عن صحيفة الرشد
العدد 78 الصادر في 24 مايو 2010
يتصف المجتمع اليمني بالتعدد على خطوط قبلية، مذهبية، مناطقية، وفئوية. ويؤدي التعدد الاجتماعي في ظل ظروف الندرة في الموارد بالضرورة إلى درجة اكبر من الصراع إذا لم يعمل المجتمع على تطوير النظام السياسي الذي يمكن الناس من إدارة اختلافاتهم والسيطرة عليها ومنعها من التحول إلى صراعات عنيفة ومزمنة. ويمكن الحديث عن عدد من الفئات الاجتماعية المتصارعة على السلطة في المجتمع اليمني كالسادة الذين هيمنوا تاريخيا على السلطة، وكقبائل حاشد وبكيل، وكالسنة الذين يشكلون الأغلبية السكانية لكنهم ما زالوا يعيشون على هامش الحياة السياسية، وكالجنوبيين الذين يطالبون بعملية مراجعة واسعة للوحدة التي وجدوا أنفسهم بسببها على هامش الحياة السياسية والإقتصادية. ورغم ان الأقلية الزيدية الحاكمة في اليمن قد نجحت لعقود في فرض قسمة ضيزى للسلطة والثروة على الأغلبية السنية قبل الوحدة اليمنية وبعدها الإ ان التذمر في أوساط السنة يتزايد يوما بعد آخر وينبأ بانفجار قد يأتي أسرع مما يتوقع البعض.
وصحيح أن الجماعات المتمايزة المتصارعة على السلطة غالبا ما تتحالف فيما بينها إما لتتمكن من السيطرة على السلطة أو لتتمكن من مواجهتها الإ ان الصحيح أيضا أن تلك التحالفات التي تقوم فيما بينها تتصف بالوقتية والمرحلية وليست ذات طابع استراتيجي..فتحالف القبائل مع السادة أو ضدهم خلال ستينيات القرن العشرين سرعان ما انفرط عقده بعد الاتفاق على تقاسم السلطة في أواخر ذلك العقد. وإذا كانت اليمن تشهد اليوم تحالفا عابرا للجماعات في مواجهة تغول السلطة الفاسدة، فانه لا يوجد ما يشير إلى ان مثل هذا التحالف بحد ذاته يمكن ان يصبح استراتيجيا.
وهناك العديد من الطرق لتحقيق الشراكة المستدامة في مجتمع تعددي مثل المجتمع اليمني. وتأتي في مقدمة تلك الترتيبات "اللامركزية" السياسية بما تنطوي عليه من توزيع للسلطة والثروة على المستوى المحلي حيث تمتاز النظم اللامركزية بقدرتها، وفقا للكثير من علماء السياسة، على التخفيف من الصراع عن طريق توزيع أو تفتيت السلطة التي يتم الصراع حولها وتحويل معظمها إلى الأقاليم والمديريات..وتعمل النظم اللامركزية على تحويل الصراع من كونه صراعا عنيفا بين الجماعات المختلفة داخل الدولة إلى كونه صراعا داخل كل جماعة على حده، والنوع الثاني من الصراع يختلف عن النوع الأول بشكل كبير اذ يسهل مأسسته وتحويله إلى قوة ايجابية لتحقيق التنمية.
وهناك أيضا التوافق السياسي الذي يقوم على اتفاق قادة الجماعات المختلفة على التشارك في السلطة دون اللجوء إلى المحاصصة لما تنطوي عليه من تعميق للاختلافات وتجذير للصراع العنيف كما يستفاد من تجربة لبنان. ويتطلب قيام التوافق السياسي وجود قيادة سياسية ذات أفق ومشروع طني وترتكز في شرعيتها السياسية على الرضا السياسي والدعم الذي تقدمه الجماعات المختلفة. ويفشل هذا النموذج في تحقيق أهدافه عندما تتركز السلطة والثروة في إحدى الجماعات المختلفة التي تتصارع على السلطة أو عندما يعمل الحاكم على تهميش كافة الجماعات ويبدأ في الحكم لصالح نفسه وأسرته وعشيرته.
ويمثل النظام البرلماني الكامل إحدى الآليات التي يمكنها استيعاب التعدد الاجتماعي في صنع القرار السياسي وخصوصا في دولة مثل اليمن حيث تتسم الانقسامات الاجتماعية بقابلية كبيرة للدمج الاجتماعي القائم على تكافوء الفرص والعدالة.
أما الآلية الانتخابية وحكم الأغلبية فان الدلائل تشير كلها إلى أنها اقصر الطرق للعنف والتفتت وخصوصا في ظل الاختلال التاريخي في توزيع السلطة والثروة وفي ظل وضع يتمسك فيه طرف بنصيبه ونصيب الآخرين من الثروة والسلطة. وتدل الأحداث التالية لانتخابات عام 1993 وعام 2006 على ان تبني الآلية الانتخابية في اليمن وحدها لحل مشكلة الصراع على السلطة ليس الطريق الأمثل لبناء المستقبل. ومهما بلغت نزاهة العملية الانتخابية فإنها ستقود بالضرورة وفي ظل الترتيبات القائمة إلى استبعاد بعض الفئات الرئيسية من السلطة وهو ما سيقود بشكل متكرر إلى الصراع.
العدد 78 الصادر في 24 مايو 2010
يتصف المجتمع اليمني بالتعدد على خطوط قبلية، مذهبية، مناطقية، وفئوية. ويؤدي التعدد الاجتماعي في ظل ظروف الندرة في الموارد بالضرورة إلى درجة اكبر من الصراع إذا لم يعمل المجتمع على تطوير النظام السياسي الذي يمكن الناس من إدارة اختلافاتهم والسيطرة عليها ومنعها من التحول إلى صراعات عنيفة ومزمنة. ويمكن الحديث عن عدد من الفئات الاجتماعية المتصارعة على السلطة في المجتمع اليمني كالسادة الذين هيمنوا تاريخيا على السلطة، وكقبائل حاشد وبكيل، وكالسنة الذين يشكلون الأغلبية السكانية لكنهم ما زالوا يعيشون على هامش الحياة السياسية، وكالجنوبيين الذين يطالبون بعملية مراجعة واسعة للوحدة التي وجدوا أنفسهم بسببها على هامش الحياة السياسية والإقتصادية. ورغم ان الأقلية الزيدية الحاكمة في اليمن قد نجحت لعقود في فرض قسمة ضيزى للسلطة والثروة على الأغلبية السنية قبل الوحدة اليمنية وبعدها الإ ان التذمر في أوساط السنة يتزايد يوما بعد آخر وينبأ بانفجار قد يأتي أسرع مما يتوقع البعض.
وصحيح أن الجماعات المتمايزة المتصارعة على السلطة غالبا ما تتحالف فيما بينها إما لتتمكن من السيطرة على السلطة أو لتتمكن من مواجهتها الإ ان الصحيح أيضا أن تلك التحالفات التي تقوم فيما بينها تتصف بالوقتية والمرحلية وليست ذات طابع استراتيجي..فتحالف القبائل مع السادة أو ضدهم خلال ستينيات القرن العشرين سرعان ما انفرط عقده بعد الاتفاق على تقاسم السلطة في أواخر ذلك العقد. وإذا كانت اليمن تشهد اليوم تحالفا عابرا للجماعات في مواجهة تغول السلطة الفاسدة، فانه لا يوجد ما يشير إلى ان مثل هذا التحالف بحد ذاته يمكن ان يصبح استراتيجيا.
وهناك العديد من الطرق لتحقيق الشراكة المستدامة في مجتمع تعددي مثل المجتمع اليمني. وتأتي في مقدمة تلك الترتيبات "اللامركزية" السياسية بما تنطوي عليه من توزيع للسلطة والثروة على المستوى المحلي حيث تمتاز النظم اللامركزية بقدرتها، وفقا للكثير من علماء السياسة، على التخفيف من الصراع عن طريق توزيع أو تفتيت السلطة التي يتم الصراع حولها وتحويل معظمها إلى الأقاليم والمديريات..وتعمل النظم اللامركزية على تحويل الصراع من كونه صراعا عنيفا بين الجماعات المختلفة داخل الدولة إلى كونه صراعا داخل كل جماعة على حده، والنوع الثاني من الصراع يختلف عن النوع الأول بشكل كبير اذ يسهل مأسسته وتحويله إلى قوة ايجابية لتحقيق التنمية.
وهناك أيضا التوافق السياسي الذي يقوم على اتفاق قادة الجماعات المختلفة على التشارك في السلطة دون اللجوء إلى المحاصصة لما تنطوي عليه من تعميق للاختلافات وتجذير للصراع العنيف كما يستفاد من تجربة لبنان. ويتطلب قيام التوافق السياسي وجود قيادة سياسية ذات أفق ومشروع طني وترتكز في شرعيتها السياسية على الرضا السياسي والدعم الذي تقدمه الجماعات المختلفة. ويفشل هذا النموذج في تحقيق أهدافه عندما تتركز السلطة والثروة في إحدى الجماعات المختلفة التي تتصارع على السلطة أو عندما يعمل الحاكم على تهميش كافة الجماعات ويبدأ في الحكم لصالح نفسه وأسرته وعشيرته.
ويمثل النظام البرلماني الكامل إحدى الآليات التي يمكنها استيعاب التعدد الاجتماعي في صنع القرار السياسي وخصوصا في دولة مثل اليمن حيث تتسم الانقسامات الاجتماعية بقابلية كبيرة للدمج الاجتماعي القائم على تكافوء الفرص والعدالة.
أما الآلية الانتخابية وحكم الأغلبية فان الدلائل تشير كلها إلى أنها اقصر الطرق للعنف والتفتت وخصوصا في ظل الاختلال التاريخي في توزيع السلطة والثروة وفي ظل وضع يتمسك فيه طرف بنصيبه ونصيب الآخرين من الثروة والسلطة. وتدل الأحداث التالية لانتخابات عام 1993 وعام 2006 على ان تبني الآلية الانتخابية في اليمن وحدها لحل مشكلة الصراع على السلطة ليس الطريق الأمثل لبناء المستقبل. ومهما بلغت نزاهة العملية الانتخابية فإنها ستقود بالضرورة وفي ظل الترتيبات القائمة إلى استبعاد بعض الفئات الرئيسية من السلطة وهو ما سيقود بشكل متكرر إلى الصراع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق