الأربعاء، 28 أبريل 2010

اليمن المطلوب تغييره (الفصل الثامن: فقر الضوء)


 زار الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق الجمهورية اليمنية في مايو عام 2004. وأراد بعض المسئولين اليمنيين الاستفادة من تجربة ماليزيا في النهوض الاقتصادي الذي حققه الدكتور مهاثير في بلاده، فسألوه في إحدى اللقاءات عن الوصفة السحرية التي طبقها حتى حقق لبلاده تلك القفزة الكبيرة. وكان جوابه لهم هو ان سألهم عن حجم الطاقة التي تولدها اليمن. وقد ردوا عليه بان اليمن تولد قرابة ال500 ميجا من الطاقة الكهربائية. ولما سمع ذلك قال، كما روى احد الحاضرين، انه لا مجال لأي نقاش حول الاستثمار أو النهوض الاقتصادي مع ذلك القدر من الطاقة.     
 
وكان الدكتور عبد العزيز المقالح رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني والمستشار الثقافي لرئيس الجمهورية وشاعر اليمن الكبير  قد كتب في صحيفة الثورة الرسمية بتاريخ 6  يونيو 2006  حول مشكلة الكهرباء قائلا:
"اغلب الظن ان مشكلة الكهرباء في بلادنا لن تحل وكأن بينها  ومشكلة الشرق الأوسط رابطا وثيقا. وربما توصل المجتمع الدولي الى حل المشكلة الأخيرة قبل ان تتمكن بلادنا من حل مشكلة الكهرباء. والدليل على ذلك ان عشرات السنين مرت وتمر والشكوى من الكهرباء لا تتوقف والإطفاءات المتكررة لا تنقطع والأجهزة المنزلية التي فرضتها الحياة الحديثة على منازل المواطنين تحترق وتحرق معها قلوب أصحابها واغلبهم من الفقراء....وما اعر فه ان الدولة لم تبخل على هذا المرفق بقليل أو كثير مما يتطلبه  وفي حديث مع اقتصادي موثوق به ان نصف المساعدات التي كانت بلادنا تتلقاها –فيما مضى—من الأشقاء والأصدقاء تذهب لمعالجة الكهرباء وان نصف عائدات النفط تم صرفها على الكهرباء أيضا. ورغم ذلك فلا يزال نصيب الوطن كله من الميقاوات الكهربائية لا يزيد عما يمتلكه تاجر واحد في مصر او في الخليج الأمر الذي يجعل الناس يتساءلون: وأين ذهبت تلك الأموال الهائلة وفي أي بحر غرقت (؟!!)"
وكأنما ليؤكد صدق نبوءته، فقد عاد المقالح بعد مرور عامين كاملين، للكتابة من جديد حول الموضوع،  وفي نفس الصحيفة والمكان، وذلك  بتاريخ 24 يونيو 2008 :
"لقد انتهى عهد الظلام عن كل مكان في العالم، لكنه لم يزل يطاردنا، وينشر أشباحه في مدننا وقرانا، ليمنع التطور الحقيقي عن هذا البلد، ويشكل المزيد من العوائق في وجه محاولة الخروج به من أزماته الظلامية، تلك التي يبدو أنها لن تنتهي الإ مع انتهاء أزمة طفي لصي."
ولم يكن الدكتور المقالح وحده الذي وجد صعوبة في فهم لغز الكهرباء في اليمن. فهاهو مهندس الإلكترونيات احمد عبد الله العنسي يقول شاكيا اطفاءات الكهرباء لصحيفة البلاغ "احيانا يقولون لنا هناك عجز في الطاقة وأحيانا آخر يقولون هناك أعمال صيانة وهناك أزمة في الديزل وهناك خلافات مالية مع الشركات الخاصة المالكة للمولدات التي تبيع لنا الكهرباء." اما محمد علي حمود الانسي فقال حانقا "منذ قام الثورة ونحن في ظلام دامس والتيار الكهربائي صار مثل الكابوس والهم على القلب وخصوصا في شهر رمضان اطفاء الصباح ست ساعات، وبعد العصر ساعة وفي اول الليل ثلاث ساعات وفي وقت السحور والصلاة ساعة.."[1]

لم يبالغ الدكتور المقالح في حديثه عن مشكلة الكهرباء في اليمن وهي المشكلة التي تزداد سوءا عاما بعد آخر. وكان وزير الكهرباء الأسبق طرموم قد ذكر بان إجمالي ما يتم توليده في اليمن (انظر الجدول رقم 52) هو بين 550-580 ميجا في حين ان الطلب أثناء الليل يصل إلى 630 ميجا وهو ما يؤدي إلى الإطفاءات المتكررة التي يتم توزيعها على مختلف المحافظات .[2]
وتغطي الشبكة العامة للكهرباء في اليمن حوالي 40% من السكان 35% منهم في المدن و5% في الأرياف.[3]  وفي الوقت الذي تعجز فيه الكهرباء المولدة حاليا عن سد حاجات السكان الذين تم ربطهم بالشبكة فان هناك نمو سنوي للطلب على الكهرباء تقدره الحكومة ب7-10%. ويشكل عجز الطاقة الكهربائية والإنطفاءات المتكررة إحدى عوائق النمو الاقتصادي.[4] 
وكان الوزير طرموم قد ذكر في جلسة لمجلس النواب عقدت يوم 19/6/2005 ان قدم محطة الكهرباء التي يبلغ عمرها حوالي 20 عاما قد أدى إلى انخفاض الطاقة المولدة من 660  ميجاوات إلى 560 ميجاوات مما جعل وزارة الكهرباء تلجأ إلى تعميم الإطفاءات على مختلف محافظات الجمهورية اليمنية.[5]  وأكد تقرير صادر عن لجنة السلطة المحلية والخدمات بمجلس الشورى بان العمر الافتراضي  لنصف محطات توليد الكهرباء قد انتهى وان المحطات بشكل عام تشهد تراجعا في حجم التوليد بسبب غياب الصيانة.[6] 

وفي الوقت  الذي تغطي فيه شبكة الكهرباء العامة في اليمن حوالي 40% ، فان الكهرباء في كل من مصر والأردن ولبنان تغطي، كما يبين الجدول رقم  (54)، جميع السكان في الريف والحضر وبنسب تقترب من ال100%.

وبلغ معدل الاستهلاك السنوي للفرد من الكهرباء في اليمن 150  كيلو وات في عام 1998 بينما وصل متوسط استهلاك الفرد لنفس العام في الأردن ولبنان 2050، 2600 على التوالي.   وبناء على البيانات الواردة في الجدول رقم (54) فانه يمكن القول بان اللبناني يستهلك 18 ضعف ما يستهلكه اليمني من الكهرباء. أما الأردني فيستهلك 15 ضعف ما يستهلكه اليمني. 

ثانيا- المعالجات الحكومية
لم يكن الإحباط الذي عبر عنه الدكتور المقالح والذي تم الإشارة إليه في بداية هذا الفصل دون مبرر. فقد بلغ الدعم الحكومي السنوي لقطاع الكهرباء خلال السنوات الماضية حوالي 50 مليون دولار. [7]  ومع ان مبلغ الدعم السنوي لقطاع الكهرباء قد يوحي بان اليمنيين يحصلون على الكهرباء مجانا الا ان الواقع هو ان فاتورة الكهرباء في اليمن هي من أغلى الفواتير قياسا بالخدمة ذاتها وبدخل الفرد. ولم يؤد الإنفاق الهائل على قطاع الكهرباء إلى تعميم الخدمة على السكان، أو تحسين جودتها، أو خفض تكلفتها.  وقد حافظ قطاع الكهرباء على تدهور مستمر. ففي بداية التسعينات كانت البلاد تولد حوالي 800 ميجاوات من الكهرباء. ومع نهاية عقد التسعينات انخفض مقدار التوليد بما يزيد عن الثلث.[8] ثم تم رفع الطاقة إلى حوالي 800 ميجا خلال السنوات الأخيرة عن طريق المحطات الإسعافية والاستئجار.  وتعاني الكهرباء حاليا من عجز في التوليد، رداءة في أنظمة النقل والتوزيع، وبالتالي وجود نسبة عالية من الفاقد تصل إلى قرابة الثلث. [9]
ومع ان الحكومة كانت قد أعلنت أنها ستزيد إنتاج الكهرباء بمقدار 1400 ميجا بحلول عام 2010[10]  الإ ان ذلك الهدف لا يبدو قريب التحقق.  وصحيح ان اليمن وقعت في  مارس 2005 عقدا مع الشركة الألمانية سمينز لبناء محطة توليد الكهرباء بالغاز في محافظة مأرب بقوة 340 ميجا وات، الإ ان المشروع الذي كان مخططا الانتهاء منه في عام 2008 ما زال متعثرا  بعد ان تم الاختلاف حول إرساء المناقصة الخاصة بتنفيذ المرحلة الثانية. وهناك خوف له ما يبرره من ان تلحق محطة مأرب الغازية بمشروع بناء سد مأرب  وقنوات التصريف التابعة له، والذي تم البدء في تنفيذه في منتصف الثمانينات ولم يتم انجازه حتى الآن.
وكانت الحكومة اليمنية قد وقعت في يوليو 2007 اتفاقية مع شركة "باور كوربوريشن" الأمريكية لبناء خمس مفاعلات نووية لإنتاج 5000 ميجاوات من الكهرباء. ونقلت وكالة فرانس برس عن وزير الكهرباء السابق الدكتور مصطفى بهران ان العقد ينص على "ان تعمل شركة بورد كوربوريشن وبشكل حصري على إنتاج خمسة آلاف ميغاوات من الكهرباء النووية السلمية." ونشرت بعد ذلك تقارير صحفية تؤكد بان مالك شركة باور كوربوريشن هو مهاجر يمني اسمه جلال الغني، بالشراكة مع أمريكي اسمه جيمس جيرمي، وان جلال الغني قد فصل من عمله في احدي الشركات وانه تحوم حوله  الكثير من الشبهات.[11]  وقد ألغت الحكومة الاتفاقية  بعد نشر تلك  التفاصيل..[12]
ومع ان الحكومة تراهن على احتياطيات الغاز في توليد الكهرباء مستقبلا الإ ان تلك الاحتياطيات لن تغطي سوى إنتاج 3000 ميجاوات من الكهرباء لفترة تمتد ل25 عاما في حين ان احتياجات اليمن المتزايدة من الطاقة الكهربائية ستتجاوز ذلك القدر بكثير. 
وتقدم التقارير الحكومية صورة براقة لقطاع الكهرباء وللانجازات التي تم تحقيقها. ولا شي يدحض مصداقية تلك التقارير مثل انطفاء التيار الكهربائي في منزل وسط العاصمة بمجرد ان يبدأ المواطن في قراءة إحدى تلك التقارير. وقد يستمر الانطفاء لساعات ويتكرر لأكثر من مرة في ذات اليوم. والأسوأ من ذلك هو ان التيار الكهربائي قد يعود "مشقرا بجني" كما يقولون فيحرق أجهزة التلفزيون والغسالات والثلاجات وغيرها من الأجهزة الكهربائية، ويكلف المواطنين ملايين الريالات.  وإذا كانت الصين بسكانها الذين يقدرون بالمليار ونصف قد احتفلت بمرور 50 عاما دون ان تنطفئ الكهرباء فان الوضع في اليمن كما يقول بندر الحيمي هو انه "لا يمر يوم الا وتطفأ فيه الكهرباء من خمس إلى ثمان مرات.." [13]







[1]  عبد الفتاح علي البنوس، "الكهرباء في رمضان اطفاءات استفزازية وخسائر باهضة وفواتير استهلاك مرتفعة"، البلاغ، العدد (797)، 16 سبتمبر 2008، 9 
[2] "وزير الكهرباء ل"26 سبتمبر: سد الفجوة بين الطلب والمنتج اهم اولويتنا، 26 سبتمبر، العدد (1146)، 2 سبتمبر 2004
[3]  Energy Information Administration, “Country Analysis Briefs; Yemen,” www.eiadoe.gov, October 2007.
[4] Economist Intelligence Report, Yemen;  Country Profile 2004, 25-26
[5]  "في انتظار النهاية...انقطاعات الكهرباء جرعة دائمة" الصحوة، 18 أغسطس 2005، 5
[6] "نصف محطات توليد الكهرباء انتهى عمرها الإفتراضي"، الوسط، 6 أغسطس 2008
[7]  Energy Information Administration, “Country Analysis Briefs; Yemen,” www.eiadoe.gov, October 2007.
[8] International Development Association,  Middle East and North Africa Region, Infrastructure Development Unit, Republic of Yemen, Power and Energy Sector, January 2000, 2
[9] Ibid.
[10]  Energy Information Administration, “Country Analysis Briefs; Yemen,” www.eiadoe.gov, October 2007.
[11] كان للصحفي الأمريكي من أصل يمني  منير الماوري الفضل في كشف تلك التفاصيل التي نشرتها بعد ذلك الكثير من الصحف والمواقع خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 2007.
[12] "اليمن يلغي اتفاقا مع شركة أمريكية لبناء خمس مفاعلات نووية" وكالة انباء البحرين، 30 أكتوبر 2007.  
[13]  عبد الفتاح علي البنوس، "الكهرباء في رمضان اطفاءات استفزازية وخسائر باهضة وفواتير استهلاك مرتفعة"، البلاغ، العدد (797)، 16 سبتمبر 2008، 9 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق