قبل سنوات عديدة، سألت مقدمة احد البرامج، التي بثت من القناة الثانية بمناسبة ليلة رأس السنة الميلادية، احد الشباب المارين في الشارع: ما الذي تتمناه في السنة الجديدة؟ وقد أجاب الشاب بتلقائية وبسرعة: "الحصول على عمل."
شهد شهر يناير 2008 ما يمكن ان يطلق عليه القتل الجماعي للآلاف من البسطاء الذين يكسبون رزقهم من العمل كباعة متجولين أو أصحاب بسطات ثابتة أو متحركة في مختلف شوارع العاصمة صنعاء. كان الرئيس قد وجه في شهر رمضان 2006 (بعد انتخابه مباشرة) بالسماح لأصحاب البسطات بكسب عيشهم دون مضايقة البلدية لهم. أما في يناير 2008 ، فقد تغير الأمر تماما. لم يتم إعطاء تنبيهات أو إنذارات. لم تعط الفرصة للباعة لجمع بضاعتهم التي كلفت البعض كل ما يملك والرحيل بها.[1] ولم تستثن البسطات التي كان أصحابها قد استأجروها من الدولة وبعقود رسمية أو بنوها بتراخيص من البلدية. لقد انطلقت الجرافات والأطقم العسكرية المرافقة لها تجوب شوارع أمانة العاصمة وتجرف كل ما تجده في طريقها. وكان الجنود "يضربون الباعة بالهراوات والعصي ومؤخرات البنادق، يكسرون ويحطمون بضائعهم، ويصادرون ممتلكاتهم."[2]
وكسبت "أمانة العاصمة" معركة ضد الباعة في سعيها كما تقول ل"تحسين الوجه الحضاري للعاصمة." وغدت شوارع العاصمة بعد "سحق" الباعة خالية من أهم الأدلة على أزمة اليمن الاقتصادية وعلى ارتفاع معدل البطالة. وأصبحت الشوارع المليئة بالحفر أكثر اتساعا لمرور مواكب كبار المسئولين. واختفى الآلاف ممن كانوا يكسبون عيشهم وعيش أسرهم من بسطات ثابتة ومتحركة ومحلات تجارية تقع على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية في عاصمة اليمن الموحد.
لكن الحرب ذاتها، بين أصحاب البسطات من جهة وموظفي أمانة العاصمة من جهة ثانية، لم تنته.[3] فبعد شهرين فقط تم إعادة الأكشاك التي تم جرفها مقابل إتاوات تم دفعها "لبعض مسئولي الأمانة بطريقة غير رسمية." [4]
وتتعدد حوادث اعتداء موظفي أمانة العاصمة وغيرها من المدن على باعة الأرصفة وأصحاب البسطات. وتصل تلك الاعتداءات في أحيان قليلة إلى، أو تكون سببا في، القتل. ففي 7 يوليو 2008 قام عبده محمد احمد ناصر وهو صاحب بسطة لبيع المعاوز في الشيخ عثمان بمدينة عدن—اثر مشادة مع موظف في البلدية—بإخراج سلاح آلي وإطلاق النار منه عشوائيا متسببا في قتل 6 أشخاص وجرح 7 آخرين.[5]
وعلى صعيد آخر، شهدت مدينة الحبيلين بمحافظة الضالع في ال31 من مارس 2008 اندلاع احتجاجات وأعمال شغب قادها العشرات من الشباب الذين كانوا قد تقدموا للتجنيد في الحرس الجمهوري ولم يتم قبولهم. وقد اقتحم المحتجون إدارة الأمن، واعتدوا على مقرات الحزب الحاكم، وقطعوا الطريق الذي يربط العاصمة صنعاء بمدينة عدن. وتصادم المحتجون مع قوات الأمن التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع وأطلقت الرصاص الحي في الهواء، واعتقلت العشرات من المحتجين...[6] وشهدت مدينة صعدة في 24 أغسطس 2008 مظاهرة غاضبة أمام المجمع الحكومي شارك فيها المئات من الشباب مطالبين الدولة الإيفاء بوعودها بتجنيدهم في الجيش.[7] وشهدت اليمن خلال عام 2008 تأسيس الكثير من جمعيات الشباب العاطلين عن العمل وخصوصا في المحافظات الجنوبية والشرقية. ويشكل الشباب العاطل عن العمل الأغلبية العظمى والقاسم المشترك في المظاهرات والإعتصامات والاحتجاجات بكافة أشكالها التي شهدتها وتشهدها اليمن منذ منتصف عام 2007.
يمكن تعريف البطالة بأنها عدم قدرة الشخص القادر والباحث عن عمل من الحصول عليه. وتقاس نسبة البطالة في أي مجتمع عن طريق حساب نسبة الأشخاص في قوة العمل الذين لا يعملون. وقد قدرت الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل معدل البطالة في اليمن في عام 2005 ب17% .[8] وكانت المخابرات المركزية الأمريكية قد قدرت معدل البطالة في اليمن في كتابها السنوي لعام 2003 بحوالي 35%. وربما كانت وزارة التعاون الألمانية أكثر اقترابا من الحقيقة في تقديرها لنسبة البطالة في اليمن ب40%.[9] ورغم تحفظ أرقام وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بشأن معدل البطالة الحالي، الإ أنها ذكرت في عام 2005 ، ان اليمن بحاجة إلى خلق 210 ألف وظيفة جديدة سنويا لمواجهة النمو المتزايد لقوة العمل.[10]
جدول رقم (41): السكان 15 سنة فأكثر المشتغلون في اليمن | ||
النوع | السكان 15 سنة فأكثر | المشتغلون |
ذكـور | 5,475,238 | 3,829,801 |
إنـاث | 5,658,544 | 319,646 |
جملـة | 11,133,782 | 4,149,447 |
المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء، مسح ميزانية الأسرة لعام 2006 |
ووفقا لبيانات مسح ميزانية الأسرة في عام 2006 ( انظر الجدول رقم 41) فان عدد السكان البالغين 15 سنة فأكثر، أي السكان في سن العمل، يزيدون عن 11 مليون نسمة. لكن العاملين منهم يبلغون قرابة 4 مليون نسمة. ويقدم الجدول رقم (42) بيانات تفصيلة حول توزيع السكان الناشطين وغير الناشطين، والمشتغلين والمتعطلين بين الريف والمدينة. وكما يبين الجدول، فان حوالي 6.2 مليون يمني مصنفون على أنهم غير ناشطين اقتصاديا وبالتالي لا يتم أخذهم في الاعتبار عند حساب نسبة البطالة بالرغم من ان عددهم يزيد عن نصف السكان في سن العمل. أما الناشطون اقتصاديا فيبلغون حوالي 5 مليون نسمة. ويصل عدد العاطلين نسبة إلى قوة العمل، وفقا لما تذكره البيانات الرسمية، قرابة المليون نسمة.
جدول رقم (42): السكان الناشطون، المشتغلون، المتعطلون، وغير الناشطين | ||||
النوع | حـضــر | |||
عـدد السكان 15 سنة فأكثر | المشتغلين | المتعطلين | غير النشطين اقتصاديا | |
ذكور | 1,647,280 | 1,075,081 | 201,882 | 370,316 |
إناث | 1,674,903 | 156,904 | 88,968 | 1,428,936 |
جملة | 3,322,182 | 1,231,985 | 290,851 | 1,799,252 |
| ريف | |||
ذكور | 3,827,958 | 2,754,720 | 317,268 | 755,970 |
إناث | 3,983,642 | 162,742 | 187,197 | 3,633,703 |
جملة | 7,811,600 | 2,917,462 | 504,465 | 4,389,673 |
المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء، مسح ميزانية الأسرة لعام 2006 |
يعرض الجدول رقم (43) تطور بعض المؤشرات الاقتصادية خلال ثلاث نقاط زمنية هي 1994، 1999، و2004. ويتضح من الجدول ان نسبة المشتغلين الى إجمالي القوة البشرية (15 سنة فأكثر) قد شهد تدهورا من 34.4% في عام 1994 إلى 33.2% في عام 1999، ثم إلى 32.9% في عام 2004. وفي نفس الاتجاه شهدت نسبة المشتغلين إلى قوة العمل تدهورا خلال ذات الفترة من 90.2 في عام 1994 إلى 86.3% في عام 1999 ثم إلى 83.8% في عام 2004.
جدول رقم (43): أهم المؤشرات الاقتصادية في اليمن | |||
البيان | تعداد 1994 | مسح القوى العاملة 1999 | تعداد 2004 |
نسبة المشتغلين من إجمالي القوى البشرية (15 سنة فأكثر) (%) | 34.4 | 33.2 | 32.9 |
نسبة المشتغلين من إجمالي قوة العمل (%) | 90.2 | 86.3 | 83.8 |
نسبة المتعطلين من إجمالي قوة العمل (%) | 9.8 | 13.7 | 16.2 |
نسبة البطالة (ذكور) (%) | 9.7 | 12.5 | 13.0 |
نسبة البطالة (إناث) (%) | 10.6 | 25.4 | 39.6 |
نسبة البطالة للذكور والإناث (%) | 9.8 | 13.7 | 16.2 |
المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء، كتاب الإحصاء السنوي لعام 2006 |
والحديث عن البطالة في اليمن لا يخلو من إشكاليات. فهناك الآلاف ينتشرون يوميا في تجمعات العمال وأصحاب المهن في المدن الرئيسية في انتظار ان يحظوا بعمل ليوم أو يومين أو حتى لأسبوع. وهناك عشرات الآلاف من الشباب الذين يقومون بأعمال لا تكاد عائداتها تسد رمقهم. وهناك الآلاف من الأسماء على كشوف مرتبات الدولة يستلمون مرتباتهم الضئيلة آخر كل شهر بينما لا يقومون بأي عمل. وهناك آلاف آخرين يذهبون إلى الوظائف صباحا ويعودون بعد الظهر لكنهم لا يعملون الكثير خلال الفترة الفاصلة بين توقيعهم على حوافظ الدخول وحوافظ الخروج. ولعل أكثر القضايا إشكالية هي ذلك العدد الكبير من السكان في سن العمل الذي يصنف على انه غير ناشط اقتصاديا. ويشكل الجيش الموظف الأول لليمنيين. ويأتي بعده جهاز الخدمة المدنية. لكن الوظائف الحكومية سواء في الجيش أو في جهاز الخدمة المدنية لا تحقق الإشباع الكافي بالنسبة للكثير من شاغليها، ولا توفر لهم الدخول المناسبة التي تجعلهم قادرين على الإنفاق على أسرهم وتوفير الرعاية لها.
[1] لقصص تبكي القلوب قبل العيون، انظر مثلا: الشارع، العدد 33، السبت 2 فبراير 2008، 2
[2] محمد غالب غزوان، "ما الذي دفع بائع المعاوز للقتل؟..." الوسط، العدد (207)، 3 سبتمبر 2008، 8
[3] المرجع السابق.
[4] المرجع السابق.
[5] "مقتل 6 واصابة 7 في اطلاق نار بالشيخ عثمان والأمن يحقق في دوافعه" الأيام، العدد (5449)، 8 يوليو 2008، 1، 4
[6] عبد السلام محمد وعلوي سلمان، "الضالع..حالة طوارئ غير معلنة"، المصدر، 8 ابريل 2008
[7] "مظاهرة غاضبة لطالبي التجنيد والتوظيف في صعدة"، ايلاف، العدد (53)، 26 أغسطس 2008،1
[8] U. S Commercial Service, Doing Business In Yemen : A Country Commercial Guide for U.S. Companies,
[9] Federal Ministry for Economic Cooperation
[10] U. S Commercial Service, Doing Business In Yemen : A Country Commercial Guide for U.S. Companies,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق