رغم ان دماء الثوار لم تجف بعد الا ان الإصرار الحكومي على تطبيق قانون ضريبة المبيعات بكل ما فيه من تشوهات يثير الكثير من الأسئلة عن الدوافع السياسية خلفه. واستطيع ان اجزم ان رئيس حكومة الوفاق الوطني لا علاقة له بما يجري.
والواقع اننا اذا اردنا بناء الدولة المدنية الحديثة فعلينا ان ندرك ان الدولة المدنية تقوم بشكل اساسي على الضرائب وليس على تسول الخارج. فلا دولة مدنية بدون ضرائب. لكن الدولة المدنية هي ايضا دولة الحقوق والواجبات ودولة العدالة والمشاركة. فلا ضرائب بدون تمثيل حقيقي ومشاركة سياسية فعالة. ولا يطيع الناس القانون في الدولة المدنية الإ عند ما يشاركون في صنعه ويقتنعون بعدالته وبتحقيقه للتوازن بين المصالح المتنافسة في المجتمع وعدم تغليبه لمصلحة على اخرى.
وبالنسبة لقانون ضريبة المبيعات الذي كان وما زال مثار خلاف بين الحكومة وقطاع الأعمال منذ سنوات فان الخلل فيه يكمن في الطريقة التي اعد بها من قبل طرف واحد ودون ان تشارك في سنه الأطراف المعنية وعلى نحو خاص المستهلكين وقطاع الأعمال. ولذلك فان افضل الحلول من وجهة نظري هو اعادة صياغة القانون من خلال عملية غير مسيسة تضمن النمو الطبيعي لقطاع الأعمال بعيدا عن الهندسة السياسية.
ويمكن ان يتم اعادة صياغة القانون بواسطة لجنة خبراء تضمن تمثيلا قويا ومتوازنا لكل من المستهلكين وقطاع الأعمال والحكومة (مجلس الوزراء ومجلس النواب)، وعلى ان تتولى اللجنة خلال اسبوعين اعداد مشروع قانون جديد يمرره مجلس الوزراء ويصادق عليه مجلس النواب ويقوم على مبدأ "لا ضرر ولا ضرار."
وفي كل الأحوال علينا ان ندرك ان الرهان في تحقيق النمو الإقتصادي لا يقع على الحكومة وان كان دورها محوريا وانما يقع بشكل اساسي، وخصوصا في ظل تجذر الفساد في مؤسسات الدولة، على القطاع الخاص الذي اثبت انه الأقدر على تحقيق قدر معقول من التراكم في الموارد وتوظيفها بشكل فعال..