الأربعاء، 24 فبراير 2010

اليمن المطلوب تغييره (الفصل السادس: فقر الغذاء)




"أساس مشاكل اليمن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا هو الفقر...مشاكل اليمن ليست في الأساس سياسية ولا اجتماعية ولا مناطقية بالمعنى الكامل ولكن كل القضايا تنبع من مشكلة واحدة ...الفقر."

د. عبد الكريم الإرياني، مستشار رئيس الجمهورية، نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام، في حديث لقناة الحرة نشر نصه في صحيفة الوسط بتاريخ 10 سبتمبر 2008

نشرت صحيفة "الوحدة" الرسمية في عددها رقم (865) بتاريخ 30 يناير 2008 في صفحتها الأولى خبرا بعنوان "مسح شامل للأسر الفقيرة في مختلف محافظات الجمهورية" وقد أشار الخبر، وفي بادرة غير معهودة، بان عدد الفقراء المحتاجين في عام 2007 قد بلغ (9.971.000) نسمة، أي قرابة عشرة مليون مواطن. وأشارت الصحيفة إلى أن عدد الحالات المستفيدة من مبالغ الضمان الاجتماعي الذي تقدمه الدولة قد بلغت (1.440.873) حالة.

وفي اليوم التالي مباشرة لنشر صحيفة الوحدة الخبر أعلاه، نشرت صحيفة 26 سبتمبر الناطقة باسم القوات المسلحة اليمنية خبرا في صفحتها الخامسة بعنوان "مشروع لإقامة أكبر سارية علم في العالم بصنعاء" وكان الخبر الذي احتل معظم مساحة الصفحة يدور حول ندوة أقامتها منظمة مدنية تسمى "ملتقى الرقي التقدم" حول عدد من المسائل المتعلقة بالعلم الوطني ومنها مبادرة بناء السارية. ومما ورد في النقاش حول السارية وما يتم نقله حرفيا عن صحيفة 26 سبتمبر هو الآتي:

" وفي الندوة تابع المشاركون عرض بروجكتر يوضح مخطط لاقامة سارية العلم الوطني في ميدان السبعين تدخل من خلالها بلادنا في موسوعة جينس للارقام العالمية باعتبار ان السارية ستكون الأطول في العالم وسيصل ارتفاعها إلى 135 متراً أي بفارق مترين عن سارية الامارات العربية المتحدة التي تعد اليوم أطول سارية في العالم، غير ان الاستاذ احمد الجبلي اقترح زيادة طول السارية الى ما يقارب 150 متراً ليتسنى لليمن دخول موسوعة جينس للأرقام العالمية وقد لقى هذا المقترح استحسان الكثير من المشاركين. اما الاستاذ نوح عبدالسلام فقد اقترح ان يكتب في سارية العلم تاريخ الوحدة اليمنية بالخط العربي بدلاً من الخط المسند كما هو مقرر في المخطط وقد وافقه الكثير في ذلك. أما الأستاذ عبدالرحمن بجاش مدير تحرير صحيفة "الثورة" فقد اقترح ان يكون مقر سارية العلم في ظهر حمير كونه اكثر ارتفاعاً من تبة ميدان السبعين ويمكن للناس ان يشاهدوا السارية من كل نواحي واحياء العاصمة صنعاء، وقد عبر جميع المشاركين عن شكرهم وتقديرهم للملتقى ورئيسه على الجهود التي بذلها على مدى عامين في متابعة قانون النشيد الوطني والسلام الجمهوري، حتى أصبح حقيقة ملموسة وكذا تبنيه اليوم لمشروع تعديل قانون العلم الوطني والذي سيكون تتويجاً لفكرته الثلاثية الأبعاد النشيد الوطني، السلام الجمهوري، العلم الوطني."

وكان الكاتب والمسئول الحكومي السابق الأستاذ/ عبد الجبار سعد قد كتب أثناء توليه منصب وكيل وزارة المالية إلى وزير المالية في حينه الأستاذ علوي السلامي قائلا في تقرير نشرته صحيفة الوسط بتاريخ 17 أغسطس 2005 :

"مما يؤسف له أنكم لا تمرون على الحواري المظلمة في ساعات الليل أو حتى ساعات النهار ولم تشاهدوا مثلنا كيف ان الناس يفتحون أكياس القمامة ليلتهموا ما فيها من بقايا الغذاء ولكننا والله على ما نقول شهيد رأينا هذا في قلب صنعاء وبجانب منازلنا فكيف تتوقع ان يتحدث من يرى أبناء شعبه يأكلون من أكياس القمامة وقلة قليلة تتحكم بأرزاقهم بكل سفه وتبذير وابتزاز ولا تريد ان تغير شيئا من أحوالهم مطلقا."

وكان كيس القمح، عندما نشر الكاتب سعد نص تقريره إلى وزير المالية، ما يزال في حدود ال2000 ريال يمني أو ما يساوي بسعر الريال مقابل الدولار في ذلك الوقت حوالي 10 دولار. ولم يكن سعر كيس القمح قد بلغ ما بلغه اليوم وهو حدود ال7000 ريال أو ما يساوي بأسعار الصرف الحالية 35 دولارا.

أولا- رقعة الفقر

يميز الباحثون والمعنيون بين نوعين من الفقر..هناك فقر الغذاء..وهو عدم قدرة الفرد بسبب انخفاض أو انعدام الدخل على الحصول على حاجته الأساسية من الغذاء...وهناك الفقر بشكل عام والذي يشمل ليس فقط مدى قدرة الفرد على الحصول على حاجته من الغذاء، لكنه يشمل أيضا الكساء والتعليم والصحة وغيرها..وقد دأبت الحكومة اليمنية، ومنذ سنوات عديدة، على اعتبار ان الفرد الذي يقل دخله عن 2101 ريالا يمنيا، أو حوالي 10 دولارات، في الشهر فقير غذائيا—أي لا يجد ما يكفي حاجته من الغذاء. أما الفرد الذي يزيد دخله عن 2101 و لا يزيد عن 3210 أي حوالي 16 دولارا فيعاني من الفقر بشكل عام.. أي عنده ما يكفيه للحصول على حاجته من الغذاء ولكن ليس لديه ما يكفيه للحصول على احتياجاته الأخرى..[1]

ولو افترضنا ان الشخص الفقير يأكل 3 حبات بيض فقط في اليوم ..حبة في كل وجبة..وبسعر الحبة 25 ريالا يمنيا، فان تكلفة غذائه في اليوم ستصل إلى 75 ريالا في اليوم.. أما في الشهر فستصل التكلفة إلى 2250 ريالا وهو مبلغ يفوق المبلغ المحدد من قبل الحكومة لتجاوز فقر الغذاء. ولو افترضنا ان الفرد يتناول طوال اليوم 6 أرغفة خبز من الحجم الذي يباع ب20 ريالا، وبمعدل رغيفين في كل وجبة، فان تكلفة حاجته اليومية من الخبز تصل إلى 120 ريالا. وستصل التكلفة في الشهر إلى 3600 ريال. وتكمن المشكلة في ان الفرد قد يأكل 6 أرغفة في الوجبة الواحدة نظرا لضاءلة وزنها ، وهو ما يعني ان الفرد يحتاج إلى مبلغ يفوق ال10 ريال شهريا.

ويختلف عدد اليمنيين الذين لا يستطيعون، بسبب عدم وجود الدخل الكافي، الحصول على حاجتهم من الغذاء من دراسة إلى أخرى، ومن منظمة دولية إلى منظمة دولية أخرى، ومن جهة حكومية إلى أخرى، ومن عام إلى آخر. لكن الشيء الواضح هو ان رقعة الفقر تتسع بين اليمنيين يوما بعد آخر، وخصوصا في الريف حيث يعيش حوالي ثلاثة أرباع السكان. وإذا كان معدل الفقر العالمي هو ان شخص واحد من بين كل ستة لا يجد حاجته من الغذاء، فان المعدل اليمني هو الضعف حيث ان واحد على الأقل من كل ثلاثة يمنيين لا يجد حاجته من الغذاء.

ومهما حاولت الحكومة اليمنية إخفاء سوءة الفقر عن مواطنيها والمجتمع الدولي، فان للفقر، في الغالب، رجلين يمشي عليهما وله لون للوجه ولون ورائحة للثياب...ومن الصعب إخفاء كل ذلك. وتشير بيانات الحكومة اليمنية ذاتها إلى ان أي تحسن في النمو الاقتصادي يذهب إلى جيوب الميسورين والى ان الفقراء يزدادون فقرا. كما تشير ذات البيانات إلى ان الأعباء الضريبية التي تفرضها الحكومة يتحملها الفقراء، أو القريبون من خط الفقر، وليس الأغنياء...وكثيرا ما تقود الأعباء الضريبية والابتزاز الذي يمارسه الكثير من موظفي الحكومة لأصحاب المطاعم والبوفيات ومحطات مياه الكوثر وأصحاب الدكاكين وسائقي الباصات وسيارات التاكسي وبائعي القات وحتى أصحاب البسطات إما إلى إفلاسهم أو إلى إبقائهم تحت خط الفقر.

وتشير البيانات الرسمية المتصلة بالفقر إلى غياب العدالة في توزيعه والى ان الفقر في اليمن يقطن الريف وليس الحضر. فمن بين كل 10 أشخاص يعانون من فقر الغذاء يعيش 9 منهم تقريبا في الريف. ومن بين كل 10 أشخاص يعانون من الفقر بشكل عام، يعيش 8 منهم على الأقل في الريف. وعند المقارنة بين الريف والحضر يتضح ان 87% من السكان الذين يعانون من فقر الغذاء يعيشون في الريف. كما ان 83% من السكان الذين يعانون من الفقر بشكل عام يعيشون في الريف أيضا. كما ان هناك فجوات كبيرة في توزيع الفقر بين المحافظات. فكما يوضح الجدول رقم (44) فان نسبة الفقراء في أربع من محافظات الجمهورية هي تعز، اب، لحج، ابين، يتجاوز نصف السكان.

جدول رقم (44): توزيع الفقر في المحافظات اليمنية

المحافظة

نسبة الفقر بين السكان

تعز

56

اب

55

لحج

53

ابين

52

ذمار

49

حضرموت

43

شبوة

43

المهرة

43

عدن

30

صعدة

27

أمانة العاصمة

23

البيضاء

15

Source: The Republic of Yemen, Poverty Reduction Strategy Paper (2003-2006), May 2002, VII-VIII

ويعيش قرابة 3 مليون يمني فقرا شاملا ومزمنا يحاصرون فيه منذ قرون الا وهم المهمشون أو "الأخدام" كما يسميهم الناس. ويعيش المنتمون إلى هذه الفئة في مجمعات مبنية من ورق الكرتون والقماش والعلب الفارغة والصفيح. وتقع تجمعاتهم السكانية أو "المحاوي"، كما تسمى، في ضواحي أو في الأحياء الفقيرة في المدن وفي الأرياف. ويمارس معظم أفراد هذه الفئة التسول أو العمل في كنس الشوارع ووظائف النظافة الأخرى. ويقول احد المهمشين وهو علي عز المحمد عبيد "ان كافة الأبواب موصدة في وجوهنا باستثناء كنس الشوارع والتسول. أننا باقون على قيد الحياة لكننا لسنا بأحياء."[2]

ثانيا- مظاهر الفقر

أدى تفاقم ظاهرة الفقر في المجتمع اليمني إلى ظهور وتعميق العديد من الظواهر الصحية والاجتماعية المعبرة عن النكسة مثل ظهور معدل مرتفع من سوء التغذية بين السكان، ارتفاع نسبة الأطفال تحت الخامسة ناقصي الوزن بالنسبة للطول، عماله الأطفال تحت سن ال15، الزواج السياحي، التجارة بالأطفال، وغيرها من الظواهر .

1- سوء التغذية

بلغت نسبة السكان الذين يعانون من سوء التغذية في اليمن 38% خلال الفترة 2002-2004. وتملك اليمن كما يبين الجدول رقم (45) المعدل الأسوأ في العالم العربي بالنسبة لسوء التغذية بين السكان. ويعد معدل اليمن أسوأ من المعدل المحقق في جيبوتي، التي بلغت النسبة الخاصة بها 24 %، ومن السودان التي بلغت نسبة السكان الذين يعانون من سوء التغذية فيها 26%. ويلاحظ ان المعدل في المغرب هو 6% فقط . ولم يزد معدل سوء التغذية بين السكان على 4% فقط في كل من الجزائر ومصر وسوريا والسعودية.

جدول رقم (45): نسبة السكان الذين يعانون من سوء التغذية في اليمن وبعض الدول الأخرى (2002-2004)

السعودية

4

الجزائر

4

سوريا

4

مصر

4

الكويت

5

الأردن

6

المغرب

6

جيبوتي

24

السودان

26

اليمن

38

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

ويعاني 52% من الأطفال من سوء تغذية مزمن في حين يشكل الأطفال 53% من الفقراء. [3] ويعتبر الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أكثر عرضة لخطر الإصابة بالأمراض، والإعاقات الذهنية طويلة الأجل والوفاة المفاجأة. [4]

2- نسبة الأطفال تحت ال5 ناقصي الوزن

بلغت نسبة الأطفال تحت سن الخامسة من العمر والذين يعانون من نقص الوزن قياسا بالعمر في اليمن 46% خلال الفترة 1996-2005، وهو ما يعني ان قرابة نصف أطفال اليمن يعانون من نقص الوزن. وتملك اليمن كما هو واضح من الجدول رقم (46) المعدل الأسوأ في العالم العربي بالنسبة للأطفال تحت الخامسة الذين يعانون من سوء التغذية. ويعد معدل اليمن أسوأ من المعدل المحقق في جيبوتي وهو27 % ومن معدل السودان الذي بلغ 41%. وبلغت النسبة في الكويت والجزائر والمغرب 10% فقط في حين وصلت إلى 18% في عمان.

جدول رقم (46): نسبة الأطفال تحت الخامسة ناقصي الوزن قياسا بالعمر (1996-2005)

الدولة

النسبة

الأردن

4

لبنان

4

تونس

4

ليبيا

5

قطر

6

مصر

6

سوريا

7

البحرين

9

الكويت

10

الجزائر

10

المغرب

10

العراق

12

الإمارات

14

السعودية

14

عمان

18

جيبوتي

27

السودان

41

اليمن

46

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

3- الأطفال تحت ال5 ناقصي الطول

بلغت نسبة الأطفال تحت الخامسة من العمر ناقصي الطول بالنسبة للعمر في اليمن 60% خلال الفترة 1996-2005 (انظر الجدول رقم 47) مقارنة بمعدل 48% للسودان و29% لجيبوتي و24% لمصر وسوريا و23% للمغرب و22% للجزائر.

جدول رقم (47): نسبة الأطفال تحت الخامسة ناقصي الطول بالنسبة إلى العمر (1996-2005)

الدولة

النسبة

لبنان

6

الكويت

7

الأردن

12

عمان

16

تونس

16

الجزائر

22

المغرب

23

سوريا

24

مصر

24

العراق

28

جيبوتي

29

السودان

48

اليمن

60

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

4- المواليد ناقصي الوزن

بلغت نسبة الأطفال الذين يولدون ناقصي الوزن في اليمن 32% خلال الفترة 1998-2005 (انظر الجدول رقم 48) في حين بلغت النسبة 31% في السودان، 16% في جيبوتي، 15% في كل من المغرب والإمارات والعراق، 12% في مصر والأردن، 11% في السعودية، و10 % في قطر. ولم تزد النسبة عن 6% في لبنان وسوريا وعن 7% في كل من الكويت، ليبيا، تونس، والجزائر.

جدول رقم (48): نسبة الأطفال الذين يولدون ناقصي الوزن (1998-2005)

الدولة

النسبة

لبنان

6

سوريا

6

الكويت

7

ليبيا

7

تونس

7

الجزائر

7

البحرين

8

عمان

8

قطر

10

السعودية

11

الأردن

12

مصر

12

العراق

15

الإمارات

15

المغرب

15

جيبوتي

16

السودان

31

اليمن

32

Source: UNDP, Human Development Report 2007-2008

5- عمالة الأطفال تحت ال15

توصلت دراسة اشترك في إعدادها كل من منظمة العمل الدولية، البنك الدولي، واليونيسيف (انظر الجدول رقم 49) إلى ان حوالي 8% من الأطفال الواقعين في الفئة العمرية 6-15 سنة يعملون فقط، وان حوالي 37% منهم لا يعملون ولا يدرسون وان 4.2% فقط يعمل ويدرس وان نصف الأطفال فقط متفرغون للدراسة.

جدول رقم (49): وضع الأطفال الواقعين في الفئة العمرية بين 6-15 سنة من حيث النشاط، النوع


ذكور


إناث


الجملة


يعمل فقط

5.0


10.8


7.9


يدرس فقط

62.6


38.4


50.9


يعمل ويدرس

6.3


2.0


4.2


لا يعمل ولا يدرس

26.1


48.8


37.1


Source: UCW, Understanding Children’s Work in Yemen, March 2003, 15

وبالنسبة لظاهرة عمالة الأطفال فيقول تقرير صحفي نشرته اليونيسيف باللغة العربية على موقعها على الشبكة العالمية للمعلومات المعروفة بالإنترنت في 17 مارس 2008 بأنهم يمثلون قرابة 10% من قوة العمل وبأنهم يهربون من أسرهم في الريف إلى المراكز الحضرية للبحث عن عمل أو بسبب سوء معاملة الأسرة وهناك يعملون في ورش السمكرة والميكانيك وكمباشرين في المطاعم.[5] وكانت منظمة العمل الدولية قد أشارت في بياناتها لعام 2000 إلى وجود 431 الف طفل ناشطون اقتصاديا منهم 186 الف أنثى و245 ألف من الذكور. ويعمل الأطفال، وفقا للمنظمة، في الريف والحضر. بالنسبة للريف، فأنهم يعملون في الزراعة كعمال وفي رعي الماشية. أما في الحضر فيعملون كصبية في المطاعم وباعة في الدكاكين وفي الجولات وكذلك في التسول. وقدرت المنظمة وجود 7000 متسول من الأطفال في العاصمة صنعاء وحدها.

وخلصت دراسة نفذها الدكتور فؤاد الصلاحي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء إلى ان الفقر هو السبب الرئيس لعمالة الأطفال وتشردهم في الشوارع إذا ينتمي معظمهم إلى أسر فقيرة—هاجر معظمها حديثا من الريف— تعتمد إلى حد كبير على ما يكسبه الأطفال من التسول أو من ممارسة الأعمال الأخرى.[6]

6- تهريب الأطفال

تفاقمت في اليمن خلال الأعوام القليلة الماضية، ظاهرة تهريب الأطفال إلى الدول المجاورة لليمن وخصوصا السعودية. وقد ذكرت دراسة ميدانية سعودية ان هناك حوالي 100 ألف طفل يتسولون في شوارع المملكة العربية السعودية ومعظمهم من اليمن.[7] كما ذكرت ذات الدراسة ان السلطات السعودية تقبض شهريا على 3500 طفل دخلوا المملكة عن طريق التهريب وذلك لغرض العمل أو التسول. ومع انه ليس هناك أرقام محددة لعدد الأطفال اليمنيين الذين يتم تهريبهم سنويا الإ ان المعدل قد يصل إلى أكثر من 10 ألف طفل. وشهد الربع الأول من عام 2004 طرد أكثر من 150 ألف يمني من السعودية من بينهم أكثر من 10 ألف طفل.[8]

وتتم معظم عمليات تهريب الأطفال اليمنيين إلى السعودية بعلم ذويهم ولأسباب اقتصادية. لكن اسر الأطفال الذين يتم تهريبهم لا تعرف حجم الأخطار التي يتعرضون لها والتي تبدأ عند عبور الحدود ولا تنتهي بالوصول إلى السعودية. وتشمل تلك الأخطار، كما بينت إحدى الدراسات، الجوع والضرب والنهب والاعتداءات المختلفة بما في ذلك الاعتداءات الجنسية. [9] وأكد 4760 طفلا شملتهم الدراسة ان المشكلات الأسرية، كبطالة الآباء والعنف الأسري والطلاق، ساهمت في القذف بهم إلى الشارع حيث يكتسبون الكثير من السلوكيات السلبية مثل تعاطي المخدرات، والتعرض للإصابة بالأمراض نتيجة تواجدهم في أماكن قذرة. وأشار الأطفال إلى ان انسب الطرق لمعالجة الظاهرة هي إعطائهم النقود التي تحتاجها أسرهم. [10]

7- الزواج السياحي

ساهمت الأوضاع الاجتماعية الصعبة خلال العقد الأول من القرن ال21 في اليمن في ظهور وتنامي ما يعرف ب"الزواج السياحي" والذي يتمثل في قيام السياح القادمين إلي اليمن—ومعظمهم من دول الخليج العربي والسعودية على نحو خاص—بالزواج بفتيات يمنيات صغيرات بنية المتعة المؤقتة ودون علم الفتيات بان المتعة المؤقتة هي الغاية من ذلك الزواج وان الزواج ذاته هو زواج مؤقت وان اكتملت أركانه الشرعية.

وتوصلت دراسة نفذتها جامعة اب في 2005 إلى ان 38% من ضحايا الزواج السياحي تتراوح أعمارهن بين 20-24 سنة، في حين ان 35% منهن يقعن في الفئة العمرية بين 15-19 سنة. كما أظهرت الدراسة ان 30% من الضحايا هن ذوات التعليم الثانوي، 17.5% من ذوات التعليم الإعدادي، و22.5% من ذوات التعليم الابتدائي، 12.5% جامعيات، 7.5% يجدن القراءة والكتابة، وتساوت نسبة الأميات ونسبة حاملات شهادات الدبلوم ب5% لكل فئة.[11]

وهناك صعوبات تحول دون معرفة الحجم الحقيقي لعدد الضحايا وذلك لان القضاة وأمناء الأحياء لا يلتزمون بالقواعد المنظمة لزواج اليمنيات من أجانب والتي تقضي بالحصول على إذن من وزارة الداخلية.

8- حوادث الانتحار

يعتبر الانتحار ظاهرة اجتماعية تنتشر في الكثير من الدول وان اختلفت درجة الانتشار وأسباب الظاهرة من دولة إلى أخرى. وبالنسبة لليمن، فان تنامي حوادث الانتحار وتزايدها من عام إلى آخر يعد أمرا جديدا. وقد زاد عدد حوادث الانتحار ومحاولات الانتحار التي تم تسجيلها خلال الفترة 2001-2004 (انظر الجدول رقم 50)، والتي قد لا تمثل سوى جزءا بسيطا من عدد الحوادث الفعلية، من 203 حالة في عام 2001 إلى 503 حالة في عام 2004.

جدول رقم (50): عدد حالات الانتحار أو الشروع فيه خلال الفترة 2001-2004

203

2001

316

2002

368

2003

503

2004

898

2005 -2006

465

2007

المصدر: معاذ منصر، "المسيمير ..حيث يقرر الناس الانتحار هربا من الجوع"، الشارع، العدد (60)، 9 أغسطس 2008، 3؛ علي الفقيه، "الفقر سبب رئيسي لزيادة حوادث الانتحار بين اليمنيين"، الثوري،8/9/2005، 3

وكانت حوادث الانتحار أو الشروع فيه قد بلغت 681 حالة خلال السنوات 1995-2000 وذلك بمعدل يقترب من 114 حالة في السنة. أما خلال السنوات 2001-2004 فقد بلغ عدد الحالات 1390 حالة وبمعدل يقارب ال350 حالة سنويا وبزيادة بنسبة 250% خلال الفترة.[12]

وصحيح ان للانتحار أسباب أخرى غير الفقر، الإ ان الصحيح أيضا ان الفقر في مجتمع إسلامي محافظ مثل المجتمع اليمني يعتبر السبب الرئيس.

فعلى سبيل المثال، فقد تجرع علي سالم قائد (قرية دجران، مديرية المسيمير، محافظة لحج) في يناير 2008 مبيدا حشريا ليضع نهاية لحياة من البؤس والشقاء تاركا خلفه زوجة و6 أطفال. وكان علي قد اكتشف، قبل انتحاره ببضعة أشهر، بان 3 من أطفاله (تتراوح أعمارهم بين السنة وال9 سنوات) مصابون بمرض تكسر الدم. ولم يكن علي الوحيد الذي انتحر في قرية دجران ولا الوحيد في ظروف انتحاره. فقد بلغ عدد حالات الانتحار في القرية 12 حالة منها ثلاث حالات للإناث.[13]

9- مؤشرات أخرى

يعتبر انخفاض نسبة الأطفال المقيدين في المدارس والمعدل المرتفع للامية، ووفيات الأطفال الرضع والأطفال تحت الخامسة من العمر، وغيرها من الظواهر التي تم مناقشتها في الفصول الخاصة بالتعليم والصحة وانخفاض الدخل مؤشرات أخرى على حياة الفقر التي يعيش فيها الكثير من اليمنيين.

ثالثا- معنى الفقر

مازال اليمني بعد قرابة نصف قرن على قيام ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 يأكل "الحلص" وهو نبات متسلق بأوراق عريضة وشحمية. وما يلفت الانتباه هو انه في الوقت الذي يأكل فيه اليمني الحلص، فان الأبقار والأغنام وحتى الدواب والحمير لا تستسيغه ربما بسبب حموضته. ولا زال اليمني يحتفي بقدوم الجراد ويتربص لأفواجها ليصيدها ويأكلها حتى وان كانت تلك الأفواج قد تعرضت خلال رحلتها للمبيدات السامة التي ترشها الدول التي تمر بها تلك الأفواج. وما زالت النساء والأطفال في كثير من أنحاء اليمن يقضون نهاراتهم عند اقتراب موسم "الصراب" وهم يطاردون العصافير والجوالب التي تهدد بأكل محاصيلهم من حبوب الذرة.

والفقر ليس عيبا من وجهة نظر الكثير من اليمنيين. لكن حياة الفقر ليست الحياة التي سيختارها الكثير من الناس إذا ما أتيح لهم الاختيار. فكما ان السجن هو قيد على جسد الإنسان، فان الفقر هو قيد على إنسانيته وعلى الخيارات التي يمكنه القيام بها. ولعل أهم آثار الفقر، بحسب الفقراء أنفسهم، هي حرمان الفقير من الرعاية الصحية واضطراره للتعايش مع المرض لعدم قدرته على تحمل تكاليف العلاج.[14] فالعائق الأول أمام الفقراء والذي يمنعهم من السعي للحصول على الرعاية الصحية عند المرض هو عدم قدرتهم على تحمل تكاليفها. [15] وكان العائقان الثاني والثالث، من وجهة نظر الفقراء، وهما عدم توفر الخدمة الصحية، وصعوبة الوصول إليها. [16] ويموت الكثير من الأطفال الرضع والأطفال تحت الخامسة من العمر بسبب أمراض الحمى والإسهالات إما لعدم وعي أسرهم الفقيرة أو بسبب تكاليف الرعاية الصحية التي تمنع تلك الأسر من طلب الرعاية لأطفالهم في الوقت المناسب.

وعلى صعيد الآثار الصحية للفقر على حياة الإنسان فان الفقراء من الذكور أكدوا بان عجزهم عن توفير متطلبات أسرهم يؤدي إلى إصابتهم بالأمراض النفسية. [17] وتؤدي الإصابة بتلك الأمراض إلى تفشي ظاهرة الانتحار.

ويلتحق قلة من أبناء الفقراء بالتعليم. فبالرغم من ان معدل الالتحاق بالمدارس قد شهد ارتفاعا خلال السنوات السابقة، أو هكذا تقول الحكومة، الا ان معدل الالتحاق للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ال6 وال14 سنة والذين تقع أسرهم في العشر الأشد فقرا من السكان قد شهد تناقصا بمعدل 5% في الريف والحضر على السواء. [18] وقليل من الملتحقين بالتعليم من أبناء الفقراء يبقون في النظام التعليمي ويستمرون حتى إكمال تعليمهم. وقليل من أولئك الذين يبقون في النظام التعليمي يتمكنون من الحصول على المعارف والمهارات التي يمكن ان تساعدهم في تغيير حياتهم. فالفقر في أهم أبعاده يعني عدم الحصول على الغذاء الكافي الذي يمكن الجسم من أداء وظائفه على أكمل وجه. وكما ان الأمية تعتبر اقصر الطرق للفقر، فان الفقر كذلك يعتبر اقصر الطرق إلى الأمية.

رابعا- المعالجات الحكومية

تبدأ إستراتيجية التخفيف من الفقر والتي أعدتها الحكومة اليمنية بالنص التالي:

" عانى اليمن وعلى مر الأزمان - باستثناء فترات متقطعة من تاريخه- من الفقر ومظاهره المختلفة. بل واعتبرت الأسباب الهيكلية للفقر أكثر وضوحاً في الحالة اليمنية، والتي تتمثل في شحة الموارد المائية ومحدودية الأرض الزراعية وصعوبة ووعورة التضاريس والطبيعة الجغرافية للبلاد عموماً، فضلاً عن ضعف القدرات البشرية وعدم توفر عناصر الاستقرار السياسي خلال معظم القرون الماضية.

وقد ركزت برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن ومنذ سبعينيات القرن الماضي على تحسين الأوضاع المعيشية للسكان من خلال إنشاء البنية التحتية والتوسع في تقديم الخدمات الاجتماعية وتشجيع الأنشطة الزراعية والصناعية. واستناداً إلى القاعدة المتأخرة التي انطلق منها الاقتصاد يمكن اعتبار جل تلك البرامج التنموية في إطار المساعي للتخفيف من الفقر. وقد ساعدت تلك البرامج رغم ما واجهها من معوقات في تحسين مستوى المعيشة بشكل عام، والذي انعكس في تقدم واضح لمؤشرات التنمية البشرية المختلفة. ومع ذلك، فإن الطريق ما زالت طويلة خاصة بعد أن اتجهت الأوضاع الاقتصادية للتردي ابتداء من السنوات الأخيرة للثمانينيات وما تعرض له الاقتصاد من هزات في النصف الأول من التسعينيات مما أدى إلى تراجع نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من حوالي 701 دولار إلى 318 دولاراً خلال الفترة 901995.."[19]

وما يقوله النص السابق هو ان الفقر ليس ظاهرة جديدة على اليمن وانه القاعدة وليس الاستثناء وان اليمنيين كانوا خلال معظم القرون فقراء. ويرجع النص السابق الفقر إلى شحة الموارد من ماء وأرض ووعورة التضاريس وضعف القدرات البشرية وعدم توفر عناصر الاستقرار السياسي.

ولا يشير النص السابق إلى ان كثير من الدول بما في ذلك المجاورة لليمن كانت في ماضيها تعاني ما تعاني منه اليمن اليوم ولكنها تمكنت من كسر دائرة الفقر والتخلف والأمية والمرض. كما ان النص لا يناقش أسباب ضعف القدرات البشرية وأسباب غياب الاستقرار السياسي ليس في الماضي ولكن في الحاضر اليمني. وتبدو إستراتيجية التخفيف من الفقر وكأنها تنطلق من المسلمات التالية: شحة الموارد المائية... قدر لا فكاك منه..محدودية الأرض الزراعية... قدر لا فكاك منه..صعوبة ووعورة التضاريس والطبيعة الجغرافية للبلاد... قدر لا بد منه..ضعف القدرات البشرية... خاصية وراثية لليمنيين..غياب الاستقرار السياسي خلال معظم القرون...حالة مزمنة لا يمكن عمل الكثير بشأنها..تردي الأوضاع الاقتصادية في نهاية الثمانينيات قدر لا مناص منه مثله مثل الزلازل والأعاصير التي تضرب العديد من دول العالم..الهزات التي تعرض لها الاقتصاد اليمني في بداية التسعينيات... قدرا لا بد منه..

وتتعدد أسباب الفقر في المجتمع اليمني. منها ما يتصل بالبيئة التي يعيش فيها الشخص الفقير.. ومنها ما يتصل بالفقير ذاته.. ومنها ما يتصل بالدولة والسياسات التي تتبعها. وفي حين تركز الحكومة عند الحديث عن الفقر على لوم الضحية—وهو في هذه الحالة الفقراء—حيث تتحدث عن كبر حجم الأسر، وضعف مهارات الأشخاص، وغيرها، سيتم التركيز هنا على الأسباب العامة للفقر والتي تمثل نتاج سياسات وممارسات وتوجهات رسمية داخلية وخارجية.

على الصعيد الداخلي، تم تركيز السلطة داخل الحزب الواحد، وفي داخل الحزب الواحد تم تركيز السلطة في يد الفرد الواحد. وأدى الفساد السياسي إلى تركيز السلطة في أيادي فئات سياسية واجتماعية معينة. وسمح للفئات المسيطرة سياسيا بالاستيلاء على الموارد العامة وعم الفساد البر والبحر. وتم تحويل المدارس والمستوصفات وأجهزة الدولة إلى نقاط يتم من إخلالها امتصاص دخول المواطنين وتحويلها إلى جيوب الفاسدين..تم تحويل التعليم إلى ضرب من ضروب الدعاية السياسية وإفراغه بالتالي من بعده المعرفي والمهاراتي. وقد انعكس ذلك التسييس للتعليم في التركيز على أعداد المدارس وأعداد الخريجين بدلا من التركيز على جودة التعليم.

واتصفت السياسات الاقتصادية والمالية الحكومية التي اتبعت ابتداء من عام 1995 بالعشوائية والتخبط والانتقائية ومعاداة الفقراء. وبدلا من ان تحقق تلك السياسات النمو الاقتصادي الكفيل بخلق فرص العمل وتحسين مستويات دخول الناس، أدت من خلال تخفيض الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية والمواد الغذائية بما في ذلك البر والدقيق، إلى توسيع رقعة الفقر وتعميقه. فقد أخذت تلك السياسات ما بجيوب الفقراء ووضعته في جيوب الفاسدين من مسئولي الدولة.

لقد قال المسئولون الحكوميون للناس في اليمن: اغمضوا عيونكم..فلما أغمضوا عيونهم، قالوا لهم: "سنسحب الدعم عن الدقيق والقمح وعن البترول والديزل وسنوجه المليارات التي سيتم توفيرها من سحب الدعم عن تلك السلع إلى بناء المصانع والمدارس والمستشفيات، ومحطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية والرياح والغاز، والمدن السكنية.. وسينمو الاقتصاد ويخلق فرص العمل ويتحسن الدخل..وعندما تفتحون عيونكم لن يهمكم ان كانت أسعار الغذاء والمحروقات قد زادت."

وظل الناس مغمضي العيون في انتظار المفاجأة. وطال الانتظار. وعندما فتح الناس أعينهم في النهاية لم يجدوا أمامهم، وخلفهم، وتحتهم، ومن فوق رؤؤسهم سوى الفقر. لقد ذهب كبار المسئولين بالثروة والوظائف والأراضي والمزارع والمنح الدراسية والرحلات العلاجية إلى الخارج..وتركوا للشعب الفقر..كان العالم قد انقسم إلى قسمين: قسم صغير يملك كل شيء من قصور ألف ليلة وليلة إلى الأراضي والمزارع والشركات والفنادق والحسابات ذات الأرقام الفلكية في الداخل والخارج؛ وقسم كبير لا يكاد دخله يفي بحاجته الأساسية من الغذاء والدواء والملبس.

وحيث ان النمو الاقتصادي المحدود الذي شهدته اليمن خلال السنوات الماضية قد كان، وما زال، مرتكزا على النفط فان ذلك النمو لم يؤد إلى تحسين أوضاع الفقراء وذلك لأن قطاع النفط لا يوظف سوى نسبة صغيرة من السكان ومن العمال المهرة الذين لا يأتون من الفئات الفقيرة. [20] ولم تؤد الزيادة في النفقات الحكومية، الناتجة عن زيادة عائدات النفط، إلى تحسين أوضاع الفقراء لان الإنفاق الحكومي تركز إما في المناطق الحضرية[21] أو في المناطق الريفية التي يسكنها السكان الأفضل حالا من الناحية الاقتصادية.

وقادت السياسات الخارجية لليمن إلى عزل البلاد وفقدانها في بعض السنوات للدعم الخارجي وتراجع ذلك الدعم في سنوات أخرى، والى طرد مئات الآلاف من العمال اليمنيين من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. وتحول اليمني في مطارات وموانئ وسفارات معظم الدول إلى مدان حتى يثبت براءاته..مدان بالإرهاب أو التخريب أو التهريب أو حتى التسول.

ولم يجد الناس أمامهم سوى صندوق الرعاية الاجتماعية الذي يمثل أهم الأدوات التي تحاول الحكومة من خلالها تخفيف الفقر. وقد وصل عدد المستفيدين من الصندوق في عام 2006 إلى حوالي مليون مستفيد وفقا لبيانات البنك الدولي. وتمكن الصندوق من الوصول في عام 2005 إلى حوالي 14% من ذوي الفقر الشديد أو 13% من الفقراء بشكل عام. أما الفئة المستهدفة من معونات الصندوق فلا يتم الوصول سوى ل8% منها.

وتتصف المعونات التي يقدمها الصندوق للفقراء والتي لا تتجاوز الألفين ريال للأسرة الواحدة (شريطة ان يكون عدد أفرادها بين ال5 وال7) في الشهر، وهو ما يساوي حوالي 10 دولارات، بالضآلة. وحتى إذا نفذت الحكومة وعودها ورفعت الدعم إلى 4 آلاف في الشهر (أي بمعدل 20 دولارا) فان ذلك لن يغير من الأمر شيئا في ظل الارتفاعات الهائلة في أسعار المواد الغذائية خلال الأعوام القليلة الماضية. ويشكو الفقراء من الفساد والخروقات في ممارسات الصندوق، ووجود اختلال في معايير تحديد المستفيدين، سيطرة المشايخ وذوي النفوذ على العملية وتسجيل أسرهم وأقاربهم كمستفيدين، عدم تغطية المستحقين الفعليين واضطرار الفقراء لدفع مبالغ مالية كرشاوي كي يتم ضمهم إلى كشوفات المستفيدين.."واحد باع غنمه علشان يسجلوه في الضمان." [22] ولعل ابرز المشاكل التي تحيط بالدعم المقدم للفقراء من قبل صندوق الضمان الاجتماعي هي ان جزءا كبيرا منه (وصل في عام 2005 إلى 47% من موارد الصندوق) يذهب إلى غير الفقراء. وبالنسبة لأثر صندوق الرعاية الاجتماعية في تخفيف الفقر، فيكاد ان يكون، وفقا للبنك الدولي، "معدوما."[23]

وفيما عدا صندوق الضمان الاجتماعي الذي يستهدف الفقراء بأنشطته، وتذهب أمواله على صعيد الممارسة إلى غير المحتاجين، فان هناك جمعيات الإصلاح وجمعية الصالح وغيرها من الجمعيات التي توزع الصدقات على الناس. وتحول كثير من اليمنيين من مواطنين لهم حقوق على مسئوليهم إلى بؤساء ينتظرون صدقات مسئوليهم وأحزابهم، وشفقة منظمات المجتمع المدني. وبات الكثير من الشباب ينتظرون قيام هذه الجمعية، أو تلك، أوهذه الشخصية أو تلك بتمويل زواج جماعي.

ويتطلب تخفيض نسبة الفقر في اليمن تحقيق نمو اقتصادي مستمر يزيد عن 5% سنويا وحدوث تحسن كبير في التعليم والخدمات وفي البنية التحتية. لكن الوصول إلى مثل ذلك المعدل من النمو الاقتصادي المستمر يتطلب حكومة غير الحكومة القائمة وسياسات غير السياسات التي يتم إتباعها.[24]

ومثل الغريق يتعلق المسئولون اليمنيون بقشة تصدير العمالة اليمنية إلى دول الخليج. وقد عبر عن ذلك الاتجاه الدكتور عبد الكريم الإرياني مستشار رئيس الجمهورية، نائب رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام والسياسي والاقتصادي المعروف في مقابلته مع قناة الحرة في سبتمبر 2008 حيث قال ان "الحل الأمثل لتفادي حدوث أزمات اخطر مما هي قائمة الآن في اليمن...هو ان تقتنع دول مجلس التعاون وليس فقط المملكة بان عليهم واجب ان يضعوا خطة لاستقبال العمالة اليمنية لكي لا يتدهور الوضع الاقتصادي ويؤدي إلى مشاكل اجتماعية وسياسية خطيرة ليست في مصلحة احد."[25] لكن الحل الذي يطرحه الإرياني ومعه الكثيرين في الحكومة اليمنية لا يبدو صعب التحقق فقط، ولكنه أيضا لا يمثل حلا ناجعا بقدر ما يمثل هروبا من المشكلة. لقد تم تجريب ذلك الحل عندما فتحت السعودية حدودها لليمنيين خلال ستينيات، سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، ثم أثبتت الأيام فشله.



[1] بالنسبة للأرقام، انظر: وزارة التخطيط والتعاون الدولي، "إستراتيجية التخفيف من الفقر"، www.mpic-yemen.org/2006/prsp/Arabic/main_page/reports5.html

[2] "الأخدام..احياء في نهار الشوارع..اموات في صفيح الليل"، ايلاف، العدد (53)، 26 أغسطس 2008 ، 15

[3] وزارة التخطيط والتعاون الدولي، خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر 2006-2010، أغسطس 2006، 124

[4] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقييم الفقر، نوفمبر 2007.

[5] "الأطفال يواجهون المستقبل في اليمن"، unicef.org، 17 مارس 2008.

[6] وليد عبد الواسع، "يتبركون الخلاص بالإغراء"، الأسبوع، العدد (391)، 10 يوليو 2008، 4

[7] "دراسة حديثة..100 الف متسول بالسعودية معظمهم من اليمن وامن حجة يضبط مهرب اطفال"، نيوز يمن newsyemen.net، 16 سبتمبر 2008

[8] "معضلة تهريب الأطفال بن اليمن والسعودية" Swissinfo.ch ، 4 سبتمبر 2005.

[9] المرجع السابق.

[10] المرجع السابق.

[11] "دراسة تكشف اسباب الزواج السياحي في اليمن." almotamar.net ، الأربعاء 1 يونيو 2005.

[12] علي الفقيه، "الفقر سبب رئيسي لزيادة حوادث الانتحار بين اليمنيين"، الثوري، 8/9/2005، 3

[13] معاذ منصر، "المسيمير ..حيث يقرر الناس الانتحار هربا من الجوع"، الشارع، العدد (60)، 9 أغسطس 2008، 3

[14] وزارة التخطيط والتعاون الدولي، "إستراتيجية التخفيف من الفقر"، www.mpic-yemen.org/2006/prsp/Arabic/main_page/reports5.html

[15] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقييم الفقر، نوفمبر 2007.

[16] المرجع السابق.

[17] وزارة التخطيط والتعاون الدولي، "إستراتيجية التخفيف من الفقر"، www.mpic-yemen.org/2006/prsp/Arabic/main_page/reports5.html

[18] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقييم الفقر، نوفمبر 2007.

[19] وزارة التخطيط والتعاون الدولي، "إستراتيجية التخفيف من الفقر"، www.mpic-yemen.org/2006/prsp/Arabic/main_page/reports5.html

[20] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقييم الفقر، نوفمبر 2007.

[21] المرجع السابق.

[22] وزارة التخطيط والتعاون الدولي، "إستراتيجية التخفيف من الفقر"، www.mpic-yemen.org/2006/prsp/Arabic/main_page/reports5.html

[23] برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقييم الفقر، نوفمبر 2007.

[24] World Bank, Economic growth in the Republic of Yemen: sources, constraints, and potentials, Volume 1, 2002

[25] "الإرياني: أي شخص يحكم اليمن لا يمكن له تجاهل شخصيات الشطر الجنوبي سابقا لإن ذلك سيكون خطأ تاريخيا"، الوسط، العدد (208)، 10 سبتمبر 2008، 15

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق