الخميس، 3 يونيو 2010

الوطن يتسع للجميع

د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
عن صحيفة الرشد عدد 79 ، 31 مايو 2010

عاد الأخ رئيس الجمهورية ومن جديد الى التأكيد في خطابه بمناسبة الذكرى العشرين لقيام الوحدة على أن "الوطن يتسع للجميع" في اشارة الى قبوله بمبدأ الشراكة والذي مثل بالأمس الأساس لقيام الوحدة ويمثل اليوم الأساس لبقائها واستمرارها. ورغم ان اشارة الرئيس مهمة وتبعث الأمل في النفوس، الا أن الأهم من الكلام ، وفي ظل حالة غياب الثقة، هو الأفعال التي لا ترجو سوى وجه الوطن الموحد والتي يفترض ان تكون اصدق انباء من الخطب. فلا بد ان يتسع الوطن الذي كبر بوحدته للجميع بالفعل وان تتخذ السلطة خطوات صعبة وسريعة تترجم لغة النوايا والتوجهات النظرية الى لغة الأفعال التي تلامس حياة المواطن وتجعله يستعيد ولو بعض الثقة فيما يقوله الرئيس وما يتحدث به رجال النظام ورموزه. لقد آن الأوان للقيادة أن تبدأ بالتضحية بعد ان ضحى الشعب اليمني طويلا ووصل الى مرحلة لم يعد يجد فيها ما يمكنه التضحية به.
لقد تحدثت الأسبوع الماضي وبالصدفة مع ثلاثة اشخاص محسوبين على السلطة قابلوا الرئيس كل على حده خلال الأسابيع القليلة الماضية وناقشوا معه أوضاع البلاد، والجنوب تحديدا، وخرجوا جميعا بانطباع واحد وهو أن القيادة لا تقدر خطورة الأوضاع حق قدرها. وحمل احدهم المحيطين بالرئيس المسئولية كاملة كونهم كما قال يفضلون الحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم على مكاشفة رب نعمتهم بما يعتمل في كافة ارجاء البلاد غير مدركين أن المصالح التي يعملون للحفاظ عليها باتت مهددة بشكل أكبر بخروج الأوضاع عن السيطرة. واضاف محدثي، ووافقته على ذلك، بأن الأوضاع ستخرج حتما عن السيطرة ان لم يتم تدارك الأمور. وقد هالني ان احد الذين تحدثت معهم وهو شخصية رفيعة لم يعرف عنها المزايدة وبدا من كلامه انه من الصادقين مع الرئيس، انتحى بي جانبا، وقال وقد وضع اصابع الإبهام والسبابة على اذنه اليمنى "اقطع لك من هذه ان لم ينفصل الجنوب."
لقد تحدث الناس منذ وقت مبكر عن نهب اراضي الجنوب وتهميش الجنوب ومظالم الجنوب والمخاطر التي تواجه الوحدة اليمنية جراء ما يحدث في الجنوب. ولم يستمع احد. وانشغلت القيادة عن مشروع بناء دولة الوحدة على أسس الشراكة والنزاهة والديمقراطية بمشروع الإحتفاء بقيامها ومحاكمة المشاركين في تحقيقها وتبديد اموال الشعب في الحديث الإعلامي الفج والمكرور عن المنجزات. أما رموز النظام من المؤلفة قلوبهم، فقد انشغلوا بنهب اراضي الجنوب وفرص الإستثمار ومواقع التسلط وممتلكات الدولة الجنوبية السابقة.
وخرج المطبلون والمزمرون ونافخو الكير بنظريات وشعارات تدحض ما يقوله الشرفاء مصرين على أن "الوحدة راسخة رسوخ الجبال." وبلغ الصلف باحد المنافقين حدا جعله من فرط عدائه للوطن يخرج على الناس مطالبا باعتبار ان الوحدة تحققت عام 1994 وأن ما حدث قبلها كان مزايدة ومناكفة، وتحول ذلك التهالك وتلك الزندقة الى مقرر جامعي يلوث العقول والأبدان وينخر في جسد الوحدة اليمنية كل عام. وانشغل حزب السلطة بجمع الأصوات بينما كانت الوحدة تخسر ايمان ابنائها الذين صنعوها ودافعوا عنها بها. واخفقت احزاب المعارضة على اليمين واليسار في ايقاظ الحاكم من سباته ولفت انتباهه الى ما يعتمل تحت الرماد.
وكشفت الأيام ان سياسات الفساد والأنانية وتعيين النسب بدل "الأنسب" والموالي بدلا عن الكفوء قد نخرت الجبال والأودية والهوية المشتركة وذهبت بالبر والبحر. أما الجبال التي تحدث عنها زبانية "الحكم" فقد كشفت الأيام انها لم تكن سوى جبال من ورق. واستفاق اليمنيون المنتشون بسكرة الوحدة على فاجعة وطنية ظلت مؤشرات قدومها تعتمل لأكثر من عقد ونصف. وادرك الناس في وقت ربما متأخر جدا بأن الوحدة لم تتحقق في عام 1994 كما قال حفيد مسيلمة بل بدأت تحتضر منذ ذلك العام.
ومع ان الوضع قد ساء كثيرا الإ انه ما زال هناك فرصة لتدارك الأمور اذا صدقت القيادة في توجهاتها واذا تحمل كل وحدوي مسئوليته في مكاشفة القيادة بحقيقة الوضع وفي الضغط عليها بأن تتحرك بشكل مختلف وان تفكر بطريقة مختلفة وان تعمل مع الجميع من اجل تدارك ما يمكن تداركه. فالوطن بطبيعته يتسع للجميع وفيه ما يكفي الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق