الجمعة، 19 يونيو 2009

خروج البيض عن صمته


عندما سألت مقدمة برنامج "30 دقيقة" في قناة الحرة الأستاذ علي سالم البيض أول نائب لرئيس الجمهورية اليمنية التي اعلنت في عام 1990 "كيف ترى بأنه يمكن التأثير على الحركة السلمية كما تقولون في اليمن الجنوبي من الخارج هل سيكون لديكم فعلا الكلمة واليد وإعطاء الزخم للحركة السلمية ...أن تتقدم نحو المسعى الذي تريدون؟" اجابها بقوله " الحراك السلمي ليس من الخارج نحنا نحصل الزخم والقوة من الحراك السلمي في الداخل هذا الحقيقة نحنا انعكاس لما هو موجود في الداخل هو ليس العكس.."
ويعرف المتتبع للشأن السياسي اليمني جيدا ان البيض، الذي لعب دورا محوريا كما تقول معظم الشهادات في قيام الوحدة اليمنية، كان صادقا في اجابته. فالشخص الذي يمارس السياسة كما ينظم الشعراء القصائد لم يخرج عن صمته بسهولة ولا بارادته الذاتية. ولو كان ينتمي الى ذلك النوع من الساسة الباحثين عن ادوار أو الساعين للانتقام واثارة المشاكل ما كان تخلى عن قيادة حزب ونظام ودولة وقبل بدور الرجل الثاني في دولة الوحدة وتولى منصب لم يذكر حتى في الدستور الذي قامت على اساسه الدولة الجديدة، ولما ظل صامتا 15 عشر عاما بعد اخراجه من الوطن الذي عمل على ان يجعله كبيرا وقويا.
لقد فرض الخروج على البيض هذه المرة تماما كما فرضت عليه حرب عام 1994 وكما فرض عليه قرار فك الإرتباط حينها. وربما لم يكن لدى البيض قناعة باي من تلك القرارات. والقرار الوحيد الذي عبر عن البيض، السياسي المتصوف والوطني الحالم، هو قرار الوحدة والديمقراطية. وبشهادة الرئيس علي عبد الله صالح نفسه فانه "لولا البيض لما تحققت الوحدة."
كان البيض قد قال اثناء أزمة عام 1994 ، وفي ادراك عميق للوضع السياسي، بان توحيد اليمنين مثل كرع الماء الذي لا يمكن بعد ذلك لملمته واعادته الى الوعاء. وعقب انتهاء الحرب لم يكابر واعلن مسئوليته عن قراري الوحدة في عام 1990 والإنفصال في عام 1994. فعل ذلك قبل ان يبدأ بعض شركائه في لومه وتحميله المسئولية. ثم أعلن بعد ذلك اعتزال العمل السياسي واستكان الى حياته الخاصة ل15 عاما. لم ينضم الى معارضة لندن التي انتظمت في حركة موج التي ترأسها الأستاذ عبدالرحمن الجفري رئيس حزب رابطة ابناء اليمن، ولم يقم باي نشاط سياسي في السر أو في العلن. يقول البيض في ذات المقابلة مع قناة الحرة "لم ننطق بكلمة واحدة اليوم نحن بعد خمسة عشر سنه مضطرين على ضوء ما يدور في الجنوب ]للخروج["
ومورست على البيض الكثير من الضغوط . وخلال سنتين من الحراك في الجنوب ظلت المواقع والمنتديات وحتى الصحف تلوك اخبارا مكررة عن خروج البيض عن صمته وعودته الى الحلبه..عن القائه خطابا في ذكرى الإستقلال، عن توجهه الى لندن، وعن لقائه بالأصنج والعطاس، وعن الكثير من الأمور التي لم تحدث ولم تكن سوى بعض وسائل الضغط على البيض للخروج عن صمته. ووصل الأمر الى حد نشر مقابلات لم تحدث مع البيض. وشغلت بعض المواقع والصحف المحسوبة على النظام الحاكم في صنعاء نفسها في الحديث عن زواج ابنته وتكاليفه الباذخة وفي محاولة واضحة للضغط عليه كي يخرج عن صمته وينفق الأموال على الحراك الجنوبي بدلا من انفاقها على زفاف ابنته.
وكانت صور البيض حاضرة في مختلف فعاليات الحراك منذ البداية. وكان هناك دائما ذلك الشعور بالذنب ..ذنب المسئولية عن كل ما حدث للجنوب بما في ذلك تحقيق الوحدة. ذلك الشعور بالذنب والزن الذي مورس ضد البيض لسنتين جعله يخرج.. يقول البيض في نفس المقابلة "لا يمكن أن أترك أهلي في السجون يموتون في الشوارع وأنا أظل ساكت في عمان." لا بد للانسان ان يكمل ما بدأ ولا بد للرحلة ان تستمر.
ولعل البيض (من مواليد محافظة حضرموت في شرق اليمن في عام 1939) الذي يضع قدمه على عتبة العقد السابع من عمره لم يفكر في احتمالات النجاح أو الفشل لإن ذلك لم يعد يهم كثيرا. لقد خرج البيض لإن هناك من اراد منه الخروج من صمته ولإنه اقتنع بان الخروج في حد ذاته هو الدور المطلوب منه والمفروض عليه والذي لا يستطيع منه فكاكا. لقد قاد علي سالم البيض الشارع الجنوبي الى الوحدة. وهاهو الشارع الجنوبي يقود البيض ومعه اليمن من اقصى شماله الى اقصى جنوبه الى المجهول. وحين يفقد الإنسان الوطن البديل بعد ان فقد الوطن الأم لا يكون امامه سوى ان يمضي قدما ودون ان يلتفت يمنة أو يسرة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق