الثلاثاء، 25 أكتوبر 2011

وكلاء صالح في امريكا: السفيرة بربارة بودين انموذجا

د. عبد الله الفقيه
استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء

تردد كاتب هذا المقال كثيرا في تناول هذا الموضوع نظرا لحساسيته البالغة بالنسبة لعدد كبير من الأصدقاء الأمريكيين الذين عملوا في اليمن أو مع اليمن سواء في مهمات رسمية أو غير رسمية لكن ما شجعه على المضي قدما في الكتابة حول هذا الأمر هو خبر نشره موقع المصدر اون لاين قبل شهور حول عزم نشطاء يمنيين مقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية اعداد قائمة سوداء تشمل اشخاصا وشركات وجماعات ضغط ودبلوماسيين امريكيين سابقين يعملون ضد ثورة الشباب في اليمن ويضغطون على ادارة اوباما لمساندة فاقد الشرعية دكتاتور اليمن علي عبد الله صالح. ويتمنى كاتب هذه السطور ان يمضي اولئك النشطاء في اعداد تلك القائمة واعلانها للجميع.
الرئيس يناصر السفيرة
في نهاية شهر مارس 2000 طار الرئيس اليمني في ذلك الوقت علي عبد الله صالح الى واشنطن في زيارة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية كان غرضها الأساسي غير المعلن هو ان يطلب من مادلين اولبرايت والرئيس بيل كلنتون التمديد للسفيرة الأمريكية في اليمن باربرا بودين (ولدت في عام 1948 وعينت سفيرة لدى اليمن في 1997). وبدا صالح حينها كالعاشق الولهان الذي لا يستطيع انتظار الموعد الرسمي للزيارة المحدد لها يومي 3-4 ابريل. ومع ان القانون المنظم لعمل السفراء الأمريكيين يحصر فترة خدمة السفير في اي دولة بثلاث سنوات الإ ان سفر صالح الى واشنطن ليطالب بالتمديد لبودين على غرابته قد حظي بتعاطف ادارة كلنتون فقررت التمديد لبودين لعام آخر.
لقد امتلك صالح موهبة غير عادية في شراء الناس سواء اكانوا سفراء ملوك ورؤساء الدول الأخرى أو موظفين دبلوماسيين أو خصومه في الداخل، ولكل شخص ثمن وطريقة معينة في الشراء والاستحواذ. ويتحدث الكثيرون في اليمن عن اسطول من المروحيات خصصه صالح لنقل سفراء الولايات المتحدة والدول الأوروبية وعائلاتهم واصدقائهم الى جزيرة سقطرة للنزهة ناهيك بالطبع عن مزايا ومنافع اخرى.
وواضح ان صفقة شراء بودين التي لا بد وانها كلفت الكثير قد كانت كاملة حصل بموجبها صالح على الحقوق الحصرية فيما تفعله السفيرة وتقوله اثناء عملها كسفيرة لبلادها وبعد مغادرتها لليمن وكم ود صالح لو ان بودين تبقى سفيرة للولايات المتحدة في اليمن مدى الحياة تماما مثلما هو حال نسبه عبد الوهاب الحجري الذي اصبح سفيرا لليمن لدى واشنطن مدى الحياة.
لقد كانت بودين بدون شك اكثر فائدة لصالح من نسبه الحجري الذي اظهرت الأيام الماضية ان عمله الأساسي هو ادارة ممتلكات نجل الرئيس العميد احمد  في "فرندلي هايتس" ومن اي سفير آخر تمكن صالح من استمالته للعمل لحسابه بدلا من العمل لحساب دولته وليس هناك من دليل على ذلك اقوى من ترتيبات الزيارة الاستثنائية التي قام بها صالح لواشنطن حينها والتي استمرت من 30 مارس وحتى الرابع من ابريل. كانت تلك الزيارة هي الثانية لصالح بعد الزيارة الأولى التي قام بها في عام 1990 اي قبل حوالي عشر سنوات. وقد تم استضافة صالح خلال الزيارة في مقر الضيافة الرسمي للحكومة الأمريكية المعروف بـ "بلير هاوس" وتمكن صالح، بالإضافة الى لقائه بالرئيس كلينتون، من الالتقاء بأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ ومسئولين في وزارة الدفاع والمخابرات المركزية الأمريكية، ورئيس البنك الدولي، وزيادة في اشعار صالح بعظمته وأهميته فقد رتب له زيارة الى منظمة الدول الأمريكية واتيح له فرصة القاء خطاب امام الجمعية العامة للمنظمة حول التطورات في اليمن والشرق الأوسط.
السفيرة تناصر الرئيس
في الثلث الثاني من اكتوبر 2000، اي بعد بضعة اشهر على زيارة صالح لواشنطن، وقع الهجوم الإرهابي على المدمرة الأمريكية يو اس اس كول في خليج عدن، ووجدت بودين في الحادثة وما تبعها من تطورات مناسبة لإظهار الولاء المطلق لصالح. فعندما ارسلت الحكومة الأمريكية عقب الحادثة وفدا من مكتب التحقيقات الفدرالي المعروف بـ"الإف، بي، اي" برئاسة جون اونيل للتحقيق في الحادثة عملت بودين كخط الدفاع الأمامي لنظام صالح وذهبت في الأمر الى حد الاصطدام مع المحقق او نيل والعمل على منعه من الدخول الى اليمن من جديد وهو ما قاد في عام 2001 الى اتهامات لبودين في الولايات المتحدة بان تصرفاتها ربما فرطت في الأمن القومي الأمريكي وساهمت في فشل الاستخبارات الأمريكية في منع الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001. ومن غريب الصدف ان المحقق اونيل الذي حاربته بودين بشراسة دفاعا عن صالح انتهى به الأمر الى ترك الإف بي اي والانتقال الى العمل كمسئول عن الأمن في مركز التجارة العالمي، وسيقتل في الهجوم الإرهابي الذي نفذ ضد المركز في 11 سبتمبر 2001.
وفي حين انتهت فترة عمل بودين كسفيرة امريكية في اليمن في اواخر اغسطس 2001، فإن عملها في مناصرة صالح ظل مستمرا وبشكل اكثر حدة مما جعل الكاتب يتواصل مع بعض الأشخاص الذين يعرفهم للاستفسار عما اذا كانت بودين مسجلة رسميا كمناصرة لنظام صالح امام الدوائر الأمريكية وخصوصا الكونجرس ووزارة الخارجية والبيت الأبيض وهو ما نفته تلك المصادر.
وتتعدد الخدمات التي تقدمها بودين لسفاح اليمن لكن ابرزها يتصل بالإدلاء بالشهادات امام اجهزة صنع القرار الأمريكية. تقول بودين في شهادة لها حول اليمن امام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في 20 يناير 2010 وهذا مجرد مثال فقط "إن التحديات الأساسية التي تواجه اليمن هي ]ضعف[ الموارد والقدرة وليس الإرادة" وهو قلب واضح للحقائق لا يحتمل الخلاف حوله. وتمضي بودين في تقديم صورة لليمن تخدم تماما نظام سفاح اليمن. فاليمن من وجهة نظر بودين "تملك خبرة 20 سنة من الانتخابات التنافسية، الحرة، والعادلة.. والصحافة الحرة والمجتمع المدني." وهذه بحد ذاتها شهادة زور. واذا كانت السفيرة بودين تصدق هذا الكلام فهي بالتأكيد تعاني من جهل كبير بالديمقراطية.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق