الجمعة، 21 أكتوبر 2011

مجلس الأمن وقرار البلطجة ضد اليمن

د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء


كانما كان ينقص علي صالح تفويضا دوليا لشن حرب اخرى على شعبه الفقير وذلك هو بالضبط ما فعله مجلس الأمن الدولي يوم 21 اكتوبر 2011 من خلال القرار رقم 2014. لقد اعطى صالح تفويضا دوليا بشن حرب على شعبه.  ولذلك فانه ما ان فرغ مجلس الأمن من التصويت على القرار بالإجماع حتى سمع سكان العاصمة اليمنية المغدورة صنعاء انفجارات لم يسمعها الكثير منهم طوال حياتهم وكانما اراد السفاح الإحتفال بطريقته بالهدية التي منحه اياها مجلس الأمن الدولي بالإجماع.
لقد جاء البند الأول من القرار لـ"يعرب عن اسفه العميق" لمقتل مئات الأشخاص من المدنيين لكن صياغة البند توحي بان المجلس يعتبر مقتل اولئك المدنيين تكلفة كان لا بد منها. وفي حين لا يدين المجلس قتل المدنيين في البند الأول فانه في البند الثاني "يدين بشدة استمرار انتهاكات حقوق الإنسان من قبل السلطات اليمنية، مثل الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين المسالمين، فضلا عن أعمال العنف واستخدام القوة، وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الجهات الفاعلة الأخرى، وتشدد على اخضاع جميع المسؤولين عن العنف والإنتهاكات لحقوق الإنسان للمساءلة."
والغريب في هذا البند انه يتحدث عن وجود اطراف عديدة تنتهك حقوق الإنسان وهو ما يعفي سفاح اليمن وزمرته من اي مسئولية بحكم المواقع مع ان وجود اطراف عديدة تنتهك حقوق الإنسان ان كان صحيحا لا يعفي السلطات اليمنية من المسئولية عن تلك الإنتهاكات التي يمارسونها. وما يفهم من هذا البند ان مجلس الأمن الدولي يأخذ بما تقوله الفضائية اليمنية من ان ما تسميه بمليشيات الإصلاح وجنود الفرقة واعضاء القاعدة هم الذين يقتلون المتظاهرين السلميين، ومجلس الأمن يفعل ذلك بهدف تصعيد الصراع ونقل الثورة اليمنية من كونها ثورة شبابية سلمية الى صراع مسلح بين اطراف عديدة. 
اما ما جاء في نهاية البند من تشديد على اخضاع جميع المسئولين عن العنف والإنتهاكات لحقوق الإنسان للمساءلة فنص يثير الضحك. فمن سيسأل من ومتى طالما والمجلس قد اعترف بوجود سيادات عديدة على اليمن واعتبر السلطة القائمة مجرد طرف تستوي في ذلك مع شيخ مشايخ قبيلة حاشد وعبد الملك الحوثي وزعماء القاعدة في محافظة ابين.
اما صياغة البند الثالث فمخجلة فعلا لو كان للخجل مكانا في العلاقات الدولية. فالمجلس في هذا البند "يطالب جميع الاطراف" ليس بالوقف الفوري لإستخدام اعمال العنف ولكن "لرفض استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية". وهذه دعوة مفتوحة لصالح ولكل جماعة تملك السلاح الى البدء بتوظيف العنف.
المبادرة الخليجية لا تهم المجلس
اما بالنسبة للمبادرة الخليجية فان المجلس اكتفى فقط بالتعبير عن "الراي" حولها مع ما يحمله ذلك من تاكيد بان المجلس لا يلزم اي طرف بان يفعل اي شيىء. وقد جاءت صياغة البند على النحو التالي:
"يؤكد المجلس من جديد رأيه بأن التوقيع والتنفيذ في أقرب وقت ممكن على اتفاق تسوية وفقا لمبادرة دول مجلس التعاون ضروري للدخول في عملية شاملة ومنظمة تقود نحو التحول السياسي، منوها بالتوقيع على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي من قبل بعض أحزاب المعارضة والمؤتمر الشعبي العام، ويدعو جميع الأطراف الى الالتزام بتنفيذ التسوية السياسية على أساس هذه المبادرة، على ان يلتزم الرئيس اليمني بالتوقيع فورا على مبادرة مجلس التعاون الخليجي كما يشجعه هو أو من يفوضه أن يفعل ذلك ويدعو الى ان يترجم هذا الالتزام إلى أفعال، من أجل تحقيق انتقال سلمي للسلطة السياسية، كما جاء في مبادرة مجلس التعاون الخليجي وقرار الرئيس الصادر في 12 سبتمبر/ايلول، دون مزيد من التأخير."
وهناك العديد من الملاحظات على هذا البند الذي يفترض انه الموضوع الجوهري للقرار. اولا، المجلس يتحدث بلغة مطاطية عن اتفاق تسوية وفقا للمبادرة الخليجية وعن الدخول في عملية شاملة ومنظمة "في اقرب وقت ممكن" مع امكانية ان ياخذ ذلك الوقت عشرون سنة ان اقتضى الأمر.
ثانيا، ينوه المجلس بالتوقيع على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي من قبل "بعض أحزاب المعارضة" هكذا يشير الى قوى الثورة. واذا كان الذين وقعوا على المبادرة هم فقط "بعض" احزاب المعارضة كما جاء في القرار فما هو "الكل" المعارض الذي لم يوقع بعد.
هل يقصد مجلس الأمن ان احزاب "الحفاظات" مثل حزب عبده الجندي وحزب احمد الصوفي وحزب قاسم سلام هم احزاب المعارضة التي لم توقع. اما كون القرار يذكر المؤتمر الشعبي العام الذي لم يتبق منه سوى مجموعة من اللصوص والقتلة والبلاطجة من امثال سلطان البركاني، احمد الصوفي، عبده الجندي، ياسر اليماني، عارف الزوكا ، حمود عباد، ياسر العواضي، حافظ معياد، عبد الحفيظ النهاري، طارق الشامي، ومن على شاكلتهم فتلك بلطجة دولية لا تقل سفاهة واجراما عن بلطجة علي صالح واصحابه. فهل قتل شباب اليمن ليصل امثال هؤلاء الى قمة السلطة؟
ومن المهم الإشارة هنا الى ان هناك شخصين او ثلاثة ما زالوا حول الرئيس ومع ذلك يحظون باحترام يمكن ان يؤهلهم للعب دور في المستقبل ان التحقوا بالثورة في الوقت المناسب ولم يوغلوا في السكوت وفي الشراكة في الجرائم التي يرتكبها صالح. وبالنسبة لشرفاء المؤتمر، فقد استقالوا جميعا والتحقوا بالثورة منذ وقت مبكر وشكلوا تنظيماتهم وربما ان مجلس الأمن لا يعرف بعد حقيقة ان المؤتمر القابل للحياة قد التحق بالثورة في حين ان المؤتمر الذي اختار الموت ما زال مع صالح يشاركه في قتل الشباب وتدمير البلاد.
ضف الى ذلك ان المؤتمر لم يكن حزبا ابدا كما يعرف الجميع وكما تؤكد كل الدراسات فلماذا يلجأ مجلس الأمن الى اساليب الاحتيال في فرض قوة سياسية معينة لا وجود لها ولا اخلاق ولا قيم كقوة سياسية مستقبلية. لقد تم ممارسة اساليب الإحتيال والنصب على قوى المعارضة في اليمن وتم ادخال المؤتمر الذي لا وزن له ولا قيمة وليس سوى مجموعة من المصفقين لصالح والمسترزقين كقوة سياسية تشارك في التوقيع على المبادرة الخليجية ويتم اليوم فرض هذه الشرذمة كقوة سياسية تقود اليمن نحو المستقبل. لتأخذهم امريكا او المانيا فالشعب اليمني لا يريدهم ولم يثر على علي عبد الله صالح ليصعد بدلا عنه عارف الزوكا او سلطان البركاني او غيرهم من المصفقين والمبترعين الذين يتم بيعهم وشرائهم بالدولار ولا هم لهم الا ملىء خزائنهم.
البنود الأخرى
يتعامل البند الخامس باستخفاف تام مع الثورة السلمية للشباب اليمني ويطالب السلطات اليمنية التي برأها في البند الثاني من المسئولية عن الانتهاكات ب" السماح للشعب اليمني بممارسة حقوقه وحرياته الأساسية، بما في ذلك حقه في التجمع السلمي للمطالبة برفع المظالم عنه وحرية التعبير، بما في ذلك حرية وسائل الإعلام، واتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد للهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية من جانب قوات الأمن ".هل خرج الملايين من اليمنيين من اجل اصدار صحيفة ام لتغيير حكم اسري عفن سرق البلاد والعباد وخان كل عهد وميثاق؟
وهكذا تمضي بنود قرار مجلس الأمن محلقة في الفضاء وكان سفراء الولايات المتحدة والدول الأوروبية يسكنون في ابراج عاجية ولا يعرفون الوضع في اليمن وما يواجهه اليمنيون.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق