د. عبد الله الفقيه
أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء
عن صحيفة كل احد
أهداني الأستاذ عبد الفتاح البتول قبل سنوات نسخة من كتابه "خيوط الظلام؛ عصر الإمامة الزيدية في اليمن 284-1382." وقد صدر الكتاب والمعارك العنيفة بين السلطة والحوثيين تدور في محافظة صعدة وهو ما جعلني غير متحمس كثيرا لقراءاته وخصوصا وان للبتول موقفه الإيديولوجي المعروف من الحرب والذي لا يمكن سوى ان يؤثر على نوع المعرفة الذي ينتجه. وقد انتظرت شهورا بعد شهور كي تضع الحرب اوزارها ويغلق ملف "الفتنة" لأتمكن بعد ذلك من قراءة الكتاب ومناقشة محتواه بعيدا عن روائح البارود وضجيج الرصاص وحتى لا اقع في المحظور الذي وقع فيه الكاتب. لكن الحرب للاسف لم تنته الإ لتبدأ من جديد وهو ما جعلني أتأخر أكثر مما ينبغي في قراءة الكتاب.
ويبدأ كتاب البتول من عنوانه بحكم على ما يزيد على الف ومائة سنة من تاريخ اليمن بانها كانت "عصور ظلام." وتعكس الفترة الزمنية الطويلة التي يغطيها الكتاب النية المسبقة لإختزال مرحلة زمنية طويلة ورؤيتها من ثقب الإبرة. وإذا كان البتول يملك هامشا لا بأس به من الاستقلال عن السلطة يسمح له بان يحقق قدرا معينا من الحياد فان إيكال مهمة تقديم الكتاب إلى الأستاذ/ نصر طه مصطفى رئيس وكالة سبأ للأنباء والذي كان حينها ناطقا رسميا للحكومة (ولو اسميا) قد كان خطئا فرضته مقتضيات استمالة السلطة. والغريب انه في الوقت الذي يبدأ فيه مصطفى بإدانة الاستبداد فان مقدمته توحي ان مشكلته مع الإمامة ليست بسبب الطبيعة ولكن بسبب الحصر فقط. ولعل هذا التناقض هو الآخر نتاج للتناقض بين مقتضيات السلطة ومقتضيات المعرفة. ضف إلى ذلك ان مصطفى قد كتب المقدمة دون ان يكلف نفسه عناء قراءة الكتاب كما يبدو مما جعل المقدمة في واد والكتاب في واد آخر.
وبقدر ما أضعفت المقدمة السلطوية الكتاب فان حشر بعض مقالات نصر طه مصطفى وغيره من الكتاب والسياسيين وبعض القصائد الشعرية ومقابلة صحيفة الوسط مع بدر الدين الحوثي في عام 2005 قد زادت الكتاب إضعافا وخصوصا وانه لم يتم الفصل بينها وبين عناوين الأجزاء التي كتبها المؤلف وبحيث بدت تلك المقالات وكأنها أجزاء من الكتاب.
وبالنسبة للمنهجية التي اتبعها الكاتب فقد تمثلت في قراءة الفترة الطويلة من تاريخ اليمن ليس في جانبها الكلي بما يتضمنه من قمم ومنحدرات ولكن بالتركيز فقط على جانب الصراعات بين الإئمة بعضهم البعض وبينهم وبين الدويلات والقيادات الأخرى. ويبدو ان هدف الكاتب قد تمثل في "إدانة" وليس "دراسة" مبدأين قامت عليهما الإمامة وهما: حصر الولاية، وحصر حق الخروج، في البطنين.
ومع ان الكثيرين سيتفقون مع البتول في مسألة ان حصر الولاية السياسية في "البطنين" في عصر "المواطنة المتساوية" هو توجه عنصري الإ ان الغريب ان البتول يدين ايضا حق الخروج برمته عاكسا بذلك سلفية سياسية لا تقل انتهازية وعنصرية عن إمامة البطنين. ويعيد هذا التناقض الى الإذهان مقولة شهيرة للاستاذ محمد قحطان وهي ان الصراع الدائر في اليمن اليوم هو بين مشروعين هما مشروع "البطنين" ومشروع "النهدين." ورغم ان العنصرية تشكل مكونا أساسيا في كل واحد من المشروعين الإ ان البتول بادانته لحق الخروج على الحاكم يبدو منحازا لمشروع "النهدين" ربما لأسباب "مادية" أو لأسباب "فكرية" أو نتيجة لضعف المنهجية العلمية.
ولعل المشكلة الكبرى في الكتاب تكمن في ان المؤلف يريد ان يقول ان حصر حق الولاية وحق الخروج في البطنين هو الذي قاد الى الصراعات الدامية التي شهدتها اليمن تحت حكم الإئمة. لكن البتول لم يتمكن من اثبات هذا القول بطريقة علمية. فالواقع هو ان الصراع على السلطة قد كان خاصية واضحة لكل الدويلات التي قامت في اليمن وفي غير اليمن خلال الفترة محل الدراسة وبغض النظر عن العقيدة السياسية أو الدينية لكل منها وهو ما يعني ان لا علاقة للمبدأين بالصراعات التي استعرضها الكاتب. ضف الى ذلك ان ظاهرة الخروج العنيف على الحاكم في الفترة التي يدرسها الباحث لم تكن حصرا على الهاشميين. فقد خرج كثيرون من أعيان القبائل وغيرهم على الإئمة. ولو ان ما يريد البتول اثباته قد كان صحيحا بالفعل لما قامت ثورة ال26 من سبتمبر 1962 الإ إذا استطاع البتول إقناعنا بان ثورة سبتمبر قد كانت بدورها هاشمية.
ولا يمكن التفريق من منظور السياسة بين "إمامة البطنين" و"رئاسة النهدين" وأن تزينت الأخيرة بانتخابات يصعب وصفها بالنزيهة، فكلا الفكرتين عنصريتين تحصران حق الولاية في طرف معين، وتلك هي الإشكالية التي يقع فيها كتاب "خيوط الظلام." ففي الوقت الذي يحاول فيه الكاتب إدانة "عنصرية" البطنين فانه—ربما دون ان يدرك—يدين النهدين أيضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق