الثلاثاء، 21 أبريل 2009

صراع الأجنحة داخل الحكومة اليمنية

د. عبد الله الفقيه
21/04/2009
عن القدس العربي
تعاني حكومة الدكتور علي محمد مجور، (من مواليد محافظة شبوة في جنوب اليمن في عام 1953 ودخل الحكومة لأول مرة كوزير للثروة السمكية في عام 2003)، العديد من الصراعات بين أجنحتها رغم انها كسابقاتها من الحكومات اليمنية التي شكلت منذ عام 1997 تنتمي الى حزب واحد هو المؤتمر الشعبي العام. ومؤخرا بدأت تلك الصراعات المكبوتة تطفو على السطح وتزداد حدة وذلك نتيجة لعوامل عديدة ابرزها تداعيات الأزمة المالية العالمية وتزايد ضغوط المانحين المطالبة باعادة هيكلة الحكومة التي تعتبر واحدة من اكبر الحكومات في العالم، والاتفاق الذي توصل اليه الحزب الحاكم واحزاب المعارضة في شباط (فبراير) الماضي. ولعل أهم خطوط الصراع داخل الحكومة هو ذلك الدائر بين رئيس الحكومة من جهة، ونائبه للشؤون الإقتصادية وزير التخطيط والتعاون الدولي المقرب بالنسب من الرئيس علي عبد الله صالح الأستاذ عبد الكريم الأرحبي، من جهة ثانية.

خلافات عاصفة

وقد نشر موقع نيوز يمن الإخباري اليمني يوم 10 نيسان/ابريل 2009 تصريحا ذكر انه لمسؤول لم يسمه في وزارة التخطيط يقول ان تكلفة الإصلاحات التي تنوي الحكومة تنفيذها خلال الفترة 2009-2010 والتي لا بد من تدبيرها من مصادر داخلية أو خارجية تبلغ حوالي 174 مليون دولار او ما يساوي 35 مليار ريال يمني. وتشير تفاصيل الخبر ان تلك التكاليف، التي يمكن توظيفها في استيراد احتياجات البلاد من القمح لـ18 شهرا، ستوجه بشكل اساسي لتغطية نفقات اقامة مؤتمرات، وندوات، ولقاءات تشاورية، وورش عمل، وشراء قرطاسية، وتوفير المستلزمات الضرورية لعمل اللجنة العليا للإصلاحات!
وينتهي الخبر بتأكيد مسؤول وزارة التخطيط وجود آلية لمتابعة مصفوفة الإصلاحات الوطنية تتكون من الفريق الوطني للإصلاحات الذي سيكون مقره وزارة التخطيط والتعاون الدولي-وليس رئاسة الوزراء- ومن السكرتارية الدائمة ومن لجنة وزارية عليا برئاسة نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التخطيط والتعاون الدولي-وليس رئيس الوزراء- وعضوية وزراء المالية، والصناعة والتجارة، والخدمة المدنية والتأمينات، والعدل، والشؤون القانونية، والإعلام، والداخلية، والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
ومع ان الخبر يندرج في ظاهره ضمن تلك الإخبار التي تهدف الى استجداء المانحين بمناسبة أو بدون مناسبة، الا ان المعاني الواردة بين السطور تبعث برسالة هامة الى اطراف عديدة في العملية السياسية اليمنية وفي مقدمتها رئيس الوزراء نفسه فحواها ان الأرحبي، الذي دخل الحكومة لأول مرة في عام 2001 كوزير للشؤون الإجتماعية والعمل، هو الذي يجلس خلف كرسي القيادة، وان الدكتور مجور يجلس على كرسي رئيس الوزراء لكنه لا يمارس اختصاصات الوظيفة. وتاتي رسالة الوزير الأرحبي هذه بعد خلافات عاصفة بين مجور والأرحبي-قيل انها وصلت الى الإشتباك بالإيدي- تدور حول تحديد المسؤول عن عجز الحكومة اليمنية خلال العامين الماضيين عن استيعاب حوالي 6 مليارات دولار هي اجمالي التزامات المانحين العرب والأجانب لدعم عملية التنمية في اليمن والتي تم اعلانها في مؤتمر لندن للمانحين اواخر عام 2007. ففي حين يلقي الوزير الأرحبي باللوم على مجور وذلك لإن الوزارات المستفيدة من تعهدات المانحين لم تقم بما كان ينبغي عليها القيام به خلال السنتين الماضيتين، يلقي الأخير باللوم على الأول متهما وزارة التخطيط بعدم القيام باعداد الدراسات التي طلبها المانحون للمشروعات المختلفة. ويبدو تبادل اللوم بين رئيس الوزراء ونائبه مجرد الجزء الظاهر من خلاف عميق بين الإثنين حول الإختصاصات التي يمارسها كل منهما والمسؤوليات التي يتحملها في المقابل. وقد بدأ الصراع منذ قرر الرئيس صالح في مطلع نيسان /ابريل 2007 اسناد حقيبة التخطيط والتعاون الدولي الى الأرحبي.

حكومة ظل

وكما يفهم من الخبر المذكور بعاليه فان الوزير الأرحبي يحاول، وبثقة زائدة عن الحد، تشكيل حكومته الخاصة داخل حكومة مجور. وربما ترجع الثقة الزائدة عن الحد لدى الأرحبي بقدرته على تعيين نفسه كرئيس وزراء فعلي الى شعوره بان المانحين والرئيس صالح نفسه يدعمون الخطوات التي يقوم بها وان لم يرض عنها رئيس الوزراء. وكان الأرحبي قد تمكن عند تشكيل الحكومة الحالية قبل حوالي عامين ادخال بعض من الوزراء المحسوبين عليه ومن قريته بالتحديد على أمل ان يدعموا توجهاته. لكن ما حققه الوزير الأرحبي خلال السنتين الماضيتين، ربما بسبب الصراعات داخل الحكومة، لا يكاد يذكر. ولم يتم التنبه الى الإخفاق الحكومي الكبير في استيعاب الدعم الدولي الا بسبب الأزمة المالية العالمية والتراجع الكبير في عائدات النفط.
ولن يكون ممكنا بالطبع في التشكيل الحكومي المتوقع خلال الأسابيع القادمة ان يتم اختيار جميع الوزراء من قرية واحدة في اليمن حتى يتمكن الأرحبي من النجاح في مهمته الصعبة. كما سيكون من الصعب التفريط بشخص الدكتور مجور الذي لم يظهر حتى الان حرصا كبيرا على دعم توجهات نائبه. فليس هناك ما يضمن من ان مجور لن ينضم، اذا ما تم اخراجه من الحكومة، الى ما يسمى بالحراك الجنوبي مقتفيا خطى الشيخ طارق الفضلي الذي كان حتى وقت قريب واحدا من ابرز حلفاء النظام، ثم قرر فجأة ودون مقدمات الإلتحاق بالحراك الجنوبي.
والأكثر من ذلك هو ان الحلول التي يتبناها الأرحبي للالتفاف على ضعف الأداء الحكومي تبدو اقرب الى الهروب من المشاكل وليس حلها. وتدل تجربة الصندوق الإجتماعي للتنمية الذي يديره الأرحبي ويموله المانحون ويعمل كمؤسسة مستقلة تهدف الى التخفيف من حدة الفقر وتقديم نموذج مؤسسي يحتذى، ان انشاء اطر مؤسسية جديدة للتغلب على ضعف وفساد الأطر المؤسسية القديمة قد يكون مفيدا خلال الأجل القصير لكن المؤسسات الجديدة وخلال الأجل المتوسط سرعان ما تصاب بنفس امراض المؤسسات القديمة وتتحول بدورها الى عبء على المالية العامة.
والأقرب الى الحدوث في ظل الظروف السائدة، وفي محاولة للوصول الى حكومة متجانسة، هو ان يتم التضحية بالوزير الأرحبي ولو مؤقتا. اما في حال تم الإحتفاظ بالإرحبي ومجور في نفس الوقت وكل في موقعه، فان النتيجة الواضحة لمثل تلك السياسة هي شل قدرة الحكومة واستنزاف طاقات المسؤولين العامين في صراعات جانبية وحرمان البلاد بالتالي من الإستفادة من دعم المانحين في وقت هي في أمس الحاجة لمثل ذلك الدعم بكافة اشكاله.

روابط ذات صلة

الحكومة تشكل لجنة عليا للإشراف على تنفيذ مصفوفة اصلاحات اقتصادية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق