الثلاثاء، 16 مارس 2010

اليمن المطلوب تغييره (الفصل السابع: فقر الماء)



الفصل السابع: فقر الماء

"الانهيار الخطير لمصادر المياه في اليمن لا يمكن تفاديه بل يمكن تأجيله على أقصى تقدير"

عبد الرحمن فضل الإرياني-وزير المياه والبيئة في حديث لصحيفة الشارع نشرته في 9 أغسطس 2008

تقدر منظمة الصحة العالمية نسبة السكان الذين يحصلون على مياه الشرب النقية في اليمن بسهولة ويسر بحوالي 26% فقط.[1] ويتوقع المتخصصون ان تكون اليمن هي الدولة العربية الأولى التي تستنفذ مياهها الجوفية وان كان البعض لا يعرف بدقة متى سيجف حوض المياه اليمني أو يصل إلى مستوى يصعب معه على الإنسان استخراجه[2] بينما البعض الآخر يتوقع نفاذ مياه الشرب على مستوى البلاد إذا استمرت معدلات الاستهلاك الحالية في فترة تتراوح بين 50-100 سنة.[3] ويتوقع ان يكون حوض صنعاء أول حوض تنفذ منه المياه الجوفية وذلك خلال فترة قد لا تتجاوز ال20 عاما. [4] لكن هناك من يذهب إلى ان غياب التكنولوجيا اللازمة لتقدير حجم الاحتياطي المائي بدقة مثل الرادارات والأقمار الصناعية وغيرها يجعل تحديد فترة النفاذ صعبة وان كان لا يقلل من حجم المشكلة.[5]

أولا- طبيعة المشكلة

يقدر حجم المياه التي يتم الحصول عليها سنويا من المصادر المتجددة للمياه بحوالي 2.5 مليار متر مكعب. وقدر نصيب الشخص الواحد في اليمن من المياه المتجددة في عام 2001 بحوالي 125 مترا مكعبا في السنة في حين ان معدل نصيب الفرد من المياه المتجددة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يبلغ 1225 مترا مكعبا. [6] ويبلغ المعدل على المستوى الدولي 7500 متر مكعب. [7] وهذا يعني ان نصيب اليمني من المياه المتجددة 10% فقط من نصيب الفرد الذي يعيش في الشرق الأوسط، أو شمال أفريقيا، أو حوالي 2% من المعدل العالمي. وتضع هذه المؤشرات اليمن بين الدول العشر الأفقر بالماء في العالم.[8] ولان سكان اليمن قد زادوا منذ عام 2001 فان حصة الفرد اليمني من المياه المتجددة لا بد قد انخفضت عما كانت عليه.

ولا تغطي مصادر المياه المتجددة حاجة اليمنيين السنوية من الماء والتي زادت من 2.9 مليار متر مكعب في عام 1990 إلى 3.4 مليار متر مكعب في الوقت الحالي. وقد أدت الزيادة في الاستهلاك للماء إلى زيادة الفجوة بين المياه المتاحة سنويا من المصادر المتجددة والمياه التي يتم استهلاكها من 400 مليون متر مكعب في عام 1990 إلى 900 مليون متر مكعب في عام 2000.[9] وهذا يعني ان اليمنيين يستنفذون وبمعدلات متزايدة المخزون الجوفي من المياه والذي تكون خلال المئات، وربما خلال آلاف السنين. وإذا ما أراد اليمنيون إعادة التوازن بين التغذية المستمرة للمخزون الجوفي، وبين ما يتم استهلاكه من ذلك المخزون فانه سيكون عليهم، كما قال وزير المياه والبيئة، التوقف عن استخدام المياه الجوفية لفترة طويلة[10] وهو ما يعد من قبيل المستحيل.

وتستهلك الزراعة في اليمن حوالي 3.094 مليار متر مكعب، وهو ما يعادل 91% من المياه المستهلكة في حين تستهلك الاستخدامات المنزلية 288 مليون متر مكعب، وتستهلك الاستخدامات الأخرى 68 مليون متر مكعب. [11] ويتم تبديد جزء كبير من المياه التي تستخدم في الزراعة بسبب قدم أساليب الري، وبسبب استخدام المياه لري منتجات زراعية لا تضيف أي قيمة إلى المجتمع. ففي حوض صنعاء مثلا يبلغ الاستهلاك المنزلي من المياه حوالي 37 مليون متر مكعب بينما تستهلك الزراعة 176 مليون متر مكعب وتذهب 6 مليون متر مكعب للاستخدامات الأخرى. [12]

ويبرز القات كمشكلة وطنية كبيرة عند الحديث عن فقر الماء. وتذهب الدراسات إلى ان 700 الف شخص نصفهم من النساء يعملون في زراعة القات الذي يستهلكه قرابة ثلث سكان اليمن (70% من الرجال و30% من النساء البالغين) ويصل الإنفاق عليه الى 1.2 مليار دولار سنويا.[13] ويستهلك القات، الذي يزرع 85% منه في محافظات عمران، ذمار، صنعاء، اب، وحجة حوالي 30% من المياه المستخدمة في الزراعة على مستوى البلاد.[14] وفي حوض صنعاء وحده يذهب 60% من المياه المستخدمة في الزراعة إلى القات الذي يغطي قرابة 40% من الأراضي الصالحة للزراعة.[15] وتتوسع المساحة المزروعة بالقات عاما بعد آخر حيث زادت من حوالي 136 الف هكتارا في عام 2006 الى حوالي 141 الف هكتارا في عام 2007 في حين زادت الإنتاجية من قرابة 147 الف طن الى 165 الف للفترة نفسها. [16] ويصل عدد أشجار القات في اليمن إلى حوالي 260 مليون شجرة تقطف في السنة بين 3 و4 مرات.[17]

لقد شهدت اليمن خلال السنوات السابقة بعض التحولات الاجتماعية والاقتصادية وخصوصا في مجالات النمو السكاني ومعدلات التركز السكاني في المناطق الحضرية. ولم تتمكن التحولات السياسية من مواكبة التحولات في المجالات الأخرى عن طريق سن القوانين التي تنظم استخدام المياه والعمل على تنفيذها. وفي حين غابت الحكومة عن تنظيم المياه، سادت العشوائية في حفر الآبار. ولا تزال تلك العشوائية حاضرة حتى اليوم رغم سن قانون المياه. وما زال 90% من عمليات حفر الآبار يتم، كما يقول وزير المياه والبيئة من دون تراخيص، ويقوم بها نافذون في ظل غياب لجهات الضبط. [18]

ويقدر عدد الآبار الخاصة في اليمن ب45000 بئر[19] منها 14000 بئر في حوض صنعاء الذي لا تتجاوز مساحته ال1% من إجمالي المساحة الزراعية في البلاد.[20] أما عدد حفارات الآبار فتقدر ب200 حفار. وتعاني أحواض مدن تعز وصعدة وأبين من نقص إمدادات المياه. وتتوزع الموارد المائية في طول البلاد وعرضها بشكل غير عادل حيث يعيش 90% من السكان على اقل من 90 سنتمتر مكعب من الماء في السنة. [21] وانخفض مستوى المياه في حوض عمران بمقدار 30 مترا خلال خمس سنوات[22] وهو ما يعني انه قد تم استنزاف المياه التي تكونت خلال مئات السنين. فنقص مخزون الماء بمعدل 100 متر في 20 عاما يعني استنزاف المياه التي تكونت خلال 400 عام. [23]

ثانيا- المعالجات الحكومية

يمكن إرجاع أزمة المياه في اليمن بشكل أساسي إلى السياسات الحكومية التي تم أو لم يتم إتباعها. فقد تبنت الحكومة سياسة للتوسع الزراعي في منطق تعتمد على قدر محدود من مخزون المياه الجوفية.[24] كما ان الحكومة ركزت ولسنوات عديدة على تقديم المياه الصالحة للشرب بأقل تكلفة دون الاهتمام بعدالة التوزيع والاستدامة. [25] ولجأت الحكومة وما زالت تلجأ إلى بناء السدود في الكثير من المناطق بالرغم من ان سياسة بناء السدود بحسب رأي وزير المياه والبيئة ليست مجدية في بلد حار وجاف مثل اليمن وحيث ينتهي الحال بالمياه إلى التبخر. [26] وتعقد السدود من المشاكل المتصلة بالمياه بدلا من ان تحلها. وما لا يتحدث عنه الناس هو ان السدود التي يتم بنائها تصادر حقوق الناس في الماء لصالح نافذين ومراكز قوى. فبناء سد في أعالي وادي معين يعني توجيه المياه إلى مناطق أخرى بدلا من أصحاب الحق التاريخي في مياه ذلك الوادي. وقد تكون السدود مفيدة في حال وجود دراسات دقيقة لحقوق الملكية أو في حال استخدامها للحصول على مياه الشرب ولكن ليس للزراعة.[27] وما تحتاجه اليمن ليس السدود ولكن منشئات مائية تتولى تحويل المياه دون التفريط بحقوق الملكية.[28]

وحيث ان حوض صنعاء هو المهدد الأول بالجفاف فان هناك من يرى ان أفضل طريقة للتعامل مع أزمة المياه في حوض صنعاء هي تخفيض استهلاك المياه، والحد من التوسع الزراعي. ويتم استبعاد خيار تحلية مياه البحر ونقلها إلى صنعاء كحل للمشكلة لان تكلفة مثل ذلك المشروع عالية جدا ولا يمكن لليمن في ظل أوضاعها الاقتصادية القائمة تحملها. [29] وهناك من يقترح العمل على تخفيض سكان العاصمة صنعاء من مستواه الحالي الذي قدره ب2 مليون نسمة (في حين انه ربما قد وصل إلى 4 مليون) إلى حوالي 800 الف نسمة. [30] وتشكل اللامركزية عند البعض الآلية المناسبة لتفكيك التركز السكاني في العاصمة صنعاء. [31] لكن اللامركزية قد تحل مشكلة حوض صنعاء، وليس مشكلة البلاد. وقد تعيد توزيع السكان بين العاصمة والمحافظات لكنها لن تعيد توزيع السكان بين الجبال والسواحل. كما ان اللامركزية قد تخلق مشاكل اكبر بالنظر إلى تكلفتها العالية قياسا بالعائد الذي يمكن ان تحققه.

وتركز توصيات الخبراء الخاصة بطرق مواجهة أزمة المياه في اليمن على قيام الحكومة بإدارة الموارد المتوفرة بكفاءة، اعتماد اللامركزية في إدارة الموارد المائة، والاستفادة من مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وزرع محاصيل زراعية تتناسب مع مخزون المياه المتوفر في كل حوض، والسيطرة على عوامل تلويث المياه، والتركيز على المحاصيل التي يتم ريها بمياه الأمطار، والتوعية بأزمة المياه. [32]

ولا تبدو الحلول المطروحة عملية بالشكل الكافي. فالحديث مثلا عن الاستفادة من مياه الصرف الصحي قد لا يكون مجديا في ظل مؤشرات تؤكد (انظر الجدول رقم 51) بان نسبة السكان الذين لديهم تصريف صحي في اليمن لا تزيد عن 43% مقارنة بنسبة 70% في مصر، 73% في المغرب، 79% في العراق، 82% في جيبوتي، 85% في تونس، 90% في سوريا، و98% في لبنان والإمارات.

جدول رقم (51 ): نسبة السكان الذين لديهم صرف صحي محسن في اليمن وبعض الدول العربية الأخرى في عام 2004

الدولة

النسبة

السودان

34

اليمن

43

مصر

70

المغرب

73

العراق

79

جيبوتي

82

تونس

85

سوريا

90

الجزائر

92

الأردن

93

ليبيا

97

الإمارات

98

لبنان

98

قطر

100

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

وهناك حلول تبدو أكثر منطقية وشمولية وان كان الكثيرون يتجنبون الحديث عنها لأسباب سياسية.[33] وأهم تلك الحلول هو تبني سياسات عامة تشجع على إعادة توزيع سكان البلاد الذين يتركز 85% منهم في المناطق الجبلية، نحو السواحل حيث تتركز الموارد الاقتصادية وحيث يمكن حل مشاكل ليس فقط المياه ولكن أيضا الكهرباء والطرق وندرة الأراضي وغيرها من المشاكل. ولعل العقبات التي تعترض مثل هذه الحلول هي سياسية بالدرجة الأولى. فهناك من ينظر إلى المسألة من منظور سياسي شخصي أو فئوي أو قروي أو حتى مذهبي، ويرى ان إعادة توزيع السكان ستعني خروج السلطة من بدروم منزله أو فناء حديقته أو من مرابع القبيلة التي ينتمي إليها. وهناك بالتأكيد مصالح سياسية واقتصادية مشروعة وغير مشروعة ينبغي مراعاتها عند تبني سياسات بهذا الحجم لكن الإصرار على تركيز السكان في مناطق تغيب عنها الموارد، والماء في المقدمة، لا يمكن النظر إليه الا على انه قتل جماعي وان تدريجي لشعب بأكمله.

ولعل خير ما يمكن ان ينتهي به هذا الفصل هو الإشارة إلى مسألتين كثيرا ما يتحدث عنهما وزير المياه والبيئة: الأولى منهما هي ان وزارة المياه والبيئة أنشأت لإدارة الموارد المائية لكن الوزارة لم تتمكن حتى الآن من مباشرة اختصاصاتها لان 90% من الموارد المائية ما زالت تحت سيطرة وزارة الزراعة. أما المسألة الثانية فهي ان اليمنيين لا يعرفون حتى اليوم من يمتلك المياه الجوفية. هل هي ملك للدولة؟ ام هي ملك لصاحب أو أصحاب الأراضي التي تقع المياه تحتها.[34] والخوف هو ان تنفذ الموارد المائية قبل ان يتم التغلب على قضية تنازع الاختصاص حول صاحب الحق الشرعي في إدارة الموارد المائية وهل هو وزارة الزراعة والري، ام وزارة المياه، وقبل ان يتمكن اليمنيون من معرفة صاحب الحق الشرعي في ملكية المياه الجوفية.



[1] Hakim Almasmari, “Death on Tap; Yemen’s water crisis” Yemen Observer, 30 Jan 2007

[2] “Comic answer to Yemen water crisis,” News.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/7595552.stm, 4 sep 2008

[3] World Bank, Yemen Economic Updates, Spring 2006, 6

[4] Sadam Al-Ashmory, “Current government policies do not solve Yemen’s looming water crisis” Yemen Times, Issue (1184), 25 August 2008.

[5] Ibid.

[6] Christopher Ward, Yemen’s Water Crisis, the British Yemeni Society, 2001.

[7] Khaled Kassem Kaid, “Yemen’s Water Crisis,” Yemen Times, Issue (1122), 21 January 2008.

[8] Ibid.

[9] European Community, Yemen Country Strategy Paper (2002-2006), 12

[10] امين الورافي، "وزير المياه يقول...الانهيار الخطير لمصادر المياه في اليمن..."، الشارع، العدد (60)، 9 أغسطس 2008، 10-11

[11] Ibid.

[12] Sadam Al-Ashmory, “Current government policies do not solve Yemen’s looming water crisis” Yemen Times, Issue (1184), 25 August 2008.

[13] عبد الحميد المساجدي، "الحكومة تصعد معركتها مع القات"، السياسية، العدد (20390)، 10 يوليو 2008، 12-13

[14] المرجع السابق.

[15] Khaled Kassem Kaid, “Yemen’s Water Crisis,” Yemen Times, Issue (1122), 21 January 2008.

[16] عبد الحميد المساجدي، "الحكومة تصعد معركتها مع القات"، السياسية، العدد (20390)، 10 يوليو 2008، 12-13

[17] المرجع السابق.

[18] امين الورافي، "وزير المياه يقول...الانهيار الخطير لمصادر المياه في اليمن..."، الشارع، العدد (60)، 9 أغسطس 2008، 10-11

[19] Christopher Ward, Yemen’s Water Crisis, the British Yemeni Society, 2001.

[20] "مخاوف من مواجهة اليمن كارثة مائية" ، كونا.

[21] Christopher Ward, Yemen’s Water Crisis, the British Yemeni Society, 2001.

[22] Ibid.

[23] European Community, Yemen Country Strategy Paper (2002-2006), 12

[24] Sadam Al-Ashmory, “Current government policies do not solve Yemen’s looming water crisis” Yemen Times, Issue (1184), 25 August 2008.

[25] Khaled Kassem Kaid, “Yemen’s Water Crisis,” Yemen Times, Issue (1122), 21 January 2008.

[26] امين الورافي، "وزير المياه يقول...الانهيار الخطير لمصادر المياه في اليمن..."، الشارع، العدد (60)، 9 أغسطس 2008، 10-11

[27] المرجع السابق.

[28] المرجع السابق.

[29] Sadam Al-Ashmory, “Current government policies do not solve Yemen’s looming water crisis” Yemen Times, Issue (1184), 25 August 2008.

[30] Ibid.

[31] امين الورافي، "وزير المياه يقول...الانهيار الخطير لمصادر المياه في اليمن..."، الشارع، العدد (60)، 9 أغسطس 2008، 10-11

[32] Sadam Al-Ashmory, “Current government policies do not solve Yemen’s looming water crisis” Yemen Times, Issue (1184), 25 August 2008.

[33] يستثنى من هذا وزير المياه والبيئة عبد الرحمن فضل الإرياني الذي تطرق باستحياء لهذا الخيار..انظر: امين الورافي، "وزير المياه يقول...الانهيار الخطير لمصادر المياه في اليمن..."، الشارع، العدد (60)، 9 أغسطس 2008، 10-11

[34] المرجع السابق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق