الأربعاء، 8 أبريل 2009

الجمهورية اليمنية والشكل الأنسب للنظام السياسي: برلماني، رئاسي، أم برلماسي؟

د. عبد الله الفقيه
أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء

ورقة مقدمة إلى ندوة "النظام السياسي الأنسب للجمهورية اليمنية" والتي ينظمها موقع التغيير بتاريخ 26 مارس 2009.

تمارس الدولة، أي دولة كانت، ثلاث وظائف رئيسية هي صنع القوانين، تنفيذ القوانين، والفصل في المنازعات التي تنشأ عن تطبيق القوانين. وفي مقابل هذه الوظائف الثلاث هناك ثلاث مؤسسات أو سلطات هي: سلطة التشريع، سلطة التنفيذ، وسلطة الفصل في النزاعات. وفي الوقت الذي تركز فيه الأنظمة الاستبدادية السلطة بيد فرد أو مجموعة من الأفراد، أو بيد حزب، أو جماعة معينة وبحيث يصبح المشرع هو المنفذ وهو القاضي، فان الأنظمة الديمقراطية تحرص على ان تكون السلطة القضائية مستقلة استقلالا تاما عن السلطات الأخرى وذلك حماية لحقوق المواطنين وحرياتهم. وبالنسبة للعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فان هناك ثلاث طرق لتنظيمها. وكل طريقة من الطرق الثلاث هي شكل من أشكال النظام السياسي.
فإذا تم الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وأعطي كل منهما الأدوات اللازمة ليتمكن من منع الفرع الآخر من زيادة سلطاته فان شكل النظام يكون "رئاسيا" كما في الولايات المتحدة. أما إذا تم دمج السلطتين التشريعية والتنفيذية فان النظام يكون "برلمانيا" كما في بريطانيا والهند والمانيا. وفي حالة الأخذ ببعض خصائص النظام الرئاسي وبعض خصائص النظام البرلماني فان النظام الناتج يكون "مختلطا" كما في فرنسا.
وعلى ضوء الأشكال المختلفة التي يمكن أن يتخذها النظام السياسي، فإن الهدف من هذه الورقة هو التعرف على الشكل الأنسب للنظام السياسي اليمني على ضوء خصائص كل شكل من الأشكال الثلاثة السابقة، وعلى ضوء ظروف اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وتتكون هذه الورقة من ثلاث جزئيات. في البداية يتم استعراض الخصائص المختلفة للنظم الرئاسية، والبرلمانية، والمختلطة. أما في الجزئية الثانية، فيتم التركيز على الجوانب التي ينبغي أن تأخذها الدولة في الاعتبار عند اختيار شكل نظامها السياسي. وفي الجزئية الثالثة يناقش الباحث النظام السياسي الأنسب للجمهورية اليمنية على ضوء احتياجات المديين القصير والطويل.
أولا- خصائص الأشكال المختلفة
1. النظام الرئاسي
يقوم النظام الرئاسي على مبدأ الفصل بين السلطات مع إعطاء كل سلطة الأدوات الدستورية والقانونية التي تمكنها من الرقابة على السلطات الأخرى. وترجع جذور النظام الرئاسي إلى الأنظمة الملكية التي ظهرت في انجلترا، فرنسا، واسكتلندا في العصور الوسطى والتي كان من ابرز خصائصها إيكال السلطة التنفيذية إلى الملكة أو الملك.
وظهر هذا النظام في العصر الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية والتي يتخذ نظامها السياسي كنموذج للأنظمة الرئاسية.وقد كتب جيمس ماديسون، احد مؤسسي الولايات المتحدة في الورقة الفدرالية رقم 51 مبررا اختيار الدستور الأمريكي لمبدأ الفصل بين السلطات يقول: "أن أعظم حماية من التركيز التدريجي للسلطة في فرع معين هو إعطاء القائمين على كل فرع الأدوات الدستورية المناسبة والدافعية لمقاومة محاولات الفروع الأخرى الانقضاض على اختصاصاتها." وأهم خصائص هذا النظام هي:
 أحادية الفرع التنفيذي: فرئيس الدولة هو نفسه رئيس الحكومة، وهو بذلك يجمع بين السلطات الرمزية والفعلية. والرئيس هو الذي يشكل الحكومة ، ويكون الوزراء مسئولين أمامه، وهو بدوره مسئول أمام الشعب. والقيد الوحيد على الرئيس في اختيار الوزراء وكبار المسئولين هو موافقة مجلس الشيوخ.
 يتم انتخاب الرئيس من قبل جميع مواطني الدولة وهو ما يعطيه تفويضا جماهيريا عاما لا يملكه غيره من المسئولين، ومن هنا جاءت تسمية النظام ب"الرئاسي."
 لا يجوز في النظام الرئاسي، وكنتيجة مباشرة لمبدأ الفصل بين السلطات، الجمع بين عضوية أكثر من سلطة في نفس الوقت وعلى أساس أن المشرع يجيب أن يختلف عن المنفذ وعن القاضي.
 فترة الخدمة للرئيس وللبرلمان محددة ولا يستطيع المشرعون محاسبة الرئيس أو عزله الا في حال الخيانة العظمى، ولا يستطيع الرئيس بدوره حل السلطة التشريعية.
 السياسات التي يقترحها الرئيس في الولايات المتحدة لا بد من موافقة الكونجرس عليها وإصدارها على شكل قوانين. ولا يخرج قانون من الكونجرس حتى يقره مجلسي الكونجرس (النواب والشيوخ) بنفس الصيغة.
 لا يصبح القانون نافذا حتى يتم إصداره (الموافقة عليه) من قبل الرئيس الذي يمكنه استخدام حق الفيتو ضد القانون المقر أو رفض التوقيع عليه. وسلطة الرئيس في استخدام حق الفيتو أو في رفض التوقيع على اي قانون ليست مطلقة. ففي حالة استخدام حق الفيتو على الرئيس إعادة القانون إلى الكونجرس الذي يمكنه بأغلبية الثلثين (في المجلسين) إصداره كقانون دون الحاجة إلى موافقة الرئيس. أما إذا رفض الرئيس التوقيع على القانون ولم يعده إلى الكونجرس فانه يصبح قانونا بعد عشرة أيام.
 للسلطة القضائية حق إلغاء القوانين التي يسنها الكونجرس والأفعال التي يقوم بها الرئيس وغيره من المسئولين التنفيذيين إذا وجدت أنها مخالفة للدستور. لكن حق السلطة القضائية في عمل ذلك يمكن الحد من تأثيره عن طريق قيام الكونجرس بتعديل القانون الذي وجدته السلطة القضائية غير دستوري. أما الخيار الآخر، فيتمثل في اقتراح تعديل الدستور وهي عملية تتصف بالتعقيد وتحتاج إلى سنوات.
 بقدر ما يعظم النظام الرئاسي من القدرة على حماية الحقوق والحريات عن طريق التوازن والرقابة المتبادلة فانه قد يؤدي في حال سيطرة نفس الحزب على التشريع والتنفيذ، وفي حال وجود التزام حزبي قوي ،إلى خلق نظام شمولي أشبه ما يكون بالأنظمة التي حكمت ما كان يعرف بالإتحاد السوفييتي.
 يفرز نظاما يأخذ فيه الفائز بكرسي الرئاسة كل شي وهو بالتالي لا يسمح بتمثيل مختلف الجماعات الموجودة على الساحة ويؤدي إلى تركيز السلطة وخصوصا إذا تم تبنيه في دولة غير فدرالية. ويحدث هذا بشكل خاص عندما يتم تبني نظام الدائرة الفردية ذا الأغلبية النسبية كنظام انتخابي وعندما يكون هناك حزب واحد فقط يسيطر على الحياة السياسية.
 يقود، في حال إتباع نظام الأغلبية النسبية في انتخاب الرئيس، إلى انقسام شديد بين الناخبين كما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي عقدت في عام 2004.
 ولا يناسب النظام الرئاسي الدول التي ترغب في تحقيق النمو الاقتصادي أو بناء الديمقراطية لان مبدأ فصل السلطات يؤدي إلى شل قدرة الحكومة على الحركة وخصوصا عندما يكون الحزب المسيطر على السلطة التشريعية مختلفا عن الحزب المسيطر على السلطة التنفيذية.
 يفتقر النظام الرئاسي، بسبب التحديد المسبق لفترة خدمة كل فرع، إلى المرونة اللازمة التي تمكنه من الدعوة إلى انتخابات مبكرة. ففي حالة حدوث أزمة بين الرئيس والبرلمان فانه لا خيار أمام الجميع سوى الانتظار حتى مجيء الانتخابات.
 يتناقض تركيز السلطة التنفيذية بيد شخص واحد تماما مع مبدأ المشاركة وبناء الديمقراطية ولا يساعد على بناء التحالفات الوطنية التي تساعد على الدمج السياسي والاجتماعي وتعزز من التماسك الوطني.
 يمكن أن يؤدي تبني النظام الرئاسي في مجتمع يتصف بالتعددية الاجتماعية (أي عدم التجانس السكاني) ويفتقر إلى التماسك إلى تعزيز النزعات العرقية والمناطقية والانفصالية.
 يؤدي النظام الرئاسي إلى احتكار السلطة في نخبة سياسية وظهور شكل معين من أشكال الإقطاع السياسي لا يخفف منه سوى الحكم المحلي واسع الصلاحيات.
ويطبق النظام الرئاسي في أربع دول فقط تصنف على أنها ديمقراطيات مستقرة وهي الولايات المتحدة الأمريكية، كولومبيا، كوستاريكا، وفنزويلا. أما الأنظمة الرئاسية التي ظهرت في العالم الثالث فقد أتسمت بالسلطوية وعدم الاستقرار.
2. النظام البرلماني
يقوم النظام البرلماني أو نموذج "وست منستر" كما يسمى أحيانا نسبة إلى مقر الحكومة البريطانية، على مبدأ " دمج السلطتين التنفيذية والتشريعية." وقد نشأ هذا النوع من الديمقراطية وترعرع في المملكة المتحدة (بريطانيا) ثم انتقل بعد ذلك إلى المستعمرات البريطانية السابقة في العالم مثل كندا، استراليا، نيوزلندا، الهند وغيرها وأهم خصائص هذا النظام هي:
 دمج السلطات: فرئيس الوزراء هو عادة عضو في البرلمان ورئيس الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان أو رئيس الحزب القادر على تشكيل حكومة ائتلافية. وتعتبر سلطة تحديد شخص رئيس الوزراء حق للبرلمان أو على نحو أدق للأغلبية فيه سواء أكانت تلك الأغلبية لحزب أو لتحالف من الأحزاب. وبما أن رئيس الوزراء هو الذي يختار وزرائه فأنه غالبا يختارهم من بين أعضاء حزبه في البرلمان أو من أعضاء الأحزاب المؤيدة له. ومع ان رئيس الوزراء يمكن ان يختار أشخاصا من خارج البرلمان كوزراء الإ ان حاجته إلى الاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية التي انتخبته تجعله يختار الوزراء من بين أعضاء البرلمان.
 وتنقسم السلطة التنفيذية في الأنظمة البرلمانية إلى قسمين هما رئيس الدولة ؛ ورئيس الحكومة. بالنسبة لرئيس الدولة (الملك أو الرئيس أو الأمير أو السلطان، ...الخ) فيمارس عادة سلطات أسمية ورمزية مثل التوقيع على القوانين والقرارات والمعاهدات واستقبال رؤساء وسفراء الدول الأخرى وافتتاح البرلمان وغير ذلك من الأمور التي يطلب منه رئيس الوزراء القيام بها. ورئيس الدولة في ممارسته لتلك الاختصاصات لا يلمك الكثير من السلطة في تقرير أي من تلك الأمور في معظم الأحيان. فبالرغم من انه يصدر القرار الذي يسمي رئيس الحكومة الإ أن دوره في الواقع هو تحصيل حاصل فهو "يكلف" ولا "يعين" رئيس الحكومة. لكن ما سبق قوله لا يمنع من أن يكون لرئيس الدولة بعض السلطات. فالأنظمة البرلمانية ليست صور كربونية عن النظام البريطاني الذي يتم الحديث عنه كنموذج، بل تختلف فيما بينها إلى حد كبير. فإذا كان هناك نظام برلماني يتم فيه انتخاب الرئيس انتخابا مباشرا من قبل الشعب كما في النمسا فأن ذلك يعني أن الرئيس لابد وأن يتمتع ببعض السلطات الفعلية. أما إذا كان الرئيس منتخبا بطريقة غير مباشرة (أي من قبل السلطة التشريعية أو أي ترتيبات مؤسسية أخرى) فأن ذلك يعني أن دوره قد يكون محدودا كما هو عليه الحال في الهند والمانيا.
 رئيس الحكومة وأعضائها (رئيس الوزراء والوزراء) هم الممارس الفعلي للسلطة ويقومون بصنع السياسة العامة معتمدين على مناصبهم في الحكومة وعلى عضويتهم في البرلمان الذي يعتبر في دول مثل بريطانيا والهند وهولندا والمانيا واليابان المؤسسة الوحيدة المنتخبة مباشرة من قبل الشعب.
 تعتبر الحكومة مسئولة عن سياساتها أمام البرلمان مسئولية فردية وجماعية. ما المسئولية الفردية فهي مسئولية كل وزير على حده عن تصرفاته الشخصية. وعادة ما يلجأ الوزراء الذين يرتكبون أخطاء معينة إلى تقديم استقالاتهم ليجنبوا الحكومة ككل الإحراج ولكي لا تتحول المسئولية الفردية إلى مسئولية جماعية يمكن أن تؤدي إلى سحب الثقة من الحكومة. وتعني المسئولية التضامنية ان كل عضو في الحكومة مسئول عن التصرفات السياسية التي تقوم بها الحكومة ككل. ويتصل هذا النوع من المسئولية بالسياسات العامة التي يتبناها مجلس الوزراء والتي تخلق مسئولية تضامنية بغض النظر عن رأي أي وزير من الوزراء. فما تتبناه الأغلبية داخل الحكومة يعتبر ملزما للأقلية التي عليها الدفاع عنه والمشاركة في تحمل مسئوليته. ويترتب على المسئولية الجماعية عقاب جماعي للحكومة حيث قد يتم سحب الثقة منها.
 تضع الأنظمة البرلمانية حد أقصى لبقاء الحكومة (غالبا خمس سنوات)، لكن البرلمان يستطيع سحب الثقة من الحكومة وبالتالي إسقاطها في أي وقت. كما ان رئيس الحكومة يمكنه ان يطلب من رئيس الدولة حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة في أي وقت أيضا.
 تساعد الأنظمة البرلمانية في الحفاظ على تماسك واستقرار الدول التي يتصف تركيبها السكاني بالتعددية (قبائل، مذاهب، مناطق، أعراق، لغات، ...الخ) وذلك من خلال قدرتها على تمثيل مختلف الفئات الاجتماعية في العملية السياسية.
 تساعد الأنظمة البرلمانية الدول المتخلفة اقتصاديا على تحقيق التنمية بشكل أسرع لأن دمج السلطات يوفر ميزتين في نفس الوقت: التمثيل السياسي والسرعة في اتخاذ القرارات وذلك على عكس الأنظمة الرئاسية التي تتصف بالبطء الشديد في اتخاذ القرارات. وقد يصل ذلك البطء إلى الجمود التام في بعض الحالات.
 قد تركز السلطات في يد رئيس الوزراء وتضعف الرقابة في حالة وجود انضباط حزبي قوي، وقد تضعف قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات سريعة في حال تعدد الأحزاب داخل البرلمان والتحالفات المعقدة.
وهناك 24 دولة ديمقراطية مستقرة في العالم محكومة بالنظام البرلماني وهي: استراليا، النمسا، باربادوس، بلجيكا، بوتسوانا، كندا، الدنمارك، المانيا، أيسلندا، الهند، ايرلندا، إسرائيل، ايطاليا، جاميكا، اليابان، ليتوانيا ، لوكسمبورغ، مالطا، هولندا، نيوزلندا، النرويج، السويد، ترينداد وتوباجو، بريطانيا.
3. النظام البرلماسي
يمكن تعريف النظام البرلماسي (المختلط) على أنه نظام للحكم يأخذ بعض خصائص النظام البرلماني وبعض خصائص النظام الرئاسي. ومن أهم خصائصه هو ان السلطة التنفيذية تتكون من جزأين: رئيس الدولة ورئيس الحكومة. وابرز الأمثلة على النظام السياسي البرلماسي هي سويسرا، وفرنسا.
ثانيا- اختيار شكل النظام السياسي
هناك عدد من الأمور التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عند اختيار النظام السياسي المناسب للدولة. ومن أهم تلك الأمور هو شكل الدولة، وضع الديمقراطية، مستوى التعليم، ....الخ
1. شكل الدولة: إما ان يكون شكل الدولة موحد وهذا يعني حكومة واحدة في عاصمة الدولة أو يكون شكل الدولة مركب أو فدرالي وهو ما يعني وجود حكومة مركزية وحكومات محلية. ويلاحظ اعتمادا على النموذج الأمريكي ان النظام الرئاسي يرتبط بالفدرالية لان الأخيرة تقلل من احتمالات تغول النظام الرئاسي وتحوله إلى نظام نازي أو فاشي.
2. وضع الديمقراطية: لا يساعد النظام الرئاسي على بناء الديمقراطية لما ينطوي عليه من تركيز للسلطة. و يؤدي تبني النظام الرئاسي في دولة تخطو خطواتها الأولى نحو الديمقراطية إلى العودة إلى الاستبداد. ومن المناسب هنا الإشارة إلى ان تبني الأمريكيين للنظام البرلماني في العراق قد كان نتيجة لأسباب كثيرة من ضمنها مدى قدرة النظام على بناء الديمقراطية وتحقيق الشرعية المطلوبة..
3. التعدد الاجتماعي: يصلح النظام الرئاسي للدول شديدة التجانس والتي لا يمكن فيها للحكام أن يتمايزوا عرقيا أو قبليا أو مذهبيا أو فئويا أو مناطقيا عن المحكومين كما لا يمكن فيها لمعارضي النظام الحشد على خطوط الهوية والانتماءات الأولية. أما تبني النظام الرئاسي في مجتمع يتصف بالتعدد وتتركز السلطة والثروة والقوة فيه على خطوط الانقسامات الأولية فان ذلك من شأنه ان يعمق الخلافات والصراعات..
4. القوى المتنافسة: يتوقف شكل النظام السياسي المناسب للدولة على مدى تجانس القوى المتنافسة. فإذا كانت القوى المتنافسة تتصف بعدم التجانس وإذا كانت الانتماءات الأولية توظف في عمليات التكتل والاصطفاف السياسي فان ما يفعله النظام الرئاسي هو حشد قوى المراجعة في مواجهة قوى الهيمنة وهو ما يقود بعد ذلك إلى الصراع الاجتماعي العنيف.
5. مستوى التعليم: يتطلب النظام الرئاسي مستوى عال من التعليم يمكن الأفراد من استيعاب حقوقهم والسعي للدفاع عنها ورفض علاقات التبعية السياسية والعمل على تحقيق التوازن بين السلطات على الصعيد الواقعي.
6. عوامل أخرى: هناك عوامل أخرى يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تحديد الشكل المناسب للنظام السياسي. ومن تلك العوامل وضع التنمية في البلاد من حيث درجة التحقق ودرجة التوازن، ومدى الحاجة إلى حكومة قوية، ووضع النساء في المجتمع ومطابقة ذلك الوضع للدور المرسوم لهن، ثقة الأطراف السياسية ببعضها البعض، قدرة الأطراف المختلفة على تغليب المصلحة الوطنية، ودرجة الرقابة المطلوبة داخل النظام والتجارب السابقة.
ثالثا- النظام الأنسب لليمن
يتطلب الحديث عن النظام السياسي الأنسب لليمن التفريق بين ثلاثة انواع من الأنظمة السياسية: ما هو موجود اليوم في اليمن، وما هو مطلوب، وما هو ممكن. ما هو موجود اليوم ليس بالنظام البرلماسي كما يقول البعض، أي يأخذ ببعض خصائص النظام الرئاسي و بعض خصائص النظام البرلماني، بل هو نظام تتوفر له جميع خصائص النظام الاستبدادي وأهمها التركيز الشديد للسلطة، منع ظهور أي قوة منافسة، اضطهاد المعارضة، حكم الأفراد وليس حكم القانون، إضعاف المجتمع المدني، وغير ذلك من الخصائص.
فقرابة عشرين عاما من الانتخابات لم تمكن اليمني، كما يقول الدكتور عادل الشرجبي في كتابه أزمة التحول الديمقراطي في اليمن، من تغيير حكامه أو من تغيير الطريقة التي يحكمون بها. والنظام الأنسب لليمن في كل الأوقات هو النظام البرلماني أو أي شيء قريب منه وذلك للأسباب التالية:
1. التعدد الاجتماعي والذي يجعل الوصول إلى الرئاسة هدفا للفئات الاجتماعية المختلفة طالما تم اختزال السلطة التنفيذية في موقع واحد.
2. النمط للتاريخي للصراع السياسي حيث عملت كل فئة اجتماعية وصلت إلى السلطة على التشبث بها وامتلاكها وممارسة الإقصاء ضد الفئات الأخرى وحتى ضد اقرب المقربين وما ارتبط بذلك النمط التاريخي من غياب للاستقرار وإهدار للموارد. ولا تمثل الفئة المسيطرة اليوم استثناء لذلك النمط.
3. النمط التاريخي للتدخلات الخارجية المستمرة في الشأن اليمني لصالح هذا الفريق أو ذاك مما يجعل من المستحيل علي أي فئة البقاء في السلطة إلى الأبد.
4. تجربة اليمنيين التاريخية مع حكم الفرد والتي جعلت الانتقال من القيادة الفردية إلى القيادة الجماعية هدفا لكل اليمنيين سواء قبل الثورة أو بعدها وسواء أكان الفرد مستبدا ظالما أو مستبدا عادلا.
5. مقتضيات الحفاظ على الوحدة الوطنية وتجنب سيناريوهات البلقنة التي تتغذى دائما على التركيز الشديد للسلطة والإقصاء الذي يتم ممارسته على الفئات الاجتماعية خارج السلطة.
وإذا كان النظام البرلماني هو النظام الأنسب لليمنيين اليوم أو غدا أو حتى بعد مائة أو ألف سنة، كما يعتقد كاتب هذه الورقة، فان هناك طريق واحد صحيح لبنائه في مقابل 1000 طريق خاطئ. أما الطريق الصحيح فهو الطريق التدرجي الذي يقوم على استيعاب مختلف الظروف التي يمر بها المجتمع وعلى ترسيخ ثقافة وقيم المواطنة المتساوية والديمقراطية. وليكن بينا للجميع ان الانتقال إلى نظام برلماني كامل الشهر القادم مع الإبقاء على كل شيء آخر على حاله لن يحل مشاكل اليمن كما يتوقع البعض ولكنه سيحول الصراع السياسي بين الجماعات من كونه صراع على رئاسة الجمهورية إلى كونه صراع حول رئاسة الوزراء. .
وما تحتاجه اليمن في المرحلة الحالية هو نظام يحقق الشراكة الوطنية في السلطة والثروة ويعزز المواطنة المتساوية ويحافظ على وحدة البلاد ويفعل الأنظمة والقوانين ويحقق التنمية الاقتصادية، ويحاسب الفاسد ويكافئ المحسن، وليس مهما بعد ذلك ما الاسم الذي نطلقه عليه. فلن يكون بالتأكيد نظاما رئاسيا كاملا أو برلمانيا كاملا أو استبداديا. والأرجح انه سيكون نظاما برلماسيا.
وهناك عددا من الإصلاحات التي يمكن ان تحقق التطور الذي تتطلبه المرحلة، وابرز تلك الإصلاحات هي حظر التحزب على رئيس الدولة، جعل رئيس الوزراء يأتي من البرلمان، القائمة النسبية، تفعيل الدور الرقابي لمجلس النواب، الاستقلال التام للقضاء، الإعلام الحر، والحكم المحلي واسع الصلاحيات.
الورقة متاحة ايضا على موقع التغيير على العنوان التالي
http://www.al-tagheer.com/news.php?id=8310
كما يمكن الحصول على الورقة على شكل ملف ورد عن طريق الرابط التالي
http://www.al-tagheer.com/editor_images/D_Faqeeh2.doc

هناك تعليقان (2):

  1. دولة ديمقراطية بنظام رئاسي فيدرالي تنفيذي .

    ردحذف
  2. رغم ان النظام السياسي هو الاصلح لليمن لكن نقص الوعي السياسي وعدم المعرفة الكاملة بهذا النظام هي من جعلت منه تجربة سلبية في اليمن.


    416

    ردحذف