الأربعاء، 26 مايو 2010

اليمن المطلوب تغييره (الفصل التاسع: فقر المواصلات)


 شهد الثلث الثاني من شهر ديسمبر 2008 حادثة تمثل سابقة من نوعها. فقد حوصر المئات من الحجاج اليمنيين في مطار الملك عبد العزيز بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية لأكثر من أسبوع بسبب خلاف نشب بين الخطوط الجوية اليمنية ووزارة الأوقاف. وفي الوقت الذي حملت فيه وزارة  الأوقاف الخطوط الجوية اليمنية مسئولية ما يحدث لأنها لم تلتزم بجدول الرحلات المحدد فان الخطوط الجوية اليمنية بدورها أرجعت أسباب التأخير إلى الازدحام الشديد لمطار الملك عبد العزيز. وفي الوقت الذي أكدت فيه الخطوط الجوية اليمنية بأنها تكفلت بإيواء وإطعام الحجاج الذين تأخرت رحلاتهم، فان الحجاج نفوا في تصريحات إعلامية ذلك. وقال بعضهم أنهم اضطروا إلى التسول بعد نفاذ نقودهم.[1] ونقلت وكالة سبأ للأنباء في 15 ديسمبر عن الكابتن عبد الخلق القاضي، رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية اليمنية،  بان الشركة "قامت هذا العام بنقل الحجاج من أقصى شرق آسيا وبعض الدول الأوروبية، ووصلت إلى نقاط جديدة في إفريقيا مثل بوركينا فاسو ومورينييو وزنجبار."[2]       
تعاني الطرق في اليمن العديد من أوجه القصور.. فرغم ان الطرق تصمم في العديد من دول العالم لتربط الناس بالموارد والأنشطة الاقتصادية، الإ ان الطرق في اليمن قد تصمم بشكل أساسي لتربط الناس بمراكز النفوذ. وفي مقابل طرق لا يسافر عليها الناس الإ نادرا، هناك الكثير من المسافرين الذين لا يجدون طرقا يسافرون عليها.  ولا يخضع توزيع الطرق بين المحافظات، أو بين المديريات داخل كل محافظة، لأولويات التنمية بقدر ما يخضع لاعتبارات السياسة والنفوذ الشخصي والعلاقة بصانع القرار.    
وتتميز كل الطرق تقريبا بسوء التنفيذ.  فقد ذهب إعصار حضرموت في عام 2008  بمليارات الريالات التي تم إنفاقها على  بناء وسفلتة طرق  لم تصمد طويلا في مواجهة السيول. أما في محافظة أب، فلم يحتاج الأمر إلى إعصار في عام 2007.  فقد تم اختيار المحافظة في ذلك العام لتكون مكانا للاحتفال بعيد الثورة وليتم إعطاء دفعة للتنمية فيها دفعة قوية.  وتم على عجل تبديد مليارات الريالات على سفلتة بعض الطرق ليتم افتتاحها أثناء الاحتفال بذكرى قيام الوحدة.  وقد جاء السيل فجرف تلك الطرق بين عشية وضحاها. بعضها كان قد تم افتتاحه والبعض الآخر كان ما زال في طور الإنجاز.  
ومن النادر جدا ان يسافر الشخص على طريق أو شارع ليس مليئا بالحفر أو لم تتآكل طبقة الأسمنت في الكثير من أجزائه.    وغالبا ما يتندر الناس بالقول ان موردي قطع غيار السيارات هم  الذين يقفون خلف فساد الطرق على اعتبار أنهم على مستوى الداخل المستفيد الوحيد من خرابها.
وما زال ابرز طريقين في اليمن هما طريق الحديدة صنعاء وطريق تعز صنعاء، وقد تم شقهما وسفلتتهما في عهد المملكة المتوكلية اليمنية قبل أكثر من نصف قرن. وما زال الطريقين كما هما منذ دخلا الخدمة. ويتكون كلا منهما من خط واحد يمر عبره السائقون في اتجاهين. وتؤدي محاولات التجاوز على الخطين وخصوصا على خط صنعاء تعز إلى حوادث مروعة.   وغالبا ما تؤدي الحوادث على خط صنعاء تعز إلى إغلاق الطريق الذي يعتبر الأكثر ازدحاما في البلاد لساعات . أما على طريق صنعاء الحديدة، فان انقلاب ناقلة للغاز قد يؤدي إلى تعطل الطريق ليومين أو ثلاث أيام.
جدول رقم (55): الطرق المسفلتة وتحت التنفيذ في اليمن (2008)
النوع
قيد التنفيذ (كم)
المنفذ (كم)
طرق الربط الدولية
298
2978
طرق رئيسية
1546
3084
طرق ثانوية
9431
5721
طرق ريفية
539
772
الإجمالي
11724
12555
المصدر: وزارة الأشغال العامة،  www.mpwh-ye.net
وتقول وزارة الأشغال العامة على موقعها الإلكتروني الذي تم زيارته في 17 سبتمبر 2008   (انظر الجدول رقم 55) ان الطرق التي تربط اليمن بدول الجوار يبلغ طولها 2978 كم وان الطرق التي تربط العاصمة اليمنية صنعاء بعواصم المحافظات أو عواصم المحافظات ببعضها البعض تبلغ أطوالها  3083.7 كم. ويبلغ إجمالي الطرق المسفلتة بكل أنواعها 12555 كم. وهناك بحسب الوزارة 11724 كم تحت التنفيذ. ولعل ما تسميه الوزارة طرق تحت التنفيذ هي في الواقع مشاريع متعثرة منذ سنوات عديدة.
وتؤدي محدودية شبكة الطرق، ورداءة تنفيذها، أو غيابها، إلى رفع تكلفة نقل البضائع والمنتجات والأشخاص والحد بالتالي من قدرة الكثير من الناس وخصوصا الفقراء وسكان الريف على ممارسة الكثير من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب الانتقال.  وتصبح الأنشطة التي يمكن لأولئك الناس ممارستها محصورة في نطاق جغرافي ضيق لا يتجاوز في مساحته المسافة التي يستطيع الناس قطعها مشيا على الأقدام.  
وتساهم رداءة الطرق تصميما وتنفيذا، وسواء أكانت مسفلتة أو ترابية، في جعل اليمن واحدة من الدول التي تتميز بمعدل مرتفع في حوادث السيارات. ومع ان الصحف في اليمن لا تهتم كثيرا بحوادث السيارات، الا ان بعض تلك الحوادث المروعة، وعلى نحو متزايد،  أصبحت تجد طريقها إلى النشر في الصحف أو في المواقع الإخبارية.
فعلى سبيل المثال، لقي 13 شخصا مصرعهم وأصيب 6 آخرين في 20 سبتمبر 2008 في حادث وقع فجرا على طريق صنعاء عدن، بالقرب من مديرية الرضمة محافظة اب، وهو طريق يتكون من شريط إسفلتي واحد ذو اتجاهين.  وقد وقع الحادث عندما حاولت سيارة "ديانا" التجاوز فخرجت إلى الاتجاه الآخر، واصطدت بالباص  الذي كان متجها من صنعاء إلى الضالع حاملا على متنه 14 راكبا.[3]   وبلغ عدد الأشخاص الذين قتلوا في حوادث مرورية خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر سبتمبر 2008  والتي وافقت أيضا الأسابيع الثلاثة الأولى من رمضان 159 شخصا وبمعدل 53 شخصا أسبوعيا بينما بلغ عدد المصابين 1156 شخصا. [4]  وبلغ عدد الحوادث المرورية   945 حادثا منها 466 حادث تصادم سيارات و347 حادث دهس لمشاة. ويقدر معدل قتلى الحوادث المرورية ب35-40 شخصا أسبوعيا. [5]  
ومع ان الكثير من الحوادث المرورية لا تصل إلى الجهات المختصة، الإ ان  عدد القتلى وفقا للتقديرات السابقة هو عدد كبير قياسا بعدد السكان وعدد السيارات.  وفي عام 2008 وحده قتل حوالي 3 آلاف وأصيب أكثر من 20 ألف شخص في أكثر من 16 ألف حادث مروري.[6]    
ويكفي ان يتذكر الإنسان بعض الذين قضوا في حوادث سير، أو تعرضوا لإصابات، أو حتى  لحوادث نتج عنها أضرار مادية كبيرة، خلال الأعوام السابقة، ليدرك حجم الظاهرة.  وهناك الكثير من الأشخاص المعروفين عند الناس، والذين قضوا في حوادث، ومنهم الشيخ مجاهد أبو شوارب في 17 نوفمبر 2004، الصحفي حميد شحره رئيس تحرير صحيفة الناس في 26 أكتوبر 2006، الأستاذ يحيى المتوكل الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام في 13 يناير 2003، الصحفي إياد عصام سعيد سالم رئيس تحرير مجلة صم بم ومعه الصحفي محمد أبو بكر سليمان والصحفية نعيمة عبد العزيز محمد في 10 يناير 2007 ، السياسي صالح الجنيد المحافظ الأسبق للضالع في 16 مايو 2007 ،  أ. د عبد العزيز السقاف مؤسس ورئيس تحرير صحيفة اليمن تايمز في عام 1999، وغيرهم الكثير.
تعتبر مطارات صنعاء، عدن، الحديدة، والمكلا أهم المطارات في اليمن. وهناك عدد آخر من المطارات الأقل أهمية مثل مطار تعز. وقد صادقت اليمن في أوائل عام 2008 على اتفاقية الأجواء المفتوحة لنقل المسافرين والبضائع مع الدول العربية الأخرى والتي أخضعت اليمن بموجبها مطارات عدن والحديدة والمكلا لنصوص الاتفاقية، وعلى ان يتم ضم مطار صنعاء في عام 2009. [7]  لكن مع نهاية العام لم يكن قد حدث أي تغير يذكر في نقل الركاب، أو في الرحلات الجوية الدولية إلى اليمن. ومن ضمن الأسباب التي يوردها البنك الدولي لعدم الزيادة  في عدد المسافرين، أو الرحلات الجوية إلى اليمن، ارتفاع أسعار وقود الطائرات والخدمات المقدمة للطائرات في المطارات اليمنية، ضعف البنية الأساسية للمطارات، والوضع السياسي الذي أثر على تدفق السياح إلى اليمن. [8] 
وبالنسبة للموانئ البحرية فان أهمها هي موانئ عدن،  الحديدة، المكلا،  والمخاء.  وبالرغم من ان عدن يعتبر الميناء الرئيسي للبلاد ويمكن له ان يحقق الكثير من الازدهار، الإ ان الجهود الحكومية لتحديث الميناء قد ظلت محدودة. وتعرض الميناء إلى انتكاسة كبيرة اثر الهجوم على المدمرة الفرنسية ليمبرج في عام 2002،  بما في ذلك انسحاب الشركة السنغافورية التي كانت تشغل الميناء.   
      




[1]  انظر على سبيل المثال: "حجاج بيت الله الحرام يفترشون ارض مطار جدة"، الأيام ، العدد (5580)، 16 ديسمبر 2008، 1، 4 ؛ "مئات الحجاج اليمنيين عالقين في مطار جدة ومطالبات بالتحقيق مع المتسببين"، الصحوة، العدد (1154)،  18 ديسمبر 2008، 1-3 وكذلك الإعلان الخاص باليمنية في الصفحة الأخيرة؛ "(اليمنية) توضح أسباب تزاحم الحجاج بمطار جدة وتعتذر لهم ولذويهم"، الأيام ، العدد (5582)، 18/19 ديسمبر 2008، 1، 4
[2] "الكابتن القاضي: اليمنية نقلت هذا العام حجاجا من آسيا وأفريقيا  وأوروبا"، سبأ نت، 15 ديسمبر 2008. 
[3]  "وفاة 13 وإصابة 6 آخرين في حادث مروري مروع بمديرية الرضمة هو الأسوأ من نوعه خلال شهر رمضان"، موقع التغيير  al-tagheer.com، 21 سبتمبر 2008
[4] "أكثر من 150 قتيلا و1150 مصابا حصيلة الحوادث المرورية"، الوسط، العدد (210)، 24 سبتمبر 2008، 1، 2
[5] المرجع السابق.
[6] "وفاة 2833 شخصا بحوادث مرورية خلال عام 2008"، السياسية، العدد (20528)، 31 ديسمبر 2008، الأخيرة.
[7]   World Bank, Yemen Economic Update, Summer 2008, 14
[8]   Ibid., 13

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق