د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
عن صحيفة الرشد عدد 80 ، 7 يونيو 2010
أحسنت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني بقيادة الأستاذ محمد سالم باسندوة والشيخ حميد الأحمر و87 شخصية وطنية بارزة اخرى عندما سمت دورتها المنعقدة في صنعاء اواخر الأسبوع الماضي بـ"دورة رائد التغيير المهندس فيصل بن شملان" الذي كان واحدا من ابرز أعضائها وقد توفاه الله مطلع العام الحالي في مدينة عدن بينما كانت اليمن وما زالت في أمس الحاجة اليه. وحسب محبي بن شملان انه، وان كان قد رحل بجسده الفاني، فانه باق من خلال القيم التي جسدها في سلوكه والتضحيات التي قدمها في سبيل التغيير في بلاده.
كان بن شملان، وما زال وسيظل، واحدا من أهم الرموز في تاريخ اليمن الحديث. وليس هناك ما هو اكثر دلالة على مكانة بن شملان على الساحة الوطنية من احداث صيف عام 2006. فعندما بحثت القوى التواقة الى التغيير والإصلاح الشامل عن شخصية نزيهة ومؤهلة تحظى باجماع وطني وتمتلك الشجاعة والجرأة والثبات وتقبل قيادة حركة التغيير، فان تلك القوى لم تجد من هو أفضل من بن شملان. ولم يتردد الرجل في التضحية من اجل بلاده رغم ادراكه لتعقيدات الواقع اليمني.
وقد ينسى الواحد منا اسمه لكن الكثير من اليمنيين لن ينسوا بالتأكيد السياسي التكنوقراطي والبرلماني والإداري اليمني المخضرم المولود في حضرموت في عام 1934 والمتوفي في مطلع عام 2010 والذي ضحى بالمصالح الخاصة التي كان يمكن ان يحصل عليها في سبيل الدفاع عن المصالح العليا لأبناء شعبه. ففي بلد يشتري فيه الناس المواقع التي يشغلونها بالملايين ويضحون بالكثير من قيم الصدق والوفاء والنزاهة للاحتفاظ بتلك المواقع، لم يتردد مهندس الإخلاق والقيم في الإستقالة من موقع يدر على شاغله الذهب والألماس ولم يسبق أن استقال منه شخص قبله أو بعده. وفي حين يستغل الكثير من المسئولين الحكومين وظائفهم لملىء احواش منازلهم بالسيارات وحساباتهم البنكية بالريالات والدولارات، فان بن شملان ترك سيارته الحكومية في حوش وزارة النفط عندما قدم استقالته من الوزارة احتجاجا على عدم منحه اختصاصات الوظيفة.
كانت الوصية السياسية لإبن شملان هي تلك التي وردت في كلمته التي القاها في ملتقى التشاور الوطني في صنعاء في مايو 2009 ، وقد ذكر فيها ان اليمنيين يمرون بمفترق طرق: "اما أن نحتفظ بيمن واحد يكون درعا وعونا للبلاد العربية كلها، وللإنسانية أيضا، وإما أن يتفرق أيدي سبأ وبالتالي نفقد كل هذ]ا[،]و[ إذا فقدنا كل هذا، إذا فقدنا أحلامنا وآمالنا، لم تعد لنا حياة." وتابع مخاطبا الحاضرين "أرجوا أن تتذكروا أننا دخلنا هذه الوحدة ..بشراكة وليست بضم، وليست بفرع ولا أصل، نحن كلنا أصل وفرع، إذا كنا يمنيين فنحن كلنا أصلاء." وعندما تحدث عن مشاعر ابناء الجنوب قال: "هنالك شعور طاغي ]بين ابناء الجنوب[ بأن هذه الوحدة وبأن هذه الشراكة قد فضت... ولكننا لا يجب أن نيأس لأن هذا اليأس معناه ]اننا[ حكمنا على أنفسنا بالقتل.. بالموت، هذا لا يجوز." ودعا بن شملان الحاضرين الى التمعن في الأسباب التي تقف وراء مشاكل اليمن معربا عن أسفه أن "كل الأشياء المتفق عليها في الدستور لم تعد قابلة للتطبيق لأن حكم الفرد لم يترك ...فرصة لنا أن نقوم بواجباتنا نحو هذا البلد." وانهى رائد التغيير كلمته كما بدأها بتحذير: "أقول وبكل صراحة إذا استمر الحال على هذا المنوال.. فهنالك مشاكل كبيرة أمام اليمن وعلى هذا اللقاء التشاوري والحوار أن يكون مستعدا للتضحية الحقيقة والنزول للناس لإعادة هذه الوحدة ولحمتها وصيانتها."
ما احوج اليمن واليمنيين للتوقف مليا أمام التركة السياسية والأخلاقية التي تركها بن شملان قبل فوات الأوان، وما احوجهم لكتابة تاريخ هذا الرجل الذي تسامى على وجع الجرح الشخصي بماء الذهب وان يضيفوا سيرته الى المناهج الدراسية وان يحتفوا به وبالقيم التي مثلها كل عام كما يحتفون بعلي احمد باكثير وحسين ابو بكر المحضار وغيرهم من الرموز. فقد كان بن شملان بحق رائد الوطنية والديمقراطية والتغيير والنزاهة ونكران الذات وجمع في حياته الزاخرة بين الأصالة والمعاصرة.
استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
عن صحيفة الرشد عدد 80 ، 7 يونيو 2010
أحسنت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني بقيادة الأستاذ محمد سالم باسندوة والشيخ حميد الأحمر و87 شخصية وطنية بارزة اخرى عندما سمت دورتها المنعقدة في صنعاء اواخر الأسبوع الماضي بـ"دورة رائد التغيير المهندس فيصل بن شملان" الذي كان واحدا من ابرز أعضائها وقد توفاه الله مطلع العام الحالي في مدينة عدن بينما كانت اليمن وما زالت في أمس الحاجة اليه. وحسب محبي بن شملان انه، وان كان قد رحل بجسده الفاني، فانه باق من خلال القيم التي جسدها في سلوكه والتضحيات التي قدمها في سبيل التغيير في بلاده.
كان بن شملان، وما زال وسيظل، واحدا من أهم الرموز في تاريخ اليمن الحديث. وليس هناك ما هو اكثر دلالة على مكانة بن شملان على الساحة الوطنية من احداث صيف عام 2006. فعندما بحثت القوى التواقة الى التغيير والإصلاح الشامل عن شخصية نزيهة ومؤهلة تحظى باجماع وطني وتمتلك الشجاعة والجرأة والثبات وتقبل قيادة حركة التغيير، فان تلك القوى لم تجد من هو أفضل من بن شملان. ولم يتردد الرجل في التضحية من اجل بلاده رغم ادراكه لتعقيدات الواقع اليمني.
وقد ينسى الواحد منا اسمه لكن الكثير من اليمنيين لن ينسوا بالتأكيد السياسي التكنوقراطي والبرلماني والإداري اليمني المخضرم المولود في حضرموت في عام 1934 والمتوفي في مطلع عام 2010 والذي ضحى بالمصالح الخاصة التي كان يمكن ان يحصل عليها في سبيل الدفاع عن المصالح العليا لأبناء شعبه. ففي بلد يشتري فيه الناس المواقع التي يشغلونها بالملايين ويضحون بالكثير من قيم الصدق والوفاء والنزاهة للاحتفاظ بتلك المواقع، لم يتردد مهندس الإخلاق والقيم في الإستقالة من موقع يدر على شاغله الذهب والألماس ولم يسبق أن استقال منه شخص قبله أو بعده. وفي حين يستغل الكثير من المسئولين الحكومين وظائفهم لملىء احواش منازلهم بالسيارات وحساباتهم البنكية بالريالات والدولارات، فان بن شملان ترك سيارته الحكومية في حوش وزارة النفط عندما قدم استقالته من الوزارة احتجاجا على عدم منحه اختصاصات الوظيفة.
كانت الوصية السياسية لإبن شملان هي تلك التي وردت في كلمته التي القاها في ملتقى التشاور الوطني في صنعاء في مايو 2009 ، وقد ذكر فيها ان اليمنيين يمرون بمفترق طرق: "اما أن نحتفظ بيمن واحد يكون درعا وعونا للبلاد العربية كلها، وللإنسانية أيضا، وإما أن يتفرق أيدي سبأ وبالتالي نفقد كل هذ]ا[،]و[ إذا فقدنا كل هذا، إذا فقدنا أحلامنا وآمالنا، لم تعد لنا حياة." وتابع مخاطبا الحاضرين "أرجوا أن تتذكروا أننا دخلنا هذه الوحدة ..بشراكة وليست بضم، وليست بفرع ولا أصل، نحن كلنا أصل وفرع، إذا كنا يمنيين فنحن كلنا أصلاء." وعندما تحدث عن مشاعر ابناء الجنوب قال: "هنالك شعور طاغي ]بين ابناء الجنوب[ بأن هذه الوحدة وبأن هذه الشراكة قد فضت... ولكننا لا يجب أن نيأس لأن هذا اليأس معناه ]اننا[ حكمنا على أنفسنا بالقتل.. بالموت، هذا لا يجوز." ودعا بن شملان الحاضرين الى التمعن في الأسباب التي تقف وراء مشاكل اليمن معربا عن أسفه أن "كل الأشياء المتفق عليها في الدستور لم تعد قابلة للتطبيق لأن حكم الفرد لم يترك ...فرصة لنا أن نقوم بواجباتنا نحو هذا البلد." وانهى رائد التغيير كلمته كما بدأها بتحذير: "أقول وبكل صراحة إذا استمر الحال على هذا المنوال.. فهنالك مشاكل كبيرة أمام اليمن وعلى هذا اللقاء التشاوري والحوار أن يكون مستعدا للتضحية الحقيقة والنزول للناس لإعادة هذه الوحدة ولحمتها وصيانتها."
ما احوج اليمن واليمنيين للتوقف مليا أمام التركة السياسية والأخلاقية التي تركها بن شملان قبل فوات الأوان، وما احوجهم لكتابة تاريخ هذا الرجل الذي تسامى على وجع الجرح الشخصي بماء الذهب وان يضيفوا سيرته الى المناهج الدراسية وان يحتفوا به وبالقيم التي مثلها كل عام كما يحتفون بعلي احمد باكثير وحسين ابو بكر المحضار وغيرهم من الرموز. فقد كان بن شملان بحق رائد الوطنية والديمقراطية والتغيير والنزاهة ونكران الذات وجمع في حياته الزاخرة بين الأصالة والمعاصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق