الثلاثاء، 14 أبريل 2009

اليمن وضرورات تشكيل حكومة وحدة وطنية

د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء
عن القدس العربي
تواجه الجمهورية اليمنية العديد من الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية المتزامنة التي باتت تهدد، ليس فقط الإستقرار السياسي الذي شهد تدهورا كبيرا خلال السنوات القليلة الماضية ،ولكن ايضا وهو الأهم، الوحدة الجغرافية والوطنية للبلاد. وقد جاء اتفاق حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم واحزاب اللقاء المشترك المعارضة في اواخر فبراير الماضي على تأجيل الإنتخابات النيابية التي كان مقررا اجرائها في السابع والعشرين من هذا الشهر لمدة عامين كاملين ليعكس ادراك القوى السياسية في السلطة والمعارضة لعمق الأزمة الوطنية. ومع ان الإتفاق على تأجيل الإنتخابات لم يحل اي من الأزمات العديدة التي تعصف بالبلاد الإ انه قد وضع تلك القوى السياسية على الطريق الصحيح الذي يمكن ان يجنب البلاد الكثير من المخاطر والمنزلقات.
ويبرز خيار تشكيل حكومة وحدة وطنية بشكل واضح رغم الغموض الكبير الذي يحيط بالمشهد السياسي اليمني ورغم غياب اليقين بشأن المستقبل. وسيكون من الصعب على القوى السياسية في السلطة والمعارضة تجاوز خيار حكومة الوحدة الوطنية دون دفع تكلفة باهضة. وتنبع الحاجة الى قيام حكومة وحدة وطنية في هذا الظرف التاريخي الدقيق من تاريخ اليمن من عدة اعتبارات.
اولا، بحلول ال27 من ابريل 2009 ستنتهي شرعية الحكومة القائمة والأغلبية البرلمانية التي تمتع بها حزب المؤتمر الشعبي العام والتي ارتكزت على الآلية الإنتخابية رغم ما يعتور الأخيرة من مثالب، وستبرز بدلا عن ذلك شرعية الوفاق الوطني التي اسس لها اتفاق تأجيل الإنتخابات الموقع في اواخر فبراير 2009. وسيكون من الصعب، ومن الخطأ ايضا، أن ينفرد اي طرف بتشكيل الحكومة، واذا ما حدث مثل ذلك الأمر فان اي حكومة يتم تشكيلها ستفتقر الى المشروعية الدستورية والقانونية والى الشرعية السياسية التي تجعلها قادرة على مواجهة الأزمات القائمة والتي تمتد من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ومن السياسة الى الإقتصاد والإجتماع.
ثانيا، تواجه اليمن حركة انفصالية قوية في الجنوب، مرشحة في ظل غياب التعاطي المسئول والعقلاني مع المظالم الجنوبية في ابعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، للتحول الى حركة نضال مسلح. كما تواجه البلاد ايضا حركة تمرد قوية في شمال البلاد لم تزدها الحروب المتلاحقة منذ عام 2004 وحتى اليوم سوى قوة وتمكينا في حين انعكس اثر تلك الحروب سلبا على النظام السياسي وعلى اقتصاد البلاد ووحدته الوطنية. ويعتبر تحدي الحوثية في شمال البلاد وخطر الإنفصال في الجنوب ازمات سياسية عميقة لا يمكن لأي حزب أو قوة سياسية التعاطي الإيجابي معها بمعزل عن القوى الأخرى على الساحة، وهو ما يحتم قيام اصطفاف وطني يمكنه العمل على تفكيك الأزمتين بلا ضرر ولا ضرار. ومثل هذا الإصطفاف لا يمكن ان يتحقق بمعزل عن شراكة في صنع القرار الوطني تتجسد من خلال حكومة وحدة وطنية تمارس اختصاصاتها الدستورية كاملة، ومن خلال توافق اولي على مبادىء وتوجهات واليات الإصلاحات التي تتطلبها المرحلة.
ثالثا، اذا كانت الطفرة النفطية خلال السنوات الماضية قد مكنت النظام اليمني من البقاء والإستمرار في مواجهة الكثير من الأزمات، فان تداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها على اليمن تجعل النظام اليمني بل والبلاد ككل في مواجهة ازمة من نوع جديد قد تهلك الحرث والنسل وتأكل الأخضر واليابس. ولا يمكن لأي قوة سياسية منفردة على الساحة اليمنية مواجهة التداعيات المستقبلية المحتملة للازمة المالية والتي تهدد كيان الدولة اليمنية والسلم الإجتماعي. ويعد خيار حكومة الوحدة الوطنية الشرط الضروري لخلق اصطفاف وطني في مواجهة الزلزال المالي المدمر الذي جعل الحكومة اليمنية تتخذ قرارا بخفض موازنتها للعام الجاري بنسبة 50% قبل أن تبدأ تنفيذها والذي قد يتطلب خلال الفترة القادمة اتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية في الشارع اليمني.
رابعا، سيعتمد مستقبل اليمن خلال السنوات القليلة القادمة في ظل التحديات القائمة على طبيعة العلاقة مع المانحين الإقليميين والدوليين والذين ستكون مواقفهم بمثابة المرجح للخيارات والمسارات التي تتخذها البلاد. ومن الملاحظ ان الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي قد قابلا اعلان القوى السياسية تأجيل الإنتخابات لمدة سنتين بامتعاض شديد بعد ان كانا ينظران الى الإنتخابات كنافذة يمكن ان تمر عبرها بعض الإصلاحات الجوهرية. وهناك شك عميق لدى الأمريكيين والأوروبيين من ان النظام اليمني ومن خلال تأجيل الإنتخابات انما يحاول التهرب من استحقاقات الإصلاحات المطلوبة. وقد وجه الأمريكيون، الذين لا يشعرون بالرضا عن ما حققته اليمن في الحرب على الإرهاب وفي تحقيق التنمية الإقتصادية وغير ذلك من القضايا، العديد من الرسائل الضمنية للنظام اليمني والتي لم تخلو من محاولة للي الذراع. وفي مواجهة هذا الوضع الدولي غير الداعم للنظام اليمني تبرز الحاجة الى حكومة وحدة وطنية قادرة على ان تطمأن المجتمع الدولي من خلال اشخاصها والبرامج التي تتبناها، وقادرة ايضا على الحصول على الدعم الدولي للمالية العامة وتوظيف ذلك الدعم بكفاءة في احتواء الفقر والبطالة وتجفيف منابع الإرهاب.
خامسا، اتسم اداء الحكومات المتعاقبة التي شكلها المؤتمر الشعبي العام بشكل منفرد منذ عام 1997 وحتى اليوم بالضعف الشديد وبالفساد الذي ظل يتفاقم عاما بعد آخر وهو ما انعكس على شكل تدهور في الأوضاع الإقتصادية والأمنية والمعيشية للناس. وبلغ ضعف الحكومة حدا عجزت معه عن استيعاب حوالي 6 مليار دولار التزم بها المانحون في مؤتمر لندن الذي عقد في أواخر عام 2006. ولم يزد ما تمكنت الحكومة من الحصول عليه وتوظيفه حتى هذا التاريخ عن ال5% من ذلك المبلغ.
وفي الوقت الذي تحتم فيه المصالح العليا للبلاد والتي هي المصالح المشتركة لكل اليمنيين تشكيل حكومة وحدة وطنية تتجاوز الولاءات السياسية الضيقة الى الكفاءة وتتكامل فيها الأدوار بما يعظم من فرص اليمن في تجاوز محنه، فان العقبة الكأداء التي تحول حتى الان دون بلورة هذا المشروع الوطني الطموح هي القوى المهيمنة على السلطة والتي تغلب مصالحالها الإنانية الضيقة وغير المشروعة على مصالح الشعب اليمني، وترفع شعار "مصلحتي ومن بعدها الطوفان"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق