د. عبد الله الفقيه
أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
عن صحيفة الرشد
اضطر الرئيس الألماني هورست كولر، 67 عاما، في 31 مايو الماضي إلى الاستقالة من منصبه بعد بضعة أيام من إكمال العام الأول من فترة خدمته الثانية. وقد يظن المرء ان الرئيس كولر أهدر ثروات المانيا في شراء الو لاءات السياسية أو عطل عجلة التنمية في بلد يعتبر الأكبر في أوروبا والرابع من حيث الحجم على مستوى العالم بتعيين الموالين بدلا من تعيين الأكفاء وبالسماح للمقربين والموالين بالجمع بين التجارة والسياسة بالمخالفة للدستور. وقد يذهب خيال البعض بعيدا فيظن أن الرئيس كولر حول المانيا من جمهورية إلى سلطنة أو سلب شعبه حقه في المشاركة وأعطى ذلك الحق لأقاربه، أو فرط في السيادة الوطنية وسمح للدول الأخرى بتنفيذ عمليات عسكرية داخل حدود بلده، أو انه كان يقامر بمستقبل الوحدة الألمانية التي تحققت في عام 1990 للحفاظ على مصالح شخصية وأسرية.
لكن الواقع ان الرئيس كولر لم يرتكب أي من تلك الجرائم الجسيمة. وما اغضب الناس عليه هو تصريح صحفي حول القوات الألمانية الموجودة في أفغانستان أدلى به خلال مقابلة مع إذاعة "الدوتش لاند" بعد عودته من رحلة قام بها إلى أفغانستان في الـ22 من مايو الماضي لتفقد أوضاع الجنود الألمان في ذلك البلد. ولم يقل الرئيس، من وجهة نظر عربية، في ذلك التصريح ما يستدعي الغضب من احد حيث ان كل ما قاله هو أن التدخل العسكري في حالات الطوارئ ضروري للحفاظ على مصالح المانيا المتمثلة في حماية طرق التجارة الحرة أو المحافظة على الاستقرار في بعض الأقاليم التي يمكن لتدهور الاستقرار فيها ان يؤثر على فرص العمل ومستوى الدخل للمواطن الألماني.
وقد قابلت الصحافة والسياسيون الألمان بمختلف مشاربهم تصريحات الرئيس كولر الذي انتخب لأول مرة في عام 2004 بعاصفة من النقد. وركز نقاد الرئيس، الذي لا يحق له البقاء في المنصب سوى فترتين مدة كل واحدة منهما خمس سنوات، على مسالتين. هناك من ركز في انتقاده على فكرة أن تصريحات الرئيس تعني انه يمكن ان يرسل الجيش الألماني إلى الخارج لأسباب اقتصادية بالمخالفة للدستور. وقد أهمل ذلك البعض حقيقة ان الدستور الألماني الذي يسمى عندهم "القانون الأساسي" لا ينيط بالرئيس وظيفة القائد العام للقوات المسلحة وإنما يجعلها في أوقات السلم بيد وزير الدفاع وفي أوقات الحرب بيد المستشار، أي رئيس الوزراء. وركز البعض الآخر من نقاد الرئيس على انه في تصريحه برر التدخل العسكري الألماني في أفغانستان بالإشارة إلى المصالح الاقتصادية الذاتية لألمانيا في حين ان الجنود الألمان الذين يبلغ عددهم حوالي 4500 جندي تم إرسالهم إلى أفغانستان كجزء من مجهود دولي لمحاربة الإرهاب يقوده الناتو الذي تعتبر المانيا واحدا من أهم أعضائه.
لم يأمر الرئيس كولر، في مواجهة النقد الذي تعرض له، بخطف أي من الصحفيين وإخفائه عن وجه الأرض لشهور، ولم يصدر توجيهاته إلى المسئولين الألمان ليعملوا على حجب المواقع ومصادرة الصحف وتقديم عشرات الصحافيين إلى محاكم غير دستورية ، ولم يتهم نقاده بمحاولة إعادة النازية إلى المانيا أو بالعمالة لروسيا. بل اكتفى وفي مواجهة موجة النقد ضده بالدعوة إلى مؤتمر صحافي أعلن فيه بهدوء والدموع تملأ عينيه استقالته من منصبه كرئيس لألمانيا. طلب كولر من الألمان خلال المؤتمر الصحفي ان يتفهموا قراره، وأنهى المؤتمر الصحفي بالقول "لقد كان شرفا لي ان اخدم المانيا كرئيس اتحادي."
وهكذا استقال رئيس المانيا بهدوء ودون حدوث أي مضاعفات. ولم يتحدث احد قبل أو أثناء أو بعد استقالة كولر عن إمكانية ان تتمزق المانيا من جديد إلى جمهورية ديمقراطية وجمهورية اتحادية. ومن المستبعد أن يختلف الألمان حول هوية الرئيس القادم وهل من المفروض ان يكون شرقيا أو غربيا، ولن يهب أقارب الرئيس كولر للقبض على السلطة بالحديد والنار مدعين أنها حق أزلي لكولر وأقاربه حتى الدرجة العاشرة، ولن تقطع القبائل الألمانية إمدادات الغاز والكهرباء عن برلين أو يتحدث احد عن احتمال انهيار المانيا الاتحادية.
كانت المستشارة انجلا مركل، وهي الممارس الفعلي للسلطة في النظام البرلماني الألماني، قد حاولت ولكن دون نجاح إثناء الرئيس كولر عن قراره. لكن الرئيس المتخصص في الاقتصاد والذي رأس البنك الأوروبي للتعمير والبناء خلال الفترة 1998 وحتى عام 2000 ثم ترأس منظمة النقد الدولية خلال الفترة من 2000 إلى 2004 فضل الاحتفاظ باحترامه لنفسه. واذا كان نقاد الرئيس قد عابوا عليه عدم إظهار الحساسية الكافية في الحديث عن مسألة مثل إرسال جنود المان إلى أفغانستان، فإن الرئيس قد عاب على نقاده عدم إظهار الاحترام الكافي للموقع الذي يشغله. ولا يوجد لدى الرئيس الألماني الكثير ليخسره فمرتبه السنوي البالغ 213 الف (وليس مليون) يورو سيظل مستمرا حتى بعد استقالته من منصبه.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
عن صحيفة الرشد
اضطر الرئيس الألماني هورست كولر، 67 عاما، في 31 مايو الماضي إلى الاستقالة من منصبه بعد بضعة أيام من إكمال العام الأول من فترة خدمته الثانية. وقد يظن المرء ان الرئيس كولر أهدر ثروات المانيا في شراء الو لاءات السياسية أو عطل عجلة التنمية في بلد يعتبر الأكبر في أوروبا والرابع من حيث الحجم على مستوى العالم بتعيين الموالين بدلا من تعيين الأكفاء وبالسماح للمقربين والموالين بالجمع بين التجارة والسياسة بالمخالفة للدستور. وقد يذهب خيال البعض بعيدا فيظن أن الرئيس كولر حول المانيا من جمهورية إلى سلطنة أو سلب شعبه حقه في المشاركة وأعطى ذلك الحق لأقاربه، أو فرط في السيادة الوطنية وسمح للدول الأخرى بتنفيذ عمليات عسكرية داخل حدود بلده، أو انه كان يقامر بمستقبل الوحدة الألمانية التي تحققت في عام 1990 للحفاظ على مصالح شخصية وأسرية.
لكن الواقع ان الرئيس كولر لم يرتكب أي من تلك الجرائم الجسيمة. وما اغضب الناس عليه هو تصريح صحفي حول القوات الألمانية الموجودة في أفغانستان أدلى به خلال مقابلة مع إذاعة "الدوتش لاند" بعد عودته من رحلة قام بها إلى أفغانستان في الـ22 من مايو الماضي لتفقد أوضاع الجنود الألمان في ذلك البلد. ولم يقل الرئيس، من وجهة نظر عربية، في ذلك التصريح ما يستدعي الغضب من احد حيث ان كل ما قاله هو أن التدخل العسكري في حالات الطوارئ ضروري للحفاظ على مصالح المانيا المتمثلة في حماية طرق التجارة الحرة أو المحافظة على الاستقرار في بعض الأقاليم التي يمكن لتدهور الاستقرار فيها ان يؤثر على فرص العمل ومستوى الدخل للمواطن الألماني.
وقد قابلت الصحافة والسياسيون الألمان بمختلف مشاربهم تصريحات الرئيس كولر الذي انتخب لأول مرة في عام 2004 بعاصفة من النقد. وركز نقاد الرئيس، الذي لا يحق له البقاء في المنصب سوى فترتين مدة كل واحدة منهما خمس سنوات، على مسالتين. هناك من ركز في انتقاده على فكرة أن تصريحات الرئيس تعني انه يمكن ان يرسل الجيش الألماني إلى الخارج لأسباب اقتصادية بالمخالفة للدستور. وقد أهمل ذلك البعض حقيقة ان الدستور الألماني الذي يسمى عندهم "القانون الأساسي" لا ينيط بالرئيس وظيفة القائد العام للقوات المسلحة وإنما يجعلها في أوقات السلم بيد وزير الدفاع وفي أوقات الحرب بيد المستشار، أي رئيس الوزراء. وركز البعض الآخر من نقاد الرئيس على انه في تصريحه برر التدخل العسكري الألماني في أفغانستان بالإشارة إلى المصالح الاقتصادية الذاتية لألمانيا في حين ان الجنود الألمان الذين يبلغ عددهم حوالي 4500 جندي تم إرسالهم إلى أفغانستان كجزء من مجهود دولي لمحاربة الإرهاب يقوده الناتو الذي تعتبر المانيا واحدا من أهم أعضائه.
لم يأمر الرئيس كولر، في مواجهة النقد الذي تعرض له، بخطف أي من الصحفيين وإخفائه عن وجه الأرض لشهور، ولم يصدر توجيهاته إلى المسئولين الألمان ليعملوا على حجب المواقع ومصادرة الصحف وتقديم عشرات الصحافيين إلى محاكم غير دستورية ، ولم يتهم نقاده بمحاولة إعادة النازية إلى المانيا أو بالعمالة لروسيا. بل اكتفى وفي مواجهة موجة النقد ضده بالدعوة إلى مؤتمر صحافي أعلن فيه بهدوء والدموع تملأ عينيه استقالته من منصبه كرئيس لألمانيا. طلب كولر من الألمان خلال المؤتمر الصحفي ان يتفهموا قراره، وأنهى المؤتمر الصحفي بالقول "لقد كان شرفا لي ان اخدم المانيا كرئيس اتحادي."
وهكذا استقال رئيس المانيا بهدوء ودون حدوث أي مضاعفات. ولم يتحدث احد قبل أو أثناء أو بعد استقالة كولر عن إمكانية ان تتمزق المانيا من جديد إلى جمهورية ديمقراطية وجمهورية اتحادية. ومن المستبعد أن يختلف الألمان حول هوية الرئيس القادم وهل من المفروض ان يكون شرقيا أو غربيا، ولن يهب أقارب الرئيس كولر للقبض على السلطة بالحديد والنار مدعين أنها حق أزلي لكولر وأقاربه حتى الدرجة العاشرة، ولن تقطع القبائل الألمانية إمدادات الغاز والكهرباء عن برلين أو يتحدث احد عن احتمال انهيار المانيا الاتحادية.
كانت المستشارة انجلا مركل، وهي الممارس الفعلي للسلطة في النظام البرلماني الألماني، قد حاولت ولكن دون نجاح إثناء الرئيس كولر عن قراره. لكن الرئيس المتخصص في الاقتصاد والذي رأس البنك الأوروبي للتعمير والبناء خلال الفترة 1998 وحتى عام 2000 ثم ترأس منظمة النقد الدولية خلال الفترة من 2000 إلى 2004 فضل الاحتفاظ باحترامه لنفسه. واذا كان نقاد الرئيس قد عابوا عليه عدم إظهار الحساسية الكافية في الحديث عن مسألة مثل إرسال جنود المان إلى أفغانستان، فإن الرئيس قد عاب على نقاده عدم إظهار الاحترام الكافي للموقع الذي يشغله. ولا يوجد لدى الرئيس الألماني الكثير ليخسره فمرتبه السنوي البالغ 213 الف (وليس مليون) يورو سيظل مستمرا حتى بعد استقالته من منصبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق