه سياسيا جناح هاشمي حضرمي وعسكريا جناح ينتمي معظم افراده الى محافظتي الضالع ولحج. [15]     

وسرعان ما انتهت الحرب في الثلث الأول من شهر يوليو  بعد حوالي 70 يوما لصالح  التحالف الذي تقوده حاشد. وانتهى الأمر بالمئات وربما الالاف من قادة الحزب الاشتراكي في المنافي. وحدث ذات الشيىء لبعض الهاشميين والبكيلين الشماليين الذين اصطفوا مع الاشتراكي ولو بشكل سلمي ودون المشاركة في الحرب.

وبدت نهاية حرب عام 1994 كما كتب تشارلز دنبار، سفير الولايات المتحدة في اليمن خلال الفترة 1988-1991، وكأنها "المرحلة الأخيرة من عملية بدأت عام 1962 مع قيام الجمهورية العربية اليمنية، واستمرت حتى توصلت، بعد الكثير من المحن والعوائق الى اقامة جمهورية يمنية موحدة، مرة واحدة والى الأبد."[16]  لكنها من منظور الإصلاحات وبناء الدولة بدت مشابهة لانقلاب 5 نوفمبر 1967.

3. مرحلة الحزب الواحد (1994-2010)

في حين ادت حرب عام 1994 الى هزيمة الحزب الاشتراكي اليمني وبالتالي اخراجه من السلطة فإن التمثيل السياسي للجنوب قد تم يكاله اما الى تيار "الزمرة" المحسوب على محسن أو الى العناصر القبلية والإخوانية الجنوبية المنضوية داخل حزب الإصلاح الذي يقوده شيخ حاشد.  وفي اطار الترتيبات الجديدة رقي  في 2 اكتوبر 1994 العميد هادي الذي لم يكن قد مضى عليه وزيرا للدفاع سوى اقل من 5 اشهر الى رتبة لواء وعين من قبل صالح، ربما نتيجة لضغوط محسن، نائبا لرئيس الجمهورية ليحل بذلك محل علي سالم البيض المنتمي الى تيار "الطغمة."   كان تعيين هادي المنتمي الى "الزمرة" ولكن غير المعروف سياسيا  بمثابة تخفيض كبير لتمثيل اليمنيين الجنوبيين داخل دولة الوحدة.  

وبدأت في مرحلة ما بعد الحرب مباشرة هيمنة حاشد شبه المطلقة من خلال اقطابها الثلاثة. وبدلا من استغلال تلك الفرصة التاريخية النادرة في العمل على بناء الدولة وايجاد العوامل المثبتة للوحدة فان اقطاب حاشد شغلت نفسها باقتسام غنائم الجنوب وثرواته وبتثبيت قيمها ومصالحها وفرضها على الجميع. وعكست هيمنة حاشد نفسها في صياغة دستور عام 1994 الذي كتب عقب الحرب والذي حلت فيه النصوص المحافظة محل الكثير من النصوص والتوجهات الليبرالية.

وتعرضت الأحزاب والشخصيات والصحف الحزبية المملوكة للهاشميين الى القمع. فقد اختطف الدكتور عبد العزيز السقاف مؤسس صحيفة اليمن تايمز مع نهاية الحرب واعتدي عليه بالضرب ثم القي في احدى ضواحي صنعاء وعندما ذهب مجموعة من الناشطين الى شيخ حاشد بصفته رئيسا لمجلس النواب وشكوا له ما حدث للسقاف رد عليهم  انتم تعرفوا تكتبوا ونحن نعرف نلبج فمن كتب لبج. ولخصت العبارة السابقة طبيعة العلاقة بين الهاشميين من جهة والنظام الذي تهيمن عليه حاشد من جهة ثانية. وتعرضت صحيفة الشورى التابعة لحزب اتحاد القوى الشعبية للقمع المستمر. وتم استنساخ الأحزاب الهاشمية بشكل متكرر. كما تم محاكمة رموز الإشتراكي  من بقايا وورثة تيار الطغمة والذين قادوا الحرب في عام 1994 وصدرت ضدهم احكاما بالإعدام مشابهة لتلك التي صدرت بعد مواجهات عام 1986 ضد قيادات تيار "الزمرة."    

وبينما احكم  تحالف حاشد في مرحلة ما بعد الحرب القبضة على السلطة وهمش وشتت شمل البكيلين والهاشميين وغيرهم من حلفاء الاشتراكي خلال الحرب،  فإن عوامل الخلاف سرعان ما بدأت تدب بين أقطاب حاشد الثلاثة: صالح، محسن، والأحمر. لقد كسب صالح الحرب لكنه ربما شعر بانه خسر السلطة.

لقد كان شيخ حاشد يمارس السلطة قبل قيام الوحدة من وراء ستار وعلى قاعدة "هو رئيسي وانا شيخه." اما الان فقد تغيرت قواعد اللعبة، فشيخ حاشد اصبح رئيس مجلس النواب واصبح رئيس اكبر حزب بعد حزب المؤتمر وقد طلب صالح من الشيخ وحزبه العودة الى  صفوف المؤتمر كما كان عليه الوضع قبل الوحدة لكنهم رفضوا.  اما محسن ومن خلفه النخبة العسكرية السنحانية التي اوصلته الى السلطة  في عام 1978 ومن خلفهم  تحالفاتهم داخل الجيش فقد اصبح صالح مديونا لهم بالكثير.  وقد ركز صالح نتيجة لذلك على العمل بالتدريج على اضعاف شركائه الحاشدين في السلطة وهم شيخ حاشد من جهة والنخبة العسكرية السنحانية التي يقودها محسن من جهة ثانية.

وبدأ صالح بحزب الإصلاح الذي كان مصدر قوة كبيرة لشيخ حاشد ولمحسن على السواء. وقد عمل صالح  على تحجيم الإصلاح الذي شكل المؤتمر حكومة ائتلافية معه في عام 1994  ثم تمكن صالح من اخراجه  تماما من السلطة بحلول عام 1997 من خلال انتخابات برلمانية اقل بكثير من ان توصف بالانتخابات الديمقراطية. وبالتزامن مع اخراج الإصلاح من السلطة بدأ صالح في اعداد نجله احمد لوراثته حيث انزله مرشحا باسم حزب المؤتمر لعضوية مجلس النواب في انتخابات عام 1997.

وظل صالح يلاحق عناصر الإصلاح في المراكز القيادية اينما وجدت ويعمل على ابدالها. كما عمل على تجفيف منابع المال التي يستفيد منها الإصلاحيون وفي هذا الاتجاه فإنه الغى في عام 2010 المعاهد العلمية التي كان يسيطر عليها الإصلاحيون والتي أنشأت لمواجهة المد اليساري في الجنوب والمد الشيعي في الشمال.

وفي حين ظل شيخ حاشد رئيسا لمجلس النواب حتى وفاته في اواخر عام 2007  فإن صالح عمل بالتدريج على تجريده من نصيبه في السلطة وعمل على تصفية العناصر المدعومة من قبله وحاول في انتخابات  عام 2003 الإطاحة به من رئاسة مجلس النواب عن طريق انزال مرشح لمنافسته في الدائرة التي يترشح فيها فيها.  واستغل صالح الحرب على الإرهاب للانقضاض على حاشد فحاول مرارا  تمرير قانون ينضم السلاح يحتوي على نص خاص بحصر واستقصاء سلاح القبائل وهو ما اعتبره شيخ حاشد محاولة "تفجير مواقف بين الدولة ممثلة في الأجهزة الأمنية، وبين القبائل." [17] 

وبنفس الطريقة فقد بذل صالح جهودا حثيثة لتحجيم رموز النخبة العسكرية السنحانية التي اوصلته الى السلطة في عام 1978. فقد ادى سقوط غامض لمروحية عسكرية في عام 1999 الى مقتل 2 من رموز تلك النخبة ينتميان الى اسرة اللواء محسن: هما  محمد اسماعيل  واحمد فرج. ومع ان صالح زوج ابنته فيما بعد لنجل الأول وعينه طياره الشخصي  الإ ان شكوك نجل اسماعيل ربما تكون السبب الأهم الذي جعله ينضم الى الثوار في ساحة التغيير بصنعاء بعد اندلاع الثورة الشبابية في فبراير 2011 مباشرة.

ولم ينجو تيار الزمرة المحسوب على محسن بدوره. وكان أهم مؤشرات ضيق صالح بتيار "الزمرة" هو انه بعد انتخابات 1999 الرئاسية لم يصدر قرارا جديدا بتعيين هادي نائبا للرئيس. وتكرر الأمر من جديد عقب انتخابات عام 2006 الرئاسية في حين استمر هادي في موقعه دون قرار.  وتم استهداف القيادات العسكرية والمدنية المحسوبة على التيار بالإبعاد من المواقع العسكرية والمدنية التي تشغلها.      

وفي حين كان صالح يعمل على اضعاف حلفائه التاريخيين (شيخ حاشد ومحسن)، كان يعمل بالتدريج ايضا وفي ذات الوقت  على اعادة بناء تحالفاته بعيدا عنهما. وقد استهدف صالح الهاشميين من جهة وقبيلة بكيل من جهة ثانية محاولا الاستفادة قدر الإمكان من العداء التاريخي بين الجماعات الثلاث. وتزوج صالح نفسه من الهاشميين. وفي حين اغلق المعاهد السنية التي يديرها الإصلاحيون والتي كان من اهدافها اضعاف الزيدية،   فانه عمل على دعم ما كان يطلق عليه "الشباب المؤمن" كحركة احيائية داخل الزيدية. وقد ادى ذلك الدعم الذي تزامن مع ظهور الصراع داخل السلطة واعلن عنه صالح فيما بعد وتحدث عنه بعض قادة التيار الى ازدهار الحركة بحيث قدر عدد الطلاب المستفيدين من انشطتها ب18 الف طالب بينما قدر عدد المراكز بـ67 مركز ينتشرون في 9 محافظات  بعضها سنية مثل اب وتعز. [18] 

ومع ان نظام صالح الذي كان منقسما على الصعيد الداخلي بشكل حاد خاض ضد الحوثيين ست حروب بين عامي 2004 و2010 الإ ان الواضح ان صالح قد وجد في الحوثيين عدوا مفيدا بينما بات يجد في محسن حليفا ضارا. وكان من الواضح ان اهم ما يمكن لصالح ان يخرج به من الحرب مع الحوثيين هو تدمير القوات والمليشيات المحسوبة على محسن. كما ان الحرب تحولت الى آلة يجلب بها صالح الدعم العسكري والاقتصادي السعودي.

والواضح اذا ما تم وضع اهداف صالح، التي يغلب عليها التكتيك، جانبا ان حروب صعدة التي كلفت اليمن الكثير من الأنفس والأموال لم تكن في احد ابعادها سوى امتدادا لحروب الستينيات بين الجمهوريين والملكيين على السلطة وان كانت قد طرأت بعض التحولات في تحالفات الأطراف مع الخارج ولأسباب تتصل بالخارج اكثر مما تتصل بالداخل. لكن الأمر الذي لا زال غامضا الى حد كبير هو ان الحوثيين خلال الحروب الست لم يتبنوا اي رؤية وطنية ولو كغطاء سياسي يمكنهم من حشد اليمنيين الناقمين على نظام صالح خلفهم.   وربما ان التحالف الخفي المفترض بين صالح والحوثيين هو السبب في ذلك.

وعمل صالح في سبيل الحد من نفوذ وقوة حاشد على التحالف مع بكيل العدو التقليدي لحاشد. فدخل صالح في مصاهرات مع  اسر الصف الثاني في قبائل  بكيل مثل بيت دويد، بيت الأرحبي، بيت القوسي حيث زوج بناته وتزوج ابنائه من تلك الأسر ثم مكن تلك الأسر الكثير من النفوذ داخل دوائر السلطة وحزب المؤتمر. كما وطد علاقته ايضا ببيت الشائف والى حد اقل بيت ابو لحوم.  وبعد وفاة شيخ حاشد اسند صالح رئاسة مجلس النواب الى البكيلي يحيى الراعي.  

ولم يكن شيخ حاشد (وابنائه من بعده) ومحسن في غفلة عن أمرهم بالنسبة للتحالفات. وكانت التحالفات القبلية لعبتهم التي لا يمكن ان يجاريهم فيها احد بعد ان قضوا سنوات وهم يديرون تحالفات صالح مع القبائل.  وظهر التحالف بين محسن وابناء الأحمر في القصرين المتجاورين اللذين بناهما كل من محسن وحميد الأحمر جنبا الى جنب في احدى ضواحي مدينة حدة.

وفي عام 2007 اسس الشيخ حسين الأحمر، وهو احد انجال  شيخ حاشد الراحل، مجلس التضامن الوطني والذي عرف نفسه بانه "تجمع وطني شعبي قائم على تعميق روح الثورة والجمهورية والوحدة بين اوساط المجتمع وقبائله." [19] وكان واضحا ومن خلال تأكيد المجلس على "الثورة"، "الجمهورية"، و "الوحدة" معارضته الضمنية لتوجه صالح نحو توريث السلطة ولطموحات الحوثيين في اعادة الإمامة.  وتكون المجلس من مشايخ  في حاشد وبكيل وبعض القبائل الأخرى واعضاء في مجلس النواب، وشخصيات من مختلف الأحزاب. وكانت نقطة قوة المجلس تكمن في كتلته البرلمانية التي وصل حجمها وقت تشكيل المجلس الى حوالي ثلث اعضاء المجلس البالغ عدد اعضائه 301.

وعمل الشيخ حميد الأحمر، وهو اخ للشيخ حسين وعضو في مجلس النواب مثل اخيه، كداعم وكقوة محركة خلف  اللجنة التحضيرية للحوار الوطني  التي نشأت في مايو 2009 لتضم في صفوفها احزاب المعارضة الرئيسيية، الشخصيات السياسية المستقلة، والمشايخ والوجاهات الإجتماعية. وقد اقرت اللجنة في سبتمبر 2009 مسودة  "مشروع  رؤية الإنقاذ الوطني" وبدأت العمل للتحضير لمؤتمر للحوار الوطني يقر الإصلاحات التي يطالب بها الشعب اليمني.[20]       

وتذكر برقية دبلوماسية مرسلة من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في صنعاء الى واشنطن وكانت من ضمن البرقيات التي سربها موقع ويكيليكس بان حميد الأحمر قال للملحق الإقتصادي في السفارة الأمريكية بصنعاء خلال لقاء بينهما في 27 اغسطس 2009 بانه سوف يخرج مظاهرات في مختلف انحاء اليمن بهدف ازاحة الرئيس صالح من السلطة ما لم  يضمن صالح عدالة الإنتخابات البرلمانية التي كان مخططا لعقدها في عام 2011  ويشكل حكومة وحدة وطنية تضم عناصر من الحراك الجنوبي ويزيح اقاربه من المواقع القيادية في الجيش.[21]  واكد الأحمر في اللقاء بانه اعطى صالح مهلة حتى نهاية عام 2009 لتنفيذ ذلك وسيعمل خلال الأشهر القادمة على اقناع اللواء علي محسن قائد المنطقة الشمالية الغربية والحكومة السعودية بدعم  خطته. [22]  

وفي ظل الصراع بين مشايخ حاشد وصالح ووجود حملة اعلامية تخويفية لحاشد من الخطر الذي بات يمثله الحوثيون،[23] ووجود اعتقاد لدى الكثيرين بان صالح يستخدم الحوثيين لإرهاب حاشد[24] جمع الشيخ حسين الأحمر في 5 اكتوبر 2010  قبائل حاشد في مدينة خمر  شمال صنعاء لمناقشة  واقرار وثيقتين الأولى تتعلق بالخطر الذي بات يمثله الحوثي على حاشد والبلاد[25] والثانية تتعلق بـ"القطاع" (قيام كل قبيلة بالتقطع في الطرق وحجز ابناء القبائل الأخرى ووسائل انتقالهم بسبب مشكلة ما) بين قبائل حاشد والذي بات يمثل تهديدا لوحدة وتماسك قبائل حاشد. [26]

وحيث ان "القطاع" يتم نتيجة لمظالم فقد اعلن الشيخ حسين الأحمر في كلمته تبرعه بنصف مليار ريال  أو ما يعادل حوالي 2.5 مليون دولار بالأسعار الجارية خلال ثلاث سنوات يتم استخدامها لحل الجوانب الحقوقية والتعاطي مع الفتن وتقديم التعويضات.  كما اعلن الشيخ حسين عن تشكيل لجنة من 5 اشخاص برئاسة اخيه الأكبر صادق الأحمر شيخ مشايخ حاشد منذ وفاة والده في عام 2007 لتعمل كمحكمة تفصل في القضايا وتحدد وتصرف التعويضات.

وفي 7 نوفمبر 2010  أنعقد مؤتمر قبائل بكيل العام بمنطقة الحجلا بمحافظة الجوف والمكان هو ذات المكان الذي كانت قبائل بكيل قد التقت فيه في 16 يناير 1981 بدعوة من الشيخ ناجي عبد العزيز الشائف والذي انتهى ببيان وباختيار الشيخ الشائف شيخا لمشايخ بكيل. اما هذا المؤتمر الذي سبق الثورة الشبابية الشعبية باقل من 3 اشهر فقد عقد بهدف توحيد موقف ورؤى قبائل بكيل.  واتخذ المؤتمر العديد من القرارات اهمها تعيين الشيخ أمين العكيمي (عضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح منذ عام 2003) رئيسا للمؤتمر العام لقبائل بكيل وهو ما يعني عزل الشيخ ناجي عبد العزيز الشائف.[27] ومن الواضح ان المؤتمر قد مثل قمة الاختراق الحاشدي لقبائل بكيل. ويمكن رؤية اثار اصابع حاشد سواء تمثلت في محسن أو ابناء شيخ حاشد الراحل في كل ما حدث. وكان ذلك الاختراق قد ابتدأ قبل شهور قليلة من انعقاد المؤتمر حيث تزوج الشيخ حسين الأحمر في السعودية من كريمة الشيخ العكيمي في زواج لم يخف مغزاه السياسي على الكثيرين. 

ويمكن النظر الى خلع الشائف الذي صعد الى زعامة قبائل بكيل بعد صعود صالح الى السلطة بقليل، على انه بمثابة برهان عملي لأبناء بكيل على إمكانية خلع صالح.

اما ناجي عبد العزيز الشائف شيخ مشايخ بكيل السابق، فقد اصدر بيانا حمل الكثير من الغضب والعتب والهجوم الحاد على كل الجهات. وقد عزا الشائف الكبير ما حدث الى ان الدولة سمحت بالحرية المطلقة المؤدية الى الفوضى وبالديمقراطية المستوردة من مسارح اوروبا التي جعلت من "اعراض  الدولة وكبار اليمن (...) مباحة لسفهاء المدنيه ورعاة الغنم واصبح شيخ القرية شيخ مشايخ وأخذت الحقوق من الداخل والخارج إلى حساب شخصيات معينه.."[28]

وبعد ان يعدد الشائف الكبير مظاهر الفساد في الدولة يخلص الى القول، في اشارة الى النظام الجمهوري وثورة 26 سبتمبر 1962 ،  "لقد قلبوها جمهورية سوداء وثورة رعناء." وفيما يمكن ان يفهم منه على انه دفاع منه عن الدور الذي لعبه اثناء التمرد الحوثي الذي ربما شعر الشيخ الشائف بان ما دبر ضده كان بسبب ذلك ذكر الشايف باقتراح كان تقدم به لصالح بان يتقدم هو ببكيل وصادق الأحمر بحاشد وعلي محسن بالجيش وانه ضمن بموجب تلك الخطة دخول صعدة مائة بالمئة.  لكن صالح كما يقول الشائف في موضع آخر من البيان اعتمد على "الشيعة المغالين في صعده وقوى مركزهم الى اقصى حد فطمعوا بإعادة الحكم لهم." [29]

ورغم ان بيان شيخ مشايخ بكيل السابق احتوى على الكثير من الضرب من تحت الحزام الإ انه من الواضح ان الشيخ الشايف كان يدرك تماما هوية القوى الداخلية والخارجية التي تقف خلف المؤتمر ولذلك اكتفى بتلك الإشارات حتى لا يزيد الطين بلة.  

ويمكن القول  اجمالا ان العقد الأول من القرن الواحد والعشرين في اليمن قد شهد حراكا سياسيا كبيرا وذلك نتيجة لأسباب داخلية عديدة أهمها الصراع على السلطة بين وداخل القوى الثلاث، وخارجية أهمها احداث الـ11 من سبتمبر 2001  والتصاعد الكبير في اسعار النفط خلال الفترة 2001-2007.

وكان ابر معالم ذلك الحراك ظهور اللقاء المشترك كتحالف لأحزاب المعارضة مع نهاية عام 2002،  الانتخابات النيابية في عام 2003  والانتخابات الرئاسية التنافسية لأول مرة في عام 2006، ازدهار الصحافة والمجتمع المدني، عقد الأحزاب السياسية لمؤتمراتها، وتراجع حضور الشخصيات والجماعات الأصولية المتشددة لمعظم سنوات العقد.

ولم يكن كل الحراك السياسي الذي شهده العقد ايجابيا. فبالإضافة الى حروب صالح الست مع الحوثيين في شمال البلاد، شهد اليمن مع منتصف عام 2007 ظهور الحراك الجنوبي في البداية كحركة تهدف الى لفت الانتباه لمظالم الجنوبيين، ثم تطورت بعد ذلك الى حركة انفصالية تركز بعمومية شديدة ودون تحقيق الكثير من النجاح على هوية الدولة الجنوبية السابقة على الوحدة مع تجنب الدخول في تفاصيل تلك الهوية خوفا من استدعاء تلك الصراعات العنيفة الجنوبية-الجنوبية خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات. وفي حين ان الخطاب السياسي للحراك الإنفصالي لم يختلف كثيرا عن خطاب الحزب الاشتراكي خلال المرحلة السابقة والمصاحبة لحرب عام 1994 الإ انه بات يجد الان بعد قرابة عقد ونصف من حكم الشمال الكثير من الآذان الصاغية.    

واذا كانت الحرب على الإرهاب قد حققت نجاحات خلال النصف الأول من العقد فان الصراع على السلطة وحروب النظام مع الحوثيين وتراجع الدعم الدولي بسبب الفساد والأزمة المالية العالمية قد ادت كلها الى ظهور بيئة خصبة لنمو القاعدة وتكاثرها ولتنفيذ العديد من العمليات على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ولم يكن الحراك السياسي في جانبيه الإيجابي أو السلبي بمعزل عن الصراع بين اقطاب حاشد الثلاثة من جهة أو عن الصراع بين الهويات الثلاث المهيمنة تاريخيا على السلطة من جهة ثانية، او عن تيارات الزمرة و الطغمة ولعل ذلك قد ساهم بشكل مباشر في حالة التشظي التي شهدها الحراك.

ولم يختلف حال اقطاب حاشد مع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين عن حال الأسر الهاشمية المتنافسة على السلطة في خمسينيات القرن الماضي، "فكان كل جناح يسعى الى تجميع انصاره من حوله وتكتيلهم في دائرة معادية للأجنحة الأخرى، وانصرف اركان النظام للعمل بعضهم ضد البعض الآخر.." [30]   



[1] حول هذه النقطة انظر: مايكل س. هدسون، "التجاذب الثنائي والتفكير المنطقي والحرب في اليمن" في  جمال سند السويدي وآخرون، حرب اليمن 1994: الأسباب والنتائج"، الإمارات: مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية،  1995، 36
[2] مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر: قضايا ومواقف، صنعاء: الآفاق للطباعة والنشر،  2007، 255
[3] مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر: قضايا ومواقف، صنعاء: الآفاق للطباعة والنشر،  2007، 317
[4] مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر: قضايا ومواقف، صنعاء: الآفاق للطباعة والنشر،  2007،  248-249
 [5] انظر: مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر: قضايا ومواقف، صنعاء: الآفاق للطباعة والنشر،  2007، 249 
[6] حول حزب اتحاد القوى الشعبية، انظر: احمد علي البشاري، الأحزاب والتنظيمات السياسية في الجمهورية اليمنية، سلسلة كتب مجلة الثوابت، صنعاء، 2003، 644-646
[7] حول  حزب رابطة ابناء اليمن (راي)، انظر: احمد علي البشاري، الأحزاب والتنظيمات السياسية في الجمهورية اليمنية، سلسلة كتب مجلة الثوابت، صنعاء، 2003، 625-630
[8] حول حزب الحق، انظر: احمد علي البشاري، الأحزاب والتنظيمات السياسية في الجمهورية اليمنية، سلسلة كتب مجلة الثوابت، صنعاء، 2003، 421-444
[9] د احمد محمد الدغشي، الحوثيون والظاهرة الحوثية: دراسة منهجية شاملة، صنعاء: مكتبة خالد بن الوليد، 2009 ، 14-15
[10] حول هذه النقطة، انظر:  د احمد محمد الدغشي، الحوثيون والظاهرة الحوثية: دراسة منهجية شاملة، صنعاء: مكتبة خالد بن الوليد، 2009 ، 16-18
[11] حول المؤتمرات التي نظمتها بكيل وكذلك المؤتمر الذي نظمته حاشد،  انظر: بول ك دريتش، "العامل القبلي في الأزمة اليمنية"،  في  جمال سند السويدي وآخرون، حرب اليمن 1994: الأسباب والنتائج"، الإمارات: مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية،  1995،  54-67
[12] حول  اعمال العنف التي استهدفت قادة الحزب الاشتراكي، انظر: مايكل س. هدسون، "التجاذب الثنائي والتفكير المنطقي والحرب في اليمن" في  جمال سند السويدي وآخرون، حرب اليمن 1994: الأسباب والنتائج"، الإمارات: مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية،  1995، 27
[13] انظر: احمد علي البشاري، الأحزاب والتنظيمات السياسية في الجمهورية اليمنية، سلسلة كتب مجلة الثوابت، صنعاء، 2003، 651

[14] حول هذه النقطة انظر: مايكل س. هدسون، "التجاذب الثنائي والتفكير المنطقي والحرب في اليمن" في  جمال سند السويدي وآخرون، حرب اليمن 1994: الأسباب والنتائج"، الإمارات: مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية،  1995، 33
[15] لكشف بأسماء القيادات العسكرية في الجيش الجنوبي عشية حرب عام 1994،  انظر: فيصل جلول، اليمن: الثورتان، الجمهوريتان، الوحدة (1962-1994)، بيروت: دار الجديد، 2000،  هامش 89، 177
[16] تشارلز ف. دنبار، "السياسة الداخلية في اليمن؛ تقدم ام تراجع؟" في جمال سند السويدي وآخرون، حرب اليمن 1994: الأسبابوالنتائج، الإمارات: مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية،  1995،  69
[17] مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر: قضايا ومواقف، صنعاء: الآفاق للطباعة والنشر،  2007، 324
[18] د احمد محمد الدغشي، الحوثيون والظاهرة الحوثية: دراسة منهجية شاملة، صنعاء: مكتبة خالد بن الوليد، 2009 ، 14-15 وحول الدعم الرسمي للتيار انظر ذات المرجع، 37-43
[19] "من نحن؟"، مجلس التضامن الوطني، www.nscyemen.org ،  30 سبتمبر 2012. 
[20] انظر نص الوثيقة في: "مشروع رؤية الإنقاذ الوطني"، موقع الصحوة نت alsahwa-yemennet ، 30 سبتمبر 2012
[21] "Yemen: Hamid Al-Ahmer Sees Saleh as Weak and Isolated," Cable no. 09SANAA1617, Sent 31 August 2009.
[22] "Yemen: Hamid Al-Ahmer Sees Saleh as Weak and Isolated," Cable no. 09SANAA1617, Sent 31 August 2009.
[23] لبعض الأمثلة على تلك الحملة التخويفية لحاشد، انظر:  عبد الله الظبي، "تمرد الحوثيين في اليمن وأثره على شيعة السعودية (1-2)، الحرة، العدد (1)، 1 اغسطس 2010؛علي الجرادي، "الحرب الأخيرة..هل تبدأ في العصيمات ام في سنحان؟ تكتيكات آل الصالح وآل الأحمر" الأهالي، العدد (153)، 3 اغسطس 2010، 7؛ محمد الصالحي، "الحوثيون في مواجهة فخر بيت الأحمر"، الأهالي، العدد (153)، 3 اغسطس 2010، 6 (ونشر ذات المقال في ايلاف، العدد 147، 3 اغسطس 2010، 11)؛ عبد الله الظبي، "تمرد الحوثيين في اليمن وأثره على شيعة السعودية (2-2)، الحرة، العدد (2)، 11 اغسطس 2010.
[24] حول هذه النقطة، انظر على سبيل المثال: "القيادي في المشترك حسن زيد: علي محسن متحمس لدعم الشيخ صغير عزيز ويتبنى ضرورة الا تتخلى السلطة عن القتال مع المشايخ الذين قاتلوا معها"، حديث المدينة، العدد (56)، 1 اغسطس 2010، 7
[25] انظر نص الوثيقة في: "وثيقة ابناء حاشد لحماية القبيلة من المتمردين الحوثيين"، موقع مجلس التضامن الوطني، www.nscyemen.org، 5 اكتوبر، 2010
[26] "نص كلمة الشيخ حسين بن عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس التضامن الوطني في الاجتماع الموسع لقبائل حاشد"، موقع مجلس التضامن الوطني www.nscyemen.org، نشرت في 6 اكتوبر 2010.
[27] "التغيير ينشر نص البيان الصادر عن مؤتمر قبائل بكيل في الجوف"، موقع التغيير نت، www.al-tagheer.net/news23907.html، 7 نوفمبر 2010.
[28] "انتقد الحرية المطلقة التي تؤدي للفوضى: الشيخ الشائف يعلن عن تحضيرات  لعقد مؤتمر للقبائل اليمنية..ويوجه رسالة خاصة للرئيس والحوثيين"، موقع مارب برس www.marebpress.net/news_details.php?Ing=Arabic&sid=28690، 8 نوفمبر 2010.
[29] "انتقد الحرية المطلقة التي تؤدي للفوضى: الشيخ الشائف يعلن عن تحضيرات  لعقد مؤتمر للقبائل اليمنية..ويوجه رسالة خاصة للرئيس والحوثيين"، موقع مارب برس www.marebpress.net/news_details.php?Ing=Arabic&sid=28690، 8 نوفمبر 2010.
[30] حول وضع الأسر الهاشمية في المرحلة السابقة على انهيار الإمامة، انظر: فيصل جلول، اليمن: الثورتان، الجمهوريتان، الوحدة (1962-1994)، بيروت: دار الجديد، 2000، 33- 43

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق