الاثنين، 31 أكتوبر 2011

اليمنيون يثورون بالنيابة عن السعوديين

د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء

يروى ان صحفيا اجنبيا سأل احد السعوديين قبل سنين عديدة "هل الجنس عمل ام متعة؟" وقد رد السعودي ان الجنس "متعة" ولو لم يكن كذلك لأوكل لخادمه مهمة القيام به. ولو ان ذلك الصحفي الأجنبي سأل احد افراد الأسرة الحاكمة في السعودية "هل السياسة عمل ام متعة؟" فلربما حصل على اجابه مشابهة ولقال له ذلك الشخص ان السياسة لدى الأسرة المالكة في السعودية "متعة" ولو كانت عملا لتركه اعضاء الأسرة الحاكمة للشعب السعودي ليقوم به. لكن الوضع تغير كثيرا اليوم عما كان عليه الحال قبل سنوات.
فحالة البذخ والرخاء التي اعتاد السعوديون العاديون، او على الأقل بعضهم، خلالها على قضاء الوقت في طلب "المتعة" ولو في "بانكوك" و"مانيلا" وترك كل ما عداها للخدم لم تعد قائمة الإ ربما عند نسبة ضئيلة جدا من السعوديين. اما عامة الشعب السعودي فقد اصبحوا يواجهون حقائق جديدة. وحتى وان كانت ظروفهم المادية ما زالت تمكنهم من استقدام الخدم فان اوضاع الخدم تغيرت كثيرا واصبحوا يطالبون السعوديين بحقوق تتصل بالحماية القانونية والكرامة لا يملكها السعوديون انفسهم في مواجهة الأسرة الحاكمة في بلادهم. ولو ان صحفيا سأل المواطن السعودي اليوم "هل الثورة عمل يمكن تركه للخادم للقيام به؟" لكان رده على الأرجح ان الثورة "عمل شاق" يتمنى كل انسان ان يجد من يقوم به بالنيابة عنه لو كان ذلك ممكنا.
لقد تأخر السعوديون كثيرا في الثورة رغم ان اسباب الثورة كانت وما تزال وستظل حاضرة بقوة في شتى تفاصيل الحياة السعودية اكثر من حضورها في اي وقت او مكان آخر في العالم. فكما يعرف الجميع فانه ليس هناك دولة في العالم تحمل اسم اسرة ويتم فيها تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم بالوثائق الرسمية على انها علاقة "تابعية" وطاعة من طرف لطرف آخر سوى السعودية. وليس هناك نظام سياسي في العالم ينشغل بـ"الفصل بين الذكر والأنثى" اكثر مما ينشغل بالمسائل الدفاعية والأمنية والتنموية سوى في السعودية. وليس هناك مكان في العالم تشغل فيه السلطة نفسها باستخلاص حقوق الرب من العباد وتعمل على حراسة الفضيلة من غواية النفوس الأمارة بالسوء في حين تنسى حقوق المواطن على الدولة سوى في السعودية.
وقد ادى تأخر السعوديين في الثورة الى تحميل الثوار في اليمن الكثير من الأعباء. فالأسرة المالكة في السعودية كما يذهب الكثير من اليمنيين لم تدع اي مجالا للشك في انها تدير الوضع اليمني بسياستين الأولى معلنة تؤيد المبادرة الخليجية والثانية غير معلنة تدعم صالح وتشجعه على توظيف القوة ضد ابناء شعبه وتدمير بلاده للبقاء على الكرسي وتوريثها ليكون الوضع في اليمن دليلا ماديا ليس فقط للشعب السعودي ولكن ايضا للطامحين الى السلطة من خارج الدائرة الضيقة داخل الأسرة الحاكمة في السعودية على ان الثورة تعني هلاك الشعوب وبقاء الأسر الحاكمة وعلى ان التوريث ليس حكرا على الأنظمة الملكية ولكنه ايضا جزءا لا يتجزأ من الأنظمة الجمهورية.
ويرى آخرون ان مصلحة السعودية كبلد وكنظام سياسي كانت وما زالت تقتضي دعم الثورة اليمنية وخصوصا في ظل سعي ايران وسوريا الحثيث لاستغلال ما يحدث في اليمن، لكن المشكلة تكمن في ان الصراع على السلطة داخل الأسرة الحاكمة في السعودية طغى من وجهة نظرهم على غيره من العوامل في تحديد السياسة السعودية تجاه اليمن. فالملك عبد الله الذي بلغ من العمر ارذله يعمل على تغليب كفة اسرته في مسألة نقل السلطة من الجيل الأول من ابناء الملك عبد العزيز الى الجيل الثاني وعلى حساب منافسيه وفي مقدمتهم ابناء الأمير الراحل سلطان ابن عبد العزيز يجد في علي عبد الله صالح، الغريق الذي لا يمكن انقاذه، حليفا مهما في معركته الشخصية مع اخوانه حول توريث السلطة لأبنائه.
وبينما يرى احد الأجنحة داخل الأسرة المالكة في السعودية ان صالح يجب ان يرحل على قطار اسرع من الصوت والى الجحيم ان لم يكن لشيء فلتوريطه للسعودية في صراعاته ومشاكله الداخلية ، فإن الملك عبد الله يرى في توريط صالح للسعودية في حرب صعدة رحلة صيد ممتعة. وعندما يسمع الملك ان صالح كان يدعم الحوثيين حتى اثناء حربهم مع السعودية لإيقاع المزيد من الخسائر بالسعوديين يشعر في اعماقه بالارتياح. فقد قدم له صالح فرصة العمر ليعمل على تحجيم بعض اخوانه وابنائهم وخصوصا اولئك المدعومين من الغرب. وبالنسبة للملك عبد الله والملتفين حوله فان ما يحدث لصالح في اليمن يمكن ان يحدث لهم في السعودية ولنفس الأسباب. ولذلك لا غرابة ان بدا الملك عبد الله اقرب الى تشجيع صالح على استخدام القوة ضد قوى الجيش الموالي للثورة وضد ابناء الشيخ الأحمر وغيرهم من القوى اليمنية التي يرى فيها الملك عبد الله حليفا لأسرة الأمير سلطان.
ونتيجة لما سبق فقد ادت السياسات السعودية تجاه الثورة الشبابية السلمية في اليمن، وهي السياسات المحكومة بصراع الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة في السعودية، الى تحميل اليمنيين الكثير من الأعباء، والى سقوط الاف القتلى وعشرات الالاف من الجرحى ناهيك عن عشرات المليارات من الخسائر سواء نتيجة تعطل الحياة الاقتصادية في البلاد او نتيجة للدمار الكبير في البنية الأساسية. وبينما تنفذ الأدوية والأغذية من المخازن وتتصاعد الأسعار بشكل جنوني ويواجه ملايين اليمنيين بشكل متزايد خطر الموت جوعا فإن الأسرة المالكة في السعودية تبدو غارقة في صراعاتها الداخلية وتنتظر ان يطلق عليها الإيرانيون وحلفائهم السوريين من مواقعهم الجديدة في اليمن رصاصة الرحمة.
وفي الوقت الذي تنتفض فيه السعودية بشدة متوعدة ايران بسبب ما قيل انه مؤامرة لقتل سفيرها في واشنطن، فإنها تبدو كتلك المرأة التي سارعت الى تغطية وجهها في حين لم تنتبه لعورتها المكشوفة تاركة الوضع في اليمن للأصابع الإيرانية لترتبه بالطريقة التي تراها مناسبة. وبينما تترقب السعودية الخسارة الكبيرة التي ستلحق بإيران في سوريا ولبنان، فانها لا تعرف ان المكاسب التي ستحققها ايران بفضل الربيع العربي ستفوق اي خسائر ستلحق بها. اما اليمنيين فان عزائهم فيما يعانونه وما يلحق بهم من خسائر انهم لا يثورون بالنيابة عن انفسهم فقط ولكنهم يثورون ايضا وان مكرهين بالنيابة عن اخوانهم المترفين في السعودية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق