الاثنين، 10 يناير 2011

عقدة الانتخابات

قراءة تاريخية لمراحل النظام الأساسي في قطر

الدكتور علي خليفه الكواري

في إطار حاجتنا الوطنية لفهم الممارسات الدستورية في قطر ومستقبلها, يحسن بنا أن نقدم قراءة لمرحلة النظام الأساسي المؤقت لعام 1970 والنظام الأساسي المؤقت المعدل لعام 1972, لعل هذا يفسر لنا أسباب إرجاء تطبيق فصل السلطة التشريعية في دستور قطر الدائم لعام 2005, حتى وقتنا الحاضر.
أولا: مرحلة النظام الأساسي المؤقت لعام 1970
صدر النظام الأساسي المؤقت بتاريخ 2/4/1970 قبل إعلان الاستقلال بستة أشهر في سبتمبر أيلول 1970. وهذا النظام الأساسي جاء استجابة لمتطلبات الاستقلال ورغبة بريطانيا أن تنهي حمايتها, بإعطاء صورة حداثية للدولة التي قامت على حمايتها ونظام الحكم الذي خلفته بعدها. كما عكس وعبر النظام الأساسي المؤقت لعام 1970, عن رغبة الحاكم وولي العهد, في تثبيت التفاهمات التي تمت بين بريطانيا و الحاكم وولي العهد عام 1960وتم بموجبها اقتسام السلطة بينهما.
نص النظام الأساسي المؤقت لعام 1970 في مادته الأولى على أن "قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة.... دينها الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيس لتشريعها, ونظامها ديمقراطي, ولغتها الرسمية هي اللغة العربية. وشعب قطر جزء من الأمة العربية". ونصت الفقرة (حـ) من المادة (5) على أن " توجه الدولة عنايتها في كل المجالات لإرساء الأسس الصالحة لترسيخ دعائم الديمقراطية الصحيحة...." وتؤكد الفقرة (جـ) من المادة (8) على أن "هدف التعليم هو إنشاء شعب قوي الجسم والتفكير والشخصية, مؤمن بالله, محلى بالأخلاق الفاضلة, معتز بالتراث العربي الإسلامي, مجهز بالمعرفة, مدرك لواجباته وحريص على حقوقه."
هذه بعض المواد التي تقرب نظام الحكم في قطر من نظام الحكم الديمقراطي وتؤكد مع غيرها من المواد في الباب الأول ( نظام الحكم ) والباب الثاني ( المبادئ الجوهرية لسياسة الدولة ) والباب الثالث ( الحقوق والواجبات ) على بعض من مفردات نظام الحكم الديمقراطي من حيث النص, دون أن يحدث انتقال حقيقي من نظام حكم الفرد أو القلة إلى نظام حكم ديمقراطي كما تؤكد بقية المواد.
فإذا انتقلنا إلى الباب الرابع ( السلطات ) نجد المادة (17) تقول " يصدر الحاكم القوانين بناءاً على اقتراح مجلس الوزراء, وبعد اخذ مشورة مجلس الشورى على الوجه المبين في هذا النظام. كما تنص المادة (18) على أن "السلطة التنفيذية يتولاها الحاكم بمعاونة مجلس الوزراء على النحو المبين في النظام الأساسي." وبذلك نجد أن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية موكلة للحاكم ومجلس الوزراء, وليس لمجلس الشورى سوى إبداء المشورة غير الملزمة. ويتضح ذلك من الاختصاصات الموكلة للحاكم ونائب الحاكم ومجلس الوزراء والتي تعبر عن اقتسام السلطة بينهما دون وجود سلطة تشريعية مستقلة عن السلطة التنفيذية, وهنا نجد سلطة مطلقة للحاكم يتقاسمها مع ولي العهد نائب الحاكم.
كما أن النظام الأساسي يوكل للحاكم اختيار عضوين من كل أربعة أعضاء تنتخبهم كل دائرة من الدوائر العشر لعضوية مجلس الشورى .
وجدير بالذكر إن مجلس الشورى هذا لم ينتخب ولم يعين طوال السنتان التي استمر بهما العمل بالنظام الأساسي المؤقت لعام 1970.
وفي الباب الخامس ( أحكام عامة ) تقول المادة (74) "يجوز للحاكم تنقيح هذا النظام الأساسي بالتعديل أو الحذف أو الإضافة إذا رأى أن مصالح الدولة العليا تتطلب مثل هذا التنقيح".
وبذلك يتأكد أن النظام الأساسي المؤقت خاضع لإرادة الحاكم ولا يقر بمبداء "الشعب مصدر السلطات" ولا الفصل بين السلطات, برغم ما نصت عليه المادة (1) بأن "نظام الحكم ديمقراطي".
ثانيا: مرحلة النظام الأساسي المؤقت المعدل لعام 1972
لا يختلف النظام الأساسي المؤقت المعدل لعام 1972 من حيث الواقع عن النظام الأساسي المؤقت لعام 1970. والتعديل الذي جرى يتمثل في حذف المادتين (21) و (26) التين كانتا تعبران عن تفاهمات 1960 واقتسام السلطة بين الأمير وولي العهد نائب الحاكم. إضافة إلى النص على تولي الأمير رئاسة مجلس الوزراء مباشرة, حيث تغير لقب الحاكم إلى الأمير في النظام الأساسي المؤقت المعدل وأصبح يتولى رئاسة مجلس الوزراء أيضا , وبذلك تتركز كافة السلطات في يد الأمير رئيس مجلس الوزراء, وتضيق مساحة اتخاذ القرار ويصبح القرار العام قراراً فرديا بامتياز. الأمر الذي أدى إلى إجراء تعديلات متتالية في النظام منذ السنة الأولى وفي كثير من الأحوال عطلت مواد دون الالتفات إلى ضرورة تعديلها رسمياً. ومما يؤسف له أن أهم ما جاء في النظام المعدل, من إقرار مبدأ انتخابات عامة سرية مباشرة, هي نفسها التي استهدفتها التعديلات في عامي 1973 و 1975
وجدير بالتنبيه أن هذه التعديلات التي نصت على الانتخابات في النظام الأساسي المؤقت المعدل لعام 1972, قد تم التأكيد عليها في ديباجته بالنص التالي: "فقد شمل التعديل الإحكام المنظمة لتشكيل مجلس الشورى, فقضي بان يشكل هذا المجلس لأول مرة من عشرين عضواً يصدر بتعينهم أمر أميري مع جواز أن يعين الأمير عدداً آخر من الأعضاء لا يتجاوز أربعة إذا رأى أن الصالح العام يقتضي ذلك, وعلى أن تبقى اختصاصات هذا المجلس على ما كانت عليه وان تكون مدته سنة واحدة أصلاً. كما قضي بذات الوقت بإنشاء مجلس شورى جديد عند انتهاء مدة مجلس الشورى الأول , مع مراعاة أن يتم تشكيله بالانتخاب العام السري المباشر وفقاً للقواعد التي يصدر بها قانون خاص ينظم ذلك الانتخاب العام وان يصدر هذا القانون خلال ثلاثين يوما من تاريخ انتهاء المدة المذكورة وان تتم إجراءات الانتخابات خلال ثلاثين يوماً من صدور القانون المشار إليه."
ومما يؤسف له حقا في تاريخ قطر الدستوري, هو تعديل المادة (45) بقرار أمير دولة قطر رقم (1) لسنة 1973 وبقراره رقم (7) لسنة 1975, بما يجيز استمرار مجلس الشورى المؤقت لمدة تتعدى العام الذي وعد به النظام الأساسي المؤقت المعدل, فأصبح نص المادة (45) "مدة مجلس الشورى سنة ميلادية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له." وأضيف إليها" ويجوز مد هذه المدة إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك". وعلى ما يبدو إن المصلحة العامة من وجهة نظر السلطة قد اقتضت مد السنة الواحدة الاستثنائية للعمل بمجلس شورى معين مدة تزيد على ربع قرن من الزمن.
ومن المفيد في ختام هذه المقالة أن نقف عند ظروف تعديل النظام الأساسي المؤقت, فقد جاءت التعديلات بعد إزاحة الحاكم السابق وتولي نائب الحاكم ولي العهد رئيس مجلس الوزراء للسلطة, وقد كان لهذا الظرف دوافعه للإعلان عن توجهات يرضى عنها الشعب ويستحسنها الرأي العام العربي. ومن هذه التوجهات انتخاب مجلس شورى بالاقتراع العام السري المباشر, بعد إن كان الوعد بانتخاب هذا المجلس وفقا للنظام الأساسي المؤقت لعام 1970, يعطي الحاكم حق اختيار مرشحين فائزين من كل أربعة تنتخبهم الدائرة الواحدة من الدوائر الانتخابية العشر. ولذلك فان النظام المعدل لعام 1972 الغي ما وعد به النظام المؤقت لعام 1970 وجاء بمبداء الانتخاب السري المباشر واعتبر التعيين لمدة عام واحد استثناء. ولكنه تخلى عن وعده الصريح والمحدد المواعيد بإجراء اقتراع عام سري لأعضاء مجلس الشورى, فثبت بذلك مبدأ تعيين أعضاء مجلس الشورى المعمول به حتى الوقت الحاضر.
كما يلاحظ أيضا على ديباجة النظام المعدل علو نقمته الوطنية والقومية وتأكيده على أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس لتشريعها. بعد أن كان النص في النظام المؤقت " الشريعة الإسلامية مصدر رئيس لتشريعها" المادة (1) في كلا النظامين.
وكذلك نلاحظ تأكيد ديباجة النظام المعدل لعام 1972 على البعد العربي والعلاقات العربية حيث يربط توجه قطر للنهوض بنفسها بما " يؤهلها للقيام بدورها الأكمل في التضامن مع الدول العربية الشقيقة تضامناً فعالاً نافعاً لبلوغ ما ننشده من عزة ورفعة ومنفعة لامتنا العربية الخالدة وسلام وامن العالم أجمع".
الدوحه 7 يناير 2011
هذا مقال ثاني من ثلاث مقالات كانت في الأصل أجزاء من بحث قبل للنشر في مجلة المستقبل العربي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق