الاثنين، 27 أبريل 2009

حول مفهوم الديمقراطية

تنقسم الدول في العصر الحاضر من حيث طبيعة نظامها السياسي Political System إلى ثلاثة أنواع:
1- دول غير ديمقراطية Non-Democracies تجنبا لجرح المشاعر الذي تسببه التسميات الأخرى مثل الدول الاستبدادية Authoritarian Countries أو الدول الديكتاتورية Dictatorships وغيرها؛ دول يسود فيها إرادة فرد أو جماعة من الناس وذلك عن طريق استخدام القوة والقهرCoercion .
2- دول في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية Democratizing Countries؛ فهي تلك الدول التي أعلنت الطلاق مع الماضي (غير الديمقراطي) وتبنت دستورا ديمقراطيا بمعنى الكلمة لكنها ما زالت في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية بما يعنيه ذلك...
3- دول ديمقراطية Democracies ويسمى هذا النوع أيضا بالديمقراطيات المستقرة Stable Democracies. وبالنسبة لهذا النوع من الديمقراطيات فيشمل تلك الدول التي تم تثبيت النظام الديمقراطي فيها ولم يعد هناك خطر يهدد وجود ذلك النظام. فاحتمال وقوع انقلاب عسكري في بريطانيا أو أمريكا أو الهند، مثلا، يبدو ضعيفا جدا مما يجعلنا نقول بثقة أن النظام الديمقراطي أصبح ثابتا ومستقرا.
ويمكن تمثيل أنواع الأنظمة السياسية الثلاث على خط مستقيم يمتد بين طرفين أحدهما يمثل الاستبداد (غياب الديمقراطية) والآخر يمثل الديمقراطية وذلك كما موضح في الشكل رقم 1.
ويمكن القول أن الدولة تبدأ رحلتها الطويلة نحو الديمقراطية من محطة تسمى"الاستبداد" وتسافر عبر طريق قد يكون طويلا هو مرحلة الانتقال، ثم تصل بعد بذلك إلى محطة الوصول المسماة "ديمقراطية مستقرة Stable Democracy" . بعض الدول تقرر ركوب قطار التغيير مباشرة دون التحضير له. والبعض الآخر يفضل أن يقضي بعض الوقت في التحضير للرحلة مفضلا البدء بما يسمى بالإصلاح السياسي Political Reform .
ويعرف "الإصلاح السياسي" بأنه "عملية تنطوي على تخلي النظام الاستبدادي القائم عن تطبيق بعض القواعد التي تحد من الحقوق السياسية والحريات المدنية للمواطنين مع الاحتفاظ بالبني الخاصة بالنظام الاستبدادي كما هي عليه." فالدولة (أ) مثلا التي يتصف نظامها السياسي بالاستبداد والتسلط كان يشترط على كل مواطن يرغب في الحصول على وظيفة في الدولة أن يستخرج شهادة حسن وسيرة وسلوك من جهاز الأمن السياسي. كما كانت أجهزة الدولة المختصة تحتفظ على نحو مستمر بقوائم تحدد الممنوعين من السفر إلى الخارج أو من الحصول على وثائق السفر أو الظهور في الأجهزة الإعلامية، وغير ذلك من الإجراءات المرتبطة بالحد من حرية الأفراد في التصرف. ونتيجة لتطورات داخلية وخارجية عديدة قررت دولة (أ) بدء مرحلة إصلاح سياسي في البلاد. فلم يعد المواطن في حاجة إلى شهادة حسن سيرة وسلوك من الأمن السياسي ليتمكن من الحصول على وظيفة. كما أن حرية الناس في السفر لم تعد مقيدة. وتم تدريجيا تقبل فكرة أن يظهر احد الأشخاص المعارضين للنظام القائم على شاشة التلفزيون الحكومي ليتحدث حول موضوع معين. وقد تمت تلك الإصلاحات مع الإبقاء على جهاز الأمن السياسي قائما ومع إبقاء الإذاعة والتلفزيون تحت سيطرة الدولة.
ومع أن الإصلاح السياسي قد ينطوي، وفقا لصامويل هنتينجتون Samuel Huntington على عملية تخلي النخبة الحاكمة عن احتكارها للحيز العامPublic Sphere ، فانه لا يتيح للمواطنين اختيار أكثر القادة تأثيرا على مجرى السياسة العامة عن طريق انتخابات تنافسية حرة. ففي الدولة (أ) مثلا سمح للمواطنين أن ينتخبوا ممثليهم في المجالس البلدية التي تهتم بأمور النظافة والخدمات في الحارات، أو في البرلمان الذي لا يتمتع بسلطة حقيقية ولم يسمح لهم بانتخاب أكثر القادة تأثيرا في صنع السياسة العامة.
وعلى العكس من ذلك فأن مصطلح الانتقال إلى الديمقراطية يستخدم للتعبير عن مرحلة أكثر تقدما وأهمية وأشد جذرية في التغيير مقارنة بالإصلاح السياسي. فإذا كان الإصلاح السياسي بمثابة إعادة ترميم للبيت القديم الذي انطفأت ألوانه وتآكلت جدرانه، فان عملية الإنتقال هي هدم البيت القديم وإقامة منزل جديد على أنقاضه بتصميم مختلف ومواد بناء مختلفة. ولذلك تعرف عملية الإنتقال بأنها "عملية تفتيت النظام الاستبدادي القائم وإعادة بنائه وفقا للأسس الديمقراطية."
ويفرق برينن Brynen ، خوراني Korany ، ونوبل Nobel بين الإصلاح السياسي من جهة والدمقرطة (الإنتقال) من جهة أخرى بالقول انه "برغم الخلط الشائع بين المصطلحين في كل من الدوائر الشعبية والمناقشات الأكاديمية (...) فأن هاتين العمليتين (الإصلاح السياسي و الدمقرطة) لا تحملان نفس المعنى. فالإصلاح السياسي ينطوي على توسيع الحيز العام من خلال الاعتراف ب، والحماية ل، الحقوق السياسية والمدنية للمواطنين، وخصوصا تلك المتعلقة بقدرتهم على الانخراط بحرية في الشأن السياسي وبقدرتهم على تنظيم أنفسهم بحرية في سعيهم لتحقيق المصالح المشتركة. أما "الدمقرطة" فإنها تنطوي على توسيع المشاركة السياسية بطريقة تمكن المواطنين بشكل جماعي من السيطرة الحقيقية على السياسة العامة."
وبرغم أن "الإصلاح السياسي" ليس شرطا مسبقا ل"الإنتقال" فأن هذه الأخيرة تبدو امتدادا طبيعيا للإصلاح السياسي. واعتمادا على هذا الخط الفكري فأن فشل الإصلاح السياسي في خلق الظرف الملائمة والمؤدية إلى تغيير سياسي أعمق (الدمقرطة) يقود إلى التساؤل عما إذا كانت عملية الإصلاح السياسي قد أتسمت بدرجة معقولة من المصداقية أو أنها كما يلاحظ برينن، خوراني، ونوبل لم تزد عن كونها أسلوبا "لتشتيت الضغوط المطالبة بالديمقراطية."
وإذا كان الإصلاح السياسي و"الدمقرطة" يمثلان عمليات مرحلية في الطريق الطويل نحو بناء وترسيخ الديمقراطية في مجتمع ما فأنه يصبح من الضروري تعريف "الديمقراطية" وبيان ما تنطوي عليه ليس فقط لتمكين المواطنين في بلد ما من التقييم المرحلي لما تم تحقيقه ولكن أيضا لمواجهة الخطاب السياسي للنظم الاستبدادية القائمة في الوطن العربي والتي تستخدم كلمة الديمقراطية، في خطابها السياسي، بطريقة تنطوي على نية مبيتة بتزييف الوعي وإيهام البسطاء من العامة وحتى المثقفين أحيانا بان النظام القائم في بلد معين هو نظام ديمقراطي بينما هو في حقيقته بعيد عن الديمقراطية بعد السماء عن الأرض.
إن غياب الديمقراطية الحقيقية في مجتمع ما يعني في الغالب عدم قدرة النظام القائم على تحقيق أهداف وتطلعات المجتمع بما في ذلك التطلعات السياسية في المشاركة وفي التداول السلمي للسلطة وفي مسآلة كبار مسئولي الدولة. وفي ظل التناقض الصارخ بين الخطاب السياسي المدعي للديمقراطية، من جهة، وبين معطيات الواقع اليومي الزاخرة بالحرمان من الحقوق الأساسية تسود حالة من الإحباط لدى الناس وقد يتولد لديهم قناعة بأن الديمقراطية نظام فاشل غير قادر على بلوغ الأهداف التي يسعى المجتمع إلى تحقيقها. وهكذا يتحول عجز النظام الاستبدادي القائم عن أداء وظائفه إلى عجز للنظام الديمقراطي الذي لا وجود له سوى في الخطاب الإعلامي للسلطة الاستبدادية.
بالنسبة للديمقراطية وهي مصطلح على جانب كبير من الأهمية فان تعريفاتها تتعدد إلى الحد الذي يصعب معه الحديث عن تعريف محدد. ويعكس تعدد التعريفات التنوع والتعدد في المشارب الفلسفية لمفكري الديمقراطية والتعدد والتنوع في النماذج الديمقراطية المطبقة. ومع التسليم بتعدد التعريفات فانه، بالإضافة إلى المعنى الحرفي للكلمة، يمكن الحديث عن ثلاثة تعريفات يمثل كل واحد منها تصورا معينا للديمقراطية.
كلمة الديمقراطية Democracy (التي تعود جذورها إلى اللغة اليونانية) تتكون من مقطعين الأول Demos ويعني الشعب الذي يسكن في المدينة اليونانية القديمة التي عادة ما أطلق عليها "المدينة الدولة City-State " والثاني Kratos ويعني الحكمRule أو السلطةAuthority . لا غرابة إذا أن يكون أكثر التعريفات شهرة للديمقراطية بين العامة هو ذلك التعريف الذي ينظر إليها بأنها "حكم الشعب بالشعب وللشعب
Rule of , by, and for the people
ورغم الجاذبية التي يحملها هذا التعريف إلا انه يفتقر إلى الواقعية. فالقول بان الديمقراطية هي "حكم الشعب" هو قول يفتقر إلى الدقة. فبالنظر إلى واقع الديمقراطية في مختلف الدول يلاحظ أن الديمقراطية مع وجود فوارق جوهرية في الدرجة بين الدول هي حكم "بعض الشعب" وليس كل الشعب. يظل هذا القول صحيحا حتى لو فسرنا "حكم الشعب" بشكل مختلف وقلنا أن المقصود منه هو أن الشعب يحكم عن طريق اختيار ممثليه إلى المؤسسات السياسية المختلفة كرئاسة الجمهورية، مجلس النواب، المجالس المحلية، أو غيرها من المؤسسات فان ذلك لا يحل المشكلة. فلو أخذنا الولايات المتحدة كمثال للدول الديمقراطية فانه من الملاحظ ان هناك سن معينة للناخب، فالشخص الذي يقل سنه عن 18 سنة في بعض الولايات لا يحق له ممارسة حق الانتخاب. وهناك بعض الأشخاص (من الملونين في الغالب) يتم حرمانهم من ممارسة الحقوق السياسية لارتكابهم بعض الجنح ودخولهم السجن بسببها. وتتصف الديمقراطية الأمريكية، فوق ذلك، بضعف الإقبال على التصويت في كل أنواع الانتخابات. فهل يصح أن نقول عن الديمقراطية على ضوء المثل الأمريكي أنها "حكم الشعب" إذا كان الذين يشاركون في الانتخابات يقلون عن نصف السكان الذين يتمتعون بحق التصويت؟ وهل تكون الحكومة ممثلة للشعب إذا كان الذين صوتوا لصالحها هم في النهاية نسبة بسيطة من السكان؟
صحيح أن المجتمعات الإنسانية قد طورت بعض النظم التي تعطي الناس دورا مباشرا في السلطة وفي اتخاذ القرار؛ فالنظم الفدرالية Federal States مثل الولايات المتحدة، كندا، استراليا، والهند، مع اختلاف الدرجة، قد تتيح للمواطنين ممارسة السلطة بشكل مباشر على مستوى الولاية، المدينة، و البلدة—وربما ما هو أدنى من ذلك. وصحيح أيضا أن بعض الدول تلجأ إلى توظيف بعض الآليات التي تمكن مواطنيها من اتخاذ القرارات بأنفسهم في بعض الموضوعات الهامة كالاستفتاءات Referenda. لكن الأكثر صحة هو أن النظم الفدرالية لا تعني أبدا مشاركة الكل في صنع القرار. كما أن استخدام الاستفتاءات يتم على نطاق ضيق وفي عدد محدود من الموضوعات. ضف إلى ذلك إن الاستفتاءات ذاتها يمكن أن تعاني من نفس مشاكل الانتخابات من حيث نسبة المشاركة.
ومع ان هناك احتمال كبير بأن تؤدي الثورة التكنولوجية القائمة وخصوصا استخدام الإنترنت إلى التخفيض الهائل لكلفة المشاركة السياسية للمواطنين وذلك عن طريق تمكينهم من التصويت وهم في منازلهم، لكن التكنولوجيا قد تحل مشكلة معينة وتخلق مشاكل أخرى.
الصحيح إذا هو أن نقول بان الديمقراطية هي حكم "بعض الشعب" سواء قصدنا من كلمة "حكم" الممارسة الفعلية للسلطة أو اختيار ممثلين يقومون بالممارسة الفعلية للسلطة نيابة عن الناخبين. ذلك البعض قد يمثل نسبة كبيرة أو صغيرة من عدد سكان الدولة اعتمادا على عوامل كثيرة. ويمكن قول نفس الشيء عن الجزء الثاني من التعريف المثالي للديمقراطية "بالشعب" والذي يمكن فهمه على أنه يعني أن أولئك الذين يمارسون السلطة في مجتمع ما يمثلون فئات الشعب المختلفة، وذلك بالطبع غير صحيح. فالذين يمارسون السلطة في العديد من الديمقراطيات لا يمثلون فئات الشعب المختلفة. فمجلس الشيوخ الأمريكي مثلا (يتكون من مائة عضو) ليس فيه حتى عضو واحد يمثل الطبقة العاملة. ومجلس النواب الأمريكي (الشق الثاني من السلطة التشريعية) يتكون من 438 عضوا ومع ذلك فان نسبة النساء فيه لا تزيد على 15% في أحسن الأحوال. الأصح إذا هو أن نقول أن الديمقراطية هي حكم "بعض الشعب، ببعض الشعب" كما يؤكد ذلك روبرت دول.
أما المكون الثالث للتعريف المثالي فيتمثل في التعبير "للشعب" وهو ما يمكن تفسيره على أن فوائد الحكم يتم توزيعها لأفراد الشعب على نحو عادل (و لا نقول سواسية). وهذا أيضا غير صحيح. فبعض الشعب الذي يمارس السلطة بتفويض من "بعض الشعب" يحكم لصالح "بعض الشعب" وليس لمنفعة كل الشعب. فتعريف الديمقراطية إذا بأنها "حكم الشعب بالشعب وللشعب" هو تعريف غير واقعي في أحسن الأحوال ومضلل في أسوء الأحوال.
وإذا كان التعريف السابق هو الأقل أهمية، فان التعريف الذي يتبناه هنتينجتون Huntington للديمقراطية يأتي في المرتبة الثانية من حيث الشيوع والأهمية. فهنتينجتون ينظر إلى الديمقراطية على أنها "نظام سياسي يتم فيه اختيار صناع السياسة العامة الأكثر تأثيرا عن طريق انتخابات دورية يتنافس فيها المرشحون في الحصول على الأصوات بحرية ويتمتع فيها كل المواطنين البالغين بحق التصويت." وكما هو واضح فان تعريف هنتينجتون يركز على عدة مسائل.
فهو، أولا، ينظر إلى الديمقراطية على أنها "تمثيلية" أو "نيابية" يختار فيها الناس من يقوم بصنع السياسة، بالنيابة عنهم. وهنتينجتون، بذلك، ينفي عن الديمقراطية المعاصرة إمكانية ان تكون مباشرة كما كان عليه الحال في المدن الدول لدى اليونان او في الدويلات الإيطالية التي ظهرت في العصور الوسطى. ثانيا، ليس شرطا في النظام الديمقراطي الذي يرسم ملامحه هنتينجتون، وهذا نزول بالديمقراطية من النماذج المثالية غير الواقعية و التي تتغنى بنظام "حكم الشعب، بالشعب، وللشعب" إلى ارض الواقع، أن يكون كل شخص منتخبا. المهم في رأي هنتينجتون هو أن يكون أعلى الناس منصبا وأكثرهم تأثيرا داخل النظام مختارين عن طريق الانتخابات.
والتركيز على نوعية الأشخاص الذين يتم انتخابهم ودورهم في النظام السياسي مهم جدا في سياق الوطن العربي. فليس خافيا عل أحد انه تجري في الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه انتخابات في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى. لكن المشكلة تتمثل اما في أن الذين يتم انتخابهم في اغلب الأحوال لا حول لهم ولا قوة وليسوا من يصنع السياسة العامة في البلد، أو ان عملية انتخابهم تفتقر إلى شروط الدورية، الحرية، النزاهة، والعدالة. فالسلطة في الوطن العربي بشكل عام، مع اختلاف في الدرجة، مركزة في الجهاز التنفيذي وذلك على حساب السلطتين الأخريين (التشريعية والقضائية). وفي داخل السلطة التنفيذية فان السلطة مركزة بيد الرئيس أو الملك أو السلطان أو الأمير أو في عدد محدود من الأشخاص.
ثالثا، يركز تعريف هنتينجتون على الانتخاباتElections إلى الحد الذي تصبح معه الانتخابات مرادفة للديمقراطية. فالانتخابات، عند هنتينجتون، هي بمثابة روح الديمقراطية وشرط الشروط Sine Qua Non والذي لا يمكن في غيابه الحديث عن الديمقراطية. والملاحظ أن هنتينجتون يشترط في تلك الانتخابات الدورية، التنافس الحر على الأصوات، وتمتع كل المواطنين البالغين بحق التصويت. ورغم أنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية في ظل غياب الانتخابات الإ أن المشكلة تتمثل في ان الانتخابات بقدر ما تمثل شرطا ضروريا فانه من الصعب ان يكون كافيا بحد ذاته لقيام الديمقراطية.
رابعا، تعريف هنتينجتون يركز على الجانب الإجرائي (كيف يتم اختيار الحكام؟) في تحديد طبيعة النظام. وتعريفه للديمقراطية بأنها نظام للحكم يتم اختيار الحاكمين فيه عن طريق الانتخابات يبدو أقرب ما يكون إلى التعبير عن "الديمقراطية الأمريكية" وليس عن الديمقراطية كنموذج للحكم قد تقترب منه الدول أو تبتعد. واختزال الديمقراطية بهذا الشكل هو أقرب ما يكون إلى تبرير للنموذج الأمريكي في الديمقراطية منه إلى الدراسة العلمية والفلسفية المقارنة. فلو سأل هنتينجتون: أليس مهما من يحكم ولصالح من يحكم (وهي أمور ركز عليها الفلاسفة اليونانيون وخصوصا أرسطو) فانه سيعتبر إجابة تلك الأسئلة بمثابة أمر ثانوي. فالديمقراطية بالنسبة له ولبعض علماء السياسة الآخرين لا تعني أبدا نظاما مثاليا. بل أن الحكومة الديمقراطية، في نظرهم قد تكون فاسدة، وغير فعالة. وكون الحكومة فاسدة أو غير فعالة يجعلها غير مرغوبة من قبل المحكومين ولكنه لا يقلل من ديمقراطيتها.
ورغم تأكيد هنتينجتون، في تعريفه، على أن الانتخابات ينبغي أن تكون تنافسية ودورية ويتمتع كل المواطنين البالغين فيها بحق التصويت، الإ أن تعريفه لا يخلو من عيوب جوهرية. أهم تلك العيوب هو إغفال الإشارة الواضحة إلى بعض المسائل المتصلة بجوهر الديمقراطية كحرية التنظيم وحرية التعبير. كما ان هنتينجتون يجرد الديمقراطية من أي مضمون يتصل بالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين المرشحين. وتقتصر اشتراطات هنتينجتون، بالنسبة للانتخابات، على الدورية والتنافس وضمان حق التصويت دون ربط ذلك بحدوث عملية تداول للسلطة أو تحقيق أهداف معينة أو خلق حكومة نظيفة أو استقرار سياسي أو حتى ممارسة أولئك المتمتعين بحق التصويت لذلك الحق. زد على ذلك أن تعريف هنتينجتون لا يعكس التنوع في النماذج الديمقراطية ولا التفاوت في درجة الديمقراطية. ديمقراطية هنتينجتون تعتبر بمثابة ديمقراطية الحد الأدنى، ويبدو النظام السياسي الأمريكي، خير ممثل لهذا النوع من الديمقراطية.
ويعتبر تعريف روبرت دول Robert Dahl للديمقراطية من أكثر التعريفات شمولية وقبولا بين علماء وممارسي السياسة بشكل عام وبين دارسي الديمقراطية بشكل خاص. وقد يعود ذلك إلى احتلاله مكانة وسطية بين تعريفين (أو مدرستين): أحداهما مفرط في المثالية إلى الدرجة التي يحمل فيه الديمقراطية ما لا تحتمل؛ والآخر مفرط في التبسيط إلى الحد الذي يختزل فيه الديمقراطية بالانتخابات.
يعرف دول الديمقراطية بأنها نظام للحكم يحتوي على ثمان مؤسسات:
1- حرية المواطنين في تشكيل مختلف التنظيماتFreedom of Association ( بما في ذلك الأحزاب السياسية Political Parties وجماعات المصالحInterest Groups وجماعات الضغطPressure Groups ) والانضمام إلى عضويتها.
2- حرية التعبير.
3- حق التصويت.
4- حق الترشيح للمناصب العامة.
5- حق القادة السياسيين في التنافس على رضاء الناخبين وتأييدهم.
6- حق المواطنين في الحصول على المعلومات من مصادر مختلفة.
7- انتخابات حرة وعادلة.
8- عكس السياسات العامة لرغبات وتفضيلات المواطنين كما عبروا عنها عن طريق التصويت أو باستخدام الوسائل الأخرى.
وهذه القائمة من المؤسسات التي يعتبرها دول ركيزة النظام الديمقراطي تبدو شاملة ومبسطة بشكل كاف إلى الحد الذي يمكن معه عمل قوائم فرعية بمكونات كل مؤسسة من المؤسسات الثمان السابقة وتطوير نماذج لقياس درجة الديمقراطية في بلد ما। وهذا هو ما تفعله مؤسسة "بيت الحرية Freedom House " في تقاريرها السنوية عن الحقوق والحريات في كل دول العالم. كما أنه من الملفت للنظر أن دول سمى كتابه الذي تناول فيه مفهومه للديمقراطية Polyarchy وهو ما يمكن ترجمته ب"حكم الأكثرية" ليتجنب في تعريفه للديمقراطية التركيز على ما ينبغي أن يكون What ought to be? وليركز بدلا من ذلك على ما هو كائن.
روابط ذات صلة
الأنظمة الإستبدادية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق