الأحد، 23 مايو 2010

طبخة الرئيس التي لم تنضج بعد!





تحليل كتبه لموقع التغيير
د. عبد الله الفقيه
أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء

تضمن خطاب الرئيس علي عبد الله صالح  في الذكرى العشرين لقيام الوحدة اليمنية لغة تصالحية  حلت محل  اللغة الهجومية التي عادة ما تحفل بها الخطابات الرئاسية. واحتوى الخطاب كذلك  على بعض الإيجابيات التي يمكن ان تشكل مدخلا  لحلحلة الأزمات. ولكنه وفي المقابل احتوى على  بعض المضامين التي يمكن ان تعيق حدوث اي تقدم على جبهة الحوار والتعاطي مع الأزمات. والواضح اننا امام  انتقالة كبيرة في صياغة الخطاب الرئاسي.  أما المضامين فتبدو  اكثر تعقيدا. ويمكن القول أن  أهم ما ورد في خطاب الرئيس هو التالي:
1.  "إننا في هذه المناسبة ندعو كل أطياف العمل السياسي وكل أبناء الوطن في الداخل والخارج إلى إجراء حوار وطني مسئول تحت قبة المؤسسات الدستورية دون شروط أو عراقيل مرتكزاً على اتفاق فبراير الموقع بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة في مجلس النواب ..."
2.  "وانطلاقاً من ذلك فإننا نرحب بالشراكة الوطنية مع كل القوى السياسية في ظل الدستور والقانون وما يتفق عليه الجميع، وفي ضوء نتائج الحوار فإنه يمكن تشكيل حكومة من كافة القوى السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس النواب وفي المقدمة الشريك الأساسي في صنع الوحدة وشركاؤنا في الدفاع عنها، وكذلك التحضير لإجراء انتخابات نيابية في موعدها المحدد في ظل الشرعية الدستورية والتعددية السياسية، وذلك حرصاً منا على طي صفحة الماضي وإزالة آثار ما أفرزته أزمة عام 1993م وحرب صيف عام 1994م."
3.  "وبهذه المناسبة الوطنية الخالدة فإننا نوجه بإطلاق سراح جميع المحتجزين على ذمة الفتنة التي أشعلتها عناصر التمرد في صعدة، وكذا المحتجزين الخارجين عن القانون في بعض مديريات لحج وأبين والضالع، آملين أن يستفيدوا من هذا العفو وأن يكونوا مواطنين صالحين."
اوجه  التحول
تضمن الخطاب الرئاسي عددا من الإيجابيات وذلك على النحو التالي:
أ.  دعا الرئيس في خطابه كما في الإقتباس رقم (1) " أطياف العمل السياسي وكل أبناء الوطن في الداخل والخارج إلى إجراء حوار وطني مسئول" وهو ما يفهم منه ان  السلطة ولأول مرة تقبل بحوار مع الحوثيين  ومع الحراك، ومع القيادات التاريخية للجنوب.  
ب. رحب الرئيس كما في الإقتباس رقم (2) ب"الشراكة الوطنية مع كل القوى السياسية في ظل الدستور والقانون وما يتفق عليه الجميع" ولوح الى أنه  " يمكن تشكيل حكومة من كافة القوى السياسية الفاعلة الممثلة في مجلس النواب وفي المقدمة الشريك الأساسي في صنع الوحدة وشركاؤنا في الدفاع عنها." ويقبل الرئيس هنا ولأول مرة بقيام حكومة وحدة وطنية غير مرتبطة بالإنتخابات.  ويأتي الإقتباس رقم (2) من خطاب الرئيس وكانه رد على ما جاء في  "مشروع رؤية للانقاذ الوطني" وتحديدا على  النص القائل بانه جرى  بعد حرب عام 1994  "تحويل الدولة من مشروع سياسي وطني إلى مشروع عائلي ضيق يقوم على إهدار نضالات وتضحيات أبناء اليمن، والقفز على مكتسبات وأهداف الثورة اليمنية، للاستحواذ الكامل على السلطة، والاستئثار بالثروة".  
ج. اعلن الرئيس في خطابه كما في الإقتباس رقم (3) التوجيه باطلاق المعتقلين على ذمة الحرب في صعدة  والحراك الجنوبي  وهؤلاء المعتقلون مثلوا باستمرار عائقا امام قيام اي حوار.
ويبدو خطاب الرئيس اذا ما قرأ نصيا وكأنه يأخذ بالشمال ما يعطيه باليمين. أما اذا قرأ سياسيا  فإن  الواضح أن مبادرة الرئيس تنطوي  على تقاسم ثلاثي للسلطة بين  المؤتمر والإشتراكي والإصلاح  على قاعدة الشراكة  في تحقيق الوحدة والدفاع عنها  وعلى ضوء نتائج انتخابات  ابريل 1993 وبما يكفل ازالة آثار ازمة عام 1993 وآثار حرب  عام 1994.  والواضح ان ما يعرضه الرئيس على احزاب اللقاء المشترك هو ما اتهمها دائما بالمطالبة به، اي تقاسم السلطة بموجب صفقة.  ورغم ان الرئيس يشير الى الإنتخابات الإ أن ما يفهم من اشارته هو انه يدعو الى انتخابات شكلية للوفاء بالتزام دستوري في حين ان السلطة يتم التوافق عليها.   
أوجه الجمود
مع ان الرئيس  بدأ خطابه بالحديث عن حوار بدون شروط الإ انه في الحقيقة  وضع عدة شروط للحوار حدد من خلالها اطراف الحوار وموضوعه ونتائجه.  من جهة، اشترط الخطاب ان يتم الحوار تحت سقف المؤسسات الدستورية  وقصد الرئيس من ذلك امام مجلس الشورى أو مجلس النواب او الإثنان معا. فاذا كان المقصود مجلس الشورى وهو الأرجح  فإن ذلك يعني أن الرئيس لا يريد حوارا ملزما في نتائجه بل يريد حوارا  ينتهي بتقديم مشورة للرئيس فان اعجبته أخذ بها وان لم تعجبه  تركها جانبا.  واذا كان المقصود مجلس النواب فإن ذلك سيعني  استبعاد الحراك والحوثيين  ومعارضة الخارج  والقوى الأخرى غير الممثلة في المجلس.  أما اذا قصد الرئيس المجلسين معا فانه بذلك يضع للسلطة خط رجعه. فما تم الإتفاق عليه عبر الحوار الوطني يمكن الإلتفاف عليه داخل مجلس النواب على اعتبار ان اي اتفاقات لا بد ان تتحول الى نصوص قانونية تمر عبر مجلس النواب.   
من جهة ثانية،  اشار الخطاب الى أن الحوار سيرتكز على  ما يسمى باتفاق فبراير 2009  وهو اتفاق ينص على الاتي: "أولاً: إتاحة الفرصة للأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني لإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لتطوير النظام السياسي والنظام الانتخابي بما في ذلك القائمة النسبية. ثانياً: تمكين الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب من استكمال مناقشة المواضيع التي لم يتفق عليها أثناء إعداد التعديلات على قانون الانتخابات وتضمين ما يتفق عليه في صلب القانون. ثالثاً: إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وفقاً لما ينص عليه القانون." ومع ان البند اولا من الإتفاق قد يعني استبعاد قوى الخارج والحراك  والحوثيين الا انه يمكن الإلتفاف على ذلك بسهولة. ولا يضير ان الخطاب قد اشار الى قوى الخارج بالمواطنين.   
من جهة ثالثة،  أكد الخطاب على ان الحوار لا بد أن يقود الى عقد الإنتخابات المقبلة في موعدها. ورغم أهمية عقد الإنتخابات في موعدها المحدد الإ ان ذلك يعني ايضا أن الحوار لن يناقش مطلب المعارضة الرئيس المتعلق بتغيير النظام الإنتخابي لإن  تغيير النظام الإنتخابي سيحتاج الى الكثير من الوقت. وصحيح ان الإنتخابات كما يفهم من الخطاب الرئاسي  لن تكون المحدد لتوزيع السلطة الإ ان هناك الكثير من الجوانب التي ما زالت غامضة والتي تضمن ان ما يدعو اليه الرئيس ليس انقلابا على الدستور وتقاسم للسلطة بين مراكز القوى في السلطة والمعارضة.   
الجوانب الغامضة
تمثل توجيهات الرئيس  بالإفراج عن المعتقلين على ذمة حرب صعدة وحراك الجنوب والحريات الصحفية  تطورا ايجابيا اذا ما تم  تنفيذه وبسرعة لإنه يمكن ان يهيىء الأجواء لأن تعمل السلطة والمعارضة على انضاج طبخة الرئيس التي من الواضح انها  بحاجة الى المزيد من الوقت والكثير من الجهود حتى تصبح قابلة  للهضم. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق